س: ينسب الداهشيّون المعجزات التي تجترحونها الى قّوّة روحيّة تحتلّكم من حين الى آخـر.

فألمعجزة تعني , أذن , تأثير قوّة روحيّة في المادة , فكيف يمكن عقليا” ومنطقيا” , أن يفسّـر تأثير شيء في شيء من غير طبيعته ؟ ثم كيف تحتلّكم الروح ما دامت الروح في جسم ألأنسان ؟ ج: لم يستطع السالفون من الباحثين أن يصيبوا الهدف عندما قسموا القوى المبثوثة في الكون الى ماديّة وروحيّة , أذ أنهم بتكريسهم للمادة وجودا” نهائيا” مستقلا” فضلا” عن وجود الروح , جعلونا أمام نقيضين يستحيل التفاعل بينهما , أذ أن النظريّة الثنائيّة تمنح المادة طبيعة أساسيّة تختلف عن طبيعة الروح . وفي سبيل الربط بين هذين النقيضين في ألأنسان , أخذوا يلجأون الى تفاسير اعتباطيّة مصطنعة سرعان ما ظهر ضعفها المنطقي بحيث أدت الى نتيجة عكسيّة هي نشؤ الفلسفات الماديّة الحديثة النافية وجود الروح والقائلة بوجود واحد في الكون هو الوجود المادي . وحقيقة ألأمر أن ما نسمّيه ( مادة ) سواء كان حجرا” أو نباتا” أو حيوانا” أو أنسانا” أو غير ذلك , ليس سوى المظهر الحسي الذي تلتقطه حواسنا بطريقة مباشرة أو بواسطة ألألآت . وهذا المظهر الحسّي ليس له أي وجود مادي نهائي مطلق حتى على صعيد الذرّات , أذ أنه نسبي يتغيّر بنسبة ما تتغير الحواس التي تلتقطه . خذ مثلا” على ذلك صخرة معيّنة حجمها متر مكعّب . فأن حجم الصخرة وشكلها وصلابتها وحرارتها , كل ذلك حدّده التركيب المعيّن الذي عليه حاسة بصرك وحاسة لمسك . فأن حصل أي تغير في تركيب هاتين الحاستين تغير بألتالي معهما شكل الشيء المرئي وحجمه وصلابته وحرارته . افترض أن لك عينا تركيب عدستها أقرب الى تركيب عدسة مجهر يرى الشيء من خلاله مضخّما” مليون مرّة أكثر مما يرى بألعين المجرّدة , أو أنك من سكان كوكب عيونهم مركّبة ذلك التركيب . فأن الصخرة , أذ ذاك , ستفقد , أمامك , شكلها المألوف عند الناس فقدانا” تاما” , ليس فقط من حيث الحجم والضخامة , أنما أيضا” من حيث شكلها الخارجي الذي تلتقطه العين . فكم من نتؤات دقيقة , وخطوط وتعرّجات صغيرة وأوساخ وألوان خفية موجودة في الصخر و لكنها لا تبدو للعين المجردة, اذا بها عندئذ تظهر كبيرة جلية و تعطي الصخرة صورة جديدة و شكلا” لم تألفه العين العادية . فقد تبدو الصخرة آنئذ كسحابة شفافة عظيمة, كما يبدو كل ما يحيطها من أشياء أشبه بأبخرة أو سحب. و هكذا يمكنك ان تتخيل الصور الغربية التي ستبدو عليها الاشياء اذا ما راحت حواسك جميعا”تتبدل أجهزتها. و ان نسبية الاوضاع المادية أكدها العلماء الحديثون ابتداء من أينشتاين, و لكن الداهشيةأدركتها عن طريق المعرفة الروحيّة بطريقة مسبقة , كما أدركت غيرها من الحقائق مما لم يتوصّل العلم الى كشفه بعد . وقصارى القول أن ما سمّى ( مادة ) ليس ألاّ وجودا” ماديّا” نسبيّا” يخفي مظهره الحسّي طاقة لا مادّية هي , أساسا” قوام الموجودات كلّها وهذا الوجود أللامادي وأللامرئي لم يستطع العلم حتى ألآن أن يدرك منه الاّ ما يسمّى بألطاقات الكهربائيّة المغناطيسيّة التي يتألف الكون كله منها . ولكن هذه الطاقات نفسها ليست سوى الحركة الفاعلة لما يسمّيه الداهشيّون ( السيّالات) الروحيّة المبثوثة في الكون ( المادّي) كله. وعلى صعيد هذه( السيّالات) تتوحّد طبيعة القوى الروحيّة وهي التي في مناطق ما وراء العوالم ( الماديّة) وطبيعة القوى ( الماديّة) . انما يبقى بينها الفرق ما بين ألأعلى وألأدنى وألأقوى وألأضعف في الطاقة والفاعليّة . وهكذا ينتفي العجب من السؤال . أذ أنه لدى حدوث معجزة ما , تفعل قوّة لا ماديّة في قوّة أخرى هي لا ماديّة أنما أتخذت بألنسبة لحواس ألأنسان ووضعه التكويني مظهرا” ماديّا” . أمّا الروح فهي طاقة فعّالة مدركة عظيمة لا يشوبها أي تكثيف ( ماديّ) . وهي , بهذا المعنى لا توجد ألاّ في عالمها وراء ألأفلاك الماديّة كلّها . وهي من أمر أللّـه تعالى . والى ذلك أشار القرآن الكريم اذ قال : ( ويسألونك عن الروح قل ألروح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم ألاّ قليلا ) . ( سورة ألأسراء آية 85 ) . وألأنسان لا تسكنه روح بهذا المعنى ,انما جسده يتألّف من (سيّالات روحيّة ) , أي قوى اشعاعيّة مكثّفة , ومظهرها المكثّف هو ما نسمّيه( مادّة ) . وهذه السيّالات بجوهرها الروحيّ ومظهرها المكثّف ( المادّي) هي سبب الوحدة ( النفسيّة _ الماديّة ) في ألأنسان . فضلا” عن ذلك فألسيّالات الروحيّة ليست وقفا” على ألأنسان بل هي قوام الموجودات كلّها , وما الوحدة التي أكتشفها العلم بين ألأنسان والحيوان والنبات والجماد ألاّ نتيجة وجود هذه السيّالات في مظاهر الكوّن جميعها . وقد عرفنا بطريقة روحيّة أ، ألأختلاف بين ألأشياء والكائنات في تكوينها وطبائعها يعود الى تباين السيّالات التي تكونها في لطافتها وكثافتها وقوّتها وضعفها , وبتعبير آخر الى رقيّها الروحيّ أو أنحطاطها . أن التفسير الروحيّ الذي تعطيه الداهشيّة , أذا أنتصر في أذهان الناس , قلب المفاهيم والمقاييس والقيّم في العالم أجمع , لأن نقطة البداية وألأرتكاز في تفسير القضايا والمبادىء والموجودات وتقييمها لن تكون أذ ذاك ماديّة بل روحيّة . لا سيما أن التفسير الداهشيّ يلتقي والعلم على صعيد واحد . هذا , أذ قصدنا بألعلم , العلم الصحيح الذي بلغ مرحلته النهائيّة الصائبة , أو العلم في ما يمكن أن يصل اليه أن أتيح له , تقدّم مستمر , ذلك بأن الداهشيّة تدرك . مسبقا” , عن طريق الروح , ما يدركه العلم عن طريق البحث والعقل أن تأتت له القدرة على ذلك .

error: Content is protected !!