فجرُ عهدٍ جديد

ليسَ منْ يكتُبُ للَّهو كَمَنْ يكتُبُ للحقيقة
الدكتور داهش

الإفتتاحيّة

بين الواقع والأمل

بعد ثلاثة أشهر، سينتهي هذا العام معلناً بدأ عامٍ جديدٍ مليئٍ بالأمل والرجاء. ولكن مهلاً، ها هي السنوات تمرّ ونحن دوماً نتأملّ ونرجو منها، أمّا هي فتقابلنا كل مرّة بخيبات الأمل واحدةٍ تلو الأخرى. وهذا العام ليس باستثناء.

فهل يعقل أن يوجد أيّ تبريرٍ لقتل الأطفال الأبرياء والمدنيين؟

السياسيون يسارعون إلى تبرير ما يروْنه بأمّ العين بحجّة الدفاع عن النفس.

فكيف يُبرِّرون إذاً إختطاف الأولاد ثم تجنيدهم رغماً عنهم بعد التهديد بقتل عائلاتهم… اغتصاب الفتيات والنساء… الحروب التي تُشنّ للاستيلاء على أراضي الآخرين… التجويع المتعمّد…. فرض القوانين القمعية بهدف التحكّم بعامّة الناس بإسم الدين… التدمير المنهجي للغابات والطبيعة من حيوان ونبات من أجل الربح المادي…تجاهل التحذيرات المستمرّة التي يصدرها العلماء من أن الاستهلاك المفرط للوقود المعتمد على الكربون مضرّ بالكوكب ويسبب التغيير المناخي… هوس بعض المدنيين بامتلاك الأسلحة النارية الآلية ممّا أدّى إلى الكثير من عمليات القتل الجماعي التي استهدفت العديد من الأطفال… الارتفاع الخطير لعدد الأنظمة الاستبدادية في العديد من البلدان… الانقسامات الحادة في البيئات السياسية جرّاء الأكاذيب والأخبارالمزيفة… طمس الخطوط الفاصلة بين الحقيقة والزور… الإثراء غير المشروع وجشع الاغنياء… وما إلى ذلك!

ماذا حلّ بمبادئ التعاطف والمحبّة والاحترام والتعاون والتسامح التي تدعو إليها جميع الأديان الكبرى؟

لماذا الإمعان في تحدّي وعصيان أبسط القواعد السماوية واستبدالها بقواعد أرضية ومادية ؟

ولكن رغم الشعور بالاشمئزاز والإحباط جرّاء ما يحصل حولنا، ليس كل شيء قاتماً ويائساً، فهناك العديد من الأعمال الخيرية والإنسانية التي يقوم بها أفراد أو مجموعات لمساعدة الآخرين… العلماء المتفانون المكرّسون حياتهم لإيجاد علاجٍ للأمراض…… جمعيات حماية البيئة والرفق بالحيوان… الفرق الطبية التي تسافر إلى المناطق المنكوبة جرّاء الحروب أو الأمراض … المعلّمون والمعلّمات الذين يبذلون جهوداً إضافية لمساعدة طلاّبهم… الأغنياء الذين يتبرّعون للفقراء بصدقٍ ودون مقابل…. صانعي السلام… السامريون الصالحون الذين لا يترددون في مساعدة الغرباء … وما إلى ذلك!

إنّ سلبيّات الحياة التي تحيطنا دائماً وأبداً هي تذكيرٌ دائمٌ لنا جميعاً بأننا بحاجةٍ إلى بذل المزيد من الجهود لتغيير واقع الحال وإيقاظ الوعي والضمير لدى الناس… أن نلمس شغاف قلوبهم ونحثّهم على إعادة النظر في تصرّفاتهم… أن نقود بالقدوة… أن نعيش بصدقٍ تلك التعاليم الروحية التي وضعها لنا الأنبياء… أن ندرك جميعاً أن حالنا واحد وقدرنا واحد، أمّا مصيرنا الفردي فمرتبطٌ مباشرة بأعمالنا وسلوكنا … أن لا نتردّد أو نحيد قيد أنملة عن مناصرة الحق… وأن نكون مليئين بالأمل، لأنه بدون الأمل تصبح هذه الحياة عبئاً لا يحتمل.

نأمل أن تترك المواضيع والقضايا التي قدمناها في هذا العدد أثراً جميلاً في النفوس ودافعاً نحو التقدم الأخلاقي والرقي الروحي.

هيئة التحرير

 

إقرأ أكثر

الداهشيّة

الدكتور داهش

حياة مؤسّس الداهشيَّة

قصصٌ غريبة

صفحة مجهولة من غرام الامبراطور نابليون

مُختارات

فقاقيع

أعمال أدبيَّة

نشيد مؤمن

نشيد مؤمن

بقلم الدكتور داهش

سبِّحي الله، ( أيَّتها الأفلاك) السابحة في أقاصي السماوات!

واشدي بعجائبه، أيَّتها ( الريح) الطوَّاقة في أرجاء هذا الكون الشاسع!

و حدِّثي بمعجزاته الخالدة، أيَّتها (الشمس) البهيَّة!

و أشرف، أيُّها ( البدر)، من عليائك،

واسكب على أرضنا أضواءك  الشعرية!

و رنِّمي أيَّتها ( الطيور) ترانيم الغبطة الهنيَّة للعزَّة الإلهيَّة!

واصدحي يا بلابل الغاب!

واطربي، و اثملي، في كلِّ فجرٍ و عشية!

و تيهي يا أزهار الحقول بخيلاء!…

و أنت ترتدين حُللك القرمزية!

و أنت أيُّها ( الكون) العنيف، الصخَّاب، الهدَّار!

إخشع أمام خالق الأكوان القدير الجبَّار!

و تغنِّي ، أيَّتها( العوالم) المعروفة و المجهولة بصنعِ يديه!

                   *                  *                  *

و لتصمت ( الملائكة)،

و لتخشع ( الارواح) ، و لتستكن ( العناصر)،

و ليغمر هذا ( العالم) صمتٌ عميقٌ أخرس،

و ليبق في خشوعه، و صمته السحيق السائد،

حتى أنتهي من ترديد نشيدي للخالق!

 

بيروت، صباح 22 كانون الثاني 1943

إقرأ أكثر

فقاقيع

بقلم الدكتور داهش

          خلوت إلى نفسي، واستعرضت أسماء بعض من يطلقون عليهم في عالمنا الفاني لقب (العظماء). فمن رعمسيس إلى نبوخذنصر، فنابليون بونابرت، إلى الإسكندر الكبير، فداريوس الفارسي، فتيطس، فأغسطس قيصر، فجنكيزخان، فتيمورلنك، فهولاكو، فهتلر، فموسيليني، فستالين، وغيرهم من كبار القادة والفاتحين…جميع هؤلاء مروا في كرتنا الأرضية مر السحاب العابر!

          وأنا أشبههم بالفقاقيع التي تطفو إحداها على سطح الماء لفترة ثم يفجرها الهواء فتتلاشى بلحظة عابرة…وهكذا بقية الفقاعات التي تتفجر وتتلاشى بعضها إثر بعض!

فلماذا لماذا حاول الإسكندر اغتصاب العالم،وما الفائدة التي كان يرجوها حتى لو استعمر الكرة الأرضية بأسرها؟!أوليست نهايته الموت، والموت نهاية كل حي؟!

وكذلك بقية زملائه الفاتحين!…

          وماذا لو تملكوا الأرض وما فيها بمن فيها ما دام مصيرهم إلى فناء ووجودهم إلى زوال!

          إن المادة قد أخفت الحقيقة عنهم،وأطماعهم كانت ستاراً حديدياً تحتجب الحقيقة وراء حديده الرهيب.

          إن ذكرى هؤلاء الذين دوّن التاريخ أسماءهم كعظمة تضمحّل،وتتلاشى معها هذه العظمة الكاذبة فوراً، عندما يذكر اسم المسيح أو محمد أو موسى أو بوذا، هؤلاء الأنبياء والهداة مؤسسي الأديان، والمبشرين بالإخوة الإنسانية.

فلا رصاص حاصد للأرواح، ولا مدافع تمزق الأشلاء فيعلو النحيب ويتصاعد النواح، ولا طائرات حربية تذهب بالرجال إلى عالم الأشباح…بل حب شامل، وعطف كامل، وأيد تصافح أيدياً بالأكف والأنامل.

          الأنبياء فقط ليسوا بفقاقيع، فهم رسل الله البصير السميع.

          فذكرهم يملأ دنيانا ويضفي عليها برداً وسلاماً.

      هؤلاء هم العظماء ، وعظمتهم الروحية خالدة خلود الأبد. إذاً فليصمت الفقاقيع بعدما تجندلوا وتجندلت نعهم أطماعهم، فاندثرت عند ذاك أحلامهم. وإن خلدها لهم التاريخ فإنه تاريخ الإنسان المحدود التفكير.

      وحيّا الله مؤسِّسي الأديان الذين يقودون الإنسان إلى الإيمانِ الذي سيدعه يرتع في جناتِ النعيم.

جيبوتي 17/11/1970

الساعة 12 ونصف بعد الظهر

 

إقرأ أكثر

صفحة مجهولة من غرام الامبراطور نابليون

بقلم الدكتور داهش

عاد نابليون ظافراً مكللاً بالغار، و ذلك بعد فراره من جزيرة ألبا، إذ إن الجيش الذاهب للقبض عليه ألقى سلاحه عند قدمي أمبراطوره، و حمله على الأكتاف.

فعاد إلى عاصمته بطلاً صنديداً لا يقف بوجهه مغامر.

و أقيمت حفلات التكريم له، و أولمت وليمة دعي إليها عظماء المملكة و كبار ضباط الجيش.

وممن حضروا الوليمة الشيد هنري كوتيه وابنته اللعوب بوليت ذات التسعة عشر ربيعاً.

كانت بوليت رائعة الجمال، ريانة الصبا، ذات عينين دعجاوين ينبعث السحر منهما. و إذا ابتسمت قتلت لفتنتها العجيبة! و قد لفتت الأنظار بشعرها المتهدل الاخاذ المنسدل على كتفيها الرائعتين! و جلست مع الجالسين ينتظرون قدوم أمبراطورهم العظيم.

 

قدوم الأمبراطور

 

وعزفت موسيقى الترحيب بمقدم الأمبراطور تحف به حاشيته و قد ارتدوا أفخر ما لديهم من حلل مزركشة موشاة برتبهم العسكرية.

فنهض الجميع  إجلالاً له. فحيَّاهم مُبتسماً برفع يده، ثم عاد فأدخلها تحت معطفه. وبعد تناول الطعام سمح الامبراطور بافتتاح حلبة الرقص.

 و عزفت الموسيقى…وعلى أنغامها اهتزَّت الخصور، و عقدت الأصابع.

 

بوليت الفاتنة

 

وحانت التفاتة من الأمبراطور إلى حيث تجلس بوليت، فبهره جمالها الأخاذ و سأل من تكون هذه الصبية؟

-إنها بوليت، يا مولاي، وهي ابنة هنري كوتيه مدير بنك الاعتماد الاقتصادي، و هي وحيدته.

فهزّ الإمبراطور  رأسه و غيّر مجرى الحديث.

وانتهت المأدبة، و توقف الرقص، وانصرف الجميع إلى منازلهم.

 

نابليون وحلمه العجيب

استغرق نابليون بونابرت بالتفكير العميق، فقد شغلت هذه الحسناء أفكاره، و لم يستطع النوم.

-يا الله! هي هي بنفسها! فهذه الحقيقة أغرب من الخيال!

لقد شاهدتها مراراً في أحلامي وكنت أظنّ انها أضغاث أحلام، فإذا بها حقيقة مجسَّدة! و ليل الأمس شاهدتها بأثناء نوم وهي تغالب الأمواج و برفقتها فتاة، و الأمواج تغالبهما، ثم انقلب الزورق بهما وابتلعهما اليمّ و هي تقبّل صورة بيدها لم أتبيّن معالمها. و العجب بالأمر أنني شاهدت نفسي طائراً فوق جثتيهما و الأمواج ترتفع كالجبال! ترى، ماذا يعني ما شاهدت في حلمي العجيب.

 

الإمبراطور يتنكَّر

 

لقد طار النوم من عيني الإمبراطور ولم يستطع إليه سبيلاً، فنهض وارتدى ثيابه و تنكر.

وعندما حاول الخروج تبعه حارسه الذي لا يفارق له ظلاًّ.

-مولاي أنا خادمك الأمين، مُرني فأطيع.

-رافقني من بعد، و إيَّاك أن تُعلم أي مخلوق عن زيارتي الليلية هذه طوال حياتك.

-أقسم لك بخالقي و بشرفي العسكري على أن هذا السر سيرافقني للقبر يا مولاي العظيم.

وسار الإمبراطور  وهو يعتلي فرسه، و حارسه أتبع له من ظلّه.

 

مفاجأة مذهلة

 

وأخيراً وصلا إلى منزل متوسط الكبر تحيط به حديقة صغيرة، و قرع الأمبراطور الجرس، وانتظر ، فلم يفتح الباب. فأعاد قرعه ثانية و ثالثة و رابعة، إذ كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل.

و اخيراً فُتح الباب، و سمع صوت يقول:

-من هذا الطارق الثقيل في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟

ولحسن الحظ كان من فتح الباب – السيد كوتيه-إذ إن الخادمة ذهبت إلى منزلها قبل ساعات لحادث طارئ في بيتها. و ما شاهد السيد كوتيه وجه زائره حتى فغر فاه من الدهشة، و ذهل من هذه المفاجأة الصاعقة غير المنتظرة و صاح:

-مولاي مولاي، أغفر لي زلّتي، أغفر كلمتي- الثقيلة- فأنا يا مولاي لو زارني الملاك جبرائيل لما فوجئت بزيارته كمفاجأتي بزيارتك لمنزلي المتواضع. فهذا شرف عظيم لا تأتي الأيام بمثله.

وتنحّى مُفسحاً له الطريق. فدخل الامبراطور المنزل يرافقه حارسه، و قد اشأبّ شارباه كعلامة لرجولته. و قال الإمبراطور لحارسه:

-انتظرني في هذه الغرفة.

و أكمل سيره مع السيد كوتيه إلى الصالون الانيق.

 

بوليت الجميلة تذهل

 

وما كاد يجلس حتى دخلت بوليت الجميلة و هي تعرك عينيها  أيقظتها الأصوات المتصاعدة. و ما شاهدت الأمبراطور حتى جحظت عيناها، و بدت الدهشة العظمى على وجهها فغيَّرت ملامحها.

-مولاي نحن لا نستحق زيارتك لمنزلنا. فأنت أعظم عظيم في كل  أوروبا، ونحن عاديون. إن شرف عظيم لنا ستخلّده الأيَّام.

 

والد يتجلبب بالشرف الأثيل

 

وانسحب والدها إذ عرف بالبديهة سبب زيارة الأمبراطور لمنزله، و أن ابنته ستلعب دوراً بارزاً في حياة الأمبراطور معبود فرنسا.

 

دهشة بوليت العظمى

 

-بوليت إن عظماء أوروبا بأسرها يزحفون وهم يسعون لمقابلتي. و أنا أتيت لمنزلك لأجل الاجتماع بك. أو تدرين، يا بوليت، أنك استوليت على تفكيري مُذ شاهدتك في المأدبة الامراطورية ؟ و هل تعلمين أنني ما استطعت النوم إطلاقاً و انا أفكر بك! و ستدهشين إذا أكدت لك أنني شاهدتك مراراً و تكراراً في منامي. و الآن أصبحت الاحلام حقيقة واقعة بعدما شاهدتك بالمأدبة فذهلت!

-مولاي ماذا أسمع؟ مولاي، هل أنا في حالة يقظة واقعية أم تراني أشاهد حلماً سيزول ويتبدَّد في حال يقظتي!… أكاد أجن، أكاد أفقد عقلي…ساعدني، يا إلهي، فقد اختلط عليّ الأمر!

 

وكان ما كان مما لست أذكره

 

و جثت امام نابليون، فأنهضها و قبّل يدها بشغف ووله عظيمين. ثم أمسك كلتا يديها، و نظر إلى عينيها طويلاً وهو يتملاَّهما بلذَّة ووجد فائقين. و كانت بوليت  ترتجف من الفرح، ومن الدهشة المثيرة، وما عتمت أن قالت له بصوت خافت:

-إنني احبك بكلّ ما تعنيه كلمة الحب، و أشعر بأنني لن أستطيع الحياة بدونك، بعد اليوم فكلمة منك تحييني، و كلمة أخرى تميتني.

-وأنت يا بوليت، لن أشعر بالسعادة بدونك. فمنذ هذه الدقيقة أصبحت مُديناً لك بسعادتي.

والتقت الشفاه…وكانت قبلة ثائرة…قبلة مجنونة…قبلة مذهلة لا يمكن لقلم أن يصف مقدار لذَّتها العظمى…واستسلمت بولت للأمبراطور بكلّ ما لديها من أنوثة مغرية.

 

بوليت تقسم أنها ستكتم

 

غادر الأمبراطور منزل معبودته ومالكة لبّه في الساعة الخامسة فجراً يتبعه فارسه الأمين. و عاد إلى قصره وهو سعيد بما حقَّقه في ليلته هذه.

وقبل مغادرته لمنزل السيد كوتيه جعل حبيبته تقسم له بربِّ السماء على أن تكتم علاقته بها كتماناً تامَّاً لأسباب ذكرها لها، مؤكداً لبوليت أن هذه الأسباب تراءت له بالحلم. فقد قال له الصوت بأثناء نومه:

-إذا لم تتقيد بما فهمتك  عنه، إذ ذاك تفقد عرشك وينتهي  أمرك. فوعدته بولت بكتمان الأمر طوال حياتها.

 

 

واترلو أزالت مجد نابليون

 

وتكررت انتصارات نابليون، فخضع ممالك، و أزال عروشاً و أذلّ شعوباً، و أباد جيوشاً، و رفع أقواماً، و خفض آخرين.

و أخيراً كانت معركة واترلو هذه المعركة التاريخية المشؤومة عليه، و التي ذهب ضحيتها خمسون ألف قتيل من الطرفين. كما كانت السبب في فقده لعرشه واضمحلال ملكه، ثم نفيه إلى جزيرة سانت هيلانة.

وهناك ذاق الأمبراطور الامرّين من حاكم الجزيرة النائية هدصن لو، و هذا الحاكم الإنجليزي الحلف الذي جافى الأمبراطور العظيم الذي قلب له القدر ظهر المجنّ بعد ذلك المجد الباذخ.

أما بولت فكادت تجنّ و تفقد عقلها لهول المصاب الفادح الذي أصاب منها مقتلاً.

ففي إحدى الليالي استقلَّت زورقاً استأجرته، واصطحبت ابنتها من نابليون، وانطلقت فيه بعرض البحر تريد أن تذهب إلى جزيرة سانت هيلانة حيث أسد فرنسا  سجين الإنكليز.

لكن القدر القاسي كان لها بالمرصاد، إذ اهتاجت الأمواج و أرغت و أزبدت لهبوب عاصفة عنيفة. و بلحظة انكفأ القارب بطناً لظهر، و ابتلع  البحر في أعماقه بولت الفاتنة وابنتها هنريت.

ومن أغرب الغرائب و أعجب العجائب أن موت بولت وابنتها وقع في اللحظة نفسها التي انطلقت فيها روح الأمبراطور العظيم!

فيا لسخرية الأقدار!

 

واشنطن الساعة الثامنة

من صباح 4/3/1976

 

إقرأ أكثر

حياة الدكتور داهش

الدكتور غازي براكس.

في القدس , مدينة الانبياء , ولد الدكتور داهش , في مطلع حزيران سنة 1909

والده موسى الياس اليشي (نسبة الى اليشع النبي) ,و والدته شموني ابنة حنا مراد كانون .عاشا , قبل زواجهما , في ما  بين النهرين , الاب في بلدة افسس , و الام في بلدة ازخ, و كانا ينتميان للطائفة السريانية , تلك الطائفة التي تتكلم الآرمية, لغة المسيح , حسب كثيرين من المؤرخين.

ثم اعتنق موسى البروتستنتية , و أنشأ مدرسة, في مسقط رأسه , انصرف فيه الى تعليم الناشئة بنفسه.

و كانت شموني احدى تلميذاته, فاجتذبت نظره باستقامتها و ذكائها ,فمال قلبه اليها, و اقترن بها بعد ان اعتنقت البروتستانتية بدورها.

      و تشاورا فيما يسميناه, فقرّ رأيهما على ان يفتح الوالد الكتاب المقدس , عفويا , ويضع اصبعه , دونما نظر , على احدى الصفحتين. و اذا بأنمله على عبارة وردت في العهد القديم:” فولدت ابنا , فدعاه سليمان, و أحبَّه الرب ” (سفر الملوك الثاني 12:24). فسميا طفلها سليمان , ثم خففا اسمه , فصار (سليم).

وما ان أخذ الصبي يدرج, حتى ترك والداه القدس الى حيفا. وعام 1911 انتقلا, مع أولادهما , الى بيروت, حيث سكنوا في حي المصيطبة, بملك جرجي ناصيف.

و في فلسطين , حُرِّف اسم العائلة من (اليشي) الى (العشي) مثلما يجري في كثير من الأسماء. وجرى هذا التحريف قبل ولادة الصبي.

وهكذا اصبحت الاسرة النازحة عربية اللسان, بروتستانتية المذهب, وبعد عشرة أعوام ستصبح لبنانية الجنسيَّة.

المعجزة الاولى: في المهد تكلم:

كان الطفل ما يزال في المهد , عندما اصابه مرض عضال . فقلق عليه والده الذي كان يعمل في مطبعة الجامعة الاميركية ببيروت, واتَّصل بطبيب اميركي اسمه الدكتور سميث.فحضر, و وجد الطفل في غيبوبة , فعالجه بالعقاقير حتى يستردّ وعيه , لكنه فشل. و اذ بدأ اليأس يتسرَّب الى نفس الام , و هم الطبيب بالإنصراف , نهض الطفل فجأة , و قد شُفي بصورة عجائبية , واخذ يتحدَّث الى الطبيب الاميركي , بالانكليزية بطلاقة عجيبة, ذاكرا له الدواء الذي كان عليه ان يعالجه به؛ علماً بأن الطفل ابن الاعوام الثلاثة لم يكن ليجيد الكلام حتى بالعربية. فكان عجب الطبيب أعظم من عجب والديه فسأل الطفل: ” ولكن كيف عرفت الداء والدواء؟” فأجابه:”أنا دواء كل داء.” فازدادت دهشة الطبيب ولكنه لم يفهم شيئاً من حقيقة الطفل, و راح يحدّث معارفه بما رأى و سمع.

تكلُّمه بالهندية:

حدثني رجال مسنُّون كانوا يعيشون , في محلة المصيطبة ببيروت , قبيل الحرب العالمية الاولى , و بينهم السيد انطوان بارود , انهم بينما كانوا واقفين في تلك المحلَّة يتحادثون , اذا برجل غريب يمرّ فيطرح عليهم اسئلة بلغة لم يفهموها , فيلتف الناس حوله , يحاولون التفاهم معه , دونما جدوى.

و اذا بصبي في حوالي الخامسة من عمره , يدخل بينهم , متقدما الى الرجل الغريب الزي و اللسان, و يروح يحدثه بطلاقة بالغة نفسها التي كان يتكلم بها. و تبدو علامات السرور على وجه الغريب, فيشكر الطفل ويمضي في سبيله, بينما تأخذ الدهشة الناس ؛ فيسألون الطفل  كيف استطاع ان يتفاهم معه, و بأية لغة؟

فيجيبهم: “إنه هندي ضلَّ الطريق,  فهديته اليها.”

فيقولون له مُتعجبين:

– كيف استطعت هدايته الى الطريق الصحيح وأنت ولد صغير تجهل الطرق

ولا تجيد الكلام حتى بالعربية؟

فيجيبهم:

  • انا الطريق, وانا الهداية.

و يسأل الناس المدهوشون الصبي عن اسمه , فيعرفون انه سليم العشي.

الصيد الاعجازي:

روى لي السيد انطوان بارود انه , بعيد الحرب العالمية الاولى , قصد شاطىء بيروت , صباحا , يبتغي صيد السمك . فأمضى ساعات و هو يلقي شبكته , في البحر , ثم يخرجها فارغة.

و فيما هو يهم بالعودة الى منزله , يائسا , اذا بصبي في حوالي الحادية عشرة من عمره ,يقفز على رمال الشاطىء متقدما اليه. فنصحه بأن يلقي شباكه في مكان عينه له , لكن الصيَّاد رفض , مؤكدا انه القى شباكه في المكان نفسه مرارا  , كما القى شِصَّه تكراراً,  و لم يظفر بشيء.

و اذ الح الصبي عليه, القى السيد بارود شِصَّه اولاً ثم شبكته, فكان الصيد وافراً. و اعاد الكرة ,مرارا , فكان يخرج بصيد وافر , كل مرة ,حتى استولت عليه الدهشة. وكان الصبي جاره في محلة المصيطبة, لكنه قلما كان يلتقيه. فتذكر اذ ذاك تكلمه بالهندية قبل بضع سنوات, وأخذ يتتبع اخباره باهتمام.

الشفاء العجائبي:

 

فيما كان المسيحيون من اهالي محلة المصيطبة يحتفلون بعيد مارالياس (ايليا النبي) سنة 1920 , اذا بأحد الصبية يذهب و يجيء بسرعة , على دراجة , بين الناس, في الشارع. و فجأة يحدث له اصطدام , فيسقط ارضا , و يجرح , وتصاب دراجته بالتواءات؛ فيأخذ بالعويل.

ويهرع الناس نحو الجريح وهو يبكي ويستغيث, فيُمرُّ يده عليه قائلا له:

– قم , و اذهب الى بيتك بسلامة. شفيت جروحك بإذن الله.

وكان شهود هذه الخارقة كثيرين , بينهم افراد من آل بارود وآل الاشقر وآل بيضا. وقد ظلوا يتحدثون بهم طويلاً وهم في حيرة وبلبلة من أمر القوة العجائبية التي يتمتع بها الفتى الذي يسكن حيَّهم.

اليتيم المعذب:

في 25 كانون الاول سنة 1920 , توفي والد الطفل المعجز, بعد ان اصيب بالسل, و اعيا داؤه الاطباء , فدفن في مصح هملن , في الشبانية (لبنان).

فوضع سليم و شقيقته الصغرى انتوانيت في مدرسة للأيتام تابعة للإرسالية الامريكية في غزير, احدى قرى لبنان.

لكن الصبي ساءت صحته , بعد مضي اشهر قليلة , فترك المدرسة , و كان اخر عهده بها.

و قد لازمه داء الربو حوالي ثلاث سنوات, حتى قارب الموت , لكن العناية الالهية انقذته و عافته.

و روى رفاقه ومعلموه ـــ منهم جورج شيخاني وحبيب كوراني ـــ معجزات و نبوءات كثيرة قام بها, في المدة القصيرة التي امضاها بينهم.

الفتى الشغوف بالمعرفة:

كان سليم شغوفا بالمعرفة ,لكن وضع اسرته الاقتصادي لم يسمح له بمتابعة دروسه في مدرسة كبيرة , و لا بإبتياع الكتب. فما ان تحسنت صحته مع بداية عام 1923 , حتى اخذ يستأجر الكتب من المكتبات ,فيطالعها و يطيل السهر عليها . فحصَّل مع الزمن معرفة واسعة شاملة بنفسه دونما استعانة بأحد. وفي 7/3/1923, حصل سليم على تذكرة هوية الجنسية اللبنانية, بعد ان حازتها والدته قبل عامين.

عينان تشعان نوراً:

ذات ليلة من عام 1923, اطال الفتى العجيب سهره , في منزل خالته بالقدس , وهو يطالع احد الكتب المقدسة. فما كان من خالته الامية الا ان اسرعت و اطفأت قنديل الكاز الذي يستضيء به, ودعته الى النوم , حرصا على صحته و على زيت الانارة.

امتثل الفتى لرغبتها .لكن , لم يمضي هزيع من الليل , حتى استيقظت الخالة , فرأت نورا يضيء زاوية الغرفة  , و الفتى جالس يقرأ. فنهضت مغضبة , و في نيتها اطفاء القنديل و إخفاؤه , و ايقظت زوجها , ليؤدبا معا الفتى العاصي.

لكنهما سرعان ما تسمرا في الارض مشدوهين , مذعورين , اذ كان القنديل غير مضاء , و نور ساطع غريب يشع من عيني الفتى العجيب.

لم يفهما من الامر شيئا , و لم يحصلا منه الا الخوف . فإتصلا , عند الصباح , ببعض رجال الدين المسيحيين ,و شرحا لهم ما حدث للفتى . فاكد رجال الدين لهما ان ” مساً شيطانياً ” قد اصابه , و ان الكتاب الذي يطالعه قد يكون تلَّبسَهُ روح شرير.

عادت المرأة و زوجها الى المنزل , و الفتى غائب , فبادرا الى الكتاب الذي كان يطالعه , و احرقاه في احدى زوايا المنزل.

و ما ان عاد الفتى حتى طالبهما بالكتاب , فأنكرا على ان يكونا على علم به . فتوجه غاضبا الى حيث الرماد , وضرب بيده عليها, فإذا  بالرماد يتكون كتابا كما كان.

و شاع الخبر في الجوار , زارعا في نفوس الناس الجاهلين الخوف من الفتى الخارق.

مشيه على  الماء:

بدءاً من سنة 1926 , اخذت عجائبه تتكاثر , ويزداد شهودها . و في عيد مارالياس , من هذا العام , صنع خوارق كثيرة امام جمع غفير , في بيروت, حتى اصبحت اخبار معجزاته موضوعا يوميا في احاديث الناس.

ثم انتقل الى بيت لحم .و ذات يوم , كانت ضفاف برك النبي سليمان التي تقوم قرب المدينة التي شهدت ولادة المسيح , تغص بالرواد و المتنزهين ,و فيهم كثيرون من السريان , بينهم السيد كوريه ملكي عبدالله. و كان الفتى المعجز حاضرا . فذكر احدهم مشي المسيح على الماء , فقال الفتى الخارق:

– ماذا تقولون عني ,اذا مشيت فوق ماء البحيرة ذهابا و ايابا؟

فإستعظموا الامر , و استبعدوه.

و على التو , بدأ يسير على صفحة الماء رويدا رويدا , كأنما يسير على الارض, حتى اجتاز البحيرة كلها , ثم عاد ادراجه الى نقطة انطلاقه.

و فحص الشهود المشدوهون الكثيرون حذاءه , فوجدوه غير مبلل, فإزداد عجبهم . و سأله كوريه عبدالله كيف حدث ذلك؟ فأجابه:

– انا اسير فوق المياه كما اسير على اليابسة.

الفتى المؤدب:

 

ما ان بلغ الفتى العجيب الرابعة عشرة من عمره , حتى اخذ يشفع خوارقه التي يصنعها , في مدن فلسطين , بتقريعه رجال الدين على انحرافهم  عن تعاليم المسيح, و اتجارهم بتعاليمه المقدسة , و بفضحه سلوكهم الشائن و اعمالهم الخفية المنكرة , داعيا الصبية الكثيرين الذين كانوا يلتفون حوله , الى عدم الانخداع بأقوالهم؛ حتى بلغ ذروة حملته عليهم , في بيت لحم , سنة 1927 , فضج الكهنة منه , واستعدوا عليه رجال الشرطة . و كان رجال الدين يتهددونه في كنائس بيت لحم , و يتوعدون كل من يتردد اليه, محذرين الشعب منه . لكن خوارقه كانت تزداد, و نفوذه في الناس كان يتعاظم , على صغر سنه ,لان الله ايده بسلطانه.

داهش الناس:

 

ما ان ناهز الفتى الخارق العشرين من عمره , حتى اخذ يلتف حوله عدد من المثقفين الفلسطينيين ممن مالت قلوبهم الى الامور الروحية, فتتلمذوا له .     و كان بينهم الشاعر مطلق عيد الخالق , و الوجيه توفيق العسراوي.

و ذات يوم من سنة 1929 , ألهم الفتى العجيب بأنه يجب ان يغير اسمه ,    و يتخذ اسما  روحيا , و بانه سيعطى الاسم الجديد عن طريق القرعة.فأخبر تلاميذه بذلك , فعمدوا الى  كتابة اسماء كثيرة , على قصاصات من الورق  , ثم طووها و خلطوها . و اختار (سليم)واحدة منها , فإذا فيه اسم(داهش). لقد اراد الله ان يعرف رسوله , من بعد بهذا الاسم الروحي , و به تشيع عجائبه بين الشعوب , ليكون داهش الناس . ورافقه لقب “دكتور” مثلما رافق لقب “الحكيم” سليمان النبي. وبذلك تحققت نبوءة أشعيا النبي القائل:” لأنه قد ولد لنا ولد, اعطيَ لنا ابن, فوضعت السيادة على عاتقه, وسيلقب بالعجيب المشير [ داهش الحكيم ], جبار الله, الأب الأبدي , أمير السلام.”(أشعيا6:9).

معجزة يونان النبي:

بعد ان اتسعت شهرة داهش , و تناهت اخبار معجزاته الى المحافل العلمية في باريس , ارسلت اليه جمعية المباحث النفسية الفرنيسة تستضيفه على نفقتها. فسافر اليها برفقة شقيقته انتوانيت, وذلك على يقينه ان تلك الجمعية وغيرها مما يماثلها بعيدة عن فهم الحقائق الروحية بعد السماء عن الارض.

و اذ طُلب  اليه  ان يُري المجتمعين معجزة من معجزاته , اجابهم انه سيريهم اية يونان النبي.

فطلب ان يوضع في صندوق حديدي , و يحكم اغلاقه , و يدفن في قعر نهر السين , سبعة ايام , تحت الحراسة المشددة .

اجفل المجتمعون , اولا , لخطورة العرض , لكنهم عادوا فقبلوا , عندما كتب لهم اقرارا عن عاقبة طلبه.

و بعد ان فحصته لجنة طبية ,استحضروا صندوقاً حديدياً, ونزلوه فيه, واغلقوه عليه اغلاقاً محكماً , ثم اسقطوا الصندوق الى قعر نهر السين.

و بعد مضي سبعة ايام , و امام 150  شاهدا من المهتمين بالامور النفسية , رفع الصندوق , وفتح .و اذا بالجثمان الساجي يتحرك , و بالوجه الواجم يبتسم.

بعد هذه المعجزة المذهلة , منح داهش شهادة العلوم النفسية من قبل ” الجمعية النفسية الدولية” Société Psychique Internationale  بتاريخ 6 ايار 1930 , ثم شهادة الدكتوراه من قبل ” معهد ساج” Sage Institute الأميركي في باريس, بتاريخ 22 ايار 1930.

بدأ الدكتور داهش بتدوين افكاره و عواطفه من سنة 1927 ,حتى اذا بلغ اواسط العام 1933 , قد انهى تأليف كتابه الاول”اسرار الآلهة”بجزءين, وقبل تمام العام نفسه, انجز كتابه الثاني “قيثارة الألهة” بجزءين, فالثالث “ضجعة الموت”.

و مابين 1933 و 1950 توالت مؤلفاته حسب الترتيب التاريخي التالي: القلب المحطم, الالهات الست, كلمات, جحيم الذكريات, الدهاليز, النعيم, الجحيم, بروق و رعود, عواطف و عواصف, مذكرات يسوع الناصري, نشيد الانشاد,ناقوس الاحزان او مراثي إرميا,عشتروت و أدونيس,نبال و نصال, من وحي السجن و التجريد و النفي و التشريد, اوهام سرابية و تخيلات ترابية,الحمامة الذبيحة او شهيدة الداهشية الاولى ماجدا حداد, ابتهالات خشوعية,مذكرات دينار.

و بين 1950 و 1983 ألّف الدكتور داهش عشرات الكتب الاخرى التي تضم , في ما تضم, مجموعة”قصص غريبة و اساطير عجيبة” بأربعة اجزاء, و سلسلة “حدائق الآلهة” و “فراديس الإلاهات”في عشرين جزءاً, وسلسلة”الرحلات الداهشية حول الكرة الارضية” في اثنين و عشرين جزاً, بحيث أربت مؤلفاته على المئة و الخمسين.

و قد خاض الدكتور داهش معظم الميادين الادبية, و جلّى فيها.

الرسالة الالهية:

إن المعجزات التي صنعها الدكتور داهش لم تكن غاية بحدّ ذاتها, بل وسيلة, و بكلمة اصح شهادة على صحة الرسالة الالهية التي كان الدكتور داهش يشعر بإرهاصاتها, و يرتقب بشوق عظيم ان يحققها الله على يديه, منذ حداثته, حتى اذا ما بلغ السابعة و العشرين, سنة 1936, سجل في كتابه”كلمات ” شعوره قائلاً:

” اشعر بأني احوي في اعماقي قوى روحية خفية هائلة تود الانطلاق, لتقوم بعمل خطير عظيم, و لكنني أكبتها الى اجلٍ معلوم. و لن يمضي غير قليل حتى تتفجَّر ينابيعها, و تجتاح في طريقها كل ما يعترضها من حواجز و عقبات, ثم تبرز للعيان جلية, واضحة, لا لبس فيها و لا غموض”

و ما ان انقضى العام المذكور حتى اثبت الدكتور داهش في كلمة استقباله للعام التالي هذا القسم العظيم:

” اقسم بك يا خالقي, انه لو وجد ملايين

من الاغبياء المارقين, او الخونة المماذقين,

و ملأوا طروس الارض,

لا, بل لو نقشوا حجارة هذا الكون بأسره , قائلين:

“ان رسالتي هذه غير صادقة”,

لمشيت رافع الرأس, موفور الكرامة.

و سأبقى على تبشيري و إذاعة رسالتي,

حتى تعمُّ الارض , و تنتشر في السماء ايضا.

و لن تثنيني البرايا بأسرها عن أدائها , يا الله,

ما دمت انت تمدُّني بقوتك الالهية.

و هذه يميني, يا خالقي ,

ارفعها لك من اعماق قلبي

الذي لا يخفق إلاّ بذكر اسمك القدوس,

برهبة و خشوع كليّين”

و كان على الارض ان تنتظر حتى 23 آذار 1942, لتشهد تمام الحدث الجلل, اذ إن الارواح العلوية تنزلت,في هذا اليوم, على الدكتور داهش ,بحضور المؤمن الاول الاديب يوسف الحاج, معلنة قيام الرسالة الداهشية, و بدء التاريخ الداهشي في العالم, و ذلك في اول جلسة روحية عقدها مؤسس الداهشية.

إضهاد مؤسس الداهشية و اتباعه:

بعد إعتناق الاديب يوسف الحاج الداهشية, تتابع المؤمنون بها من رجال الادب و العلم,

و اعيان المجتمع. و كان بينهم رئيسة نقابة الفنانين , الاديبة ماري حداد , شقيقة زوجة رئيس الجمهورية اللبنانية الاسبق بشارة الخوري, فآمنت هي و زوجها و افراد عائلتها , بعد معاينتهم معجزاته الدامغة.

إزاء هذا المد الايماني الجديد يغزو المجتمع اللبناني , في مختلف طوائفه , موحدا بينها ,مزلزلا اوهامها و تقاليدها البالية, محدثا ضجة مدوية في الصحافة اللبنانية و العربية , خاف ذوو ماري حداد و انسباؤهاـــ و لا سيما شقيقتها لور و شقيقها ميشال شيحا ـــ ان يضعف في لبنان نفوذ الكثلكة التي كانوا يتعصبون لها, فأخذوا ينسجون المؤامرات على رجل الروح , متعاونين مع رئيس الدولة بشارة الخوري وزبانيته و المتواطئين معه من رجال الدين , مهدمين بذلك كل الشعب اللبناني بوحدة اجتماعية روحية.

حاولوا, اولا ,اقناع ماري حداد بالتخلي عن عقيدتها الجديدة, لكن مساعيهم تحطمت على صخرة إيمانها الوطيد.

إذ ذاك , حاولت السلطات احالة رجل الروح على المحاكمة , بتهم راحت تدبر من يفتريها عليه . ففشلت فشلا ذريعا , المدعي العام المركزي الاستاذ ديمتري الحايك الذي كلفه رئيس الدولة بهذه المهمة فضّل ان يقال على ان يصدر اتهاما بحق الدكتور داهش , و آمن برسالته السماوية.

حينئذ , عمدت السلطات الى استمالة النواب بمختلف الاساليب الترغيبية و الترهيبية, ليقروا مشروع قانون يمنع ” مناجاة الارواح”, و بالتالي يمنع الدكتور داهش من ممارسة نشاطه , و اجتراح معجزاته, ذلك مع العلم بأن معجزات داهش لا علاقة لها ” بمناجاة الارواح”؛ غير ان السلطة الغاشمة , آنئذ ٍ, اصرت على تسمية ” الجلسات الروحية الداهشية ” بـ ” بمناجاة الارواح” لتتسنى لها ذريعة لملاحقة رجل الروح البريء. لكن المشروع سقط , ايضا. عندئذ , نشطت السلطات, بالتعاون مع رجال الدين المسيحي , الى تشويه سمعة رجل الروح الطاهر بتلفيق الشائعات و الإفتراءات الخسيسة عليه, و تذييعها بين الناس, في الكنائس, و المدارس , و الصحف . و منع الداهشيون من الرد على تلك الحملات من الاكاذيب الدنيئة.

اخيرا , لجأت السلطات الى اساليبها الجحيمية لمحاربة رجل الله , فألقت القبض عليه في 28 آب 1944 , و دونما محاكمة , زجت به في السجن. ثم ما لبثت ان سجنت الداهشيين البارزين , تباعا , و بينهم الاديبة ماري حداد نفسها دونما محاكمة ايضا.

و في 9 ايلول 1944 , نفت السلطات مؤسس الداهشية الى خارج الحدود اللبنانية , بعد ان جردته من جنسيته اللبنانية بطريقة تعسفية خرقت بها الدستور , وبعد ان سامته من الجلد و العذاب و الاهانة الوانا. ثم ابعد, بتواطؤ بين بشارة الخوري و محافظ حلب , الى الحدود التركية.

و هكذا , شرد رجل الروح , و رمي في بحار الاخطار تتقاذفه امواجها , من دون ان يعلو, في لبنان, صوت واحد يدافع عنه, من نائب او صحافي او قاضٍ او مواطنٍ عادي.

وحدها اصوات من وراء البحار , من اميركا الجنوبية كانت تسمع غاضبة, و كان اعلاها و اجرأها صوت الاديب جبران مسوح , صاحب مجلة ” المختصر”, الصادرة في بونس ايرس(الارجنتين). ومما قاله في حملته على مضطهدي الداهشية التي إمتدت نحو سنتين :

” جميع اعداء داهش سوف ينكسرون, و احط ما في انكسارهم هذا انهم سوف يحملونه الى قبورهم, لان هذه الجريمة لا تتلاشى في الهواء, و لا تذوب عناصرها في الفضاء.

فهي ترافق مرتكبيها, ملتصقة بهم , مندمجة بخلاياهم . فتذكر كلما ذكروا, و يذكرون كلما ذكرت. فهم و هي عظة و ذكرة لكل الاجيال القادمة”

رجل الروح يؤدب و ينذر متنبئاً:

بعد مضي شهر واحد على نفي مؤسس الداهشية , تمكن رجل الروح من العودة سراً الى لبنان في 9/10/1944. و من عرينه , ورغم انوف الالوف ممن يترصدونه , نجح في شن حملة إعلامية رهيبة , لم تعرف الارض مثيلها, ضد الطغاة و زبانيتهم. فوضع و وزع على نطاق واسع , 66 كتابا اسود , و 165 منشورا تناولت رجال الحكم و الدين ممن تآمروا عليه , ففضحت مخازيهم و قبائحم , و هتكت اسرارهم و مؤامراتهم على الشعب وجعلتهم مضغة في افواه الدبلوماسيين الاجانب و رؤساء الدول.

و قد ساعدت هذه الكتب و البيانات السوداء على ايقاظ الشعب و اثارته ضد حكامه البغاة,

فأسقط بشارة الخوري من على كرسي الرئاسة سنة 1952 , و انتخب كميل شمعون رئيسا للجمهورية, فرد الجنسية للدكتور داهش , في اول عهده, سنة 1953.

نبوءة خراب لبنان:

في 4 كانون الثاني 1948 , نشرت جريدة “الحياة” البيروتية , و بعض الصحف اللبنانية الاخرى نبوءة للدكتور داهش , مفادها ان بيروت ستحترق بالكبريت و النار, و ان الخراب سيعم لبنان من اقصاه الى اقصاه , و ذلك نتيجة لإضطهاد الدولة لمؤسس الرسالة الداهشية , و سكوت الشعب الممثل بنوابه و قضاته و ادبائه و صحافييه عن هذه الجريمة.

و لأن ابعاد هذه النبوءة الرهيبة تخطَّت منطق المراقبين , و ناقضت رغبات الظالمين و الطامعين , فقد وقفت الصحافة , آنذاك , منها موقف الساخر .

لكن التاريخ, اليوم , بعد نكبة لبنان و شعبه , هو الذي يستهزىء بأولئك الساخرين.

إهتمام الدكتور داهش المثلث :الرسالة و الثقافة و الفن

بعد ان استرد الدكتور داهش جنسيته السليبة بكفاحه العنيد , انصرف الى اتمام رسالته الالهية , فكان , حتى ساعة متأخرة من الليل , يستقبل زائريه الذين كانوا يتقاطرون عليه بالعشرات , يوميا, فيعاينون معجزاته , و يستمعون الى تعاليمه الروحية, و بينهم كثيرون من الصحافيين الذين كانوا ينشرون في صحفهم تحقيقات مثيرة عن معجزاته , مؤيدة بالصور الفوتغرافية التي تسجل مراحل اجتراح الخوارق .

وبدءًا من سنة 1969 , باشر الدكتور داهش”رحلاته حول الكرة الارضية ” التي دون وقائعها في سلسلة تضم 22 جزءأ. و قد سجل فيها مشاهداته , و إنطباعاته ,و احكامه البتارة على مدنية القرن العشرين, حيثما حلّ , منذرا ً الشعوب بكارثة شاملة اذا لم يرعووا عن مظالمهم و معاصيهم المتعاظمة .

فضلا عن ذلك , و عن وضعه عشرات المؤلفات الاخرى , صرف مؤسس الداهشية قسطا وافرا من وقته , لإتمام إنشائه مكتبة ثقافية جامعة كان قد بدأ تجميع كتبها , منذ عنفوان شبابه , و قد ضمت , حتى الآن , نحو ربع مليون كتاب في لغات متعددة, إختارها بنفسه من بلدان كثيرة , لتكون تراثا للداهشيين يستحثهم على الاستزادة من المعرفة.

كذلك تمكن , بفضل مراسلته للفنانين و معارضهم , تلك المراسلة التي بدأها منذ عنفوان شبابه, وإشتملت على نحو نصف مليون رسالة , كما بفضل رحلاته الكثيرة ,من إنشاء متحف داهشي للفن يضم الوف القطع النفيسة في الرسم و النحت . و هوذا متحفه اليوم يقوم بنيويورك عاصمة الدنيا.

و في 1/9/ 1980 , غادر مؤسس الداهشية لبنان, ليتابع جولاته في بلدان العالم,

و يتم رسالته الروحية. و في 9/4/1984 عاد ابن السماء الى فردوسه مخلفا ً رسالة الهية بدأت تغزو الشرق و الغرب . و لن يطول الزمان حتى تمد شجرة الداهشية المباركة اغصانها على الارض كلها, و تحت افيائها تتآخى شعوب العالم , و تسود الفضيلة و العدالة , و تنتصر الحرية , منحة الله للإنسان , و يعود كل مؤمن الى جوهر دينه النقي , القائم على المحبة و الرحمة و الاحترام لكل إنسان آخر كما على التسامح و السماحة الخلقية.

الدكتور غازي براكس.

من كتاب أضواء جديدة على مؤسِّس الداهشيَّة ومُعجزاته الروحيَّة ص 20

إقرأ أكثر

More Topics

الداهشيَّة

موسيقى الأيَّام الآتية

مقالات

ليس الله مع الظُّلم، إنَّ الله مع الحقّ

أدب

في رِحاب الأدب و عالم الشعر

دراسات و أبحاث

زكاة المعرفة نشرها

أفكارٌ و أرآء

كلمتي فلذةٌ من كبدي

مقالات

أشكرك، أيُّها الشمس العظيمة

حلم سكيبيو شيشرون

ولد ماركوس توليوس شيشرون (106 ق.م – 43 ق.م) في أربينوم، إيطاليا. وقد جاء من عائلة ثرية وتلقى تعليمًا واسعًا في روما واليونان. كان شيشرون رجل دولة ورومانياً بارزاً، كما كان محاميًا، وعالمًا، وكاتبًا.  جاهد من أجل الحفاظ على مبادئ الجمهورية خلال السنوات الأخيرة المضطربة للجمهورية الرومانية. يحتفى به كواحد من أعظم خطباء روما وكتابها وله مساهمات مهمة في البلاغة والفلسفة والسياسة. تشمل أعماله البارزة كتابات في البلاغة، مثل “في الخطابة”، ونصوص فلسفية مثل “في القوانين”، والعديد من الخطب والرسائل التي تخدم كشواهد مهمة وأساسية على المشهد السياسي في عصره. 

 

واحدٌ من أكثر أعمال شيشرون إثارة للاهتمام هو “حلم سكيبيو”. ووهو جزء من عمل أكبر تحت مسمى (عن الجمهورية). تمثل هذه القطعة الأدبية رؤيا خيالية عاشها الجنرال الروماني سكيبيو أميليانوس حين زاره جده المتوفى سكيبيو أفريكانوس (الجدّ سكيبيو أفريكانوس- القائد الروماني الذي هزم هنيبعل في قرطاج) في الحلم. فيكشف له فيها عن أسرار وآراء عميقة حول الكون وطبيعة الروح  والفضيلة والأخلاق. يشدد الحلم على وهم وتفاهة الاهتمامات الأرضية الفانية مقارنة بعظمة الكون والطبيعة الأبدية الخالدة للروح. كان ل- “حلم سكيبيو” أثراً بالغاً في العديد من المدارس الفلسفية والأدبية، خاصة من حيث نوعية بحثه في المواضيع الرواقية والنيوأفلاطونية

 

 

حلم سكيبيو

 

 

عندما وصلت إلى إفريقيا لأخدم تحت قيادة الجنرال مانياس مانليوس، كوني كما تعلمون، قائد عسكري مرتبط بالفيلق الرابع، لم أعتبر شيئًا أكثر أهمية من لقاء ماسينيسا، الأمير الذي كان لأسباب وجيهة مرتبطًا جدًا بعائلتنا.

 

عندما جئت إليه، احتضنني الرجل العجوز وبكى؛ ثم نظر إلى السماء وقال: “أشكرك، أيها الشمس العظيمة، وأنتم، أيها الكائنات السماوية، لأنني قبل مغادرتي لهذه الحياة، أرى في مملكتي وفي منزلي بوبليوس كورنيليوس سكيبيو، والذي بمجرد ذكر اسمه أشعر أنني أصبحت شابًا مرة أخرى: وذلك رغم ذكرياتي الحاضرة دائماً قي قلبي عن ذلك البطل العظيم الذي لا يقهر.” بعد ذلك سألته عن مملكته وسألني عن جمهوريتنا؛ وبين هذه الأحاديث وتلك، قضينا اليوم كله.

 

ولكن في المساء، حيث تم استضافتي بشكل ملكي، أطلنا حديثنا حتى وقت متأخر من الليل؛ وكان الرجل العجوز لا يتحدث سوى عن أفريكانوس ويستذكر ليس فقط أفعاله بل أقواله أيضًا.

 

بعد ذلك، عندما افترقنا في الليل، وبعد رحلتي ومن بعدها بقائي لساعة متأخرة في الليل، غمرني النعاس والنوم بشدّة أكبر من المعتاد.

 

ثمّ ظهر لي، حسب إعتقادي، مِن وحي ما كنّا نتحدث عنه -لأنه غالبًا ما يحدث أن أفكارنا ومحادثاتنا تولّد في النوم بعض الخيال مثل ذلك الذي يسجله إينيوس عن هوميروس، الذي كان بالتأكيد في لحظات يقظته يفكر ويتحدث عنه كثيرًا – ظهر لي أفريكانوس، بهيئة هي أقرب للّتي أعرفها في صوره من شكله الحقيقي. عندما عرفته، ارتعدت، لكنه قال: كن شجاعًا واطرد الخوف، يا سكيبيو، وسجّل ما سأقوله:

 

“هل ترى تلك المدينة، التي رغم أنها أُجبرت بأسلحتي على الانصياع لشعب روما، تعيد إحياء ذكرى الحروب القديمة ولا تستطيع أن تستريح بسلام،” – الآن كان يظهر لي قرطاج، من مكان عالٍ، مليء بالنجوم، مشرق ومتألق-” تلك المدينة، التي تهاجمها الآن تقريبًا كجندي عادي؟ في غضون هذين العامين ستدمّرَها كقنصل؛ وذلك اللقب، الذي حتى الآن كنت تحمله كإرث مني، ستحصلَ عليه بإنجازك الخاص. ولكن عندما تهدم قرطاج، وتحتفل بالنصر، وتشغل منصب الرقيب، وتسافر في مهمة عبر مصر وسوريا وآسيا الصغرى واليونان، سيتم انتخابك قنصلًا للمرة الثانية رغم وجودك في الخارج؛ وستُنهي حربًا مهمة جدًا، وستدمر نومنسيا تمامًا. ولكن عندما تركب في عربة النصر إلى الكابيتول، ستجد الدولة مضطربة بشدة بسبب مؤامرات حفيدي.

 

هنا، يجب أن تظهر للوطن ضوء شجاعتك وعبقريتك وحكمتك.

ولكن في ذلك الوقت، أرى مسير القدر، إذا جاز التعبير، مترددٌ بين طريقين. لأنه عندما تكمل حياتُك سبع مرات ثماني دورات كاملة من الشمس في دورة الطبيعة؛ وهذان الرقمان، كلّ منهما لسبب مختلف يعتبر رقمًا مثاليًا، تكون قد أكملَت المقدّر لك؛ لك وحدك ولإسمك سيتوجّه المجتمع بأكمله: مجلس الشيوخ، جميع المواطنين ذوي التفكير السليم، الحلفاء واللاتينيون، جميعهم سيثبّتون أعينهم عليك؛ وستكون الرجل الوحيد الذي يمكن للمجتمع الاعتماد عليه من أجل حفظ الأمن والأمان؛ وباختصار، كديكتاتور، يجب أن تصلح الدستور، هذا إذا استطعت تفادي أذى وعنف أقاربك.

 

“في هذه اللحظة، بعدما صرخ لايليوس وجميع الآخرين وتنهدوا بشدة، قال سكيبيو بابتسامة لطيفة، ‘هشش! من فضلكم، لئلا توقظوني من نومي، واستمعوا قليلاً إلى الباقي،

 

 ولكي تكون أكثر استعدادًا للدفاع عن الدستور، اعلم هذا: كلّ من حفظ وطنه، وعزّزه، وأغناه، له هناك في السماء مسكن مؤكد ومخصص، حيث يمكنه الاستمتاع بالسعادة الخالدة.

 

ذلك لأنّه لا يرضي الإله الأعلى الذي يحكم الكون كله شيئاً أكثر في هذا العالم، من التآلف والإتحاد بين الرجال على أسس قوانين مشتركة، والتي تُسمى أمم. فمن هذا المكان أتى حكّامها والذين يحموها، وإلى هذا المكان سوف يعودون.”

 

هنا، رغم أنني كنت مرعوبًا بشدة، ليس من الموت بقدر ما هو من الخيانة من رجال بيتي، وجدت الشجاعة لأسأل إذا كان هو نفسه حيًا وأبي باولوس وآخرين من الذين كنا نعتبرهم أمواتًا. فقال: “نعم، إنهم أحياء بالفعل، هؤلاء الذين انطلقوا بعيدًا عن قيود الجسد، كما لو أنه كان سجناً؛ ولكن حياتك، كما تسمى، هي في الواقع موت.

 

 انظر إلى باولوس، والدك، قادمًا نحوك!

 

 عند رؤيته، ذرفت دموعًا غزيرة، لكنه احتضنني وحاول بقبلاته أن يوقف بكائي، وبمجرد أن بدأت أستطيع التحدث، بعدما كتمت دموعي، قلت: “أرجوك، أخبرني، يا أفضل الآباء وأكثرهم تبجيلاً: بما أنّه هذه هي الحياة، كما أسمع أفريكانوس يقول، لماذا أبقى على الأرض؟ لماذا لا أسرع وآتي إليك هناك؟” قال: “ليس كما تظن، لأنه ما لم يطلقك من جسدك ذلك الإله الذي تنتمي إليه كل هذه المنطقة التي تراها، لا يمكن الدخول إلى هذا المكان.

 

 لأن البشر خُلقوا خاضعين لهذا القانون، للبقاء على ذلك الكوكب، الذي تراه في مركز هذه المنطقة والذي يسمى الأرض؛ وأعطيت لهم روح مكونة من تلك النيران الأبدية، التي تسمّوها أنتم البشر الفانون الكوكبات والنجوم، والتي بشكلها الدائري وإدراكها الإلهي، تكمل مداراتها ومساراتها بسرعة مذهلة. 

 

لذا، يا بوبليوس، يجب عليك وعلى جميع الرجال الصالحين أن تسمحوا للروح بالبقاء في أمان الجسد، ولا يجب أن تفرّطوا في حياتكم البشرية بدون أمر الذي أعطاكم إياها، لئلا تبدو وكأنكم قد هجرتم المهمة التي عيّنها الله للبشر.

  

لكن بالأحرى، يا سكيبيو – مثل جدك هنا، ومثلي أنا والدك – اتبع العدالة والعاطفة النبيلة، التي على الرغم من عظمتها حيال الوالدين والأقارب، هي الأعظم على الإطلاق فيما يتعلق بوطننا.

 

 هذه هي الطريق التي تقود إلى السماء وإلى الانضمام الى من عاشوا حياتهم ومن ثم تخلّوا عن أجسادهم ليعيشوا في ذلك المكان الذي يمكنك رؤيته،” – الآن كان ذلك المكان دائرة بارزة بين نيران السماء ببياضها المتوهج الفائق – “ذلك المكان الذي تسمّونه أنتم البشر، كما تعلمتم من الإغريق، درب التبانة.” 

 

وعندما نظرت إليها من هذه النقطة، بدت جميع الأجرام السماوية الأخرى مجيدة ورائعة، وظهرت النجوم بشكل لم نره من قبل وبعظمةٍ لم نكن لنحلم بها؛ وأصغرها جميعًا كان ذلك الكوكب، الذي كان أبعد ما يكون عن الأجرام السماوية والأقرب إلى أرضنا، وكان ضوئه إنعكاس من مصدر آخر، لكن هذه النجوم جميعها تجاوزت الأرض عظمةً – بالفعل بدت لي الأرض نفسها صغيرة جدًا، لدرجة أنني حزنت عند التفكير في إمبراطوريتنا، والتي تغطي مجرد نقطة صغيرة من سطحها.

  

وإذ أطلت النظر إليها، قال أفريكانوس: “تعال! إلى متى سيظل عقلك مقيدًا بالأرض؟ ألا ترى إلى أي أبعادٍ قد وصلتَ؟

 

انظر! الكون مرتبط في تسع دوائر أو بالأحرى كرات سماوية؛ واحدة منها تابعة للسماوات العليا، الأبعد فيهم، وهي تحتضن جميع الكرات الأخرى، هي الإله الأعلى، الذي يحافظ على جميع الآخرين ويجمعهم معًا؛ ومن خلاله ترتبط تلك المدارات الأبدية للنجوم. تحت كل هذا توجد سبع كرات، تدور عكس اتجاه السماء؛ ومن بين هذه الكرات تحمل واحدة منها ذلك النجم الذي يسميه الناس على الأرض نجم زحل.

 

كما ترى إشعاعاً ساطعاً، غنياً بالأمل والشفاء لأبناء البشر، والذي يسمى نجم جوبيتر؛ ثم إشعاعٌ أحمر ناري ذو رهبة، والذي تسمونه المريخ؛ وها هي الشمس تحتل تقريبًا المنطقة الوسطى، تقود وترأس وتحكُم الأضواء الأخرى، فهي العقل والروح المنظمة للكون،ذو قدرٍ عظيمٍ لدرجة أنها تضيء ما حولها وتملأه بنورها. يواكبها كواكب الزهرة وعطارد كأقمار تدور في مداراتها الخاصة؛ وفي منطقة أدنى من تلك، يدور القمر مضاءاً بأشعة الشمس.

 

وتحت كل هذا لا يوجد شيء سوى ما هو فانٍ وعابر باستثناء تلك الأرواح التي منحتها الآلهة لأبناء البشر؛ أمّا ما هو فوق القمر فأبدي. أما الأرض، الجرم التاسع والمركزي، فهي لا تتحرك ولكنها النقطة الأدنى، وإليها تميل جميع الأجسام الثقيلة تحت تأثير جاذبيتها الخاصة.

 

وأثناء تمعّني بدهشة إلى كل ذلك، عدت إلى نفسي وسألت: “ما هذا الصوت الذي يملأ أذني،صوت عالي وجميل؟” “هذا”، أجاب، “هو ذلك الصوت، الذي ينقسم إلى فترات، غير متساوية، ولكنها لا تزال مقاسة بدقة في نسبها الثابتة، وينتج عن اندفاع وحركة الأجرام السماوية نفسها، فتُمزج النغمات الحادة مع العميقة، مما يصنع سيمفونيات متغيرة في تناغم ثابت. لأنه ليس فقط من المستحيل أن تتمّ مثل هذه الحركات الهائلة في صمت؛ ولكن، بموجب قانون طبيعي، تعطي الأجزاء الخارجية من جهة صوتًا عميقًا، ومن الجهة الأخرى صوتًا حادًا. لذلك، فإن الأعلى من الجميع، المنطقة السماوية المتوّجة بالنجوم، والتي تدور بسرعة أكبر، تتحرك بنغمة حادة وعالية؛ بينما تلك الخاصة بالقمر، ولأنها الأدنى، تتحرك بنغمة أعمق من الجميع. أما الأرض، التي هي التاسعة، فتبقى ثابتة دائمًا في مكان واحد، متشبثة بمركز الكون. ودورات تلك الكرات الثمانية، التي لها نفس القوة، تنتج سبعة أصوات بفواصل واضحة؛ وهذا العدد، بشكل عام، هو الرابط الغامض لكل الأشياء في الكون. 

 

وقد أمّن الخلاّقون الموهوبون طريق عودتهم إلى هذا المكان من خلال تقليد تلك الانغام باستخدام الآلات الموسيقية الوترية والألحان، مثلما عاد إليه آخرون ممّن اتبعوا أهدافًا إلهية أثناء حياتهم وعبر أعمالٍ نبيلة. 

 

ولكن آذان البشر أضحت صمّاء جراء عظمة الصوت ؛ وليس فيكم حاسة أضعف من حاسة السمع؛ فعلى سبيل المثال، في كاتادوبا، كما يطلق عليها، حيث يتدفق النيل من الجبال العالية جدًا، فقدت القبيلة التي تسكن بالقرب من تلك البقعة حاسة السمع بسبب ارتفاع الضجيج. وهذا الصوت الذي يصدره الكون كله وهو يدور بأقصى سرعة هو صوت رهيبٌ للغاية لا تستطيع آذان البشر احتواؤه؛ تماماً كما لا تستطيع أن تنظر مباشرةً إلى الشمس، إذ تغلب أشعتُها على بصرك وإدراكك». 

 

ورغم تأثري بعظمة هذه العجائب، إلا أنني ظللت أميل بنظري نحو الأرض.

 

  عندئذ قال أفريكانوس، “أرى إنك رغم كل هذا لا تزال تنظر الى مثوى البشر. ولكنك إذا أدركت تفاهته، وهو الواقع، فسوف تتطلع دائمًا إلى هذه الأبعاد السماوية ولن تهتم مجدداً بأمور الإنسان. لأنه ما هي الشهرة بين البشر، وأيّ مجد يستحق السعي وراءه؟ ألا ترى أنه لا يسكن البشرُ سوى مساحات أرضٍ متناثرة وضيقة؛ تتخللها الصحاري الشاسعة؛ وحتى بين أولئك الذين يعيشون على الأرض، تفرقهم مسافات تمنع أي اتصال فيما بينهم، بل يعيش البعض منهم في مناطق معاكسة؛ وبعضهم حتى في النقطة المقابلة لك من الأرض؛ وجرّاء هذا، على أي حال، لا يمكنك أن تتوقع أي مجد.

 

ثم ألا ترى أن هذه الأرض مطوّقة ومحاطة بأحزمة معينة إذا جاز التعبير؛ اثنان منها، أبعد ما يكون عن الآخر، ويستقران على قطبي السماء في طرفيهما، وقد أصبحا متصلبين جرّاء الصقيع؛ بينما الذي في المنتصف، وهو الأكبر، يحترق بسبب حرارة الشمس الملتهبة. اثنان منها صالحان للسكن، الجنوب حيث أناسه في جهةٍ معاكسة لكم وليس لهم أيّ صلة بعرقك. ونصف الكرة الأرضية الشمالي، حيث تعيش، ولكن أنظر إلى مدى صغر المساحة التي تهمك منها! فهي ضيقة في اتجاه القطبين، أوسع شرقًا وغربًا، وبمثابة جزيرة صغيرة تحيط بها مياه ذلك البحر العظيم، الذي تسمونه على الأرض المحيط الأطلسي، ولاحظ رغم إسمها العظيم كم هي حقيرة وصغيرة. 

 

 

وإنطلاقاً من هذه الأراضي المألوفة لديك، هل كان بإمكان اسمك أو إسم أي من بني عرقك أن يتسلق ما وراء قمة القوقاز هنا أو يعبر مياه نهر الغانج هناك؟ من في المناطق النائية الأخرى من حدود شروق الشمس وغروبها أو من الشمال أو الجنوب سيسمع بإسمك؟ ألا تعي بيقينٍ كم هو تافه وضيق ذلك المجال الذي يطمح إليه مجدك البشري؟ بل وأكثر من ذلك، حتى الرجال الذين يمجّدون إسمك الآن، إلى متى سيمجّدون؟

 

وحتى ولو مجّدت الأجيال القادمة المتعاقبة من أب إلى إبن إسمَ كل واحد منّا، وبما أنه لا مفرّ من حصول الفيضانات والحرائق بشكلٍ دوري، فليس بالإمكان أن نكتسب شهرة دائمة، ناهيك عن شهرة أبدية. وما أهميّة أن يذكرك من سيولد بعدك إذا يكن فيهم من ولد قبلك؟ إذ رغم أنهم لم يكونوا أقل عددًا، لكنهم كانوا رجالاً أعظم. 

 

وأكثر من هذا، فإنه حتى بين هؤلاء الرجال الذين يمكن أن يعرفوا إسمنا، لا يستطيع أحد أن يضمن سمعته عندهم لمدة عامٍ واحد. ومن المؤكد أن البشر عادة ما يقيسون السنة بعودة الشمس، أي جرمٍ سماويٍ واحد: ولكن عندما تعود جميع الأبراج السماوية معًا إلى نفس النقطة التي بدأت منها؛ وبعد فترات طويلة حين يتم بعدها العودة الى ترتيب نظم السماوات كما كانت من قبل، عندها فقط يمكن أن نطلق على ذلك حقًا عام الدوران: وهو ما لا أجرؤ على تحديد عدد أجيال البشر التي يحتويها. لأنه كما عندما شقّت روح رومولوس طريقها إلى هذه المناطق السماوية، بدت الشمس لعيون الناس كأنها تختفي وتظلم، وهكذا كلما تكسف الشمس مرة أخرى في نفس الوقت، ، وبعد أن تكون قد عادت جميع الأبراج والنجوم إلى وضعها الأصلي، يمكنك القول عندها أن السنة قد اكتملت. ولكن من هذا السنة، إعلم أنه لم يمرّ حتى الآن سوى الجزء العشرون منها.

 

لذا، إذا فقدتَ الأمل في إمكانية العودة إلى هذا المكان، ذلك الهدف الذي يعلّق عليه الرجال العظماء كل آمالهم، فما قيمة مجدك البشري عندها، والذي لا يكاد يؤثر على جزء ضئيل من عام واحد؟ لذلك، إذا اخترت أن تسعى إلى ما هو أسمى وتثبّت نظرك على موطننا الأبدي ومقرّ راحتنا، لا تستعبد نفسك أبدًا لأقاويل الرعاع، ولا تعلّق آمال حياتك على مكافآت البشر: بل فلتجذبك الفضيلة الى المجد الحقيقي؛ فما يقوله الآخرون عنك هو شأنهم الخاص؛ ومع هذا فإنهم سيتحدثون.  ولكن كل أحاديثهم ستبقى ضمن تلك الحدود الضيقة التي تراها وستفنى وتدفن معهم وسنتهي بالنسيان في مهبّ الآجال الآتية.” 

عندما انتهى من حديثه، قلت: ” يا أفريكانوس، إذا كان يوجد بالفعل طريقٌ لأبواب السماء مخصصٌ لأولئك الذين استحقّوا الخير في وطنهم الأصلي، وعلى الرغم من أنني لم أبخل في إكرامك، ومذ طفولتي وأنا أتتبّع خطى والدي وخطاك، ولكن الآن، مع هذه المكافأة العظيمة السانحة أمامي، سأجاهد بإنتباهٍ وبحزمٍ أكبر.”

 

قال: “جاهد بثبات وكن على يقين من ما سأقوله الآن: لست أنت الفاني، بل هذا الجسد. ولستَ ما يُنظر أو يؤشّر إليه كجسم مادي، فعقل الإنسان المدرِك هو الانسان. إعلم إذن أنك إله؛ لأنه وحده الإله من يمتلك الطاقة والشعور والذاكرة والبصيرة ليوجّه ويحرّك ويسيطر على هذا الجسد. وهو يسوده تمامًا كما يسود الإله الاعظم والأسمى هذا الكون. وكما يحرّك هذا الكون الفاني الله وهو نفسه سرمدي، كذلك الجسد الضعيف تحركه روح خالدة. 

 

 فالذي يتحرّك في كل زمن وحين هو أبدي. ولكن الذي يعطي حركة لشيء ويتلقى هو نفسه حركته من مصدر آخر، لا بد أن يكون عمره محدود، إذ ستنتهي حركته في وقتٍ ما. إذن ذلك الذي يتحرك من تلقاء نفسه، لا يفترق عن ذاته أبدًا ولا يتوقف عن الحركة. فهذا هو المصدر، وهو العلة الأولى لحركة سائر الأشياء المتحركة.

 

والعلّة الأولى ليس لها أصل؛ لأن كل الأشياء تنشأ منها ولا يمكن أن تنشأ من أي شيء آخر. فليس بالإمكان ان تكون علة أصلية لو كانت نتيجة شيءٍ آخر. وبما أنه ليس لها أصل فهي لا تفنى أبدًا. فلو أُفترضَ أن فني السبب الأصلي مرة واحدة، فلن يكوّنه مجدداً سبباً آخر ولا يعود ليخلق شيئاً؛ لأن كل الأشياء يجب أن تنبع بالضرورة من السبب الأصلي. لذلك نرى أن العلة الأصلية للحركة تحيا في ذاتها وتحرك نفسها بنفسها. ولا يمكن أن تولد أو تموت؛ وإلا فإن أسس السماوات والوجود كله سينهار ويقوّض، ولن تجد عندها أي قوّة لتعطيها الدافع الأول للحركة.

 

إذًا فمن الواضح أن الدافع الذاتي هو أبدي، فمن يستطيع أن ينكر أن هذه الصفة هي صفة أرواحنا؟ لأنه، في حين أن الأشياء التي لا روح لها تتلقى هذا الدافع من مصدر خارجي، من لديه روح، يتحرك بدافع داخلي خاص به. فهذه هي خاصية الروح الطبيعية وجوهرها.  وإذا كان هذا هو الشيء الوحيد في العالم الذي له دافع ذاتي، فمن المؤكد أنه ليس له بداية وهو أبدي.

إسعَ بهذه الروح في أسمى الأعمال. وأسماها هي تلك الأنشطة والجهود التي تخدم مصلحة الوطن. فالروح التي تحيى وتبذل هذه الجهود والاعمال تدرك بسرعة أكبر موطنها ومستقرها. وستحقّق هذه الروح مرادها بسهولة أكبر إذا نبذت جسدها المسجونة فيه ملتسمةً الانعتاق منه.

 

أما أرواح أولئك الذين استعبدوا أنفسهم لملذات الجسد وأصبحوا عبيده، واستسلموا لتأثير الشهوات منتهكين قوانين الله والإنسان؛ فعندما تنفصل عن أجسادهم، تهيم على وجهها في الأرض ولا تعود إلى هذا المكان إلا بعد مرور أزمنة طويلة من التّيه.”

 

ورحل، واستيقظت من حلمي.

 

إقرأ أكثر

أدب

ولادة النجوم

قصة إبنُ المُقَفّع- جزء ٤ - "الدّاهشيّة والفن"

"تأمّلات في كلمات الدكتور داهِش عن الكتب والمكتبات"

"وحدة الأديان"

"وحدة الأديان"

د. محمد يونس

 

إن مبدأ وحدة الأديان وتوحيد جوهر الرسالات الروحية التي دعت إليها الرسالة الداهشية، ليست نظرية فلسفية أو هدفاً ماورائيا”، بل إنها دعوةٌ تطبيقية جذرية في تفكير الإنسان، ومبدأ أخلاقي يحتاج إلى مجهود جبار تتغلب فيه النفس على فكرة الأنا كما على فكرة الجماعة المقدسة، وتحطم أسس التعصب والطائفية التي تغلغلت في النفس البشرية عبر الأحقاب والأدهار، فأصبحت جزًءا لا يتجزأ منها، متوارثاً من جيل إلى جيل، وسرطانا ينخر الروح قبل الجسد، ويقتل الأمل والمستقبل قبل الحاضر والماضي.

 إن وحدة الأديان الجوهرية هي نهضةٌ روحية جبّارة، وبذرةٌ إلهية مقدسة، تربتها قلب الإنسان وفكره، وهوائها التحرر الفكري، ومائها الإيمان بالحقيقة المطلقة التي لا تتجزأ، وشمسها الاأنانية والتواضع الكلي أمام حكمة الخالق في خلقه وتنوعه، وثمرتها هي الراحة النفسية والطمأنينة الروحية والشعور بوحدة أثيرية مع الخالق ومع الجميع دون إستثناء وبغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنس، وتتعداها الى كل الكائنات من حيوان ونبات وجماد.

هذه النهضة الروحية قوامها الوعي الحقيقي، ظاهرها بسيط ولكن حقيقتها عميقة وعظيمة. 

 

فالساعي إلى الوحدة الروحية الدينية، إن كان مسلماً يقرأ قرآنه ويفهم جوهره بتجرد ودون ضغط أو تقاليد المجتمع والماضي، ثم ينطلق منه لقراءة الإنجيل وفهم جوهر الدين المسيحي وأخذ العبر منه، كما يقرأ التوراة وقصص الأنبياء مستشفاً منها رحمة الله وعدله، كما يتفهم تعاليم الهداة والمصلحين، فيقرأ الغيتا، وحقائق بوذ المقدسة، كما لا يتوانى كلما سنحت الفرصة إلى التقرب من أفكار كنفوشيوس ولاو تسو وغيرهم، كما يقرأ حياة العظماء الذين كانوا نبراسا للبشرية عبر التاريخ مثل سقراط وغاندي وجبران خليل جبران وسواهم.

وكذلك المؤمنون بباقي الأديان يسيرون على ذات الطريق والمسار هادفين إلى التنور وفهم حقائق الرسالات الروحية الأخرى والأفكار التي أنارت ظلمات البشرية الحزينة عبر الأزمان.

عندها، يصل المؤمن إلى جوهر الديانات والرسالات الروحية، فيرى بأمّ عينه أن هدفها واحد ومرسلها واحد، ويلمس جوهرها بروحه التي ارتوت وانتشت من الحقائق الروحية مهما كان مصدرها، فيرى في الأديان نوافذ إلى عظمة الله جل جلاله، ويعي في فكره ووعيه أن جميع الأديان جذوع من شجرة واحدة، هي شجرة الله المقدسة التي لا تنتمي الى دين أو طائفة، بل إلى الحق والمحبة والتآخي.

عندها فقط، يؤمن, كما قال الدكتور داهش، “أن طريق الله في قلب كل إنسان” ; فليس من شعب الله المختار، ولا من خير أمةٍ أخرجت للناس، ولا لمن لا يخلص إلا بطريقٍ واحد. 

 

فالجميع سواسية في قلب الخالق، وما يجمع البشرية وأعمق مما يفرقها.

عندها فقط تتلاشى الاحقاد وتفنى الحروب الدينية والطائفية، لأنه عندها يعرف البشر أن الأديان في جوهرها واحد، فيتآخون على محبة الله ومحبة بعضهم بعض.

 

ويعبّر الشاعر الداهشي المعروف حليم دموس في قصيدته الرائعة عن أفكار الوحدة الدينية والإنسانية والتي تحمل في صميمها جوهر الرسالة الداهشية، وهذه بعض من أبياتها:

 

 

وأقسم لو يدري الورى كنه دينهم            لما فرّقوا ما بين عيسى وأحمد

 

ولا اطلقوا يوماً قنابل مدفعٍ                  ولا صقلوا للحرب حدّ مهنّد

 

 فأنت أخي ما دامت الأرض أمّنا           وأنت أخي بالروح قبل التجسّد

 

لعمرك ما الأديان إلاّ نوافذ                  ترى الله منها مقلة المتعبّد

 

تعاليم إصلاحٌ وعدلٍ ورحمةٍ                فلا تجعلوا منها سلاحاً لمفسد 

 

ولو شاء ربّ الكون توحيد خلقه            لقال لهاتيك الشعوب توحّدي

 

ولكنه أوصى جميع عباده                   بعيشٍ على صخر الإخاء موطّد 

 

ولي هدفٌ سامٍ إذا ما بلغته                  فلست أبالي ما يردده حسّدي

 

سأنشرها في الخافقين ملاحماً              على نسج حسان ونغمة معبد

 

وألقي بذور الحبّ في كلّ بيعةٍ             وألقي بذور الحبّ في كلّ مسجد

 

فألمس في القرآن عيسى ابن مريم          وألمح في الإنجيل روح محمّد

 

(من ديوان يقظة الروح)

 

 

إقرأ أكثر

"تأمّلات في كلمات الدكتور داهِش عن الكتب والمكتبات"

بِقَلَم يوسف قبلان سلامة

 

١- (أحِبُّ الكُتُبَ حُبَّ السَّكارى للخمْرِ، لكِنّي كُلَّما ازْدَدْتُّ مِنْها شُرْباً، زادَتْني صَحْواً).

 

النِّبيّ الحبيب هو مِثالُنا الأعْلى في الحياة في كُلّ شيء. لَقد قيل في القديم، “خيرُ جَليسٍ في الأنام كِتاب”. في الكتابِ يَسْبرُ الإنسانُ غَورَ معاني الكَلَمات، فَيُدْرِكُ أُموراً وَيَلْتَفِتُ لِأُخْرى فإذا بِها كَأشِعَّةِ كُنوزٌ تُطهِّر النَّفس من كل سيّال دنيء سُفْليّ يحاول الإيقاعَ بها.

القراءة تَحْمِلُنا على السَّفَرِ إلى أعْماقِ النَّفْس. إنّها المَلكوت الرُّوحِيّ العظيم. إنها الكلمات النَّفيسة التي لا تُقَدّر بِثمَن حيث نُقارِنُ الأمور آخذين الأقرب منها إلى النّور؛ لِنُطبّق الحق فيها مع جميع الكائنات، أكان على الصَّعيد النّفْسيّ أو العَمَلي حيث الفِعْلُ الصّالِح. معاني الكتاب القَيّم نَزْرَعُها في قلوبنا فَتُغْنينا في القناعة عن كنوز المادّة بأسْرِها وكُل ما هو دُنْيَويّ فانٍ.

وكما ورد على لِسان الصّحابيّ الجليل سيدنا عَليّ عليه السلام:” فيكَ انْطَوى العالَم الأكْبَر”. إن كُلَّ كِتابٍ ذي فائدَةٍ لَهوَ كَنْزٌ تتَحَلَّى بهِ النّفْسُ لِتسْمو بالأعْمال الصَّالِحة إلى أعْلى الدَّرَجات.

 

٢- (أمْتَعُ ما تَهْواهُ عَيني مُشاهَدَتها لِمَكْتَبَتي العامِرَة بِآلاف الكُتُبِ الثَّمينةِ المُتَنَوِّعَةِ المَواضيع. فَنَظري يَتَنَقَّلُ من كِتابٍ لِكتابٍ فَكِتاب، مِثْلَما يَتَنَقَّلُ العُصْفورُ الغِرّيدُ من غُصْنٍ إلى غُصْن فَغُصْنٍ… حَقّاً إنّ المُكوثَ بينَ الكُتُبِ وَمُطالَعَتِها مُتْعَةٌ لا تُعادِلُها مُتْعَةً على الإطلاق).

 

هُنا نَرى الدكتور داهِش كَمن يَمْنَحنا انْطِباعاً فَريداً عن الكُتُب قارِناً بِها الطّبيعة الأخّاذَةِ الجَميلة المُتَمَثِّلَةِ بالعُصْفور- عُصْفور الغابَة والجَداوِل والسَّماء. إنَّ الكُتُبَ لا سيما المُلْهَمَة مِنْها تَحْوي سيّالاً عُلْوِيّاً (بحسب التعاليم الدَّاهِشِيَّة)، تملأه حياة- تنقُل فيه القارئ المُتَيَقِّظّ الواعي إلى عالَمِها البَهِيّ فيُسافِر سائحاً من منطَقة إلى أُخْرى، في هذا الكون الفسيح، لِيَنْهَلَ من مائها وطعامِها ويَتَنَسَّم هواءها، باعِثُ الروح الجديدة.

 

٣- (الكُتُبُ هي طعامي المُفَضَّل. وَنَهَمي لالتِهامِ مُتَنَوَّعاتِها لا يُشْبِعُ فُضولي مُطْلَقاً مَهْما طالَعْتُ مِنْها. فأنا أقرأها وأتذوَّقُ حَلاوَتها، وأنْتَشي بِما تَحْويهِ مِن كنوزِ المَعْرِفَةِ التي أوَدُّ فضَّ مَغاليقها، واستيعابِ أسْرارِها المَكْنونةِ دَوماً وأبَداً.)

 

قد يَجِدَ الرّياضيّ لَذَّةً في تناول طَعامٍ مُعَيَّنٍ لإبْقاء صِحَّتِهِ جَيِّدة. يُمارِسها البَعْض الآخر ظَنّاً منهُ أنَّه بِمُحافَظتِهِ على صِحّته يتمكّن من إطالَةِ عُمْرِهِ- كما أورَدَ النَّبيّ الحبيب لِأخوَة.

إنَّ الرياضة أمْرٌ هامٌّ وَمُفيدٌ لِدَرَجَة مُعَيَّنة. لكن ما مِن من فائدة تُرْجى على المَدى البَعيد للنَّفْسِ إلا الاسْتِرشاد بالكُتُب التي تُبَشِّرْنا بالحَقّ الآتي بالكَلِمة، كَلِمَة السَّماء، وَما أعْلَنَهُ النَّبيّ الحبيب الهادي بالرّوح.

وعلى الجُمْلَة، الكُتب هي وسيلة هامَّة، بَل الوَسيلَة لِنَقْلِ الخَبَر الثَّقافِيّ المُفيد للنَّفْس، وهي الدَّافِع بِها، بإرادَةِ الإنْسان، لِفِعْلِ الخير وتَحْريرِها بالحَقّ من كُلِّ عبوديّة، فالحقّ يُحَرّرنا كما قال السيّد المَسيح عليه السّلام. وهو أيضاً ما نَراه في تَصَرّف النبي الحبيب بالرّوح أكان لِمَن عَرَفَه أو قرأ كلماته. 

الكِتاب كَملكوت ذي أبواب روحيّة موصَدةٌ دونها كنوز روحيّة كَصَرْح عظيم ثابِت أبَداً طَيّ المادّة في عوالِم الروح الخالِدة، حيث مياهها أنهارٌ حَيّةٌ في قُلوبنا، تُحيينا بِرَشْفَةٍ. هكذا السَّفَرُ إلى أعْماقِ النَّفْس- السَّفَرِ الحقيقي. الانتقال بين جُمَلِ الكتاب كالتَّنَقُلِ في الوِدْيانِ والمتاهات المُوصِلَةِ لَنا خَلْفَ أحْجِبة أشْجارِهِ إلى أبوابٍ سِرِيّة دونَها النّور والخلاص وجَنّات كَفردوس عدن بمعانيها الموغِلَة في العُمْق.

 

٤- (عِنْدَما يَتَوَقَّفُ قَلْبي عن الضَّربات، وَيُلْحَد جسدي في حُفْرَتِهِ الصَّامِتة الموحِشة، أوَدُّ أن تُرافقني جُيوش لَجِبَةٌ مِن الكُتُب، يَدَّثِرُ بِها جَسدي المُسَجّى في حُفْرَتِهِ الخالِيَةِ البارِدة المَنْسِيَّة. فالكِتابُ خَيرُ رَفيقٍ لي في حَياتي، وأتَمَنّى أن يُرافِقني بِمَماتي).

 

 الكُتُبُ بِسيّالاتِها الخالِدة حياةٌ وَروح وَصَحْوَةٌ تَتَغَلْغَلُ في أعْماقِ النَّفْسِ فَتُحَرِّرها عاتِقَةً إيّاها مِن مَوتٍ إلى حياةٍ، حيث تتشارَك سيّالاتها وَسيّالات (القارِئ)- بِحسب التّعاليم الداهِشِيّة الحَقَّة- فَتُرَقّيها بِحسَبِ دَرَجتها الروحيّة، أو تُسَفّلها إذا كانت سُفْلِيّة تحُضُّ القارِئ على فِعْل الشَّر والعياذُ بالله.

لِذا أوصى الدكتور داهِش بِقراءة الكُتُب ذاتِ الفائدة، لِما فيها مِن تَحْفيزٍ لِعَمَلِ الخير. فالعَمَل بالنّسْبِة للجسَد كروحٍ له. فَبِلا عمَل الجَسَدُ مَيِّت. وهَكذا هي الحياة في كُل شيء. حتّى أن ذَرّات المادَّة إذا ما تَوَقَّفَت أُبيدَت المادّة فتوقَّفَت الحياة. وإذا تفكَّكَت عناصِرها عن بعضها البعض حدث انفجار عظيم يفْتكُ بِمُحيطها.

 

لِنَقْرأ ما أورَدَهُ الدكتور داهِش عَن نوعِيَة الكُتُب التي يقْرأها:

 

٥- (وأجْمَلُ ما أتوقُ لِمُشاهِدَتِهِ رُكام من الكُتُب، وتِلالٌ من مؤلّفاتِ الفَلاسِفة والحُكَماء، وجِبالٌ مِمّا أنْتَجَتْهُ قرائحُ العُلَماء والمُكْتَشِفين والمُخْتَرِعين، وخُلاصَةُ ما تَمَخَّضَت بِهِ عُقول وأفْكارُ الأُدباء الأفْذاذ، والشُّعَراء المُلْهَمين المُبْدِعين.)

 

وفي موضِعٍ آخَر يَقول:

٦- (الصَّديقُ الوَفِيُّ هو الكتابُ. فَإليهِ ألْجأ، وفي رِحابِهِ أرْتَع. ثُمَّ أجوس صَفَحاتهِ، مُنَقِّباً فيها، ذارِعاً سُطورها، مُتَمَتِّعاً فيما أُطالِعهُ، هائماً في الحوادِثِ المَسْطورةِ التي تَرْوي أخْبارَ المُلوك، وحَوادِث القياصِرة، وبَذْخِ الأباطِرة، وَقُصّ مُغامَراتِ الرَّحالَة والمُغامِرين، وحُروب القُوّادِ والفاتِحين، مُتَتَبِّعاً فيها قِصصَ الحياةِ والموت).

 

في العواصِف والأعاصير المُهْلِكة يَلْجأ الإنسان إلى مخابِئ آمِنة تقيه ثوران الطّبيعة المُهْلِك.

هكذا يَلْجأ النبيّ الحبيب من جحيم متاعِب الحياة وعذاباتِها إلى الكُتُب؛ خَيرُ مَلْجأ، فَيَنْهَلُ من عِبَرِها ما تَرَكَتْ من عِبَرٍ حياتيّة للأجيال التّاليَة. فالشّرّ لا بُدَّ جالِبُ الوَيل والخراب إلى البَشرِيّة ليسَ إلا، كما هي نِهاية المُسْتَعْمِرين بأساليبهم المُلْتَويّة، فَنَتَعلّم من سِيَر حيواتِهم أنهم فَنوا وممالكِهِم وغَنائمهم التي لا تُعَد دون أن يتركوا شيئا مِمّا وعدوا به شعوبهم سوى الأكاذيب والخراب ورُبّما الانقسامات الاجتماعِيّة الحِزْبِيّة منها عند بَعْضِهم.

أمّا رِجالُ الرّوح كالأنْبياء عليهم السّلام والهُداة والعباقِرة الفنّانين والعُلماء، فَخُلِّدوا في التاريخ، تَلْهَجُ نفوس البَشَرِ إلى أعمالهم الخالِدة في وقت الضّيق، كارِعة مِمّا تركوه من أعمالهم المُبارَكة، فَتَسْمو بهم وبِمَن أدْرك قيمة أعمالهم إلى عوالِم الفِرْدَوس بأنْظِمَتِها السَّماويّة العادِلة الرّحيمة.

 

٧- (للكَلِمَةِ قُوَّةٌ تَخْشَعُ أمامَها القَنابِل الُمُتَفَجّرَة، وَتَنْحَني لَديها الصَّواريخ المُدَمِّرة، وَتَجْثو لِسَيْطَرَتِها المَدافِعُ الهادِرة بِجَبَروت، فالثَّورَة الإفْرَنْسِيَّة ما كانت لِتَنْدَلِع، وتَجْتاح المَلَكِيَّة، إلّا بِفَضْلِ ما دَوَّنَهُ يراعُ فولتير، وَديدرو وروسُّو وَغيرهِم… وَدْريفوس ما كان لَه ان يُغادِر سِجْنَهُ الرَّهيب بِجَزيرَةِ الشِّيطان، لو لَم يُنْقِذهُ دِفاعُ إميل زولا، ذلك الدّفاع الرّائع).

 

إنَّهُ مَهْما بَلَغ عُتُوّ وَسَيطَرة مالِكي القنابِل النّوويَّة، تَبْقى الكَلِمة مُتَفَوِّقةً عَليها تُقَولِبُ الحياةَ وَتُرْشِدُ النّاس إلى سواء السَّبيل، مُحَطِّمَةً فيهم كُلَّ وَهْمٍ فَتَرْتَقي بِهم مُخَلِّدَةً سيّالاتِهم في درَجات النَعيم العُلْوِيّة؛ مَن اتّبعوا مشيئة الخالِق الرّحيمة الخلاصِية أبَداً. الكلَمة التي إذا ما عملوا بها وعاشوها تُحَطِّمُ فيهِم كُلّ وَهمٍ فَتَرْتَقي بِهِم مُخَلِّدَةً سيَّالاتَهم في عوالم النّعيم حيث الخلود والأنبياء والهداة والمُصْلِحين والقُادة الشُّرَفاء في الرُّقي الأخلاقي بالتَّواضُع والكرم. مع العِلْم تَنْهَضُ الحضارات؛ بالكلمة المَغْروسة في نفوسنا، ما اعْتنينا بها وحَفِظْناها وَسِرْنا بها في كُلّ لَحْظة.

وذلك بِخِلاف كلمات السيّالات السُّفْلية التي إذا أخذَ بها الإنسان زاددته أوهاماً وأحمالاً وهمية يخالها بنفْسه حقيقية فتزيد دون نهاية حتى تقْضي عليه بارْتكابه الشر النابع من الغضب المَقيت (الوَهْمي) الفاتِكِ بالأعْصاب. 

أما المؤمنون، فيدوسون أفاعي تلك الأفكار الدّنيئة التي مَنْبعها دَرَكات الجحيم البائد الكاذِب؛ يدوسونها بكلمة الحَقّ المُحَرّرة وسيف نور الخلاص بالنبي الحبيب الهادي.

 

٨- (أُحِبُّ الكُتُبَ حُبَّاً جَمّاً إذْ أَجوبُ بِواسِطَتِها ساحاتِ الوَغى، وأخوضُ غمار الأوقيانوسات الرَّهيبة، ثُمّ أُحَلِقُ في الأعالي مُتَحَدِيّاً جَبابِرَة النُّسور، شاقّاً طريقي خِلال الضَّباب العَجيب الغريب،

وَمِن ثُمّ تَراني جَوّاباً للآفاق، مُخْتَرِقاً الصَّحاري الشّاسِعة، والبَوادِي الواسِعة، مُنْدَمِجاً بالمَهْرجانات الصَّاخِبَة الضّاجة بالأفراح، ثُمَّ مُشاهِداً المَآسي المُشْبَعَةِ بالأتْراح، 

وغير ذلك مِمّا تَزْخَرُ بِهِ (كُرَتُنا الأرْضِيّة)،

وَبِما يُمَثِّلُهُ سُكّانُها مِن خَيرٍ وَمِن شَرّ.

جميعُ هذا أُشاهِدُها دون أن أنْتَقِلَ مِن مَكاني بِواسِطَة الكِتاب. فَما أحَبَّ الكُتُب إلى قَلْبي).

هُنا نرى سَفَرَ النّبيّ الحبيب إلى أعْماقِ النَّفْس، وهو التّجوالُ الحقيقي- (فيكم انْطَوى العالَم الأكْبَر)، إنه التّجوالُ بِمَسْحِ الغشاوَةِ عَن العيون فَيُبْصِر الإنسان الأمور كما هي؛ كما خَلَقها الله في عالَمِه الروحي حيث العدالة والمنطق، هكذا كما خلق الله الأمور، لا كما خَلَقَتْهُ تصوّراتنا المادية العَقْلِيّة الفانية، عن ما نُحَلِّلُهُ من تصرّفات بعضنا البعض في الشكوك المتراكِمة، بِسَلْبيّة، لِنَخْلُص بها إلى تدميرنا!

بل بالأحرى، بِخلاص الله الروحي ونظامه العادِل السماوِي، نرى الأشياء وِفقَ طِباعها في السّلام- هكذا، كما شاء الله لها أن تكون عليه بِرَحْمَتِهِ الأبَدِيَّة.

 

إقرأ أكثر

قصة إبنُ المُقَفّع- جزء ٤ - "الدّاهشيّة والفن"

   أحمد يونس، مونتريال، كندا

 أنا رَجُلٌ مُغْرَمٌ بالفُنونِ الجّميلَة 

شَأني في ذلك هو شأنُ جَميعِ النّاس

الذين يُحبّونَ الجّمالَ 

 كما هو شَأنُ جميع الدّاهشيّين 

 ذلك أنَّ الدّكتور داهش هو الذي 

زَرَعَ فينا هذا الشّغَفَ وهذا الإهتمامَ 

 حيثُ أنّكَ لا تَزورُ مَنزلاً داهشيّاً 

إلّا وتَجد فيه بعضَ الأعمال الفَنّيّة 

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

وليس المَقصودُ هنا أنْ نَصرفَ أمْوالَنا

  كي نَشتَريَ ما نُحبُّ

  منْ أعمال الفَنّانين العُظماء

 وليس المَقصودُ أنْ نَحرمَ أنفُسَنا

منْ أجْلِ عُيون الفَنّانين .. أبَداً

المَقصودُ ببساطَةٍ تامّة هو

التّفاعُلُ المُستَمرّ والجّادّ

معَ الجّمال الفَنّ، التَمَتُّع بما 

 أبدَعَتْ مَواهبُ العَباقرة منَ الفَنّانين 

وأقولُ لمَنْ يَسْتغرِب أو يَسْتَخِفّ 

أليس الله هو ثالوثُ الحَقّ والخَيْر والجّمال ؟؟؟

وهل نَسينا أنَّ اللهَ جميلٌ ويُحبُّ الجَّمال ؟؟؟

وهل نَسينا أنَّ جَنّةَ الله هي عالَمٌ جميل ؟؟؟ ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

وشاءتِ الظّروفُ أنْ أجدَ عَمَلاً 

 في أحَدِ المتاحف الكَنَديّة الشّهيرَة 

 وهو متْحَفُ الفُنون العَصريّة الذي يَعرِضُ 

لَوْحاتٍ منَ النّوْع التّجريدي السِّريالي 

وقد قَبلتُ الفُرصَة َ , ليس حُبّاً بالمتْحَف  

إنّما , مِنْ أجلِ الإستفادة الماليّة  

وبعدَ عَشرِ سنواتٍ مِنَ العَمَل المُتَواصِل 

 ورغمَ التّفاني، ورغمَ العلاقات الوَثيقَة 

التي نَسَجتُها مع كافّة المَسؤولين 

تَمَّ فَصلي منْ عَمَلي 

والسّبَب هو أنّني طالما صَرّحتُ برأيي:

أنا لا أعتبرُ اللوْحات التّجريديّة السِّرياليّة

أعمالاً فنّيّة

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,  

وكان، منْ جهتي غَضَبٌ 

 وكان اسْتياءٌ، وكانت، فَورةُ أعصابٍ 

وكانت لعَناتٌ، وكانت شَتائمُ، وكانت إتّهاماتٌ 

 وكان منْ جانبِ الإدارة تَهديدٌ بدَعوَة البوليس 

 فحَمَلتُ نفسي وخَرَجتُ 

حاملاً في يَدي شيكاً بخَمسة آلاف دولار كتَعويضٍ  

 وانطَلقتُ بإتّجاه السّاحة العامّة

  حيثُ إعتدتُ أنْ أركنَ سيّارتي صباحاً

وهنا بدأت الرِّواية الحَقيقيّة 

 أقفَلتُ بابَ المتحَف ورائي 

 وما كدتُ أنْ أخطوَ خُطْوَتين

  حتى لَفَحَتْ جَسَدي نَسَماتٌ عَذبَة 

نَسَماتٌ منَحَتني شُعوراً بالطَّمأنينة

  يُحاكي شُعورَ طِفلٍ يَغفو في حَضْنِ أُمّه 

 وما إنْ وَضعتُ قَدَمي اليُمنى على الدّرَجة الأولى 

 حتّى تَنَسّمتُ مَزيجاً منَ العُطور

  لا يُمكن أنْ يكونَ مَصدرُها أرضيّاً 

  عُطورٌ إنسابتْ في أنفي

  إنسيابَ الرّحمة الإلهيّة في مَتاهات الوُجود 

 وما إنْ بَلغَتْ هذه العُطورُ رِئتَيّ 

 حتى إحتَلّتني رَعَشاتٌ لا أستطيعُ لها وَصْفاً  

إلّا أنّها مِمّا وُعدَ به الأولياءُ والقدّيسون 

 منْ شَعبِ الله المُختار 

 وما إنْ وَضَعتُ قَدمي اليُسرى على الدّرجَة الثانية

  حتّى طَوّقتْني سَحابَة عَذبة , رَقيقة , نَيِّرَة

 راحتْ تطوفُ حَولَ جَسَدي وتَزرعُ فيه

ما أحتاجُه منْ تَعزِية , وتَطمين , وتَهدئة

  حتّى شَعَرتُ أنَّ العِناية الإلهيّة

  قد مَنَحتني أطيَبَ بَرَكاتها

  وما إنْ خَرجتُ منْ أرضِ المتحف

 ووضَعتُ قَدمي في الشّارعِ العامّ

  حتّى رأيتُ يَداً أثيريّة 

 تَفرشُ أمامي بِساطاً منَ الوُرود المُلوَّنة الطبيعيّة 

 يُعالجُها مَوكبٌ منَ سُكّان الفِردَوس 

و الغَريبُ العَجيبُ هو أنّ الآخَرين

  كانوا يَروحون ويَجيؤن بصورة طبيعيّة

 مِمّا يؤكّدُ أنَّهم لا يَرون ما أرى 

 ولا يَشتَمّون ما أنا أشْتَمُّ 

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

 وصَلتُ إلى السَيّارة

  حيثُ كان في إستقبالي سَبْعُ فَراشاتٍ

مِمّا أبدعَتْ يَدُ الفَنّان الأكبر 

 الذي هو الخالقُ العَليُّ العَظيم 

 وراحتْ هذه الفَراشاتُ الإلهيّة

  تَطوفُ حَولَ سَيّارتي

  وتَنثُرُ منْ أجنحتها رَذاذاً منَ الفتنة الفردَوسيّة 

 ممّا أنساني عالَمَ الأرض الجّحيمي  

وجَعَلَني حَقّاً في نَعيمٍ حَقيقي   

 ولكنْ بكلّ أسَفٍ 

 لمْ تَستغرقْ هذه الحَفلة خَمسَ ثَوانٍ 

 حتّى غادرتْني هذه الزّائراتُ 

 تاركاتٍ وراءَهنّ ورقةً تَلَقّفتُها بحَميّة وفتَحتُها

  فإذا بها رسالة منَ الدّكتور داهش 

  وهذا هو المَضمون :

  1,,,,, إنَّ الفَنَّ يَسْتَهويني .

2 ,,,,, أنا أتَعَشّقُ الفَنَّ .

3 ,,,,, أنا أحبُّ الفنونَ الجّميلة .

4 ,,,,, إنّني أسافرُ بقَصدِ زيارة المَتاحف .

5 ,,,,, أنا مُعجَبٌ بذلك الفَنّ القديم .

6 ,,,,, إنَّ الفَنَّ الأصيل هو الفَنُّ الواقعي .

7 ,,,,, لقد سَيطرَ الجّهلُ في مَوضوع الفَنّ …

8 ,,,,, إنَّ الفَنَّ في هذا العَصْر  

         قد إنقلبَ منْ مَلاكٍ إلى شيطان .

9 ,,,,, تأسّفتُ لهذه الهُوّة السّحيقَة 

          التي تَرَدّى فيها الفَنُّ في عَصْرنا هذا .

10 ,,,,, مؤسِفٌ هذا الواقعُ

           الذي أصبحنا فيه بعَصْر السِّرياليّة .

11 ,, الفَنّ السِّريالي :

           تافه , كاذب , مُخَنَّث ,

            مَهزَلة , جُنون , أُضحوكَة ,

            دَجَلٌ فَنّي , شَرَكٌ تافه , 

            ضَحكٌ على الذّقون , 

            يَقلبُ المفاهيم , 

          تشويه للفَنّ الحقيقي , 

         لا قيمة له ,

         لا يَمَتّ إلى الفَنّ بِصِلة .

12 ,,,,, اللوْحات السّرياليّة عبارة عن :

          نُقَط , دَوائر , ألوان , خُطوط ,

           شَحطات , خَرابيش , 

          لا يُعرَف لها رأس منْ ذَنَب , 

          لا مَعنى لها .

13 ,,,,, متى سيكون في البلاد العربيّة مَتاحف ؟؟؟

 

إقرأ أكثر

ولادة النجوم

من أقاصيص زينة حدّاد

ترجمة سمير حدَّاد

 

قدرة الله قائمة في كل مكان. من قبل التكوين لم يكن للخير والشر أي وجود. كانت الجمالات تضمّخ مملكة الله. كان كل شيءٍ نورًا، لا شيء سوى النور، النجوم إثر تدور وتندفع في الفضاء اللامتناهي.

          آهٍ، لو كان بامكاننا أن نعود فنعاين المجد والغبطة الأزليّين اللذين كانا سائدين في تلك الأزمنة. الأقلام والكلمات تقف عاجزةً عن توصيف هذه الأبهة المقدسة، إذ لا امكانية أن يصل إلينا على هذه الأرض بعض من اللمحات البعيدة عن ذلك. وإن ما تيقظت في ذاكرتنا لصار لنا من دموعنا أثواب لكلّ يوم وبالطبع لكان الجنون رفيقنا لأننا خسرنا كل شيء.

          وكان زمنٌ تفجر فيه غضب الله وثارت ثورته في جميع مملكته وغيّرت الكوارث والنكبات وجه السماوات، وتصادمت عوالم الأزليّ وتشتّتت، وامّحت غالبية النجوم. وبعد أن طر ملائكته الخاطئين المستكبرين، وضع الله حدًّا بين مملكته والقسم الآخر من مقاطعاته الملكيّة إذ ألقى بحجاب صفيق فاصلاً بذلاك عوالم السماوات عن العوالم السفليّة، وأصبح الله غير منظور.

                                                أولم يقلْ فيكتور هوغو:

الإنسان إله لكنه سقط من السماوات وما يزال يتذكر ذلك.

          والله قال:

– أيتها الأنوار والكواكب وشرارات الضوء، إمّحي عن عوالم الفساد! وتمّ ذلك. فقد حجب النجوم والنيّرات عقابا للخاطئين.

          وكانت المأساة، فقد ألقي معظم الملائكة ورؤساء الملائكة في الأعماق الجحيمية. وكان عقاب البعض الآخر أقلّ قساوة، كما فرض على البعض التكفير عن خطاياهم بشكل مغاير.

          أردت سرد هذه القصة بسبب حقيقة واحدة أو صُدفة واحدة شجعتني على حمل قلمي والكتابة لطالما أحببت النجوم، فلدي شغف في تأمل جمالها في ساعات فراغي واستراحتي.

          ذات ليلة صيف حارة كنت جالسة على أحد المقاعد أشاهد نيرات الله وأتأمل الجمالات السماوية رافعة المجد أمام جلالة الآله المبدع، ورحت أعبّر عن اعجابي وشغفي بصوت عالٍ. وفجأة شاهدت بالقرب مني فتًى أشقر ذا قسمات رقيقة، شديدة الجمال، دخل من أحد الأبواب الموصلة إلى الحديقة، وأدركت للتّو بأنه غريب، غير معروف.

          ألقى عليَّ التحيّة وقال:

  • استميحك عذرًا، فقد أردت فقط مشاهدة حديقتك، فقد بدت لي من الخارج أنها على قدرٍ من الجمال والعناية.

شكرته على إطراءه وعوته للجلوس بجانبي. كان حديثه جذّابًا، شيّقًا، ولاحظ أنني مهمة بالنجوم فقال لي أيضًا:

سوف أروي لك قصّة أو أسطورة سمعتها من أهلي الّذين سمعوها هم بدورهم من أهلهم وهكذا دواليك.

  • قبل الخلق والتكوين وقبل آـدم وحوّاء حصل سقوط الملائكة. وفي ذروة غضبه مسح الله أمراء العوالم التي لا قدرة لنا على إحصائها،

ولم يكن باستطاعة أحد أن يقدّر ويتخيل الغصب الإلهي الذي عمّ جميع الأرجاء. وبسقوصهم توزع الخطأة كلّ بحسب ارتكابه في أرجاء الجحيم. كان العقاب بالنسبة للبعض خفيفًا فقد حكم عليهم بطريقة مختلفة عن غيرهم، فما كان عليهم سوي التكفير عن خطاياهم.

          في هذه الأثناء كان الله قد فصل مملكته عن مناطق تواجد الخطأة، فقد وضع غشاءً صفيقًا على مملكته حاجبا نوره عن النفاذ إلى طبقات العوالم السفلية حيث كانت ظلمة مطبقة، تحت هذه القباب القاتمة كان بعض الملائكة والأرواح يكفرون عن آثامهم في ليل دائم أزلي. كانت هذه الأرواح مزوّدة بأجنحة بيضاء وكانت تائهة تهوّم في الأحواء. اعتادت عيونها على الظلمة والسواد. هؤلاء الملائكة الساقطون كانوا يشكلون موكبًا لا نهاية له في هذه الأماكن المظلمة، ومن أجل أن ينالوا قسطًا من الراحة كانوا يتكئون بأجنحتهم الواحد على الآخر.

          كان الله حين ذلك قد أزال النجوم من السماء وجميع الكواكب، والملائكة الساقطون يتلقون عقابهم ويبكون حرقة على الأيام الخوالي. لم يكن لهم الحق بالاستراحة فعليهم أن يحلقوا دون توقف في هذا العدم الحزين.

          إلا أن عطف الإله وشفقته كانا يتجلّيان أحيانصا. فقد كان هناك كوكب ذو جلال وعظمة، يظهر لمدّة من الزمن. كان بالغ الارتفاع، مرصعًا بنجوم رائعة باهرة متعددة الألوان. أحبّه ملائكة الزمن القديم وأعجبوا به وأخذ بهم الحنين.

كانوا يعودون بالذاكرة إلى ذكريات قديمة من العصور البائدة خاصة لحظة سقوطهم، ويتذكرون أيضًا الأماكن التي كانوا يقيمون فيها.

          كانوا يرون أزهاراً ملوّنة ترسل أنواراً متألقة وتدور في رقص سماوي. هذه الأزهار ذات الألوان المتساوقة كانت جواهر تبرز أعناقها من تربة أسمها شمس الشموس. وكانت طيور سحرية فاتنة تنشد بأصوات منسجمة أناشيد سماوية.

          وتتدفق شلالات ساحرة مبدعةً أقواس قزح تسكبها علينا وعلى هذه الفراديس الصغيرة المزدانة بأعداد لا تحصى من الزهور والثمار التي لم تكن سوى حجارة ثمينة، وكل حليةٍ من هذه الفحلى الرائعة التي لا تقدّر بثمنٍ يتمثل فيها روح سماوي. ومع مرور الأيام “راحت الأزهار والثمار تزداد قيمة وجمالاً ونقاءً، وفي هذا الألق الشفاف النقيّ يتمرّى وجه ونقاءً، وفي هذا الألق الشفاف النقيّ يتمرّى وجه من وجوه القد=سية السماوية.

          إن ظهور هذا الكوكب الفتّان كان رأفة بخطأة الأزمنة الماضية. وبقدر ما كان هذا الظهور عابرًا، إلا أنه اعاد إحياء ذكرى الإله الكلّي القدرة في نفوسهم وغمرها بندم شديد لأنها عصته وخالفت أوامره. وتكشفت رحمة الله بكامل مجدها، فقد تذكر الله ملائكته الساقطين لأنه كان وما يزال يحبها.

          وعمّت رأفة الله جميع عوالمه، فانتشر نور أزرق في الفضاء، وأُبدعت السماء الزرقاء، واقتطف الله من كوكبه نورًا أحمد فكانت الشمس، ثم أطلق في عتمة الليل غمامة من شرارات الضوء التي تفرقت في الجلد الأسود، شرارات الله السرمدي هائلة عملاقة، وتثبتت في الفلك لتصبح نيّرات الليل.

وتذكر الله بعظيم عطفه أولاده الساقطين بعد أن قاسوا وتحمّلوا قدرًا عظيمًا من العذابات والآلام، فوهب نجمة لكل واحدٍ من الذين تابوا إليه. وهكذا كانت ولادة النجوم.

ينبغي أن نتذكر رحمة الله وعطفه كلّما نظرنا وتأملنا نجوم السماء.

ورفعت عينيّ نحو الأعالي وكنت غاية في السعادة إذ استمتعت إلى ذلك الشاب الذي روى لي هذه الحكاية الجميلة عن ولادة النجوم. وإذ استدرت نحوه لأشكره، كان قد اختفى.

هل هو يا ترى واحد من هذه الملائكة الذين سقطوا وجاء بعد أن تاب إلى الله، ليقص علينا قصته؟ لست أعلم، غي أنني نقلت لكم بكل أمانة ما سمعته على لسانه.

إقرأ أكثر

More Topics

هدف المجلّة

تماشيَّاً مع الثورة الرقميَّة

صفحات

صفحات من الفنِّ والعلم

من نحن

ندعو بالعودة الى جوهر الأديان

القسم الإنكليزي

للناطقين بغير العربيَّة

المُنتدى

أنتم تسألون والدكتور داهش يُجيب

دراسات و أبحاث

الحقُّ للقوَّة

الروح والسيّالات

الروح والسيّالات

حليم دمُّوس

 (الحلقة 61 ، مجلّة” الدبّور “، 20 حزيران 1949)

الروح والجسد في عراك دائم .

هذا ما علمناه من الدكتور داهش في جلساته الروحيّة .

وكانت الروح القدسيّة التي كانت تحتلّه في تلك الأثناء تأتي وتكشف لنا النقاب عن أسرار هذا الوجود .

وقد فهمنا أنّ في كلّ دين من أديان الأرض قبسا من الحقائق الالهيّة ، وأنّ هذه الأديان كالأجناس والألوان البشريّة متّصلة ببعضها بعضا ، متمّمة لبعضها بعضا .

فمن الدين الأوّل البدائي للأديان السامية حلقة من التعاليم التي تزداد رقيّا وروحانيّة كلّما ازدادت البشريّة أو كلّما ازدادت فئة منها رقيّا واستعدادا لتقبّل الحقائق الخالدة .مثلا:

انّ رجل الغابات لا يمكنه – بالنسبة لتطوره الروحيّ – أن يتقبّل تعاليم المسيح ، له المجد . فرجل الغابات الخارج من الحيوانيّة هو بميوله وغرائزه – وهذه كلّها سيّالات روحيّة مسؤولة – قريب كلّ القرب من الأرض والمادّة ، بعيد كلّ البعد عن السماء والروح .

ورجل الغابات هذا قد تناسل ، فاذا بسيّالاته تنتشر في أجسام جديدة . وتتبع هذه السيّالات تطوّرات العصور والدهور . ويأتي الأنبياء والمرسلون ويشيّدون الأديان بموجب خطّة مرسومة منذ الأزل من العناية الالهيّة الضابطة لكلّ شيء . فرجل الغابات هذا ، أو من تناسل منه – وهو سيّال منه – ينال نصيباً من التفهّم والرقيّ الروحيّ بصورة تدريجيّة .   

الروح البشريّة

وقد علمنا أمرا مهمّا جدّا ، وهو أنّ الروح  لا تتمركز في الجسم ، بل هي في مكانها العلويّ. ومن ذلك المركز تسيّر الروح الجسد أو الأجساد المتعلّقة بها .

أمّا في هذا الجسد فلا يوجد الاّ نفس للحياة وسيّالات مختلفة نشعر بها في ميولنا . فالبخل سيّال درّاك مسؤول ؛ وهكذا الكرم .والظلم سيّال مسؤول ؛ وهكذا العدل ؛ والكسل والنساط ، والبغض والحبّ ، والشراهة والاعتدال والطمع والقناعة ، وهكذا قل عن بقيّة النزعات والنزوات التي يشعر بها كلّ انسان ….

والحرب مشتعلة بين الحسن والقبيح ، أي بين الخيّر والشرّير . ومصير الروح متعلّق بنتيجة معركة سيّالاتها الأرضيّة . فامّا أن تتغلّب السيّالات الطيّبة على السيّالات الشرّيرة ، فترتقي الروح وترتفع في سلّم السماوات . وامّا أن تتغلّب السيّالات الشرّيرة على السيّالات الطيّية ، فتتدنّى الروح وتهبط الى الدركات السفليّة .

وعلمنا أيضا أنّ هذه الأرض قديمة جدّا يعود تاريخ خليقتها الى 76 مليون من الأعوام . وقد مرّ عليها 760 دورا من الأدوار التجديديّة ، ونحن الآن في دور نوح ، أي دور الطوفان .

وكانت المخلوقات في العصور الأولى أقلّ رقيّا ممّا هي عليه الآن ، أي انّ نزعاتها الشرّيرة كانت هي المتغلّبة على النزعات الطيّبة تغلّبا تامّا . وهذا الوضع يتجلّى في أشكالها الجسديّة اذ كانت تلك الأجساد قبيحة المنظر، مرعبة الهيئات ، تحيا طويلا على الأرض . وكانت في حرب دائمة ، كالديناسور والأكتيوزور والجبابرة والماموث الخ…

وعلى مرّ العهود وتوالي الأجيال ، وبعد الآلام والمحن التي مرّت بها الأرض ومن فيها ، ارتقت تلك السيّالات نوعا ، فكان من نتيجتها أن ارتقت الأشكال الجسديّة التي تأخذها هذه السيّالات في عصرنا الحاليّ. ونحن في تقدّم دائم بفضل التلقيح السماويّ الذي يأتينا بصورة مستديمة من السماء ، والمتجلّي بالأنبياء والمصلحين والهداة والعلماء والحكماء الذين يأتون الى الأرض في كلّ أمّة من الأمم وفي كلّ شعب من الشعوب وفي كلّ دور من أدوار التاريخ الأرضيّ ، الى أن يحلّ ملكوت الله المتنبأ عنه والذي سيتمّ بعد انتصار الخير الساحق على الشرّ الباطل .

أمّا نحن ، معشر البشر ، فعمّال في هذا العراك الغير المنظور . ومن نتيجة أعمالنا ، امّا أن يتأخر مجيء ذاك العهد الروحيّ العادل ، وامّا أن يتقدّم أجله .

والقضيّة مهمّة جدّا بالنسبة الى كلّ فرد منّا، اذ لا يمكننا التملّص من نتائج الأحوال العامّة التي يخلقها في المجتمع انتصار الخير أو انتصارالشرّ. هذه هي مسؤوليّتنا الجماعيّة .

أمّا مسؤوليّتنا الفرديّة ، فهي تامّة ثابتة بموجب قوانين غير منظورة نعطي عنها شرحا قليلا فنقول:

لكلّ روح سيّالات . ومن هذه السيّالات من ارتقى الى السماء وتتجلّى آثاره فينا بالنزعات الطيّبة .

ومن هذه السيّالات أيضا من هو باق على الأرض ، وتتجلّى آثاره بنزعاتنا المادّيّة . ومن هذه السيّالات من تدنّى وعصى فاستحقّ العقاب والجحيم ، وتجلّى آثاره فينا بالنزعات الشرّيرة .

وكلّ انسان يشعر بهذه النزعات الثلاث : نزعات طيّبة ، ونزعات مادّيّة تسمّره في الأرض ، ونزعات شرّيرة تدفع به الى ارتكاب الشرور .

أمّا جسدنا فهو المستودع وآلة التجربة التي تأتي اليها هذه السيّالات لتتجرّب وتمتحن . وظروف الحياة المختلفة التي نمرّ فيها هي التي تخلق ذاك الامتحان .

فاذا انتصرت سيّالات الخير على النزعات الشرّيرة في الانسان ، انسحقت تلك السيّالات الشرّيرة ، ثمّ تهذّبت وارتقت الى السماء لتتّصل بأخواتها . والعكس بالعكس .

وهذا يعطيك فكرة عن أسباب تنوّع الناس في نزعاتهم وميولهم . فمنهم من تسيطر فيهم الميول الروحيّة كغاندي مثلا أو جبران الخ … وهذا ناتج عن انتصار السيّالات الصالحة فيهم على تلك الميول الجسديّة والميول الشرّيرة في محنتهم الأرضيّة ، فأصبحت معظم سيّالاتهم أو كلّيّتها صالحة للسماء .

ومن الناس من تسيطر فيهم الرغبات الأرضيّة والسيّالات الشرّيرة على السيّالات الصالحة ، فيتجلّى ذلك في اتّجاه حياتهم وأعمالهم وأفكارهم ، اذ كلّها تتّجه نحو الأرض أو الشرّ . وكلّما ازداد في الانسان عدد سيّالاته الصالحة ، أصبح ميّالا للخير أكثر فأكثر . وكلّما ازداد فيه عدد السيّالات الشرّيرة ، أصبح ميّالا للشرّ أكثر فأكثر . وهذا هو سبب تنوّع الناس نزعاتهم .

وعندما تنطلق هذه السيّالات من الجسم بواسطة الموت ، ترى في لحظة واحدة نتيجة تصرّفها في المدّة التي أعطيت لها كي تتجرّب على الأرض . فامّا صعود وهناء ، وامّا هبوط وشقاء .

 

إقرأ أكثر

الحقُّ للقوَّة

حسين يونس

الحقُّ هو ميزان العدل الإلهيّ، بعيداً عن العين البشريَّة، ولو لم تُدركه النفوس المُتجسِّدة بأشكالٍ مُختلفة، يتجاوز الحدود الثقافيَّة والعلميَّة وحتى المُجتمعيَّة، ولا تغيّره السنون، مهما كثُرَت وتباعدت، ثابتٌ وجود الله عزَّ وجَلّ، مُتحوِّلٌ في النَّفس الإنسانيَّة المُتغيِّرة باستمرار… هو نظامٌ إلهيّ عادل شاملٌ ودائم يُنصف الخلق، ويُشكِّلُ بارقةُ أمل المُستضعفين في الأرض كما في الكون أيضاً. ضرورة أخلاقيَّة، تُنير طريقنا نحو السلوك الأفضل، تُساعدنا على بناء إنسانٍ أسمى، توجّه خياراتنا وتُشكّل تفاعلاتنا مع المُحيط الخارجي للإبتعاد عن الأفعال التي تُسيء أو تُسبِّب الأذى وتنتهك حريَّة وكرامة الآخرين، كذلك مع الأحداث والتعقيدات الحياتيَّة الصَّعبة، لإحداث التغيير الإيجابي على النَّفس البشريَّة والعالم من حولها.

الحقُّ فعلُ أخلاق يُلزم المؤمن به للكفاح من أجله، والسعي وراءه، فرضه الله تعالى لتحقيق التوازن الكونيّ، ولعالمٍ تسود فيه العدالة، وتُحترمُ فيه القيم الإنسانيَّة ولو كان على حساب المصالح والغايات. باب للإرتقاء الرُّوحيّ، فوق المظالم، لا يخضع للتصوُّر البشريّ، ويعلو على القوَّة المُتأصِّلة في الغرور الإنسانيّ، لا ينقسم على ذاته، ولا يتجزَّء، خاضعٌ لقوانين السماء، بعيداً عن الأهواء السياسيَّة والعصبيَّات الدينيَّة، ولا يمكن بأيِّ شكلٍ من الأشكال أن يكون مُجرَّد ممارسة فكريَّة، أو مفهوماً عابراً، ولا مجرَّد إتِّفاق إجتماعي يكمن في خوف الإنسان من العقاب، بل هي إرادةٌ إلهيَّة مُطلقة.

هذا الحقّ الذي يتجاوز كونه مُجرَّد مفهوم قانوني وأخلاقي في أعماق المعنى والوجود، المرتبط بالله عزَّ وجلّ لتحقيق العدل والأنصاف كما التوازن والنظام، أساسه حريَّة الفرد، التي هي حقٌّ من حقوق الأفراد والمُجتمعات الطبيعيَّة.

فالله تعالى الذي خلق الناس متساويين في حقوقٍ لا يجوزَ التنازل عنها كالحياة والحريَّة والتطوُّر والتعبير، حقوقٌ لا تتغيَّر مع مرور الزمن، فهي ليست إمتيازات تُمنح، لأنَّها مُقدَّسة، هبةُ الخالق لخلقه، معروفها ومجهولها. ولا يحقُّ انتزاعها من كائنٍ ما، ممَّا يُعدُّ انتهاكًا صارخًا وعملاً منافياً للأخلاق الإنسانية، ويشكل اعتداءً على كرامة الإنسان. فالعدلُ يقتضي ألا يُحرم أيَّ فردٍ من حقوقه، مهما كانت أسبابه أو دوافعه، بصرف النظر عن الجهة الفاعلة التي تمارس هذا التجريد أو الأسباب التي تدعو إليها، والإعتداء عليها هو إعتداءٌ على الله جُلَّ إسمه.

ولكن من أين يستمدُّ الحقَّ قوَّته الإلزامية، هل من القانون أم من قيمته الأخلاقية؟

يرتبط الحقّ النسبيّ إرتباطاً وثيقاً بالحقيقة المُطلقة، أساسه التعاليم السماويَّة المُنزلة في رسالات الرُّسل والأنبياء، والمُتمثِّلة بالوصايا العشر، ويتداخل من حيثُ المعرفة بين الفلسفة الأخلاقيَّة والتشريعات القانونيَّة المُختلفة والمُتغيِّرة بتغيير الزمان والمكان على أساس المنطق والعقلانيَّة، كما ينطوي على تقييم الإفتراضات بناءً على تماسُكِها وأمكانيَّة التحقُّق منها، من خلال فهمٍ أعمق للواقع المُطلق الكامن وراء المظاهر أو المبادئ الأساسية التي تحكم الوجود. وهكذا، يكون إرتباط الحقّ بالمعرفة من خلال التجارب والملاحظات ضمن حدود الإدراك البشريّ، في حين أنَّ الحقيقة تنطوي على أبعاد جوهر الحياة والوجود.

وانطلاقاً من منطقِ الحقِّ والحقيقة، وضمن حدود معرفة الطبيعة الإنسانيَّة، والتصوُّر الطبيعي للحقّ، إرث البشريَّة المُشترك، كان حقُّ الحياة وإستمراريَّة الوجود هما جوهر الكرامة الإنسانيَّة والأنانيَّة، يرتكز على أساس الحريَّة المُطلقة في القول والفعل، ما ينعكسُ شعوراً بالقدرة على التصرّف وفقاً لمعتقداته مع ما يُدركه من إلهامٍ وأبعادٍ وحوافز، والسعي لتحقيق أهدافه بقوَّةٍ وعزم، كما القدرة على التغيير وخلق عالمٍ يُمثِّله، وبما يراه مُناسباً. وعليه يكون هذا الشعور هو القوَّة الدافعة وراء قوَّة الحقيقة.

وبما أنَّ الإنسان في الحالة الطبيعيَّة ميَّالٌ لإستحواذ الأشياء إنْ غابت الكوابح، كقاعدة عامَّة، إذ يعكس الرِّغبة في السيطرة والتحكُّم، وهذا ما يزيد التوترات والصراعات بين الناس، ممَّا يكون له تأثير سلبيٌّ على العلاقات مع الآخرين، ويُبقي الإنسان في حالةٍ من الضياع والخوف والقلق، ما يُعيقُ تقدُّمه وتطوُّره. وعليه، كان لا بُدَّ من البحث عن السلم والإستقرار من أجل البقاء، بإيجادِ نظامٍ موحَّدٍ ومُشترك يُعطي الحقَّ قوَّته، ولا يُفرِّقَ بين القويّ والضعيف، يُرغمُ الفردَ على التعايش مع حقوق الأخرين، يَحُدُّ من طلباته ورغباته واندفاعاته في إمتلاكه الأشياء، يُلزم الإنسان الفرد ويُخضعه لقوانين الحريَّات والمساواة، ويَصُدُّه بقوّةٍ خارجيَّة. فكانت الحقوق والتشريعات العادلة أساساً لبناء وتأسيس المُجتمعات، وتحويل الحريَّة الطبيعيَّة لكلِّ فردٍ الى حريَّةٍ مدنيَّة، بعيداً عن إمكاناته ومؤهّلاته، ومن فعلِ ما يراه مُناسباً في ضمان حفظ حياته واستمراريَّة وجوده على الصعيد الفردي، الى إلتزامٍ خاضعٍ الى القوانين التي تضمن له ولغيره العيش بكرامة، والإستغناء عن المصلحة الفرديَّة الآنيَّة الى المصلحة العامة ضمن المُجتمع. هذه القوَّة الخارجيَّة هي القانون.

وعليه، يكونُ الحقّ المُتمثِّل بالأخلاق، والقانون المُتمثِّل بالقوَّة، ليسا مُجرَّد مجموعة من القواعد العامّة، بل تعبيرٌ عن القيم الإنسانيَّة المُشتركة، يُمثِّلان المفاهيمٍ الجوهريَّة في تنظيم المُجتمعات، ويرتبطان مُباشرةً بكرامة الإنسان والعدالة الإجتماعيَّة وحفظ النظام العام، يتغيَّران ويتطوَّران مع تغيُّر الظروف والأحوال لتتلاءم مع التغيُّرات في المفاهيم الأخلاقية والاجتماعية، حيثُ يقومُ الحقَّ على حريَّة الفعل أو عدمه، بينما القانون يُحدَّد الحريَّة ويُلزم العمل به. ومن المعرفة الصحيحة عن العالم والأشياء، كان لا بُدَّ من التمييز وفهم العلاقة بين الحقّ والقانون، حيثُ الأول هو الهدف بينما الثاني هو الأداة لتحقيق هذا الهدف، مع الأخذ بعين الإعتبار أن القانون قد لا يكون دائمًا تعبيرًا صادقًا عن الحق.

وللحفاظ على الحقّ والقانون وقوَّتهما، أساس العدالة الإنسانيَّة، لا بُدَّ من أن يكون الجميع تحت سقف القانون، بغضِّ النَّظر عن خلفيَّتهم أو مركزهم أو ظروفهم، ومهما علا شأنهم ونفوذهم، من خلال محاسبتهم على أفعالهم وضمان مواجهتهم للعواقب المناسبة، من قِبل السُّلطات المُختصَّة، المُستقلَّة والنزيهة، وتعزيز ثقافة المساءلة، وضمان احترام العدالة في جميع جوانب عملها، وإلاَّ أختلَّ ميزان العدالة. وهذا ممَّا يُحافظ على النظام، يُساهم في منع الفوضى، يُساعد في منع الفساد والرشاوى، وتجاوز الخلافات بين الأفراد والمُجتمعات، بعيداً عن الظُّلم وعدم المُساواة. فالجميع متساوون بالحقوق والواجبات ممَّا يؤمِّن حياةً كريمة ويوفّرُ شعوراً بالإستقرار والسَّلام الذاتي.

كذلك تلعبُ الأخلاقُ دوراً بارزاً في توجيه سلوك الفرد واتِّخاذ القرارات من خلال التمسُّك بالقيم الأخلاقيَّة إستناداً الى الضَّمير والإحساس بالمسؤوليَّة، وتتجاوز أحياناً المُتطلِّبات القانونيَّة من حيثُ التَّصرُّف بطريقةٍ عادلة بإِعطاء الأولويَّة للإحترام والتفاهم المُتبادل. ومن خلال التمسُّك بالأخلاق كحقيقة أساسيَّة، يُصبح الأفراد مسؤولين عن أفعالهم ولا يستطيعون التلاعب بالحقائق لتحريفها حسبما تقتضي مصالحهم الخاصّة، وهكذا تكون الأخلاق رادعة لأصحاب السُّلطة والنفوذ من أساءة أستخدام مراكزهم القياديَّة.

كذلك تدفع الأخلاق بالسعي الجدّي، والدراسة الموضوعيَّة، والتأمل العميق، كأساسٍ يُبنى عليه العدل، وذلك بمُعالجة الأسباب والمُسبِّبات الجذريَّة للظلم والألم للأفراد والمُجتمعات التي عانت من جرَّاء الصِّراعات والإضطهادات. كما إنَّ الحفاظ على حقوق الأقليَّات حيثُ المسؤوليَّة المُشتركة ما بين الحقِّ والقانون، بإحترام حريَّة المُعتقّد من خلال حريَّة التعبير، ممَّا يُساهم في تعزيز التماسك الإجتماعي. حيثُ الإعتراف بالحقائق الموجبة لذلك يتطلَّب شجاعةً أخلاقيَّة وشفافيَّة، والعمل نحو مُستقبلٍ واعدٍ ومُشرق. والعدالة دون الإعتراف بالخطأ، تُصبح تعسُّفيَّة، جوفاء، وخالية من أيِّ معنى، تؤدّي الى نتائج غير عادلة، ممَّا يدفع المُجتمع الى الإنحلال الأخلاقي.

ومع الإدراك بأن الحقيقة ليست مُطلقة في عالمٍ يسوده الشرّ وتعمُّ فيه الرذيلة.. أثبتت الأيَّامَ على مرِّ الزمان، أنَّ الذين يمتلكون السُّلطة والسيطرة على الآخرين، بإسم القانون أو الدين أو المال، لا ضَيْرَ لديهم من تخطِّي القانون وإساءة إستخدام السُّلطة والنفوذ الممنوحين لهم وهدر المال العامّ للحفاظ على مكانتهم وصلاحيَّاتهم وصَون مُكتسباتهم، بإتخاذ القرارات الإعتباطيَّة التعسُّفيَّة بناءً على عواملٍ ذاتيَّة مُتغيِّرة، دون الإعتماد على معايير موضوعيَّة لجهلٍ في المعلومات أو نقصٍ في المعرفة أو أنانيِّةٍ في الذات، غير عابئين بما ينتج عنها، من تعميق الخلافات وزيادة المشاكل على الصعيدين المحلّي والعالمي. حتى ولو أضطرُّوا الى قمعِ من هم دونهم باللجوء للهيمنة أو حتى العنف، لإحتواء أيِّ تهديدٍ  لا يخدُمُ سياساتهم الخاصَّة، حيثُ يلجؤون بإستمرار الى إذلال الناس وإخضاعهم لمصالحهم الشخصيَّة وأطماعهم الدنيويَّة، بإستخدام التهويل والترهيب والقوَّة أحياناً. كذلك في التحكُّم بالموارد الإقتصاديَّة وتوزيعها على خاصيَّتهم، ومحاولة تقديم الحوافز والمكافآت للذين يطيعون أصحاب السُّلطة ، ممَّا يُسهِّل القدرة على الإستبداد في سلوك الأفراد والمُجتمعات، ويؤدِّي الى الإمعان في مُعاناة الناس الهائلة. وهذا ما يُساعد في زيادة الفوارق بين الحاكم والمحكوم، كما في تفاوت الثروة والقوَّة. كذلك يحاولون جاهدين السيطرة على الأفكار والمُعتقدات والقيم السائدة، والإجتهاد في تهميش ثقافة الأقليَّات وإضعاف هويَّتهم، بتشويه الحقائق وتضليل الرأي العام خشية التغيير والتجديد، أو نشر المعلومات المُضلِّلة والدعايات المُغرِضة للحدّ من قدرة الأفراد على التفكير والتعبير، وخلق جوٌّ من الخوف والتردُّد، ممَّا يُثبط الإبداع والإبتكار ويؤثِّر في التصرُّفات والقرارات، وقد يؤدي هذا إلى مشاعر الإحباط والاستياء والعزلة الاجتماعية. لذلك كان من الضروري البحث عن مصادر المعلومات والتحقُّق من أخلاقيَّة المُعتقدات، كما التفكير النقدي والتأمُّل الذاتي، لفهم الأمور على حقيقتها وعدم الإنجرار وراء الساعيين للهيمنة وأصحاب المصالح. وهذا إنّْ دلَّ على شيء يدلُّ على إنتهاكٍ صارخ للمبادئ الأخلاقيَّة الأساسيَّة، والإفتقار الى الحدِّ الأدنى من الوعي الروحيّ.

وبين رادع القانون وواعز الأخلاق، تستيقظ في البشريَّة أبالسة الأرض فتعتلي المناصب الرفيعة، وتعيثُ فساداً دون الأخلاق وفوق القانون، مُعتمدين على سوء الفهم الأساسي لطبيعة القوَّة والسلطة، مُعتقدين أنَّ القوَّة تصنع الحقّ لتحقيق أهدافهم وتطلُّعاتهم، وترسيخ مكانتهم في العالم، فتكسر القيود وتتخطَّى الحدود، وتمارس السُّلطة بوسائل الإكراه والقوَّة في القمع وإستغلال الآخرين، وتذهبُ بعيداً في إحتلال الأراضي والدُّول وسرقة خيرات الشعوب، وتَعمد الى تغيير الأيديولوجيَّات لإضفاء الشرعيَّة الدوليَّة على سلطتهم، بشعاراتٍ رنَّانة، كالحريَّات والديمقراطيَّات وحقوق الإنسان وبحجَّة نشر الوعي الديني أو الثقافي. وإحكام قبضتهم وهيمنتهم من خلال التحكُّم بالقرارات الدوليَّة، وقمع الأصوات المُعارضة من غير ضوابط أخلاقيَّة أو قانونيَّة. ممَّا يؤدِّي الى الغطرسة والفساد وتفشّي الرذيلة، ونتائج غير عادلة،كذلك الى الإنقسامات الإجتماعيَّة والدوليَّة، والحروب المُدمِّرة للبشر والحجر، غير عابئين بتأثيراتها ونتائجها السَّلبيَّة على الأفراد والمُجتمعات، وتأثيرها على الأفكار والمُعتقدات والسلوك الإنسانيّ، ما يرتّب مسؤوليَّات كبيرة على الأخلاق والقانون في الأجيال القادمة.

وبإعتبارنا باحثين عن الحقيقة، كونها ليست إعتقادٌ شخصيّ، لا بُدَّ لنا من محاولة القراءة في التاريخ المُعاصر عن أدلَّةٍ دامغة لفهمٍ أعمق للحقيقة والقانون والقوَّة على أرض الواقع. وانطلاقاً من الطبيعة الإنسانيَّة التي تحكم سلوك الإنسان، نرى السُّلطة الحاكمة تُدرك الحقيقة بمفهومها، تسنُّ القوانين التي تصبُّ في مصلحتها، وتتوقَّفُ على قدرتها على تنفيذها. وهكذا نرى الحقيقة والقانون يتوقفان على القوَّة، ومع تغيُّر القوى على الأرض، تتغيَّر معها الحقيقة والقانون.

وبناءً على ما تقدَّم، ومن خلال دراسة الغزو والإحتلال، وفلسفة القوَّة والعدالة، نرى كيف طُمِسَتْ الحقيقة واستُغلَّ القانون وفَرَضَت القوَّة أيديولوجيَّاتٍ جديدة. والأمثلة على ذلك كثيرة، نكتفي منها بنشوء أمريكا وبناء دولة إسرائيل:

حول أمريكا:

أنَّه مع وصول المستوطنين الأوروبيين الى أمريكا الشماليَّة، موطن الهنود الحمر، أصحاب حضارات المايا والأنكا، واعتبارهم شعوبها وحوشاً يجب إبادتها وتطويعها. بدأت سلسلة من الأحداث التاريخية الهامة والمترابطة، شكَّلت مسار القارَّة. ترافقت مع خطوات السيطرة الاستعماريه المباشرة ونهب الثروات الطبيعيه منها، حملات إبادة ضد السكان الأصليين وطردهم من أراضيهم، وطمس هوياتهم واقتلاعهم من جذورهم بشكل منهجي، وحصرهم في محمياتٍ صغيرة، وتدمير مزارعهم والإستيلاء على أراضيهم وتهجيرهم من المناطق الخصبة وتلك التي تتوفر على موارد طبيعية إلى مناطق قاحلة لا تصلح للعيش، ممَّا أدَّى الى خسائرٍ جسيمة في الأرواح والممتلكات. كما قتلوا المُستعمرون مئات الألآف من المدنيين العزل وبينهم النساء والأطفال، وشنُّوا حملات الإعتقالات الواسعة في صفوفهم، ممَّا أدَّى إلى سحق مقاومتهم وإخضاعهم، وتمكين الأميركيين الجُدد من فرض سلطتهم على كل ما يسمى حاليا الولايات المتحدة الأميركية، ولم تتوقَّف عجلة الدماء إلاَّ في بدايات القرن العشرين.

كذلك ازدهرت تجارة الرقيق عبر الأطلسي ونشوء نظام العبودية، وهذا ما أدَّى الى اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية، وصراعات مُتكرِّرة بين الدول الإستعماريَّة للسيطرة على الأراضي واستخراج الموارد الطبيعيَّة، وتوسيع المُستعمرات، والتي شكلت نقطة تحول في تاريخ البلاد.

وبينما كانوا يبنون مُجتمعاتهم الجديدة على أرضِ الآخرين، ويعبِّرون عن أحلامهم بالحريَّة والمساواة وحقوق الإنسان، كانوا يقمعون ويستعبدون أصحاب الأرض الأصليين، وكانت الحروب وسياسات الإبادة الجماعيَّة أسلحةً فتَّاكة للقضاء عليهم، ليستمرَّ الإجرام الأميركي بحقِّ الهنود الحمر. وما تزال أثآره من تمييزٍ وتهميشٍ لأحفادهم الى يومنا هذا، مُعتمدين على مُبرِّراتٍ أيديولوجيَّة ودينيَّة،.

وكما كلِّ زمانٍ ومكان، يُكتب التاريخ من منظور الأقوياء وأصحاب النفوذ، حيثُ توفِّر الدوافع والقرارات التي شكَّلت الأحداث نهجاً يُديم التهميش ومحو الحقيقة، مع التركيز على القادة والإنجازات لبعض الأفراد والجماعات، وإعطاء الأولويَّات لوجهات نظر المُتحيِّزين التي تمَّ تحقيقها، مُتجاهلين الشعوب الذين تعرَّضوا للقمع والتهميش وما أصابهم من المآسي والمُعاناة التي ما يزال أنين صداها يُسمعُ في آذان الصُّم، ولم يتركوا لهم سوى الموت والخراب الشامل والتعاسة.

وهكذا أُبيدت شعوبٌ بأكملها، وأندثرت لغاتها وحضاراتها، وأُخفيَتْ الحقيقة التاريخيَّة، وعليه يكون الحقُّ للقوَّة. وكما يرى كلاوس كونور، الأستاذ بجامعة برينستون، فإن الإنجليز “هم أكثر القوى الاستعمارية الأوروبية ممارسة للإبادات الجماعيَّة، فهدفهم في العالم الجديد هو إفراغ الأرض من أهلها وتملّكها ووضع اليد على ثرواتها وخيراتها.

حول إسرائيل:

أمَّا فيما يخصُّ إسرائيل، ففي نهايات القرن التاسع عشر، وبسبب مُعاداة الساميَّة والإضطهاد الذي تعرَّض له اليهود في أوروبا، نشأت الحركة الصهيونيَّة كحركة قوميَّة يهوديَّة، تسعى الى إقامة وطن قوميّ من أجلِ توفير ملاذٍ آمن لهم. حيثُ بدأت الهجرة اليهودية بدعمٍ بريطاني بعد إصدار وزير خارجيَّتها بلفور وعداً بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين. ومع إزدياد الهجرة اليهوديَّة هرباً من الهولوكوست ومقتل ألآف اليهود في أوروبا على يد النازيين، تزايد التوتُّر والعنف بين اليهود والعرب، الذين عارضوا تدفق المهاجرين اليهود وسعوا إلى الحفاظ على هويتهم الوطنية. ممَّا أدَّى الى إندلاع حروبٍ محليَّة، صدر على أثرِها قرار الأمم المُتحدة ردًا على الأزمة الإنسانية التي عانى منها اللاجئون اليهود بتقسيم فلسطين الى دولتين، عربيَّة ويهوديَّة.

ومع إعلان قيام دولة إسرائيل، إندلعت حربٌ عربيَّة إسرائيليَّة، أدّت الى توسيع أراضيها. وما يزال هذا النزاع مُستمرَّاً ويُشكِّل أحد أهم ملفَّات الشرق الأوسط، ومحورًا مركزيًا للاهتمام والدبلوماسية الدولية، حيث سعت إسرائيل برعايةٍ أميركيَّة إلى التفاوض على اتفاقيات سلام مع جيرانها العرب مع الحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها. وقد شكلت اتفاقيات أوسلو الموقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، نقطة تحول مهمة في عملية السلام، ولكن عملية السلام واجهت العديد من العقبات والنكسات على مر السنين، مع صعود الحركات القومية اليمينية والتطرف الديني في السياسة الإسرائيلية، حيثُ عمدت إسرائيل الى قضم الأراضي وبناء المستوطنات على أراضي الضَّفة الغربيَّة، ممَّا ساعد في اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000، وإثارة المخاوف بشأن آفاق السلام الدائم والعنف المستمرّ والاضطرابات السياسيَّة في المنطقة.

وهكذا نرى مرَّةً ثانية، أنَّ إحتلال أراضي الغير وبناء الأوطان على حسابِ طردِ شعوبها الأصليين، يستلزمان ممارسة القوَّة من قبل مجموعة أو أمة على أخرى. وهو ما يطرح السؤال حول طبيعة مسؤوليَّة الشرعيَّة الدوليَّة كقوة دافعة قوية وراء عملية السَّلام والأمن والعدالة لحقوق شعبٍ شبه أعزل أمام آلة الحرب الإسرائيليَّة، وكيفيَّة تسابق الدُّول لإرضاء إسرائيل المُتسلِّطة تعويضاً ودعماً على حساب أصحاب الأرض الأصليين. وما المبرِّرات التي يعتمد عليها الكيان الصهيوني سوى نفس المبرِّرات التي استخدمها المهاجرون الإنجليز من قبل في سرقة أرض السكان الأصليين لأميركا واستباحتهم وإبادتهم. وهذا إنّْ دلَّ على شيء يدلُّ على تقارب وجهات النَّظر من حيثُ المبدأ حول التواطؤ الدَّولي في مُناصرة القويّ المُعتدي على الضعيف المظلوم، وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. ممَّا يعكس غياب الدوافع الأخلاقيَّة وبُعد الحقِّ والحقيقة والعدالة في سياسات الغزو والإحتلال، وما ارتكاب المجازر بحقِّ الشعب الفلسطيني المُحاصر، وتدمير المُمتلكات وتشريد السكَّان، وانتهاك إستقلاليَّتهم وأمنهم، ووقوف الأمم المُتَّحدة موقف المُتفرَّج، إلاَّ وصمةَ عارٍ على جبين الإنسانيَّة، وانحداراً للمُجتمع الدوُّلي الى الفوضى والإضطراب والخراب.

وممَّا تقدَّم، نستنتج أن القوَّة للحقّ والقانون، ما دام الجميع ملتزماً الأخلاق وتحت سقف القانون، وإلاَّ فعلى الحقِّ والقانون السلام حين يُصبح عُتاة الأمم يتحكَّمون بالحقِّ والقانون. وعندما يعتدي القويّ على الضعيف ويتسبَّب في الصراعات وزرع بذور الفتن ويساهم في إتلاف القيم والممتلكات وأذيَّة الآخرين، فإنه لا ينتهك حقوق أصحاب الأرض فحسب، بل يقوض أيضًا سيادة القانون والعدالة والقيم الإلهيَّة. في حين أنَّه يعمل على بناء مجتمعه المثالي، يستند فيه إلى مبادئ الحرية والمساواة وحقوق الإنسان.

هذا التناقض الصارخ بين الأفكار النبيلة السامية والواقع المرير، يُظهر لنا كيف أن الاستعمار أدَّى إلى تدميرِ حضاراتٍ عريقة وتراث شعوب بأكملها. إنعكس سلباً على النَّفس البشريَّة، فبينما يتوق الإنسان إلى عالم عادل، تسوده المحبة والسلام، يجد نفسه غارقًا في صراعات وحروب لا تنتهي. ومن رغبةٍ في التحرُّر من القيود والعبوديَّة، والعيش في مُجتمعٍ مُترابطٍ تسوده المساواة في الحقوق والواجبات، تُرى الأنانيَّة والميل الى السيطرة، ما يُنتج الظُّلم والفقر والإستغلال. ومن لهفةٍ في ممارسة أدنى حقوق الإنسانيَّة الطبيعيَّة وحفظ كرامة الفرد وحريَّته وممارسة شعائره الدينيَّة، يُعاني العديد من الأفراد من التهميش والتمييز على أساس العرق أو الجنس أو الدين. وهذا ما قد يدفع الناس إلى التصرُّف بطرقٍ غير أخلاقية لحاجتهم إلى البقاء على قيد الحياة، ما يترك أثآراً في التاريخ الإنساني ما تزال جروحه تنزف الى يومنا هذا، وصرخات ألآمه يقضُّ مضاجع الإنسانيَّة. ويكشف عن الأثار المُدمِّرة للإستعمار والإستغلال.

كذلك يتجلّى التناقض بين المُثُل العليا والأفعال في مجال العلاقات الدوليَّة وحلّ النزاعات، فمن ولاءٍ لمبادىء السلام والتعاون الى تدخُّلاتٍ عسكريَّة عدوانيَّة وصراعات على السُّلطة، ممَّا يمنع إستتباب الأمن والإستقرار الدوليين. ومن الإعتراف بشرعيَّة المبادىء الديمقراطيَّة الى ممارساتٍ غير أخلاقيَّة وإنتهاكاتٍ للإنسانيَّة، ما يؤدِّي الى تآكل الثقة العامّة وغيابٍ واضحٍ للعدالة الإجتماعيَّة. ومن إلتزامٍ مُعلن بالقضاء على الفقر والمجاعة، إلى إتِّساعِ الفجوة بين الأغنياء والفقراء ما يؤدِّي الى تقويض المُجتمعات وحقوق الإنسان.

  وعليه، يكون فهم العلاقة بين الحقيقة والقانون والقوة بعيداً عن التلاعب والإكراه هو أمر بالغ الأهمية وأكثر إيجابيَّة لفهم العالم الذي نعيش فيه، ونساهم في بناء مجتمعات أكثر عدالة ومساواة.

ومن منطق الحقُّ قوَّة أصبح الحقُّ للقوة. حيثُ انتشى الظالمون بعظمتهم، مُفسدون في الأرض، وعاثوا فيهم ظُلماً وجوراً، مُستغلِّين قوَّتهم حتى استبدُّوا وتجبَّروا وطغوا، مُتناسين عين الله عزَّ وجَلَّ التي تُراقبهم وتمدُّهم في طغيانهم يعمهون.

حسين يونس

بيروت 18 أيلول 2024

 

إقرأ أكثر

أفكارٌ وأرآء

كلمتي فلذةٌ من كبدي

مطلوبٌ ومُدان

عبد الرحمن اليماني

فلاح انا

ومخيلتي محراث

ينقب في السماء

يشق اخاديده في السحب البيضاء

يبذر أحلاما ورؤى

ينتظر  هطول النور

ليسقيها

يزهر حقلي ورداً 

يثمر كلمات

أحصدها اغنية وأضعها

في باقة لحن

وأغنيهافرحي

ومن ضباب الفجر

اغزل  جسداً

يستر سوءة معرفتي

ويواري حيرة روحي   

وأحيل الريح إلى كثبان  رمال

تحجب عني  كل أساطير الامس

فكل العس تنقب  عني

 

فأنا مطلوب و مدان

يبحث عني كل قضاة الجور

ليقام الظلم على جسدي

 

وصليبي منتصب تحت شعاع الشمس

منتظراً جسدي

وجلادي يحمل سوطاً

مجدول من أحقاد العرافين 

ينتظر بشوق أن يعلو  ظهري

هذا قدري

بل هذا ذنبي

 

فأنا متهم ومدان

فلقد مارست  الشك  أمام الكل

وحطمت يقين الأمس

وتمردت 

وكانت قمة كفري أن أمنت

أن الله سماء

وأن النور رسول

وأن الحب كتاب شرَّعه الديان

وأن جميع الأمطار يرسلها البحر

ليعود فيجمعها من كل  الأنهار

وهذا في شرع الغابة رأس الكفر

بل هذا اصل البهتان

إقرأ أكثر

ذات الهويَّة

عبد الكريم يونس

 

يَلِّـي ع غْياب بدْرَك، بِكْيُوا! وبِكيُوا دُموع العيْن 

              كتير بُعدَك مبكِّينـي كْتـير، مش شــويِّه، شـــويّـِه

عليْنا وع الرِّسالِه(ي) بتْدير بَال، بتِلْفِتِلْنا عيْن   

              بتوافُقْنا بترافُقنا، بفضلَك نْفُوسْنا وفيِّه صارت وفيّه

  صرنـا نفرِّق مـا بيْن شَمس وفيِّـه، يخْذِي العيْن  

              من عُمق صَدري بناجِيك، ع بُعدَك ما عاد فِيــيِّ

بغْلي ع جَمر نار الفْراق، وتاقولها والله مالـي عيْن!

             جُرحي اسْتوى وما بَلغْت المُستوى، وجوَّاتي ألِفْ حنيِّه 

ع دارَك رَحيلـي، رِحلْتي رغِبتـي نلتقي عيْن بعيْن 

             مطلبي اسْتحقاقي والعدالِه السّماويّه مهما أحْلامي ورديِّه(ي)

حِلمي قبل رَحيلي إنْجز القضيِّه عْليِّ للرِّسالِه(ي) ديْن 

             ما بينْوَفـى بِسَبب كُبر ضُعفي الموروث، وهَوْن أصل البليِّه

كشواهِد واجبْنا نكَمِّل ذات المسيرَه، يـــــا نبع العيْن

             ع درب الرِّسالِه(ي) مشوارنا بصورَه أبيّه بكل حَماس وحميّه 

قضّيت ومضّيت مَا عْلييّ، يوْمها كُنت ضايِع بَيْنَ بَيْن

            ظَرف خاص حطّ بيْني وبَيْن الشّواهِد بَيْن، لكن بوَعي ورَويِّه

آجل! لا شاهِد ولا الرِّسالِه(ي) غابــوا عن الوَجنْتيْن

          مقامَات راسْخَه جُوَّاتي قلب وعيْن، وللشَّواهِد خـــيّ أنــــا خيّ

نُور الرِّسالِه(ي) مطبُوع بعُمق صَدري وع الخدّيْن

          يــا منْبَع كل عيْن، ع ذات الخُطى بصورَه رَصينِه(ي) قويِّه

بقولها شو قيمِةْ عُمر، لوْ قضّيْناها لُعب ع الحبْليْن

        ساعِتها ويْنَك يا غْراب البيْن، خلِّي روحي عِبْرَه للرَعيِّه

لَو ع الهامِش بْقينا، وما تكاتَفنا سْويِّه أكتر من تنيْن

       شو بتْكون نهايْتنا، لكن بُعد النَّظر بُعد بيْن تبعات وصَفا نيِّه

شاهِد بيجْمَعنا، وع إسمُو منْسجّل أسامينا، وعليْنا ديْن

   وإمتحان، وواجبنا نصفّي عيْلِه واحدِه(ي)، موَحَّدِه(ي)، وسوَى

                              نحمِل ذات الهويِّـه!

**************************

 

إقرأ أكثر

هدف المجلّة

في عصر التقدُّم التكنولوجي والتطوُّر السريع، وتماشيَّاً مع الثورة الرقميَّة في طريقة نشر المعلومات، والتكيُّف مع إحتياجات العصر الرقمي وتحوُّل الصحافة التقليدية، برزت المجلَّة الإلكترونيَّة، تتجاوز الحدود الجغرافية والزمنيَّة، وتربط الأفراد في جميع أنحاء العالم،كوسيلة إعلاميَّة وديناميكيَّة وتفاعليَّة لتوصيل المحتوى ومُشاركته مع أكبر عددٍ من القرَّاء، أصحاب العلم ومُحبِّي المعرفة والباحثين عن الحقيقة، في أقصر وقتٍ ممكن.

ومع ظهور هذا الكَّمِّ الهائل من وسائل الإعلام والتواصل العالمي والتبادل الثقافي، لنشر الثقافات ووجهات النظر والأفكار المتنوعة، وبغياب الرقابة والمهنيَّة والموضوعيَّة في النشر، كَثُرَ انتشار المعلومات الخاطئة والأخبار المُزيَّفة، مما يُسلِّط الضوء على أهمية محو الأمية الإعلاميَّة، والحاجة الى الاعتبارات الأخلاقيَّة.

كان لا بُدَّ لنا من فتحِ نافذةً نطلُّ بها على هذا العالم المليء بالتحديَّات إثراءً للنسيج العالمي للفكر الإنسانيّ والتجربة الإنسانيَّة، بإنشاء مجلَّة فكريَّة ثقافيَّة هادفة، تتجاوز الحدود التقليديَّة، تحتضن ثراء الفكر وتوفّر منصَّة لتبادلِ الأفكارِ العميقة والمواضيع المثيرة للثقافة الإنسانيَّة، فكانت مجلَّة نارٌ ونور.

مجلَّة نارٌ ونور، ليس مجرَّد خيار؛ بل هو تعبير عن التزام وتقدير، عربون وفاء لصاحب الوعي الروُّحيّ، إلقاء الضوء على المفهوم الداهشيّ وإظهار الصورة الحقيقة لصاحبه، بنشر تعاليمه وكتاباته التي تجاوزت فيها مؤلَّفاته المئة والخمسين مُجلَّداً، صاحب الرسالة الروحيَّة التي تحمَّل في سبيلها الأمرَّين، غريبٌ في أرضٍ غريبة، يعيشُ الحياة المُثلى، يحمل على جراحه وآلامه نور الهداية للعالم. تدخل رِحاب معبده المُقدَّس لتقفَ وجهاً لوجه أمام الحقيقة الصَّادقة الصَّادمة.

مجلَّة نارٌ ونور، مساحةٌ يلتقي فيها العمق بالجوهر لتعزيز النمو الفكريّ، وتقديم نماذج للفكر والأدب الراقي، بعيداً عن سطحيَّة الكلمة في السرد الثقافي، وتفتح المجال واسعاً أمام القرَّاء بتوسيع وجهات نظرهم والإنخراط في تفكيرٍ يتخطَّى المعقول، كما تحفيزهم على التفكير والكتابة. وذلك من خلال نشر الأبحاث والدراسات والمقالات التي تتناول مختلف المواضيع الفكرية والثقافية من منظورٍ إنسانيّ وروحيّ وتحليلها بشكلٍ أكثر عمقًا.

في قلب مجلَّة نارٌ ونور، تكمن مهمة التنوير العميقة. تسعى جاهدة لجمعِ أقلام الداهشيِّين من أدباءٍ وشعراءٍ وأصحاب فكرٍ، شتَّتهم الأيام، وأبعدتهم المسافات، فأصبحوا غرباءً في عالمهم. تفتح لهم نافذةً للتعبير عن تجاربهم مع الحقيقة، تُلامس مشاعرهم بالتواصل العميق للرُّوح والنَّفس، تُحاكي إنسانيَّتهم بشكلٍ فعّال مع الحياة والوجود، ومشاركتهم معرفتهم الروحيَّة المُقتبسة من النبي الحبيب الهادي.

مجلَّة نارٌ ونور، نورٌ لا نار فيها، أنوارٌ ساطعةٌ باهرة تنشُرها أمام عقول قرائها، تقدِّم مجموعة متنوعة من وجهات النظر والأفكار والرؤى الثقافية، بهدف إحياء وتجديد إيمان الإنسان بالله والقيم الروحيَّة، في الحقيقة والنَّفس والرُّوح، مفاهيمٌ لم يألِفوها، بعيدة عن الغوغائيَّة الكلاميَّة، مدعومة بالبراهين الساطعة، مؤيَّدة بالتزامٍ أخلاقي في السرد والنقل والشهادة. تفتح المجال في السؤال والجواب، للساعين وراء المعرفة، بالتواصل المُباشر مع أصحاب الآراء والكتابات والمقالات.

مجلَّة نارٌ ونور، توفّر منصَّة للفنانين، تُشجِّع المُبدعين، تفتح فرصة لعرض وتقديم وتسليط الضوء على إبداعهم في المجال الفنِّي، سواء كانت لوحات فنيَّة، صور فوتوغرافية، أو أي نوع آخر من الفنون التشكيليَّة. تُساعد في فهم خلفياتهم الفنيَّة وإلهام القرَّاء بتفاصيل حياتهم، تنشر مقالات وتحليلات تقييميَّة لأعمالهم، مما يساهم في إبراز الجوانب الفنيَّة والفلسفيَّة لها، ويساعد في توجيه القراء نحو فهم عميق للفن.

هيئة التحرير.

إقرأ أكثر

صفحات

فنون

روح الفنّ

الفنّ خروجٌ عن مسار المألوف، هو جمالٌ وذوقٌ وصياغةٌ أسلوبيّة وترجمةٌ وإفصاحٌ عن مكنوناتٍ ومشاعر متراكمة، تركيبةٌ من بناءات عقليّة وميكانيكيّة تصل في النهاية الى البناء الكلِّي للّوحة أو المعزوفة أو القصيدة.
 
دراسة الفن من متضمّنات “علم الأستطيقا”، الذي يعود ظهوره إلى عهد اليونان، وهو “علم الجمال” وموضوعه الجمال. وما يمكن الإشارة إليه اليوم أنّ هذا العلم أصبح أكثر شموليّة عن ذي قبل إذ اندرجت تحته فروعٌ عديدة.  بعيداً عن الفنون الموسيقيّة، المسرحيّة، التمثيليّة والأدبيّة، وما أخصّه بالذكر في هذا المقال هو فنّ الرسم أو الفنّ التشكيلي.

 

الفنان إنسان حرٌّ مستقل متأمّل واثق، لديه فضول جامح لاكتشاف خبايا هذا الوجود، يمضي وقتاً طويلاً في التفكّر في عظيم صنع الخالق المصوّر لكلّ جميل. شخصيّته مزيج من الإبداع والاتّزان والعبقرية تارةً، والجنون والهوس تارةً أخرى. هو الشخص الذي يحتفظ طوال حياته بنصاعة وتلقائيّة انطباعات وأحاسيس الطفولة، وهو الشخص الذي لم تصبه البلادة ولم يتكيف أبداً مع هذا العالم، بل ينقل عليه في غير ما تعبٍ عينينِ بريئتينِ وشغفا وعقلاً متجرّداً. الفنان غارق في الجنة المؤنسة، حيث تتجلى أسرار الحياة الغامضة التي ليست أقلّ سراً وخفاءً من الفنّ ذاته، يجتذب بألوانه البراقة كلّ مظاهر الرقيّ والجمال، وكلّ فنان يصنع لنفسه بصمةً متفرّدةً في دنيا الفن.

  
عتاده لوحة أو ورقة، ريشة، ألوان لا تنتهي، قابلة للتمازج والاتساق حيناً، وللتنافر حينا ًآخر؛ يمزجها على هواه، وفي كل حالاته وانفعالاته وتقلّبات مزاجه: صخب، هدوء، حزن أو فرح، لتذوب روحه وقلبه وسطَ طبيعة جذّابة يبدعها، ثرية الألوان ومتوازنة الكتل، أو امرأةٍ فاتنةٍ جالسةٍ على شرفة نافذة تحتسي فنجان قهوة، يدلّل أنوثتها بواسطة أنامله الخلّاقة ويزهو بمكامن الجمال الإلهي فيها في سكون واستغراق، أو رسم تشكيلي ذي خطوط وشخبطات يعبر به عن بوح روح ووجدان.
   
بابلو بيكاسو (مواقع التواصل)
بابلو بيكاسو (مواقع التواصل)
 
إمّا أن يسافر بفوضى خياله الواسع إلى أرضيّة لوحته أو أن يحاكي -أي يصوّر- شيئاً موجوداً أمامه في شكل عمل فني مذهل. وحين يقيم معرضه يلفت بفنّه نظر المشاهد المتذوّق الذي يقف متأمّلا بدوره، ويغوص في أعماق اللوحة ليستشفَّ جمالاً لايدركه غالباً إلّا أصحاب الروح والإحساس المرهف. فالصفات الخاصّة بهذا العمل أو الكائن المرسوم تصل من الخارج إلى عقل المتأمّل بطريقة قريبة من التأثير الضوئيّ وهو ينطبع في شبكيّة العين، وهذا ما يسمى الجمال المطلق عند أفلاطون، لهذا السبب يخبرنا علم الاجتماع بأن للفنّ وظائف نفسيّة واجتماعيّة اجتمعت عند المؤلّف والمتذوّق على حدٍّ سواء.
  
وهنا يمكن القول إن مواضيع الجمال متداخلة بين الذاتيّ والموضوعيّ، لا يمكن فصلها رغم محاولات البعض، لكنه في رأيي فصل قسريّ، لأن عقل الانسان جُبِلَ على إدراك الجمال أينما كان وكيفما وجد. فالذي يختلف هو الذوق في مواجهة الأمور الجماليّة. ونظرة الفنان تختلف عن الإنسان العادي، فالفنان -كما نعرف- له صفات تميّزه عن غيره، أبرزها العبقرية والجنون، لذلك قيل “إن الشخص الذي لا يراعي في إعجابه الشخصي موضوع إعجاب الجميع لا يكون مجنونا”؛ وهذا ما يبرر تأسيس مدرسة “الفن للفن”، التي كان من أبرز روادها كونت دليل، فلوبير، وجنكور، والتي تضم جمهرة الفنانين في فضاء موحد انطلاقا من فكرة الفنان للفنان.
 
من منّا لا يعرف أشهر الرسامين العالميين، ليوناردو دافنشي، بابلو بيكاسو، الإيطالي تيتيان، مصطفى الحلاج، الفلسطيني صاحب أطول لوحة جدارية في العالم، ومحمد راسم الجزائري؟
إن الفنان يصطنع لنفسه جمالاً فنيّاً من قبح طبيعي، فالجمال الطبيعي للأشخاص لا علاقة له بالجمال الفنّي للوحة. إن صورة امرأة جميلة ليست بالضرورة صورة جميلة، وصورة امرأة قبيحة أو عادية بطبيعتها من الممكن جدّاً أن تكون تحفة فنية رائعة.
  

 

الفنان وحده يشعر بتعقيدات الحياة الملموسة فيسعى إلى الهروب منها لأنّ روحه تأبى الانصياع للأصنام والتكرار، فيمحو كل أثرٍ لروتين مقيت ويكسر عقله كلّ القيود ويحرر من الجمود القاتل
الفنان وحده يشعر بتعقيدات الحياة الملموسة فيسعى إلى الهروب منها لأنّ روحه تأبى الانصياع للأصنام والتكرار، فيمحو كل أثرٍ لروتين مقيت ويكسر عقله كلّ القيود ويحرر من الجمود القاتل
  

إنّ متعة الفن متعة ولذة لا تضاهى، تبدأ منذ مرحلة الطفولة لأن الطفل يلعب، والفن لعب حر، أوّل ما يبحث عنه الطفل هو اللّذة الناتجة عن الأحاسيس الشديدة أيّاً كانت: أصواتا صارخة، ألوانا براقة، حركات سريعة، مع العلم أنّ رسوم الأطفال تختلف عن رسوم البالغين، لكنها تشترك في شعور المتعة واللّذة.

 
في عزلة تامة يباشر الفنّان برسم لوحة ما، وكثيراً ما يكاد “ينسى نفسه” وبعض تفاصيل يومه إلى أن يُنهي عمله على أتمّ وجه وعلى نحوٍ يرضيه، يصنع لنفسه جمالا في وسط قبح أوجدته بيئته وعالمه المضطرب القابع في زنازين مظلمة من اللهو واللغو والجهل المغرق.. لذلك فالفنان وحده يشعر بتعقيدات الحياة الملموسة فيسعى إلى الهروب منها لأنّ روحه تأبى الانصياع للأصنام والتكرار، فيمحو كل أثرٍ لروتين مقيت ويكسر عقله كلّ القيود ويحرر من الجمود القاتل.
 

كلّما بالغنا في وصف الفن أفقدناه شيئاً من قيمته ومعناه الحقيقي، فهو جمال ودليل على إعجاز الخالق، بل وجماله الأعظم الذي يلقي الإلهام في عقل الفنان فيجعله بحراً للغارقين ومتنفّساً للتائقين وحياةً للتائهين.. وكما يقال “حينما يكون الفن حياة تصبح الحياة فنّاً”.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إقرأ أكثر

"العيون الذكية".. الصين تطور نظام ذكاء اصطناعي لرصد آفات النباتات وأمراضها

www.alarabiya.net/science/2024/10/23/-العيون-الذكية-الصين-تطور-نظام-ذكاء-اصطناعي-لرصد-افات-النباتات-وأمراضها

 

تم الكشف مؤخرا عن النظام، الذي يجمع بين تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ومعلومات الفضاء الجوي ونظرية حماية النباتات

بكين 22 أكتوبر 2024 (شينخوا) كشف معهد أبحاث معلومات الفضاء الجوي التابع للأكاديمية الصينية للعلوم أن الصين طورت نظاما ذكيا للرصد والإنذار المبكر ضد آفات النباتات وأمراضها.

وطور فريق البحث بشكل مستقل أجهزة ذكية للكشف عن الآفات والأمراض بدقة عالية إلى جانب حلول متخصصة للاستشعار عن بعد من خلال طائرات بدون طيار، للقيام بعمليات رصد الآفات على ارتفاعات منخفضة لإنشاء نظام مراقبة وتحذير متعدد النطاقات.

ويقدر نظام “العيون الذكية” على استكشاف الآفات والأمراض بشكل سريع ودقيق على مستوى قريب من الأرض، وإجراء الرصد الديناميكي والإدارة الفعالة، فضلا عن أنه يوفر الرصد الديناميكي المتعدد النطاقات والإنذار ضد أكثر من 20 نوعا من الآفات والأمراض الرئيسية، وفقا لمعهد أبحاث المعلومات الفضاء الجوي، وهو أحد المطورين.

وذكر هوانغ ون جيانغ، باحث بالمعهد أنه يمكن للنظام أن يعالج بفعالية تحديات تقنيات الرصد التقليدية لحماية النباتات، مثل الصعوبات في عمليات المسح الميداني وتحديد الكارثة، وانخفاض الدقة في الرصد على الارتفاعات المنخفضة، وضعف قدرات الإنذار المبكر على مستوى الإقليم.

وتم الكشف مؤخرا عن النظام، الذي يجمع بين تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ومعلومات الفضاء الجوي ونظرية حماية النباتات، في المؤتمر الخامس حول الاستشعار عن بعد للآفات والأمراض النباتية، الذي عقد في مدينة هانغتشو بمقاطعة تشجيانغ شرق الصين.

 

إقرأ أكثر

اعراض الجلطة القلبية

www.rofancare.com/ar/article/اعراض-الجلطة-القلبية

  • فريق روفان كير
  • 6 نوفمبر، 2018
  • #امراض_القلب

اعراض الجلطة القلبية (النوبة القلبية)

اعراض الجلطة القلبية

تختلف أعراض الجلطة القلبية من شخص لآخر، وقد تكون بعض الأعراض واضحة وملحوظة بينما يمكن أن تكون بعض الأعراض غير واضحة أو مشابهة لأعراض حالات أخرى. ولكن في العادة، تتضمن أعراض الجلطة القلبية ما يلي:

  1. الألم في الصدر:

    يشعر الشخص بألم حاد أو شديد في الصدر يمتد إلى الذراع الأيسر أو الفك العلوي أو الظهر، وقد يصف الألم بأنه ضغط أو ثقل أو شد أو حرقة.

    2. ضيق التنفس:

    يشعر الشخص بصعوبة في التنفس أو شعور بالأنفاس القصيرة.

    3. الغثيان والقيء:

    قد يشعر الشخص بالغثيان أو يتقيأ.

    4. الدوخة والدوار:

    يشعر الشخص بالدوار أو فقدان التوازن.

    5. الصداع:

    يمكن أن يحدث صداع خفيف إلى متوسط..

    6. التعرق الشديد:

    يمكن أن يحدث تعرق شديد ومفاجئ، وخاصة في الجبهة والصدر والأطراف.

تحدث الجلطة القلبية عندما ينخفض تدفق الدم إلى القلب بشدة أو ينسد مساره. ويكون الانسداد في الغالب نتيجة تراكم الدهون والكوليسترول ومواد أخرى في شرايين القلب (الشرايين التاجية). ويطلق على هذه الترسبات الدهنية التي تحتوي على الكوليسترول اسم لويحات. وتسمى عملية تراكم اللويحات بتصلب الشرايين.

يمكن أن تتمزق اللويحة في بعض الأحيان وتكوّن جلطة تمنع تدفق الدم. ويؤدي نقص تدفق الدم إلى إحداث ضرر في جزء من عضلة القلب أو إتلافها بالكامل.

يطلق على الجلطة القلبية أيضًا اسم احتشاء عضلة القلب.

الذبحة الصدرية :

أشار الدكتور مراد الكوز اخصائي امراض القلب و الشرايين و القسطرة العلاجية  الى ” الذبحة الصدرية انها تحدث عندما يكون هناك تضيق في شرايين القلب يعيق تدفق الدم المحمل بالاكسجين الى الشريان التاجي .

اعراض الذبحة الصدرية ( تصلب الشريين ) :

1. الالام الصدر و الشعور بالضغط على الصدر ويزيد عند عمل مجهود .

2. الالام في الذراع و الرقبة

3. ضيق في التنفس و التعرق والشعور بالاجهاد عند بذل مجهود بسيط “

4.التعب المفاجيء

 5. الآم في الفك والحلق 

وغيرها من الاعراض.”

اسباب الجلطة القلبية :

  • تراكم الشحوم والكوليسترول في الشرايين:

    حيث يمكن أن يتراكم الكوليسترول والشحوم في الجدران الداخلية للشرايين،  يؤدي إلى تضيق الشريان وصعوبة تدفق الدم، ويمكن أن يؤدي ذلك في النهاية إلى الجلطة القلبية.

  •  ارتفاع ضغط الدم:

    حيث يمكن أن يتسبب ارتفاع ضغط الدم في زيادة عبء العمل على القلب وتآكل عضلة القلب، مما يزيد من خطر الجلطة القلبية.

  •  التدخين:

    حيث يتسبب التدخين في تضييق الشرايين وزيادة تكوين الجلطات الدموية، وهو أحد العوامل الرئيسية المساهمة في الجلطة القلبية.

  •  السمنة:

    حيث يتسبب السمنة في زيادة ضغط الدم وارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم، مما يزيد من خطر النوبة القلبية.

  •  قلة النشاط البدني:

    حيث يمكن أن يؤدي النشاط البدني الضعيف إلى زيادة الوزن وتراكم الشحوم، وتقليل قوة عضلة القلب، مما يزيد من خطر النوبة القلبية.

  • التوتر والضغوط النفسية:

    حيث يمكن أن يزيد التوتر والضغوط النفسية من خطر النوبة القلبية، خاصة في الأشخاص الذين يعانون من أمر

ما هي النوبة القلبية ” الصامتة ” ؟

تقريبا ربع النوبات القلبية هي صامتة ، دون ألم في الصدر أو أعراض ملحوظة ، هذه النوبات الصامتة تكون شائعة بين مرضى السكري على الرغم من أن الأعراض في بعض الأحيان قد تكون غامضة وغير واضحة ، فإن مثل هذه النوبات القلبية التي لا تنتج عنها أعراض أويرافقها أعراض خفيفة يمكن أن تكون خطيرة ومهددة للحياة مثل النوبات القلبية التي تسبب ألمًا شديدًا في الصدر.

غالبًا ما يعزو المرضى أعراض النوبة القلبية إلى “القلق” أو “عسر الهضم” أو “الإرهاق” أو “الإجهاد” ، وبالتالي يؤدي إلى تأخير الحصول على عناية طبية عاجلة  من المهم التأكيد على الحصول على عناية طبية فورية في حال وجود أعراض تشير إلى نوبة قلبية.

إن التشخيص المبكر والعلاج ينقذ الحياة ، والتأخير في الوصول إلى المساعدة الطبية يمكن أن يكون قاتلاً. قد يؤدي التأخير في العلاج إلى انخفاض وظائف القلب بشكل دائم بسبب حصول تلف أكبر في عضلة القلب. قد يحدث الموت أيضا نتيجة لعدم انتظام ضربات القلب المفاجىء مثل الرجفان البطيني.

اعراض النوبه القلبيه الصامته 

على الرغم من أن النوبة القلبية الصامتة لا تسبب أي أعراض ويمكن أن تكون خطيرة وتتسبب في تلف القلب وفيما يلي بعض الأعراض التي قد تشير إلى النوبة القلبية الصامتة:

  •  الشعور بالتعب الشديد والإرهاق الشديد.
  •  صعوبة في النوم والاستيقاظ في الصباح بشعور بالتعب والإرهاق.
  • اضطراب النوم، مثل الأحلام السيئة أو الفزع الليلي.
  •  اضطرابات الهضم، مثل الغثيان والتقيؤ والإسهال.
  •  الصداع الشديد والدوار.
  • انخفاض الضغط وارتفاع معدل ضربات القلب.

علاج النوبة القلبية :

يتطلب العلاج  التدخل الطبي الفوري. قد يتم توصيل الأكسجين للمريض وتقديم الأدوية المناسبة لتخفيف الأعراض واستعادة التدفق الدموي الطبيعي. في حالة توقف القلب، قد يتم إجراء عملية إنعاش قلبي رئوي لاستعادة نبض القلب. بعد النوبة القلبية، يتعين على المريض إجراء تغييرات في نمط حياته واتباع نظام غذائي صحي وممارسة النشاط البدني بانتظام، بالإضافة إلى تناول الأدوية الموصوفة للحفاظ على صحة القلب.

الجلطة القلبية (النوبة القلبية) هو القاتل رقم واحد لكل من الرجال والنساء حول العالم. في كل عام ، تحدث معظم الوفيات الناجمة عن النوبات القلبية بسبب الرجفان البطيني للقلب الذي يحدث قبل أن يصل المريض  إلى غرفة الطوارئ.

أولئك الذين يصلون إلى غرفة الطوارئ لديهم فرصة للبقاء على قيد الحياة والشفاء من نوبة قلبية بنسبة 90 ٪ مع وجود العلاج الحديث. النسبة الباقية ( 1 ٪ إلى 10 ٪ ) الذين يموتون بسبب النوبة القلبية تشمل الأشخاص الذين يعانون من أضرار كبيرة في عضلة القلب سابقا أو الذين يعانون من أضرار إضافية في وقت لاحق.

لحسن الحظ ، تتوفر إجراءات مثل رأب الأوعية التاجية ، وإعطاء الأدوية الذائبة التي يمكن أن تفتح الشرايين المسدودة من أجل استعادة الدورة الدموية للقلب والحد من تلف عضلة القلب ،يجب إعطاء هذه العلاجات لفتح الشرايين المسدودة في وقت مبكر خلال النوبة القلبية،

ضغط الدم ليس مقياسًا موثوقًا للاستدلال على وجود نوبة قلبية. يمكن أن يكون ضغط الدم خلال النوبة القلبية منخفضًا أو طبيعيًا أو مرتفعًا.

كما ذكر الدكتور مراد الكوز أن : ” القسطرة التداخلية المستعجلة لشرايين القلب (primary pci) : تكون عندما يتم تشخيص المريض بجلطة قلبية حادة او احتشاء حاد في عضلة القلب حيث يجب ان يتم اجراء قسطرة مستعجلة في اسرع وقت.”

يجب الإشارة إلى أن هذه المعلومات هي مجرد نظرة عامة عن النوبة القلبية، ولا تغني عن استشارة الطبيب المختص للحصول على معلومات دقيقة وعلاج مناسب لحالة فردية.

 

إقرأ أكثر

التكنولوجيا الحديثة والأطفال.. فوائد وأخطار

www.aawsat.com/home/article/288181/التكنولوجيا-الحديثة-والأطفال-فوائد-وأخطارالتكنولوجيا الحديثة والأطفال.. فوائد وأخطار

 

يمكن أن تؤدي إلى تقليل الذكاء والابتكار لديهم رغم مساهمتها في سرعة التعلم

التكنولوجيا الحديثة والأطفال.. فوائد وأخطار

منذ بداية العقد الأخير من القرن الماضي أصبحت وتيرة التقدم العلمي والتقني وخصوصا فيما يتعلق بالاتصالات أكثر سرعة من أي عصر من عصور البشرية على مدى التاريخ، وأصبحت التكنولوجيا بالغة الحداثة في متناول أي شخص عادي إذ لا يخلو منزل من أجهزة مثل الهواتف النقالة وأجهزة الكومبيوتر. ومثل أي اختراعات حديثة فإن هذا التقدم جعل الحياة أكثر سرعة وسهولة ورفاهية ولكن بطبيعة الحال لم يخل الأمر من بعض الأمور التي يمكن أن تكون شديدة السلبية خاصة على الأطفال سواء من الناحية الصحية أو الاجتماعية أو النفسية.

وهناك آلاف الدراسات التي ظهرت وناقشت السلبيات والإيجابيات لكل هذه الظواهر، ومن أحدثها الدراسة التي أجراها علماء من جامعة بوسطن في الولايات المتحدة ونشرت في نهاية شهر يناير (كانون الثاني) من هذا العام في مجلة «طب الأطفال» «journal Pediatrics ».

* تعليم إلكتروني للأطفال

* ناقشت الدراسة استخدام الأطفال للتكنولوجيا الحديثة مثل الهاتف الجوال والكثير من وسائل الإعلام التفاعلية interactive media. وعلى الرغم من أن الدراسة أكدت أهمية هذه الوسائط في التعليم إلا أنها أشارت إلى أن أخطار استخدام هذه الوسائط لم تتضح بعد بشكل كامل. وكانت الدراسات الماضية تشير إلى أن الأطفال الأقل من عمر سنتين ونصف يمكنهم التعلم من التفاعل المباشر أكثر من التلفزيون أو الفيديوهات المصورة. ولكن هناك بعض الدراسات الحديثة التي بينت أن الأطفال يمكنهم التعلم من خلال بعض التطبيقات الحديثة الخاصة بالهواتف الذكية مثل تطبيقات الكتب الإلكترونية الناطقة التي تعلم الطفل النطق بشكل سليم ومحبب من خلال شكل جذاب وذلك للأطفال من عمر سنتين ونصف وحتى مرحلة ما قبل المدرسة.

ومن الإيجابيات التي يمكن أن توفرها هذه الوسائط توفر المعلومات في أي وقت يحتاجه الطفل مما يجعله يحتفظ بالمعلومة بشكل أسرع. وعلى سبيل المثال يمكن للطفل في حالة تعامله مع لعبة بها أحد الحيوانات أن يستمع إلى صوته ويتعرف على خصائص تلك الحيوان وأماكن وجوده. ولكن حتى الآن لم تتوفر دراسات كافية للأطفال تحت عمر سنتين، وعما إذا كان وجود هذه التكنولوجيا الحديثة سوف يساعدهم في التعلم من عدمه، خصوصا وأن الأطفال في عمر أقل من سنتين يستفيدون أكثر من التعامل مع الأشخاص وجها لوجه.

* سلبيات التقنيات

* ومن أبرز السلبيات التي يمكن أن تؤثر على الأطفال جراء استخدامهم الهواتف الجوالة في فترة ما قبل الدراسة هي الخلل الذي يحدث في النمو الاجتماعي والوجداني الطبيعي social – emotional development of the child للطفل وتؤثر على تفاعله النفسي مع الأقران والأقارب. وأشار الباحثون إلى الدور الكبير الذي أصبحت تشغله هذه التقنيات في لفت انتباه الأطفال والتأثير عليهم بشكل شبه آلي. وفى الأغلب فإن هذه التطبيقات الإلكترونية سواء للتعليم أو اللعب يمارسها الطفل بمفرده وبالتالي يفتقد حميمية العلاقات الحقيقية مع الأصدقاء الحقيقيين بعيدا عن العالم الاعتباري فضلا عن أن الدراسات السابقة أوضحت أنه كلما زاد الوقت المنقضي أمام الشاشات screen time سواء التلفزيون أو الفيديو قل نمو الطفل الإدراكي، حيث يفتقد التفسير المباشر لمعاني الأشياء، وكذلك يمكن أن يعاني من مشكلات لغوية. إلا أنه ليس من المعروف حتى الآن إذا كان هذا التفسير ينطبق على أجهزة المحمول وأجهزة اللابتوب واللوحات الإلكترونية من عدمه.

وأشار الباحثون أن هذه الوسائط خلافا لما يتوقعه الآباء، يمكن أن تؤدي إلى تقليل الذكاء والابتكار لدى الطفل، حيث إن الإجابات الجاهزة بمجرد الضغط على الشاشات يمكن أن تؤثر على نمو الطفل الوجداني وتحد من الإبداع والتفكير في حل المشكلات بشكل منهجي، وأيضا تقلل من التدريب اليدوي والمهارات المتعلقة بالتوافق بين النظر والحركة visual – motor skills اللازمين للنمو الإدراكي، فضلا عن أن توافر عنصر الجذب من الألعاب الإلكترونية يجعل الطفل يعزف عن ممارسة الرياضة في الملاعب وبالتالي يؤثر ذلك على نموه البدني وافتقاده للعمل الجماعي من خلال مشاركة أقرانه في نفس الرياضة.

* إشكالات صحية

* وأوضحت الدراسة أيضا أنه حتى الآن لم تتوافر معلومات أو دراسات كافية حول مدى الأمان من الإشعاعات والموجات الكهرومغناطيسية الصادرة عن الأجهزة المحمولة، وخطورة التعرض لها في سن مبكرة وما يمكن أن تسببه من مشكلات صحية خاصة وأن هناك بعض الدراسات التي تشير إلى أن استخدام الهاتف الجوال لفترات طويلة يمكن أن تسبب آلاما في الرقبة وهناك دراسات قليلة عن تأثير الجوال السلبي على المخ خاصة في مرحلة التكوين.

ونصحت الدراسة جميع الآباء بأفضلية ألا يتعرض أطفالهم في سن مبكرة لاستخدام الهواتف الذكية وفي حالة استخدامها يمكن أن يقوموا بأنفسهم بتجريب أي تطبيق على الأجهزة قبل أن يتم استخدامه عن طريق أبنائهم وأيضا أن يشتركوا مع الأبناء في التطبيقات المختلفة لإضافة الجو التفاعلي معهم، وأكدت أيضا أهمية أن يقضي الأطفال وقتا أطول مع عائلاتهم بعيدا عن التكنولوجيا الحديثة ويفضل لو تم تخصيص ساعة يومية للقاء العائلي.

* استشاري طب الأطفال

 

إقرأ أكثر

من يتصدر المنافسة... الكتاب الرقمي أم الورقي؟

www.bbc.com/arabic/articles/cpr07e11vw0o

كتاب ورقي وآخر إلكتروني

التعليق على الصورة،يسود الاعتقاد بأن الكتاب الرقمي يتصدر المشهد في عالم الكتب في الوقت الراهنArticle information

  • Author,سعيد شحاتة
  • Role,بي بي سي نيوز عربي
  • 12 مارس/ آذار 2024

يسود الاعتقاد بأن الكتاب الرقمي يتصدر المشهد في عالم الكتب وأن الكتاب الورقي إلى زوال وذلك بسبب التحول الرقمي المتسارع الذي يشهده العالم في الآونة الأخيرة. ولكنّ الدراسات العلمية والمقابلات التي أجراها الكاتب مع مؤلفين ومتخصصين ومسؤولين وقراء تحكي لنا قصة أخرى.

تؤكد هذه المصادر المختلفة أن الكتاب الورقي لا يزال في الصدارة بين القراء.

توصلت دراسة قامت بها كلية الأعمال والاقتصاد بجامعة ماكويري بأستراليا على عينة من ألف كاتب وناشر إلى أن نصيب الكتب المطبوعة يأتي في الصدارة بنسبة 45% بالمقارنة ب35% للكتب الرقمية أو الإلكترونية كما أن نسبة الكتب الصوتية أو المسموعة في ازدياد.

أسباب نهضة الكتاب الورقي

بسبب التحول الرقمي الهائل وثورة التكنولوجيا أصبح البعض يريد العودة للشكل التقليدي للكتاب من أجل الهروب من أشعة أجهزة الكومبيوتر والهاتف التي تحيط بالإنسان في كل مكان، ومن هنا فإن الهروب من صخب التكنولوجيا وتأثير الأشعة السلبي على صحة الإنسان، كان السبيل أمام إحياء الكتب الورقية لدى قطاع من القراء.

يمثل الكتاب الورقي أيضاً علاقة بين الكاتب والقارئ، تقول شيخة- خلال مقابلة معها على هامش معرض مسقط الدولي للكتاب أنها تدون ملاحظاتها داخل الكتاب الورقي وتتحاور مع الكاتب وتطرح عليه أسئلة من خلال ما تكتبه من ملاحظات داخل الكتاب، وتضيف أن هذه العلاقة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الكتاب الورقي.

أجرينا أيضاً مقابلات مع العديد من دور النشر اللبنانية والسورية والمصرية والسعودية والكويتية والعمانية والبريطانية وغيرها في معرض مسقط الدولي للكتاب. وأكد الجميع لي أن الكتاب الورقي لا يزال في المقدمة، والدليل هو وجودهم داخل معرض مسقط وغيره من المعارض.

ويرى الدكتور خالد عزب مؤلف كتاب “النشر في الوطن العربي” والمتخصص في شؤون النشر الورقي والرقمي أن العلاقة الحميمة بين القارئ والكتاب الورقي حاسمة في عادات القراءة ونموها، لذا ركزت المكتبات على حملات إعلانية على مواقع التواصل الاجتماعي مع تكثيف خدمات توصيل الكتب للمنازل بسبب زيادة الإقبال عليها.

ويضيف أن زيارة أكثر من ثلاثة ملايين شخص لمعرض القاهرة الدولي للكتاب يعكس أهمية الكتاب الورقي بجانب الرقمي، كما زار نحو 400 ألف معرض مسقط الدولي للكتاب خلال عام 2024 وهي نسبة كبيرة بالنظر لعدد سكان سلطنة عمان.

تحديات الكتاب الورقي وأسباب تزايد الإقبال على الرقمي والمسموع

كتاب إلكتروني

يزداد النشر الإلكتروني بسبب سهولة الحصول على الكتب الإلكترونية وسهولة البحث في مكتبات بكاملها على جهاز الكومبيوتر أو الهاتف الذكي

 

يعد إرتفاع تكلفة الورق وزيادة سعر الكتب الورقية من العقبات الرئيسية التي تقلل من النشر والإقبال على هذا النوع من الكتب.

يضاف إلى ذلك صعوبة حمل العديد من الكتب خلال السفر، كما لا توجد مساحات كافية في المنازل لاقتناء الكتب، من خلال مكتبة في أحد أركان المنزل.

يضاف إلى أن ميزات الكتاب الإلكتروني تجعل البعض يميل إليها ويقلل من استخدام الورقي.

فيما يزداد النشر الإلكتروني بسبب سهولة الحصول على الكتب الالكترونية وسهولة البحث في مكتبات بكاملها على جهاز الكومبيوتر أو الهاتف الذكي، كما يزداد الإقبال عليها من قبل القراء لرخص ثمنها وسهولة التنقل بها.

ويقبل المؤلفون والكتاب على النشر الإلكتروني من خلال ما يعرف بالـ”النشر الذاتي” من أجل تجنب التعامل مع الناشرين التقليديين الذين قد يرفضون أعمالهم، بالإضافة لتوفير وقت الحصول على الموافقات من الجهات الرقابية لنشر بعض الكتب.

أشارت بعض الدراسات إلى أن نحو 60% من المؤلفين تحولوا لشركات النشر الإلكتروني لأسباب تتعلق بالنواحي المالية والإبداعية، إذ ساهمت منصات النشر الذاتي بدور كبير في زيادة عدد الكتب الإلكترونية.

تشير بعض الدراسات مثل دراسة جامعة ماكويري الأسترالية إلى أن النشر الالكتروني مكّن دخول النساء أكثر فأكثر لعالم النشر. يحصل الكاتب على مكاسب تصل إلى 100% من خلال النشر الالكتروني بالمقارنة ب2-10% من الناشرين التقليديين.

واستطاع نحو 50% من الكُتّاب جني أرباح بجانب بيع الكتب من خلال المحاضرات والتدوين والتواصل مع الجمهور عبر المنصات الرقمية، إذ تساهم هذه المنصات في خلق قاعدة قراء متابعين للمؤلفين.

عيوب الكتب الإلكترونية

نّ الكم الهائل من الانتاج الرقمي قد يقلل من قيمة الكتاب بسبب انخفاض السعر، يضاف إلى ذلك أن القراء يحتارون إذ يواجهون ناشرين رسميين وناشرين ذاتيين، وقد تنعدم الثقة في دقة المعلومات من قبل القراء في بعض المؤلفين غير المعروفين.

في مقابلة مع بعض القراء في معرض مسقط الدولي للكتاب ذكرت لي سعاد أن أشعة الهاتف الذكي أثرت على عينيها وضعف نظرها كما أثرت الأشعة أيضاً على التهاب مفاصل اليد، وهو ما جعلها تعزف عن الكتاب الرقمي.

يضيف الدكتور خالد عزب أن الشاشات تشتت من قدرات الإنسان على التركيز عند القراءة، وأشار إلى أن عدد الناشرين العرب المتفاعلين مع الفضاء الرقمي بصورة جيدة لا يتجاوز 6% فيما تصل النسبة إلى 50% في بريطانيا.

ومن هنا، لا يتمتع أي شكل من أشكال الكتب بإجماع بين القراء، بالتالي – كيف يبدو المشهد الحقيقي في عالم الكتب؟

التكامل بين الكتابين الورقي والرقمي

كتب ورقية وإلكترونية

سيظل الورقي والإلكتروني والمسموع في سباق للحصول على أكبر قاعدة من القراء.

ساهم التحول الرقمي في تمكين الكتاب من كبار السن من بيع كتبهم على الإنترنت كساحة للتسويق، وبالتالي فإن إمكانية تسويق الكتب الورقية على الإنترنت يشكل أحد مظاهر التكامل بين الورقي والرقمي.

كما أشارت بعض الدراسات إلى أن نحو 70% من المؤلفين تمكنوا من تحسين الترويج وبيع كتبهم بسبب التسويق الرقمي.

تنصح بعض الدراسات العلمية بأن على الناشرين أن يؤسسوا لسياسات هجينة بين الورقي والإلكتروني والمسموع من أجل التوصل لفئات مختلفة من القراء من خلال التسويق والتوزيع الإلكتروني للكتب الورقية، وتحويل الكتب الورقية لصوتية وإلكترونية.

ويستخدم المؤلفون منصات التواصل الاجتماعي للتواصل والوصول لأكبر عدد من القراء، فمثلا كاتبة روايات هاري بوتر الشهير جي كي رولينغ لديها نحو 15 مليون متابع على منصة إكس، وهو ما قد يوسع دائرة قرائها.

في هذا السياق أكد الدكتور عبد الله بن ناصر الحراصي وزير الإعلام العماني في مقابلة مع بي بي سي على هامش معرض مسقط الدولي للكتاب أن الأشكال الثلاثة للكتاب متكاملة، وقال “أستفيد من الكتاب المسموع عندما أمارس الرياضة، وأتحول للإلكتروني عند السفر لسهولة حمله وسرعة الحصول عليه، وأعود للورقي في المنزل أو المكتب في جلسة خاصة مع الكاتب حيث أتمتع بملمس الكتاب وكتابة الملاحظات”، يلخص ذلك التكامل بين أشكال الكتب المختلفة لدى مسؤول وقارئ، وهو ما يجعل السباق بينها غير محسوم لصالح واحد منها.

بالرغم من تصدرالكتاب الورقي للمشهد في الوقت الحالي، فهناك زيادة تواجد للكتاب الرقمي ولاسيّما في السنوات الأخيرة، في النهاية يصب ذلك في تنوع المصادر التي تساعد على النمو المعرفي وتقدم الأمم.

 

إقرأ أكثر

من نحن

نحن قومٌ نؤمن بالله الخالق الواحد الأحد، فهو البداية والنهاية، المنبع والمصب، بإرادته بعثنا وبإرادته ستكون أوبتنا إليه.

نحن مجموعةٌ من مختلف أطياف الحياة، يجمعنا إيماننا النابع من عقيدتنا الداهشية الداعية إلى الوحدة الدينية الجوهرية والأخوة العالمية والمحبة الشاملة بين الجميع بغض النظر عن الجنسية والعرق والدين. 

فقد علمتنا الداهشية أن الأديان جوهرها واحد، وأن الرسل والأنبياء هم من ذات المصدر الإلهيّ، وهي تحترم جميع المعتقدات الدينيَّة وتدعو إلى العودة إلى جوهرها دون القشور، والإيمان بتعاليمها المقدَّسة فكراً وقولاً وعملاً. لقد دعا الدكتور داهش عبر عقيدته إلى التآخي الإنساني والى نبذ التعصُّب البغيض والطائفيَّة المقيتة وما ينتج عنهما من نزاعاتٍ وأحقاد.

إنّنا نعيش، وللأسف، في زمنٍ غلب فيه الحقد والانتقام على المحبة والتسامح، فأصبح العنف هو اللغة التي يفهمها الجميع وعمّت الحروب والصراعات الدموية أرض دنيانا، وسالت الدماء تستصرخ الأمن والسلام. ورغم التطور العلمي والاكتشافات المذهلة التي توصل إليها الإنسان، نراه يتخبط في محيطٍ من اليأس والقلق بعد أن طَغَت المادَّة على فكره وقلبه فكبّلته بقيودها المهلكة وزرعت فيه بذور الشكّ بوجود الله وبالأديان السماوية وتعاليمها الخالدة.

فنحن نؤمن أن الداهشية ظهرت في هذا العصر لتعيد الإنسان إلى جوهر دينه وإلى تثبيت إيمانه بالله والرُّوح والمُثُل العليا، وإلى جمع العائلة الإنسانيَّة وتذكيرها بأن الجميع هم روحٌ واحدة في قلبِ الله. وهي تبشّر بمبادئ اللاعنف والمحبَّة والإخاء الروحي المبني على أسس العدالة والحرية والتسامح وكبت رغبة الانتقام كطريقٍ أوحد لتحقيق السلام والطمأنينة بين الشعوب وكحلٍّ نهائي لعذاباتِ البشر وآلامهم.

كما نؤمن أنّها أتت بأجوبة يقينية ومُلْهمَة لأسئلة عديدة يسعى الإنسان للإجابة عليها، مثل أسباب عذابات البشر وآلامهم، وأسباب الاختلافات بين الناس وبين الأديان، بالإضافة إلى توضيح وإثبات مبادئ التقمص والسيالات الروحية والهدف من الوجود وغيرها من الأسئلة الوجوديَّة. كما أن تعاليمها وشروحاتها تساهم في ردم الهوّة المتزايدة بين العلم والدين بما يعيد التوازن بينهما ويوحّد بين جهودهما لكشف الحقائق والأسرار الماديَّة والروحيَّة. 

ونختم بقول الدكتور داهش من كتابه “كلمات” والذي يمثّل كنه ما نرجوه بتواضعٍ في مسعانا:

 “من العارِ أن تموتَ قبل أن تقومَ بأعمالِ الخير نحو الإنسانيَّة”.

فأعمال الخير نحو أخوتنا في الإنسانيَّة ونحو الأرض كلّها بما تتضمَّن من كائناتٍ ونباتاتٍ وطبيعةٍ هي جزء لا يتجزأ من طريق الحق والحقيقة.

والسلام

هيئة التحرير

إقرأ أكثر

LINKS:

English Section

 

 A Fervent Prayer of Thanksgiving

Dr. Dahesh

From the book “Memoirs of Jesus of Nazareth”

O Father Eternal,

in supplication and humbleness,

I prostrate myself before You,

raising to You

my most devout feelings

of deep reverence, 

giving thanks for the utmost protection

bestowed upon me through the past year,

even to this very hour,

beseeching You to watch over us all 

with Your ever vigilant and caring eye.

Guide my steps and theirs in the path of Truth.

Remove from our depths

the thorns of deadly greed.

Direct us towards Heaven, 

where greed is no more

and desires cease to exist.

Give me strength 

and guide me onto the straight path.

Encourage the faltering and the weak-willed.

Enlighten darkened hearts 

with rays of Your everlasting lights.

Let everyone persevere in love of the Just Truth. 

Lift from their eyes the veil of ignorance, 

that they may behold 

the rich meadows of Your guidance, 

and they will praise and glorify You 

for ever and for evermore.

Read more

Zara The Cosmic Girl

‏Sami Wassaf

 

‏Once upon a time, in a distant galaxy far from our own, lived a curious and adventurous extraterrestrial being named Zara. She was one of the known space creatures characterized by their eagerness for adventure and their intense desire to explore the universe.

 

‏One day, while wandering in the vast space in her small spacecraft, an unexpected deviation appeared on her sensors. It seemed like the mysterious gateway, the wormhole, which she had heard about and dreamed of, rolling with its enchanting colors. Her heart filled with excitement and anticipation as she pondered the possibilities on the other side of this magical warm passage. Driven by her boundless curiosity, Zara decided to enter and explore the ambiguous mystery. She let her cosmic boat’s sails surrender to the radiant whirl, feeling a strange sensation where she lost all trace of familiar laws; she became weightless, density-less, engulfed in a joyful feeling as if time and space were bending around her, embracing her tenderly, colors danced beside her window, presenting a magical cosmic show

‏As Zara’s understanding of known laws faded, she couldn’t determine the time elapsed during her thrilling passage through this rift! This was her second crossing after she traversed from her world she used to sail in to the realm of the secret aperture

‏So far, Zara has crossed two stages of awareness: the first before entering the wormhole, and the second while in it. And here she is, in the third stage of awareness, crossing to the other side, finding herself in a completely unknown area of space! The stars and planets are unfamiliar! Their beauty is marvelous! She is in another dazzling world, in a new gravitational field of the universe. She felt like she was traversing stages of a multi-awakening dream, and in each awakening, she thought what she had previously seen was a dream.

 

‏What amazed her was that she was not alone. Creatures of this new cosmic world were captivating and attractive, taking her breath away. She was astonished by how any grip a girl could have, and any girl! She’s her parallel, but this parallel is highly conscious and capable of communicating through mental reception! To my age, this is a qualitative leap in the concept of creation. This parallel girl was named Wix, and Wix, the enchanting mermaid who captivates hearts, had ancient wisdom acquired through thousands of years during her successive lives in different worlds and degrees.

 

‏Wix revealed to Zara that the ruler of destinies allowed her to cross this passage, connecting different dimensions, and that she, “Wix,” had been guarding this entrance for thousands of ages. Zara was informed that she had now crossed a bridge between material and immaterial worlds, which is only allowed for selected beings destined to travel in dimensions.

 

‏The amazing surprise happened: Zara and Wix united – for the world she reached allows parallel beings to unite, multiplying the knowledge of the newborn cosmic creature and charging its abilities with distinctive fuel. As a result of their journey through dimensions, Zara’s doors of perception opened, and she realized that life is radiant energies scattered throughout the infinite expanses of the cosmos, and that their interaction and influence with each other are constant, continuous, and effective, like fluid in connected vessels. It is now clear, with the development of their knowledge, that the faith and knowledge of the inhabitants of lowly planets, such as the planet Earth, in God Almighty and His existing power, is trivial and confused. Likewise, their religions and worship are foolish and superficial, commensurate with the abilities that the distributor of destinies has allowed them to possess…

 

‏And thus, Zara and Wix formed an unexpected and wonderful alliance, and this renewed creature embarked on a series of intellectual adventures, where Zara visited worlds where the laws of physics are entirely different, and where its beings are composed of transparent energies and pure consciousness, and where light has shadows. The new being encountered civilizations that achieved peace and happiness by achieving harmony and harmony between nature and technology.

 

‏And now, Zara, having become part of Wix, was able to communicate with beings living outside of time and space, entities that embody the essence of creativity and imagination… The amazing journey continues… If only we knew its details and intriguing secrets… A journey that will remain a rich incentive for adventure lovers.

 

 

Read more

 

Reality and Hope!

Mounir Murad

In three months, this year will end, and we will usher in a new year full of hope and promise. Wait a second, we’ve been saying that year after year, only to encounter one disappointment after another. This year is not an exception, for the life of me, I can never find a valid justification for the killing of innocent children and civilians. Politicians are quick to excuse what they are seeing with their own eyes as an act of self-defense. Really! How about the abduction of children and then forcing them to become children-soldiers by threatening the killing of their families… the raping of girls and women… the wars waged to grab land… the deliberate starving of people… the declaration of draconian laws to control people in the name of religion… the deliberate destruction of forestry and wildlife for financial gain… the constant alarms issued by scientists that the excessive consumption of carbon-based fuels are harming the planet and the cause of many severe weather patterns… the obsession with owning automatic or semiautomatic firearms by civilians that led to many mass killings—many targeting children… the horrible rise of authoritarian regimes in many countries… the toxic political environment brought about by falsehoods or taking words out of context… the blurring of the lines between reality and fiction… the quick to get rich schemes… the unsatiable greed of the rich… on and on and on!

What happened to compassion, love, respect, decency, caring, sharing, and forgiveness that all major religions call for? How about the deliberate challenge to the most basic spiritual rules and replacing them with human ones? The more I read and look around, the more I get disgusted and discouraged, however, it is not all doom and gloom, for the are many selfless acts by individuals or groups hoping to change the human condition… the dedicated scientist that burn the midnight oil trying to find a cure to a disease… the environmental advocacy groups… the humane societies… the medical teams that travel to war zones or disease stricken regions to save lives… the educators that go the extra mile to help their students… the rich that genuinely act to uplift people from poverty… the programs that promote the brotherhood of mankind… the peace makers… the good Samaritans that would not hesitate to help a total stranger… on and on and on!

Many of the negative things happening all around us are constant reminders that we need to do more to change things and to awaken the consciousness in people… to touch some element of their soul and have them reconsider what they are doing… to lead by example… to live true to the spiritual rules set for us by the Prophets… to realize that we are all in this life together, but our individual destiny is directly proportional to the efforts we exert… to not waver, or become complacent…and to be hopeful, for without hope this life is unbearable. We hope the subjects and issues brought to you by this issue kindle something wonderful within you and take you one step towards spiritual progression.

Read more

THE DIVIDED TREE

Dr. Dahesh

A Selection from Strange Stories and Wonderful Tales. Vol. II.

 

 

“My branches shade this cottage”, said the tree speaking to itself, “they sway in the playful wind, a pleasing sight to the onlookers. And the singing birds that alight on my branches delight the ears with charming songs. In spring the wood is covered with soft grass scattered with golden flowers. And the wind playing on my branches sings the songs of nature, and squirrels run up and down my trunk. Days, months and years have passed over me, and I still stand where I was born. How I wish I could be released if only for one hour so I could move to the interior of the wood and greet the other trees. We are all in the same plight. We are all fated to stand in our places until the day axes or electric saws get to work on us so that human beings can have wood to keep them warm or run their factories. That is our destiny.

 

We give pleasure to those who observe us from distance, yet they cannot imagine the pain we experience for not being able to move from our place until we are overcome by old age. Our branches dry up and the life drains out slowly, and then we disappear from the material world and we move on to live in another one. For this is the will of Him who created us and laid down an order for us to follow from eternity to eternity.

 

I confess, I the towering tree that stands near Honeywood cottage that many times I fell prey to various thoughts, some lofty and some base and that I was perplexed at their discordance. Sometimes I had evil thoughts like wanting to hurt the little birds that used to stand and sing in my branches and gave so much delight. One day in spring one of these birds built its nest in one of my branches, under a leaf that protected it from prying eyes. There the female laid its eggs. Suddenly, I saw a great serpent slowly edging its way towards it. I was seized by a persistent wish to urge the serpent on and make it destroy the eggs. At the same time I felt an opposite wish. “That would be treachery”. I said to myself, “if I betrayed this harmless creature which took refuge beneath my leaves”. “And what do I care if the serpent ate up those eggs”, said another voice, “I won’t be hurt”. And so it went on, while I was torn between wanting to hurt and not wanting to commit an evil act. It is the struggle between good and evil, between virtue and vice. Two contradicting powers. Human beings are mistaken if they believe that they alone are torn between the good and the bad.

 

For trees possess the same liberty to do good or evil. God gave us the freedom to choose between the good and the bad within a certain work. If we are guilty of an injustice great shall be our punishment. On the other hand if we do good great shall be our reward at the hour of reckoning.

 

For this reason God invested us with certain powers unknown to men. If they knew this secret they would be greatly astonished. We are able, for instance, to direct an invisible Fluid on a serpent or any other creature and make it climb up a tree and commit an infamy. Just as we can stop from doing that by directing a contrary fluid that will prevent it going up and drive it away from the tree.

 

Evil triumphed over good. Part of the tree that is, myself, directed its Fluid on the serpent. Just as he was crawling away, it made him turn back and climb up the tree until he reached the bird’s nest and swallowed up the eggs. Upon seeing this the mother, crazed by anguish, started to peck madly at the serpent while the latter tried to sting her. I was pleased and at the same time displeased at the sight. That is, my left side delighted in the scene while my right side was revolted, despite my will. At last the serpent got at the bird.

 

It gave a feeble flutter and fell dead to the ground. My left side which was thrilled at what happened was responsible for this misfortune. I was sorry to see evil triumph over good.

 

Squirrels too, would frequently meet their death, climbing up and down my trunk. For my left side would direct its Fluid on them, and they would get hurt on account of the evil that dwelled in the leaves and branches of that side. How many times I struggled with it in vain. Every time it would break its promise and return to its evil ways.

 

When I saw it was no use, and that evil was too deeply engrained in it, that there was no escape from punishment if I did not separate from my evil half, I summoned up all my strength, one day in 1950 and gave a loud cry asking God to deliver me from that half.

 

Suddenly, the tree, that is I was rent in two. Thus, I was separated from my evil half, so that now, I was no longer responsible for what it did. I stood on the right and it stood one the left. I thank God who delivered me from my evil half and remembered the words of Christ in this connection, two thousand years ago: “And if they right eye offend thee pluck it out… for it is profitable for thee that one of thy members should perish and not that thy whole body should be cast into hell”.

 

 

This is the story which the tree narrated. I put it down on record for those who seek to know the secrets of the unknown world.

 

U.S.A. July 16, 1978.

Read more

المُنتدى

أنتم تسألون والدكتور داهش يُجيب

مجلَّة بروقٌ ورعود

من أجل إنسانٍ أفضل

س: تبينت من جوابكم لأحد القراء, في العدد الثالث من مجلة(بروق و رعود) أنكم ترون أن فناء البشر بات قريبا”, و ان لم يكن كلامكم في الموضوع صريحا” و اذا راجعنا التاريخ, رأينا ان في كل حقبة من الزمن يظهر أناس من المتشائمين ينادون يأن الفناء قريب, و خاصة عند وقوع الكوارث و الحروب. و ما كان الفناء ليقع. فما جوابكم على ذلك؟

ج: لك ان تعتقد ما شئت , فاعتقادك لن يتغير من سير الأحداث و حقيقة الأشياء. و اعتقاد الناس, في الماضي, ان الطوفان لن يقع ما منع وقوعه. و بين كلام الناس و كلام الروح كما بين الأرض و السماء. و كل شجرة لاتثمر ثمارا” صالحا” تقع و تلقى في النار. و أي ثمر صالح تثمر البشرية اليوم؟ و من لا يرى فرقا” بين حرب سلاحها السيف او بندقية و حرب سلاحها القنابل الذرية و الهيدروجينية لا يرى فرقا” بين لهبة الشمعة و نيران الشمس. و من يثق كثيرا” بحكمة الانسان يكن من العميان. و يوم أمطرت سدوم و عمورة بالكبريت و النار لم يستأذن البشر الأشرار

إقرأ أكثر

:شارك

س: هل تؤمن الداهشيّة بألجحيم والنعيم ؟ ثم ماذا يعني الجحيم والنعيم بألنسبة للداهشيّة ؟

ج: نعم ان الداهشيّة تؤمن بوجود عوالم عبّرت عنها الكتب السماويّة بأسم ( الجحيم والنعيم ) , وهذه العوالم هي كواكب ماديّة تعد بمليارات لا تحصى , من بينها تلك ألآلاف التي نستطيع مشاهدتها مبثوثة في رحاب السماء . وقد عرفت الداهشيّة , عن طريق الروح , أن هذه العوالم الماديّة جميعا” لها كائناتها وأشكالها وأنظمتها الحياتيّة ومقاييسها وقوانينها الخاصة التي قد تختلف اختلافا” عظيما” عما

إقرأ أكثر »

س: ما الفرق بين الروح والنفس ؟ ما هي شروط الجلسة الروحيّة وشروط ألأشتراك فيها ؟ وما هي شروط الوساطة الروحيّة ؟

ج: أوضحت سابقا” أن الروح طاقة فعّالة مدركة عظيمة لا يشوبها أي تكثيف ” ماديّ ” وهي بهذا المعنى لا توجد الاّ في ملاءها الروحاني الطاهر الذي لا يلطخه أي دنس , والكائن وراء ألأفلاك الماديّة كلها . ولكنها تتصل بألجسد بخيط روحيّ نوراني . أما النفس فهي مجموعة السيّالات الروحيّة الموجودة في كل أنسان . وقد أوردت ايضاحا” وافيا” عن السيّالات وتكثفها ” الماديّ ”

إقرأ أكثر »

س: لم اختارتك الروح , في هذا العصر ,لتحل فيك دون سواك من الناس؟و لم يحاربك الكثيرون؟

ج: جاء في كتاب الله العزيز :(رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاقي )(سورة غافر آية 15) . ثم أية حقيقة ظهرت في الأرض و ما عارضها أعداء كثيرون ؟ لو كانت الأرض كلها نورا” لما احتاج الناس الى نور, و ما دام الظلام قائما” , فالصراع مستمر بين النور و الظلام.

إقرأ أكثر »

من يكون ذلك القدّيس الذي لم تخطر المرأة في باله ؟ " لو وجد هذا لشبّهته بالآلهة " .

الدكتور داهش

Send Us A Message

error: Content is protected !!