Logo

القلم يبكي والحبر يستغيث

من ليس له ماضٍ، ليس له حاضر

الدكتور داهش والداهشيَّة

Archive By Hussein Younis

منبر القرَّاء

أكتبُ كي لا ننسى -

أكتبُ كي لا ننسى عن نور حزيران الذي ومضَ في عالمنا ومضى، ذلك النور الإلهي الذي تجلّى على يدِ إبن السماء، كالبرق الخاطف يُنير ظلام هذا العالم الماديّ، المشرف على محيطٍ من الدركات الجحيميَّة. يقذف صواعقه شرَراً، يُشعلُ جذوة الإيمان الخامدة في بعضِ قلوب المُحتارين بين الحقّ والباطل، المُشكِّكين بالله واليوم الآخر، المشتَّتة أفكارهم بين المعرفة الروحيَّة والميول الدنيويَّة . يُضيء منارةً تُرشدُ القانطين من رحمة الله، الغارقين في خضمِّ الحياة المُتعِبَة، الذين تتجاذبهم أنواء الهموم والقلق والخوف المتواصل من المجهول. يُشرق شمساً تُلهِبُ النفوس الضعيفة، التائهة بين متاهات الجهل والأنانية، ومستنقعات الرذيلة والفجور، فأضاعوا النهى قبل الإتجاه، وساروا على غير هدى. يوقدُ ناراً تُثيرُ دماء المتقاعسين عن السير في طريق الله، يعيشون برودة الأيَّام على أحلام السنين، تتجاذبهم أمواج الحياة بين إقدامٍ وإحجام حتى يغمرها النسيان، ترميهم على شاطىء بحر الندم ، فيتبدّدُ الزَّبدُ على رمال الرغبة والغاية وهواء الحاجة والجسد، فالحياة قصيرة والقيود كثيرة، وبين لهوٍ وإهمال يضيع العمر في غمرةِ الأحداث والأحزان، الى أن تأزف الساعة ويدهمهم ما يُسمَّى الموت مقبرةُ الحياة.

أكتبُ كي لا ننسى عن نور حزيران الذي تجلّى مِشعلاً يُنير دياجيرَ هذا العالم الجاحد برسله وأنبيائه ، بهُداته ومُصلحيه، المُبتعد عن وجه الله، وجه النور، وجه الحقيقة والمعرفة والخلود، غير مُدركٍ للحقائق الروحيَّة، ولا جوهر الأديان السماويَّة . تجلّى ضياءً في ظلمة هذا الليل الطويل، المهيمن على النفوس المتألِّمة ،المتمسِّكة بأهداب الفضيلة، يبعثُ فيهم الأمل المنشود، ببزوغ فجر الحقيقة ، للصمود بوجه الشرِّ الرهيب، يُلهمها السيرَ في طريق السماء، وسط إغراءات الحياة اللامتناهية، المُتربِّصة بنا شرّاً تحت جُنحِ الظلام، والتمكُّن من نشر الفضيلة بين الناس، والدعوة الى التآخي الإنساني ليعمَّ السلام والمحبَّة في أصقاع الأرض. تجلّى أنوار هدايةٍ إلهيَّة، في النفس الأمارةِ بالسوء، جسَّدها كلماتٌ من نور، تُهدي الصُّمَ لو سَمعوا، تنيرُ العقول الصدئة، العفنة، أصحاب إبليس، رمز الشرِّ المتوارث على مدى أحقابٍ وأجيال، لا يرون من الحياة إلاَّ بهارجها، يعيشون سجناء رغباتهم وشهواتهم وميولهم الوضيعة، يبيعون دينهم في سبيل دنياهم، غيرُ آبهين بثوابٍ او عقاب ْ، يعيشون ليومهم وكأنَّهم خالدون، يُكنزون المال وبناء القصور، لا يَشبعون ولا يُشبِعون، يستميتون للإستحواذ عليها بشتى الطرق، ولو كانت ملتوبة، لا يرون الحقيقة إلاَّ في معتقداتهم، وما هم عليه من أرآءٍ وأفكارٍ بالية، رضِعوها من ثنايا الجهل بالإنقياد لحاكمٍ وسلطان وأولياء الأمر، تُكبِّلُ النفوس وتُقيِّد الأرواح، يعيشون في فلكها، يضحُّون في سبيلها، يموتون من أجلها حتى وان لم يكن لهم رأيٌ بها. يتعصّبون لجهلهم، يفرحون لخطاياهم، ويهللون لمعاصيهم، ويُطربُون لمصائب ضحاياهم، ثمَّ يرقصون على أشلاءهم.

أكتبُ كي لا ننسى عن نور حزيران الذي تجلّى مُعجزاتٌ إلهيَّة وظاهراتٌ روحيَّة تأكيداً وتوضيحاً للمرتابين في وجود الروح وخلودها، المُلتبسين في معرفة الجحيم والنعيم، وفهم الحضارات الكونيَّة، الضَّالين المُضلِّلين، سجناء التقاليد والعادات التي لا تمتُّ الى الحضارة والعلم في شيء، ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، أسرى موروثات ثقافية وإجتماعية قد تكون منافية للحقائق الروحيَّة أو القوانين الإجتماعيَّة، يتمسَّكون بها، يحافظون عليها بمالهم ورزقهم، يُعادون من يُخالفهم ويُدافعون عنها بحياتهم، لا يرون الحقَّ إلاَّ فيها، وما هذا إلاَّ لجهلٍ في النفسِ امتزج بالعصبيَّة والغرور، وكأنه يقول لا إله إلاَّ أنا.

أكتبُ كي لا ننسى عن نور حزيران الذي تجلّى كلمةً تتحدّى سيوف الطُّغاة والمُتغطرسين، المغرورين المُتكبِّرين ، والقتلة المُجرمين، أصحاب العقول المُنحرفة والإنحطاط الأخلاقيّ، مرتكبي أحطَّ أنواع الموبقات والشرور، المتمادين بالمعاصي الهائلة، تجلّى ثباتاً وجهاداً وتضحيةً في وجه طغمةٍ حاكمة، مُتمثِّلة  بأصحاب النفوس المستكبرة، الوصوليَّة المنافقة،أعداء الحريَّات، التي تسعى لتحقيق أهدافها على حساب الآخرين،بإستخدام الوسائل القذرة والدنيئة، الذين يسخِّرُون الدولة ورجالها وقوانينها لتحقيق مآربهم الشخصيَّة وصفقاتهم المشبوهة، وإن كان في ذلك خرقاً للدستور وتعدِّياً على القانون، لا يتوانون عن إرتكاب الجرائم واستباحة المُحرَّمات، يعترِضون طريق المصلحين ويُشوِّهون صورهم، يُلصقون بهم كل فريَّة، يتسلَّطون على الأنبياء والهداة، يدوسُون  على كرامة الإنسان وينتهكون حرمة الأخرين لتحقيق غايتهم، يستغلُّون مناصبهم للإعتداء عليهم، يقِلبون الموازين، يزيفون الحقائق، يُسمُّون الأمور بغير مُسمياتها؛ يصُدُّون الناس عن معرفة الحقيقة باسم القانون والحفاظ على السِّلم الأهلي، أنذالٌ مُتبجِّحون ،عبيد شهواتهم، يغوصون في مُستنقعات الرذيلة، ينهبون المال العام، يعتدون على الفقراء الأمناء والبسطاء التاعسين المغلوبُ على أمرهم، وهم الأغبياء المارقين والخونة المماذقين، يظنُّون أنَّهم أصحاب السلطان، خالدين فيها، لا نهاية لهم ولا دينونة ولا حساب.

أكتبُ كي لا ننسى عن نور حزيران الذي انفجر كالبركان الثائر يقذف حِمَمُه كلماتٌ ناريَة في كُتُبٍ سوداء مُلتهبة ومنشوراتٍ مُبيدة لفضائحٍ نتنة، تُعرِّي إبليس ورفقاء دربه ، أصحاب الحقد الدفين، تبيِّن حقيقتهم وحقارتهم، وتفضح زيف المُعتدين على الحريَّات والكرامات، الناطقين زوراً وبهتاناً، ملئوا الصُّحُفَ بأكاذيبهم، ينشرون التعصُّب والكراهية بين مكوِّنات المجتمع الواحد، خوفاً على مصالحهم وإستحواذاً للسُّلطة، أبوا إلاَّ أن يكونوا حاجباً لنور الحقِّ والحقيقة، يقمعون الحريَّات في الإعتقاد والتعبير، يعتدون على حقوق الإنسان التي كفِلتها شرائع السماء والقانون، يُمارسون إرهابهم الفكريّ على من يُخالفهم في الرأي، يروِّجون خطابات البغض والحقد والتحريض والتهديد بصراعاتٍ مُخيفة تُهدِّد سلامة وإستقرار المُجتمع، فالجهل أشرس أعداء الإنسانيَّة. لم يتعلَّموا من ماضيهم وتاريخهم، فسجلوا أنفسهم في مزابل التاريخ.

أكتبُ كي لا ننسى عن نور حزيران الذي تجلَّى شِهاباً ساطعاً يبهر العيون من شدَّة ضياءه، يُغشي بصَرَ رجل الدّين الإنتهازيّ، الضَّال المُضلِّل، مَنْ يُداهن أصحاب المراكز والنفوذ ويتزلَّف لأصحاب الحُكم والسلطان، ليتربَّع صدور الولائم، ويسخِّر المنابر لأهواءه وتجاذباته في الأديان والسياسة، وفيما بين الطوائف والمذاهب والأحزاب، ولو كان ذلك على حساب الدين والقانون والعلم والمنطق والحقيقة والإنسان، ولا ضيرَ في تسخير كلِّ إمكانيَّاته في ذلك لتحقيق مآربه في التحكُّم بقلوب المؤمنين البسطاء، واستغلال أصحاب العقول لخدمة رجال السياسة وتحالفاتهم ، يُمارس الإستبداد والطغيان، بعذبِ الكلام ويوهمك بصدقه، ومعرفته وعلمه الروحيّ، وما نفع المعرفة إن لم تتجسَّدَ عملاً يعمّ بالفائدة على الآخرين، يداخل النفاق في الفضيلة بلهجةٍ تُحاذي الصّدق، يقول ما لا يفعل، يتحدَّث بكلِّ طيبةٍ وكأنَّه النعجة الوديعة، وهو الذئب الكاسر يفترس كلَّ ما في طريقه، للوصول الى هدفه.

تجلَّى نجمٌ ساطع،لامع، تَلأْلِئَ بصيرةً نيِّرة، تُرشِدُ أصحاب الأخلاق الحميدة لِكشفِ السِتار عن رجالٍ عاهدوا الله وما ثبتوا، نسوا طاعة الأنبياء والتزام مبادئهم، مارسوا أشدَّ أنواع الخِداع بكلِّ إبداع، نسبوا آراءهم للأنبياء وأحاديثهم ليعطوها المصداقيَّة، تسلَّطوا على رقاب العباد، فكلمتهم نافذة، وحُكمهم لا مردَّ له، نسوا طاعة الله وفرضوا طاعتهم. حرَّفوا تعاليم السماء، اجتهدوا في التوثيق لإثبات الحقائق، فانحرفوا عن جوهر الأديان، ولقصرٍ في الرؤية وجهلٍ في الوعي، اختلط الحقُّ بالباطل، وتألَّه المُجتهدون حتى نشأ عن إجتهادهم طوائفَ ومذاهب، أصبحت سبباً للتناحر والتقاتل، وإشعال الفتن، واضطرام الحروب، ساووا أنفسهم بالخالق في العلم والمعرفة ، لهم الطَّاعة ومنهم العفو والغفران، دائماً على حقّ في أرآءهم وتصرُّفاتهم، فوق الخطأ والمسآءلة، كلمتُهم مُستمدَّة من السماء، فيها الفصل، ممارسة الطقوس والشعائروالشرائع هي الطريق الأوحد لدخول ملكوت السماوات، لهم الجِنان وحور العين، كافرٌ من يخالفهم، والجحيم لمن ليس على ملَّتهم. يتملَّقون بعضهم البعض صواباً أو خطأً، عندهم الحقيقة المُطلقة، وما هذا إلاَّ بحجَّة أنَّهم الراسخون في العلم كما يزعمون. أسلمَ الناس لهم العقل قبل الجسد، إنتشر الجهل والتطرّف، ابتعدوا عن نور الحق،عن المعرفة الروحيَّة، غرفُوا من معين رجال الدين والدنيا، ضاعُوا بين تحليلاتهم النفعيَّة، ومصالحهم الشخصيَّة، ضلُّوا بين صراعاتهم ومفاهيمهم الدنيويَّة ، عاشُوا الحياة الدُّنيا بأفكارهم وتشريعاتهم، على أمل الفوز بالآخرة، وهذا ما لم ولن يكون.

تجلَّى فجراً نديَّاً على أزهارٍ تفتَّقت من براعم النور، يُرهفُ قلوباً مُفعمة بالإيمان، لا تنجرف وراء أضاليل تمخَّضت من عقولٍ جوفاء، لا ترَ في الدِّين إلاَّ تطرفاً لأفكارٍ نبويَّة حيكت كأثوابٍ تُزِّين للحاقدين إطاراً مُزَخْرَفاً لنفوسهم المريضة، وإشباعاً لغرورهم ونزواتهم، يأوِّلون آيات الله بما يتوهَّمونه من حقائق ثابتة ومُطلقة، يُفتنُ بها أعمياء البصيرة، يفسِّرون في الأديان ليجعلوا منها بُؤَرًا للأحقاد والكراهية ، يستقطبون بها المُنافقين ليصبحوا أدواتاً للقمع والترهيب. ثمَّ ينطلقون لنشر أفكارهم ومبادئهم الخاصَّة، مع عدائيَّةٍ مُطلقة غير مُبرَّرة لمن يُخالفهم، واستعمالهم وسائل إجراميَّة وإرهابيَّة لترويع الناس والمجتمع، فالحريَّةُ ألدَّ أعدائهم لأنَّها تُهدِّدُ وجودهم. ويعظُمُ الجَهل، فيستبيحون الأعراض، يأكلون مال الأيتام والأرامل، يشربون من دماء الضعفاء المساكين، يتسامرون على أنغام إبليس الرجيم، ويرقصون على أشلاء الحق والفضيلة، يعيثون فساداً في الأرض، ويزعمون أنهم وحدَهم الدُّعاة إلى الإصلاح والنهضة في المجتمعات، أبوا الاَّ التمسُّك بعرى الشيطان الوثيقة.

أكتبُ كي لا ننسى عن نور حزيران الذي تجلّى فكراً مُرشداً للإنسان الباحثُ دوماً عن الألوهيَّة والتي هي ما وراء الأدراك البشريّ، وعن معرفة الله ربُّ الثواب والعقاب، أصلُ كلَّ معرفةٍ وقوَّة، قِبْلَة السعادة والخلود، عن معرفة الأرواح النقيَّة المجيدة وعوالمها، الخارجة عن قيود الزمان والمكان، عن العقل الإلهيّ المُدبِّر، الضابط لنواميس الكون، عن الأرواح التي لا تشوبها أيّةُ كثافة ماديَّة، إنبثقت عنها السيَّالات الروحيَّة التي اتَّخذت تجسُّدات ماديَّة في درجات مُختلفة، نتيجة نقصٍ ودنسٍ طارئين، يخبرنا عن عوالم لا يرقى إليها خيال البشر، تتمتَّع بحضاراتٍ راقية، يعلِّمُنا عن الجحيم والنعيم المُقسَّمة الى درجات روحيَّة ذات هناء ومعرفة، لا يدخلها إلاَّ من أوصل بعضٌ من سيَّالاته لدرجتها، ودركات جحيميَّة، يعظمُ فيها الجهل والعذاب، ويضمَّان بلايين النجوم والكواكب،  يخبرنا عن العدالةُ الإلهيَّة التي تشمل جميع الكائنات، معروفها ومجهولها، وإن رحمته لانهائيَّة، ولذلك كان التقمُّص بالمفهوم المُطلق والصحيح، ويشمل كل السيَّالات، وما الموت فناءً، بل إنتقالاً من شكلٍ الى آخر، يحصل بإنتقال سيَّاله الرئيسيّ والذي هو سبب وجوده في العالم الذي ينتمي إليه.يخبرنا عن آدم قبل أن تُجسِّده المشيئة الإلهيَّة في أرض البشر، وعن السَّماح لكائنات تنتمي الى عوالمٍ أخرى بزيارة كوكبنا لتلقيح بعضٍ من بنات البشر عن طريق الإقتران بهم، تُسهم في رقيُّهم ولدفع الحضارة الإنسانيَّة للتقدُّم. يخبرنا أنَّ لكلِّ كائنٍ دوره الخاص في دورة الحياة الكونيَّة، وما من عبثيَّة في الخلق مهما كان الكائنُ تافهاً.

أكتبُ كي لا ننسى عن نور حزيران الذي تجلّى صوتاً صارخاً في السماء وفي الأرض، يُرشد الى سُبل الحق، يُنير طريق الباحثين عن الحقيقة، يُهدي الضَّالين والمُضلِّلين في فهم الحقائق الروحيَّة، يشرح الأختلافات في فهم الأديان التي تعاقب عليها الرُّسل والأنبياء، يوضّح التناقض فيما بينهم، يقرّب المفاهيم الإلهيَّة من عقولنا التي انجرفت مع التفسير والتحليل، والمُغالات في التعصُّب، مُحاولاً العودة بالمؤمنين الى دين الأنبياء، وليس أصحاب الأرآء التي أصبحت طوائف ومذاهب مع مرور الوقت، والتي لا تمتَ الى أصحاب الأديان بصلة. يُنير البصيرة حيث لا دلائل ماديَّة تُلمس، يفتح أفآقاً وأبعاداً روحيَّة ، ومفاهيماً مُغلقة على أصحاب العقول المُتحجِّرة، ينقضُ جهلاً عايشناه على مدى الأزمان، توارثناه عن الأهل والأجداد والأسلاف، اقتبسناه منْ قالٍ وقيلٍ بعيداً عن إثباتٍ ودليل، أضف إليها مصالح رجال الدين ورجال السياسة على مرِّ العصور.

أكتبُ كي لا ننسى عن نور حزيران الذي تجلّى داعياً الى الله، خالق العوالم ومُكوِّنها، ربُّ البرايا وموجدها، حاملاً رسالةٍ روحيَّة، تدعو الإنسان بالعودة الى أصول الدين وجوهره، فالأديان جميعاً من مصدرٍ إلهيٍّ واحد، تجمعها روحٌ واحد، أساسها وصاياً عشر، هدفها زرع المحبَّة في نفوس البشر، والتمسُّك بروح الإنسانيَّة، فالإنسان أخ الإنسان، بعيداً عن العصبيَّة التي زرعها فينا رجال الدُّنيا وتجَّار الدين، وجهتها الخلاص من عوالم المادَّة، والعودة الى الأصل الإلهيّ في عوالم الأرواح الخالد ، عوالم السَّعادة والطمأنينة، عوالم السلام والمحبَّة الشاملة، عوالم الراحة الأبدية بعد رحلة الحياة المُملّة والمُضنية بالإبتعاد عن وجه النور الأعظم الذي لا تدركه العقول، نمجّده، نضرع إليه، وننحني لجبروته الإلهيّ، نخشع له مع الخاشعين، ونسبّح باسمه القدّوس مع الملائكة الأطهار.

أكتبُ كي لا ننسى عن نور حزيران الذي تجلّى نذيرٌ بدمار الكرة الأرضيَّة، وجَعْلِ عاليها سافلها، إن لم ترعَوي البشريَّة عن غيِّها، فالحياة وإن طالت قصيرة، والموت أقرب من الشهيق الى الزفير، هو إنتقالٌ النفس الى النفس، فيه الثواب والعقاب، لذنوبٍ إقترفناها في ساعاتِ ضُعف، وفاحشةٍ أتيناها في لحظةِ غباءٍ وقلَّةِ إدراك، شربنا من خمرة شياطيننا الطافحة باللذاذات الدنيويَّة الآنيَّة، مُتوغِّلين في مجاهل الرذيلة، غير مُدركين عواقبها، ولا آبهين بما ينتُج عنها، الكلٌ بما كَسِبَ رهينة، ولا مفرَّ من يوم الحساب، فاليَّدُ الإلهيَّة ورغم محبَّتِها لن تمحو ما أقترفناه طائعين مُختارين، والعين الإلهيَّة ورغم رحمتها لا تغفرَ لعصيانِ تعاليمِ السماء بأعمالٍ أتيناها بملء الإرادة والإدراك، فالألآم خير مُطهِّرٍ للنفوس، ولا بدَّ من دفع الثمن مهما طال ومهما عَظُم. فالقانون الإلهيّ والعدالة الإلهيَّة تأبى إلاَّ أن تستوفي الأجر كاملاً.

تجلَّى تحذيرٌ قبل الكارثة العُظمى، وحين لا ينفع التحذير، فالأحلامُ تُبدِّدُها اليقظة، والتقاعس لا ينفع، وغضب الله عزَّ وجلَّ يُمهل ولا يُهمل، وكل آتٍ قريب مهما طال الزمان، ولا يعصمُ الموتُ من أهوال الآخرة، ومن عذاب النفس ودينونتها، فالعودة الى الله، الى القيم السماويَّة، العودة الى الأخلاق الحميدة هي المُنقذ الوحيد للخلاص من العذاب الأبدي، للراحة الخالصة، مع الأنبياء والهداة، مع الخير والمحبَّة، مُحيلةً أتراحنا الى أفراح.

تجلّى نوراً على نور، يُنيرُ قلوب المؤمنين المخلصين في هذا العالم، أصحاب العقول النيِّرة، الذين يستمدُّون من نورِه نورا يُغشي العيون المتحجّرة، ويلجمُ ألألسنة المُتطاولة. يَرشفون من نوره إكسيراً روحيَّاً يُحيِ ميتَ الآمال، وخمراً سماويَّاً يُنعِشُ قلوب المؤمنين المُخلصين لله والحقيقة، يشدُّ أزرهم، ويثبِّتَ إيمانهم، ويزيدهم معرفةً نورانيَّة، لنشر كلمة السماء، دون مواربة أو تحريف، يُلهمهم الوعي الروحيّ لإذاعة رسالة الصّدق بين الناس، دون غاياتٍ أو مصالح، لتحقيق الإصلاح الحقيقيّ، وخلاص البشر. يستزيدون من معرفته بياناً، ومن علمه إعجازاً، كُتُبٌ وتعاليمٌ ووصايا أُنزلت في قرطاسٍ في لحظة تجلّي، فكانت زاداً تُشبِع الجائعون لخبز السماء، يُطّلون به على العلمِ والعلماءِ والعالم بمعرفةٍ تبزُّ علمهم وعلماؤهم وتقرّع حجَجهم بحقائق دامغة، لا لبس فيها ولا غموض.

نور حزيران يأخذُ بمجامع القلوب الحزينة، يُنير جنباتها المُظّلمة، يؤجِّجَ نار الإيمان في ثناياها، يلقي فيها علماً يساعدها في سبْرِ سُبُل الحقّ، وحبّ الجمال، وعمل الخير، يُعيد إليها الثِّقة بعدالة السماء. ينشرُ فيها صفحاتٌ من نور لينتشلها من بؤرة السقوط، هذه القلوب وحدها تقف مع الحقّ، ومع الحقِّ تكون، تعيشه، تُجاهد في سبيله، وتُضحِّي من أجله فقط، ترفع راية التآخي الروحيّ، تشملها السكينة ، تعمُّها السلام والمحبَّة، تُصدق العمل، وتُحسن السلوك أنَّى كانت، تُجسِّد إيمانها أعمالاً والتزاماً وسيراً في طريق السماء، لتكونَ قدوةً للآخرين، مِثالاً في الأخلاق، رقيَّاً في التعاطي، تنصحُ بحبٍّ، وتهدي بمودَّة، فالعملُ خيراً من القول، تُثير فضول الناس، ينجذِبوا إليها لمعرفتها ومعرفة أبعادها، يتسآءلون فَيَسْألون، تُفيدُ فتستفيد، تُنيرُ طريقاً، وتهدي ضَّالاً، تساعد في فهم الأديان وجوهرها، تقرِّبها الى العقول، تستحثُّ للإلتزام بتقوى الله عزَّ وجلّ، تزيد الآخرين أيماناً بالسماء ونُظمها السامية، وإعادة النظر في مفاهيمٍ موروثة، بها يُرشدون إلى الحقائق الروحيَّة من خلال تعاليم مُرشدها وهاديها، تنشر كلمته المُوحاة من السماء لآبناء الأرض، تُتابع مسيرته رغم الصِّعاب التي تعترضها، ولا تتزحزح عن معتقداتها التي أصبحت دستوراً إلهياً يُهديها وعثاء الطريق المُقفرة.

النبيّ الحبيب الهادي، داهش العالمين، هو نور حزيران، نور الأنوار، نبيُّ الأنبياء، حاكم الأكوان، آخذٌ العهد على نفسه، أمام الله عزَّ وجَلّ والآب السماويّ، ليُعيدنا الى عوالم الأرواح، يهدينا ويرشدنا الى نوره، يحرِّر ذاتنا من تكثُّفاتها الماديَّة، يجذبنا الى عالمه، نهاية اللطافة المادَّة، ينتظرنا هناك لنعود معاً الى حُضن الله، من حيث بداية الإنطلاق.

حسين يونس

 

إقرأ أكثر

أدب

أسرعوا الى الأخلاق -

من اضطلعَ على تاريخ البشريَّة من البدايات البدائيّة الى العصر الحديث وعلى امتدادٍ لآلاف السنين وما تحمله في طيَّاتها من انتشارٍ للعديد من الحضارات وما تضمَّنتها من تطوُّرٍ ثقافيّ وتكنولوجيّ، وتقدُّمٍ في العلوم والأدب والفنون، وتحوّلات إجتماعيَّة وثقافيَّة، واستكشافاتٍ وثوراتٍ صناعيَّة ورقميّة وعولمة، وما رافقها من حروبٍ وويلات وكوارث طبيعيَّة، إضافةً الى الأمراض والأوبئة التي انتشرت على مرِّ العصور. ثَبُتَ لديه أنَّ لا شئَ ثابت، وكلُّ ما دون الله باطل، وحده الحقيقة الأسمى، الثابتة والمُطلقة. وأنَّ الحياة حُلُمُ حالم وظلٌّ زائل، فمهما طالت قصيرة والى منتهى.  

من نظرَ بعين الإيمان فيما أُنزِل على رُسُلِ الله عزَّ وجَلّ وأنبيائه من كُتبٍ سماويّة، وجدها عامرةً زاخرة بقصصِ شعوبٍ ومُدنٍ دُمَّرت عن بكرة أبيها، بموجب إرادةٍ إلهية أو نتيجةٍ لسلوكٍ غير سويّ، كمدن سدوم وعمورة التي تمَّ تدميرها بسبب شرور سكانها وتماديهم في الرذائل ، ورفض كلّ انذار روحيّ. كذلك ورد في الكتاب المُقدَّس تدمير العديد من القرى والمُدن والشعوب بقيادة يشوع بن نون مثل أريحا وجبعون وحضر(1)، وإن الله أرسل الطوفان لتنقية الأرض من الشر والفساد، ولم ينجُ منه إلاَّ نوح وأسرته في السفينة(2)، وفي القرآن الكريم، أُشير الى شعوب عاد وثمود قوم مدائن صالح وإرم ذات العماد اللذين تم تدميرهم بسبب معاصيهم وكفرهم بالأنبياء.(3) كذلك يصف الفيلسوف اليوناني بلاتون أطلنتيس كحضارة قديمة متقدمة ومزدهرة(4)، لكنهم أهملوا قوانين الطبيعة والأخلاق، مما أدى إلى سقوط حضارتهم ، واختفاءها تمامًا تحت المياه بسبب الزلازل أو الارتفاعات والانخفاضات في مستوى سطح البحر.

وفي هذا الصَّدد لا يسعُنا إلاَّ أن نُذكر بعض كوارث العهد الجديد، كمدينة بومبي(5) في إيطاليا والتي دُمِّرت في عام 79 ميلاديًا بثورة بركان فيزوف. فالرماد والحمم البركانية غطت المدينة وأدت إلى دفنها، وبقيت تحت الأرض لقرون عديدة قبل اكتشافها كموقعٍ أثريٍّ مشهور. كما تعرضت جزيرة سانت هيلينا في جنوب المحيط الأطلسي لثوران بركاني في عام 1815، مما أدى إلى تدمير المناطق المأهولة على الجزيرة. كذلك تعرضت مدينة سان فرانسيسكو لزلزال عنيف في عام 1906،(6) مما أسفر عن دمار هائل، وجزيرة كريت لزلازل متكررة على مر التاريخ، والتي أسفرت عن دمار بعض المدن والقرى.

ومن أكبر الكوارث الطبيعيَّة التي شهدتها البشريَّة في العصر الحديث تسونامي أندونيسيا(7) الذي نتج عن زلزالٍ ضخم بقوَّة 9.1 درجة على مقياس ريختر قبالة سواحل اقليم آتشيه شمال سومطرة في المُحيط الهندي، ممَّا أدى إلى انهيار قاع المحيط، وتكوين موجات تسونامي هائلة. تحركت هذه الموجات بسرعة عبر المحيط الهندي وضربت سواحل عدة دول، بما في ذلك إندونيسيا وتايلاند وسريلانكا والهند والمالديف وبنغلاديش والسواحل الشرقية لأفريقيا. التسونامي أسفر عن دمار هائل، حيث تسبب في مقتل وإصابة مئات الآلاف من الأشخاص. وتدمير العديد من المدن والقرى الساحلية بالكامل، وفقد الكثيرون منازلهم وممتلكاتهم. أضف إليها زلزال باكستان 2005(8) وزلزال تركيا شباط 2023(9) وغيرها الكثير.

وكوارث الحروب كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، الحروب العالميَّة الأولى(10) والثانية(11) وما تسبَّبت فيه من خسائر بشريَّةٍ هائلة بلغت أربعة وخمسين مليون قتيل إضافةً لملايين الجرحى والمُعاقين، وإنهيار العديد من الأمبراطوريَّات الكبيرة، وتدمير البنى التحتيَّة في العديد من البلدان بشكلٍ كبير، وأنتشار الأمراض والأوبئة، وتدمير الغابات والموارد الطبيعيَّة، وانهيار الإقتصاد العالمي وزيادة مُعدلات البطالة، وتشريد ملايين الأشخاص من منازلهم، ولن ننسى مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان بعدما تعرضت هاتين المدينتين للقنبلة الذرية خلال الحرب العالمية الثانية في عام 1945 مما أدى إلى دمار هائل وفقدان العديد من الأرواح..

          كذلك لن ننسى الطَّاعون والإنفلونزا الإسبانيَّة،  وحديثاً كوفيد 19 الوباء الذي ذهب ضحيَّته عشرات الآلاف من الأشخاص.

هذه أمثلة فقط على الشعوب والمدن التي دُمرت على مر التاريخ. والتي أُهلِكَ أصحابها من جرَّاء الحروب والزلازل والبراكين والأوبئة وغيرها من الكوارث الطبيعيَّة. وما حدثَ بالأمس قد يحدثُ اليوم أو غداً, فقوانين الله ثابتة ثبوت الله جُلَّ اسمه.

وصاحب المنطق السليم والبصيرة النيِّرة لا بُدَّ أن يفترض وجود تأثيرٍ روحيّ يرتبط بالأحداث الحياتية، كإطارٍ يفسِّر الأحداث والظروف الصعبة التي يمرُّ بها الفرد أو المجتمع على حدٍّ سواء، أكانت إيجابية أو سلبية، ويعتبر أنَّ مردَّ كلُّ هذه المآسي والآلام يعود الى قانون السببيَّة الروحيَّة والجزاء العادل، أما قال الله تعالى في كتابه الكريم: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8](12). هذا هو قانون العدالة الإلهيَّة، الذي وضعه الله للسموات والأكوان، أصل كلِّ معرفة وقوَّة ومحبَّة، لعوالم الأرواح وعوالم المادَّة، ولكلِّ ذي نسمة، معروفها ومجهولها..

من أُتيحَ له مُطالعة الكتُبِ المُقدَّسة بوعيٍ ونُضجٍ فكري، مُعتمداً على ما أولاه إيَّاه الله من بصيرة في تحليل الأمور واستنتاجاتها، مُحرِّراً ذاته من تبعيَّةٍ بغيضة تُضعفُ شخصيَّته، وتُحدُّ من زيادة إدراكه ومعرفتة الحقائق الروحيَّة،. وبعيداً عمَّا تعتمر به نفوس الأكثريَّة الساحقة من عصبيَّة دينيَّة أو مذهبيَّة، ينتجُ عنها تشويش في المفاهيم وضبابيَّة في الرؤية، وما يترتَّب عليها من مسؤوليَّة على الصعيدين الشخصي والمُجتمعي، وتفاعلاتٍ سلبيَّة مع مجريات الحياة، اتَّضحَ له أنَّ الديانات السماويَّة جميعها ألمحت الى قيام الساعة، وإن أعطت علاماتٌ للدلالة عليها، إلاَّ أنَّها لم تُشر الى وقتٍ معلومٍ أو محدود.

من أُتيحَ له قراءة الماضي البعيد والقريب، ورَدَ أنَّ الأساس في الذات الإنسانيَّة ينطوي على أعراضٍ تقاوم سنن التبدّل والتغيّر الاجتماعي و تنحاز لموروثها الحضاري باعتباره موروثٌ مقدَّس. ومن تسنَّى له العيش بين سطور الحاضر المُتغيِّر من بداءَةٍ وحضارة، وما بينهما من ضغطِ عوامل التقليد المتراكم والتطوُّر السريع، عَلِمَ ميل هذه الذات إلى تجديد محتواها عبر الاندفاع المفاجئ والانفجاري، والتي تشكّلُ مفصلاً أساسيَّاً في الثبات والتحوُّل، وما يترتَّبُ عليها من إضطراب ذهنيّ ونفسيّ. لا بُدَّ له من رؤية المستقبل القاتم الآتي بما فيه من بلبلةٍ نفسيٍّة واجتماعيّة، وابتعادٌ عن الخطِّ السَوي، واضطرابٌ عقليّ وشذوذٌ في السلوك والميول وارتكابُ المعاصي والسيِّئات، وكأنَّه المسمار الأخير في نعش البشريَّة جمعاء لِما فيه من عمليَّة تفكُّكيَّة لشخصيَّة الإنسان الكاملة، والعالم على حافة الإنهيار يواجه مصيراً مُشتركاً.

من أتيحَ له حضور إحدى الجلسات الروحيَّة، أو سمِعَ ممَّن أنعم الله عليه بإحداها، أو حتى تسنَّى له قراءة ما ورد فيها على لسان ممَّن شاهدها وكتبها، فقد أدرك ما وصلت إليه البشريَّة من إنحطاطٍ خُلُقي، لطالما ردَّده الوحي الإلهي في رسائله الروحيَّة بأن الأرضَ فسُدَت، وطغت عليها الآثام الجسام، والعالم مملوء بالشرور، مُشبَّعٌ بالفجور، زخَّارٌ بالجرائم، واستسهلت النفوس الإندماج بالآفات وارتكاب المُحرَّمات، والقيم الروحية تلاشت, فما عاد يؤمن بها أحد، وما عادت الفضيلة لتزور ربوعه، فأصبح عالم الأرض كالجحيم الدائم التأجج والتوهّج، فحقَّ عليهم غضبُ الرَّبْ.

من أتيح له مُحاكاة النبي الحبيب الهادي، وسماع كلماته، أو قراءتها في كتاباته المُوحاة، أيقن بأن ساعة الفناء هي أقرب إلينا من حبل الوريد، ما دامت شياطين الأطماع تقطن في نفوسنا، وتمتزج في عقولنا. وأسرع ممَّا نتصوَّر، ما زال الظُّلم يعشِّشُ في صدورنا، ويكمن في شغاف أرواحنا، وعدالة السماء التي تُمهل ولا تُهمل ستُدمِّر معالم الحضارة البشريَّة وتُردِّمها ما لم نرعوِ عن الغي والفجور الذي تأصَّل في النفوس، وستُدَكُّ صروحها حتى يُصبحُ عاليها سافلها، وتنهار شوامخها وأبنيتها، وتُهلكَ كلِّ حيٍّ جزاءً وفاقاً على ما اقترفته البشريَّة من فسقٍ ودنسٍ قذرين.

من تمعَّنَ في قراءة الفكر الداهشيَّ، فهم النظرة الداهشيَّة الى أنَّ التكوين البشريّ الأخير ال760 (13)، حدث بعد عدّة قرون من فناء قارة الأطلنتيد والتي بلغت فيها حضارة التكوين السابق أوجها. مما يدلّ على تدمير الأرض مراراً وتكراراً. وليس اليوم أفضل من الأمس. فالأرض التي مُلئت ضجيجاً ستعيش الصَّمت، بعد أن تفشَّت الرذيلة في أرجاءها، والفسق والفجور قد ازداد اضعافاً مُضاعفة عمَّا رُوي عن حضاراتٍ واندثارها. ووصايا الله العشر التي نادى بها على لسان الرُّسل والأنبياء أساساً للخلاص من عالم الأرض، ضُرِبَ بها عرض الحائط، وما عادت تعني الكثيرَ للكثيرِ من البشريَّة الساحقة، أضف إليها فرض بعض المجتمعات القويَّة الشذوذ الجنسيّ على المُجتمعات الضعيفة والترويج لها وتدريسها بين المراهقين والقصَّر وحتى بين الأطفال بحجّة الحريَّات والمساواة وحقوق الإنسان، غير آبهين لمخاطره وما ينتجُ عنه من سلبياتٍ في العقلِ والمنطقِ، كذلك من أزماتٍ نفسيَّة وتفكُكٍ أسريّ، ناسين أو مُتناسين أن هذا الشذوذ كان السببُ الأساس وراء تدمير سدوم وعامورة(14).

قال الله عزَّ وجَلّ في كتابه الكريم: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (القصص 59)(15).

ومن أنعش الله له ذاكرةً رَسَخَ فيها من أقوال الحبيب الهادي كلماتٌ لا تُمحوها الأيّام، تدلُّ على أنَّ الرسالة الداهشيَّة هي آخر الرسالات الروحيَّة للدورة الحالية(21)، وهي بدايةٌ لمرحلةٍ جديدة. وهذا ما معناه بأن تدمير العالم أصبح على قاب قوسين أو أدنى. ومن يَعي الحقائق الروحيَّة، ويُدرك حقيقة العالم والإنسان، وفهم الدين والوجود، يستشفُّ المسؤوليَّة الكبيرة المُلقاة على عاتق الداهشيِّين والداهشيَّات بإنقاذ أنفسهم وإنقاذ الإنسان ومصيره والعالم ومن فيه من كوارثٍ حتميَّة ودمارٍ شامل، وذلك بالعمل على نشر تعاليم السماء ووصاياها بين الناس، والإلتزام بها إلتزاماً لا ريبَ فيه، والتخلّي عن أنانيَّتنا وغرورنا بإشتهاء ما للغير على إختلافه، كما بإتِّخاذ القرارات الصحيحة بتحديد الهدف من الحياة على أن يكون الله غايتنا وليس حاجتنا، فنكونُ قدوةً ومثلاً للآخرين بالسير في طريق الإرتقاء الروحيّ ومعراجه، ونكونُ سترة النجاة التي تقيهم شرَّ التحدِّيات التي تواجه البشريَّة.

وإنقاذ الذات لا يكون إلاَّ بالإسراع الى الأخلاق، وليس بممارسة طقوسٍ واحتفالات، وإنَّما بالعمل الجاد والمُجدي في التغلُّب على النَّفس الأمّارة بالسوء، وإصلاح عيوبها ونقائصها، واتِّباع القيم الروحيَّة في التصرُّفات والقرارات، وصلاة داهش ليست كلمات تردِّدها في اوقات حاجة. هي دستور الخلاص من عوالم المادَّة في الخشوع الكُلّيّ لربِّ السماء، والإتِّكال عليه، والتزام تعاليمه ووصاياه، واحتقار الرغبات الأرضيَّة، ونبذ الدنيويَّات، والعطف على البؤساء والسير في طريق الحقِّ والنور واليقين. هي إرادة الله المُوحاة لرسله ولأنبيائه مُتمثِّلةً بمجموعة قوانين أساسيَّة تنطلق بها لعوالم السعادة والبهاء، هي ناموسٌ ونظامٌ إلهيّ سنَّه الله طريقاً للحبِّ الإلهيّ ونوراً سماويّ، يحضُّ على الخير والفضيلة مُرتقِيًا بالإنسان إلى مُستوًى روحيٍّ أعلى ويُدخلهم فراديس النعيم. وكما أنَّ الحديثُ عن العدالة لا يُحقِّق العدالة، كذلك الكلام في الأخلاق لا يرتقي بالنَّفس، فالعمل ثمَّ العمل ثمَّ العمل، بالتزام المُثُلُ العليا، التي هو عربون الوفاء لإبن السماء والسبيل الوحيد للعفو الإلهيّ. أما قال الله تعالى:” إعملوا فسيرى الله عملكم والمؤمنون”.

من أنار الله بصيرته، وآمن بالرسالة الداهشيَّة الحبيبة وتعاليم مؤسِّسها، أدرك أنَّ البشريَّة جمعاء وكائناتها على اختلاف أشكالها وانتماءاتها تعود الى أصلٍ روحيٍّ واحد، أما ورد في حديثٍ شريف:” الخلق كلُّهم عيال الله، وأحبَّهم الى الله أنفعهم لعياله “.  ممَّا يعني أنَّ الإنسانُ أخُ الإنسان. وعليه، يكون إنقاذ البشريَّة لا يقلُّ شأناً عن إنقاذ الذات، يقول الدكتور داهش:”من العار أَن تموتَ قبل أَن تقومَ بأَعمال الخَير نحو الإنسانيَّة “(18). والإنسانيَّة ليست دين، هي المحبَّة، بل حقيقة الوجود، لا تتمّ إلاَّ ببذل الذات من أجل مساعدة الآخر على النهوض لتبقى الإنسانيَّة.

لا يدركَ النورُ الا النورَ، فالداهشي المؤمن المسؤول هو الذي يستمدُ من نورِ الحبيب نوراً يُبدِّدُ فيه ظلمات الديجور، ونور النبيِّ الهادي ساطعٌ سطوع الشمس الروحيَّة، هو السيَّال العشرين، بملء إرادته هبط لإنقاذ السيَّالات العاصية والمتمرِّدة على المشيئة الإلهيَّة، ورغم علمه المُسبق بما سيقاسيه ويعانيه من مآسٍ وإضطهادات، ومرور أزمانٍ وعصورٍ قبل العودة ثانية الى عوالمه الروحيَّة المجيدة، واندماجه بالآبِ السماويّ ومنه الإندماج بالعزَّة الإلهيَّة.

والدكتور داهش قدوة الداهشيّ المؤمن المُخلص، ردَّدَ مراراً وتكراراً:” بشروا في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها “. وبناءً عليه، فالداهشيّ لا يتقاعس عن نشرِ تعاليم السماء ومبادئها وزرع بذور المحبَّة والحقِّ والجمال في أصقاع الأرض وفي الكون أيضاً، حاملاً مشعلاً منيراً، وكُتُبَ هداية، وكلمةَ حقٍّ، وسيرةً ناصعة البياض، ولا يُحجمُ عن تحمُّلَ مسؤوليَّتة،  وتكبُّد المشقَّة والألم في سبيل ذلك، وربَّما المُخاطرة. علَّه يكون قد قام بواجبه المُقدَّس، فيَفيدُ ويستفيد. ونتيجة ذلك قد يكون إيمان العديد بالرسالة الداهشيَّة ومبادئها، وترفُّع البعض عن الدنيويَّات ومُغريات الحياة، وعودة البعض الآخر من طريق الرذيلة، تأجيلاً أو حتى إنقاذاً للإنسان ومصيره من الدمار الشامل.

عندما زار ملائكة الله النبي إبراهيم ليخبراه بمصير قوم لوط، قال:” هل تُهلكون قرية فيها 200 مؤمن؟ قالوا: لا، قال: 100، قالوا: لا، قال: 14، قالوا: لا، قال: فمؤمن واحد، قالوا: لا، قال: إنّ فيها لوطًا { وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (32). قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ}.

والنُّورُ يفضحُ الظلام، والحقُّ يُدحض الباطل، وما التكاثر الذي طُلِب من نبي الله نوح لفرز السيَّالات إلاَّ كنشر كلمة النبي الحبيب الهادي وتحمُّل مشقَّات الجهاد والتمسُّك بعُرى الأخلاق الرفيعة والتغلُّب على مُغريات الحياة لفرز المؤمنين من قطيع هؤلاء البشر الأردياء،.. ونشرُ التعاليم الإلهيَّة وروح الإنسانيَّة الصادقة في المُجتمعات ، بعيداً عن الأنانيَّة الصرفة، وتسلُّط القويّ على الضعيف بحججٍ واهية، هدفها الإستعباد. تساعد في تعزيز الوعي حول القيم الروحيَّة والمسلكيَّة وبناء مُجتمعٍ أفضل… الوقتُ قصير والعمل كثير،  والعمل على نشر الرسالة الداهشيَّة الحبيبة هو بوَّابة الخلاص لثورة الجحيم التي لا تُبقي ولا تُذر..

يقول الدكتور غازي براكس:” ليس إلاَّ الراقون روحيًّا يُقدِمون على اعتناق الحقائق الجديدة دونما تهيُّب، في حين أَنَّ مُعظمَ الناس يجبنون ويُحجِمون عن تغيير ما نشأُوا عليه من أَفكارٍ ومُعتقدات تسلَّموها من أَسلافهم، لأنَّ ذلك التغييرَ يتطلَّبُ شجاعةً ومُواجهةً(20).

بيروت في 3 تشرين أول 2023

حسين يونس

المراجع:

  • العهد القديم، الكتاب المقدَّس، سفر يشوع، هذه الأحداث تعتبر جزءًا من تاريخ الهجرة الكبرى لبني إسرائيل إلى أرض كنعان والتي تمثل حدثًا مهمًا في الكتاب المقدس والتاريخ الديني.
  • العهد القديم، الكتاب المقدَّس، (سفر التكوين 6: 5-13) “وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ. فَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ، الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ». وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. هذِهِ مَوَالِيدُ نُوحٍ: كَانَ نُوحٌ رَجُلًا بَارًّا كَامِلًا فِي أَجْيَالِهِ. وَسَارَ نُوحٌ مَعَ اللهِ. وَوَلَدَ نُوحٌ ثَلاَثَةَ بَنِينَ: سَامًا، وَحَامًا، وَيَافَثَ. وَفَسَدَتِ الأَرْضُ أَمَامَ اللهِ، وَامْتَلأَتِ الأَرْضُ ظُلْمًا. وَرَأَى اللهُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ قَدْ فَسَدَتْ، إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى الأَرْضِ. فَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «نِهَايَةُ كُلِّ بَشَرٍ قَدْ أَتَتْ أَمَامِي، لأَنَّ الأَرْضَ امْتَلأَتْ ظُلْمًا مِنْهُمْ. فَهَا أَنَا مُهْلِكُهُمْ مَعَ الأَرْضِ.” (تك 6: 5-13).
  • القرآن الكريم، فإن عادا قوم من العرب العاربة كانوا من أقوى الأمم في عصرهم فطغوا وتجبروا وعبدوا الأصنام، وفيهم يقول الله تعالى: فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ {فصلت:16،15}.

قوم ثمود هم قوم ورد ذكرهم في القرآن، وكانوا ينحتون الجبال لتكون بيوتًا لهم، ويتخذون من سهولها قصورًا لهم، وقد ورد اسم ثمود في نصوص الآشوريين في إحدى معارك سرجون الثاني؛ انتهت بانتصار آشور وإخضاع الثموديين.

وقوم ثمود من العرب البائدة، وهم قوم أرسل الله إليهم صالحًا عليه السلام نبيًّا ورسولًا منهم، يدعوهم لعبادة الله وحده وترك عبادة الأوثان، فاستجابوا لدعوة نبي الله صالح، ثم ارتد أكثرهم عن دينهم وعقروا الناقة التي أرسلها الله لهم آية، وتحدَّوا صالحًا أن يأتيهم بالعذاب، ودبر تسعة منهم مكيدة لقتل صالح وأهله، فأهلك الله الذين ظلموا من قوم ثمود ونجَّي صالحًا والمؤمنين.

إرَم ذات العماد مُختلف فيها أهي مدينة؟ أم قبيلة؟، للآية القرآنية  الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ،   فسر بعضهم هذه الآية بأن المقصود هو قبيلة أرم هم الذين لم يخلق مثلهم كبشر في الضخامة والقوة، بينما فسرها بعضهم بأن المقصود مدينة تسمى أرم هي التي لم يخلق مثلها، ذكرت في سورة الفجر في القرآن.

 

  • أطْلَنْتِس (باليونانية، ἀτλαντὶς νῆσος) أو أطلانطس أو جزيرة أطلس ،ذكرها أفلاطون في محاورتين مسجلتين له، طيمايوس وكريتياس وتحكي عن ما حدثه جده سولون عن رحلته إلى مصر ولقاءه مع الكهنة هناك وحديثهم عن القارة الأطلسية التي حكمت العالم.
  • بومبي (بالإيطالية: Pompeii)‏ أو پُمْپِيِي هي مدينة رومانية كان يعيش فيها حوالي عشرون ألف نسمة، واليوم لم يبق من المدينة إلا آثارها القديمة. تقع المدينة على سفح جبل بركان فيزوف الذي يرتفع 1,200 متراً عن سطح البحر، بالقرب من خليج نابولي في إيطاليا. ثار البركان ثوراناً هائلاً مدمراً عام 79 م ودمر مدينتي بومبي وهركولانيوم. طمر البركان المدينة بالرماد لمدة 1,600 سنة حتى تم اكتشافها في القرن الثامن عشر.
  • زلزال سان فرانسيسكو 1906 كان أحد الزلازل الكبرى التي ضربت مدينة سان فرانسيسكو وساحل شمال كاليفورنيا في الساعة 5:12 من صباح يوم الأربعاء 18 أبريل، 1906. قدرت شدة الزلزال بمقدار 7.9 درجة على مقياس درجة العزم، إلا أن بعض المصادر الأخرى تشير إلى أنه قد يصل إلى 8.25 درجة.
  • حدث زلزال وتسونامي المحيط الهندي لعام 2004 (المعروف أيضًا بتسونامي يوم الملاكمة، والمعروف في المجتمع العلمي بـزلزال سومطرة-أندامان) في الساعة 07:58:53 بالتوقيت المحلي (ت ع م+7) في 26 ديسمبر، وكان مركزه السطحي قبالة الساحل الغربي لشمال سومطرة في إندونيسيا. كان زلزال دفع هائل تحت سطح البحر سجلت قوته 9.1-9.3 على مقياس درجة العزم، ووصلت حتى تسع درجات على مقياس ميركالي المعدل في مناطق معينة. نتج الزلزال عن تصدع على طول الفالق بين صفيحة بورما والصفيحة الهندية.
  • حدث زلزال كشمير سنة 2005 في الساعة 08:50:39 بتوقيت باكستان في 8 أكتوبر 2005 في إقليم آزاد كشمير شمال باكستان. وصلت حدة الزلزال لـ7.8 درجات على مقياس ريختر. وصل تأثير الزلزال لباكستان وأفغانستان والهند.
  • زلزال قهرمان مرعش 2023 أو زلزالا تركيا وسوريا 2023 أو زلزالا جنوب تركيا 2023 أو زلزال غازي عنتاب 2023، زلزالان ضربا جنوب تركيا، وقع الأول في الساعة 4:17 صباحًا بالتوقيت المحلي (1:17 صباحاً بالتوقيت العالمي المنسق) يوم 6 فبراير 2023. وبلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، وكان مركزه السطحي غرب مدينة غازي عنتاب. امتدَّ أثره إلى سوريا أيضًا نظراً لقرب مركزه من الحدود السورية التركية. ويُعدُّ هذا الزلزال من أقوى الزلازل في تاريخ تركيا وسوريا. بعد مرور تسع ساعات وتحديدًا في الساعة 13:24 ظهرًا بالتوقيت المحلي (10:24 بالتوقيت العالمي المنسق) وقع زلزال آخر بقوة 7.5 درجات على مقياس ريختر بمنطقة إيكين أوزو بالقربِ من مدينة مرعش. بلغ عدد ضحايا هذين الزلزالين في تركيا وسوريا حسب تقديرات أولية أكثر من 51000 قتيلاً و 120000 مصابًا، وخلّفا أضرارًا مادية جسيمة في كِلا البلدين.
  • الحرب العالمية الأولى هي حرب عالمية نشبت بدايةً في أوروبا من 28 يوليو 1914 وانتهت في 11 نوفمبر 1918. وُصِفتْ وقت حدوثها بـ«الحرب التي ستنهي كل الحروب». جُمِعَ لها أكثر من سبعين مليون فرد عسكري، 60 مليون منهم أوربِّيين.
  • الحرب العالمية الثانية هي حرب دولية بدأت في الأول من سبتمبر من عام 1939 في أوروبا وانتهت في الثاني من سبتمبر عام 1945، شاركت فيها أو تأثرت بها الغالبية العظمى من دول العالم منها الدول العظمى في حلفين عسكريين متنازعين هما: قوات الحلفاء ودول المحور، كما أنها الحرب الأوسع في التاريخ، وشارك فيها بصورة مباشرة أكثر من 100 مليون شخص من أكثر من 30 بلدًا، وقد وضعت الدول الرئيسية كافة قدراتها العسكرية والاقتصادية والصناعية والعلمية في خدمة المجهود الحربي. أدت الحرب العالمية الثانية إلى عدد كبير من القتلى المدنيين، لعبت الطائرات دورًا رئيسيًا في الصراع، حيث مكّنت القصف الاستراتيجي للمراكز السكنية الذي أودى بحياة حوالي مليون شخص، ومنه القنبلتان الذريتان اللتان ألقيتا على هيروشيما وناغازاكي، أدت الحرب إلى وقوع ما بين 50 و85 مليون قتيل حسب التقديرات؛ غالبيتهم من المدنيين.
  • القرآن الكريم،[الزلزلة: 7، 8].
  • رسالة الأب نوح الروحيَّة.
  • تُروي قصة عقاب سدوم وعمورة في سفر التكوين 18–19. أتى ثلاثة رجال إلى إبراهيم في سهول مامري. بعدما استضافهما إبراهيم وسارة، أوحى الله إلى إبراهيم أنه سيؤكد له ما سمعه عن سدوم وعمورة لأن ذنبهم عظيم. ذهب الملكان إلى سدوم، ثم سأل إبراهيم الله ما إذا كان سيسفر عن المدينة إذا آمن منها خمسين شخصًا، فوافق الله على ذلك. توسل إبرهيم بعد ذلك إلى الله أن يرحمهم مرات عديدة.
  • القرآن الكريم، (القصص 59).
  • القرآن الكريم، التوبة (105).
  • حديث نبويّ، (( الخلقُ كُلُّهم عِيالُ الله عزَّ وجلَّ، فأَحَبُّ خلقِه إليه أنفعُهم لعِيالِه )) أخرجه البزار (2/398/ح1949 ـ كشف الأستار ـ)، والطبراني في “مكارم الأخلاق” (ح87).
  • كتاب كلمات للدكتور داهش، ص 170.
  • القرآن الكريم، سورة العنكبوت (32).
  • مجلّة صوت داهش، الرقيُّ الروحيُّ: معاييرُهُ وأبعادُه في مفهوم مُؤسِّس الداهشيَّة بقلَم الدكتور غازي براكْس.
  • تؤمن الداهشيّة بأنّ الأرض مرّت في أدوار تكوينيّة كثيرة كانت الحياة تندثر فيها لتعود فتنتشر مجدّدا .هذه الأدوار التكوينيّة الحضاريّة تبلغ ، حسب الوحي الروحيّ الداهشيّ ، 760 دورا استغرقت عشرات الملايين من السنين ، وهي الأدوار التي سبقت دورنا التكوينيّ الحاليّ الذي بدأ بنوح . كلّ دور ينتهي عادة بالوصول الى درجة عالية من التقدّم العلميّ والتكنولوجيّ ، وبظهور رسالة روحيّة جديدة تكون البداية لدور آخر . وآدم الذي يشير اليه سفر التكوين سبقته عشرات من تجسّداته في الأدوار التكوينيّة السابقة . والداهشيّون يؤمنون بأنّهم في ختام الدور الحاليّ ، وليس أدلّ على ذلك من تخزين أسلحة الابادة الشاملة .
إقرأ أكثر

الإفتتاحيَّة

لماذا نَّارُ ونُّور؟ -

اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، مصدر كلَّ نورٍ ومعرفةٍ وهداية وحياة، كُلِّيّ الحقيقة والخير والجمال. ومجلَّة نَارٌ ونُور نافذةٌ تستمدُّ نورها ونارها من وحي السماء المُتجسِّد تعاليماً إلهيَّة في كتابات الرُّسل والأنبياء، تكشف الظلام وتزيل الغموض، تمنحنا رؤية واضحة لكثيرٍ من الحقائق الروحيَّة، وترشدنا الى طريق الحقّ والنور واليقين.

مجلَّة نَارٌ ونُور، ظاهرة تُثير الدهشة من حيثُ المواضيع والموضوعيَّة، تبحثُ في العلم والمنطق، وتستكشف المعلومات الدقيقة أنَّما وُجِدت، مُحاوِلةً جمع أكبر قدر من البيانات والحقائق التي تُسهم في بناء فهم أعمق وأشمل، مع التركيز على المصادر الموثوقة، سواء كانت في المصادر التقليدية كالكتب والأوراق العلمية، أو في العالم الرقمي الحديث الذي يقدم نافذة إلى أوسع آفاق المعرفة. تبحثُ في القيم والأخلاق والعقل والمنطق، وتُلقي الضوء على مفاهيم فوق العادة، فوق الشُبهات والأقاويل، مُستندةً الى قراءاتٍ ودراساتٍ وأبحاثٍ تلعب دوراً أساسيَّاً في إزاحة الستار عن الكثير من الحقائق الروحيَّة، فيها ننقِّبُ ونفتِّشُ ونُحلِّل في أعماق الحقيقة والأكثر عمقًا وتعقيدًا للواقع المُتعارف عليه، وتحدِّياً  في الوصول إلى الجوانب الأساسية والجوهريَّة للوجود. نلقي الضوء على جوهر الأحداث بمنهجيِّة فكريَّة ونقديَّة ممَّا يعزِّز الفهم ويوجه الانتباه في تشكيل رؤىً جديدة، تكشفُ جوانب مخفيَّة لظواهر الأشياء من منظورٍ روحيّ، ممَّا يحدِّد ماهيتها الحقيقية.

 

النَّار والنُّور عناصرٌ رمزيَّة يستخدمها الفنَّانون والأدباء في أعمالهم، لتنعكس ألواناً في لوحةٍ رائعة الجمال، تجذُبُ عين الناظر وتَعبُر الى النَّفس فتضفي عليها جمالاً من وحي الإله يعبِّر عن حالاتٍ مُختلفة من العواطف والأمل. تُتيحُ لنا أن نُدركَ العظمة في التفاصيل، نتأمَّل في لغة الفنّ التي تحمل الكثير من المعاني، تعبر عن مشاعر لا يمكن أن تصوغها الكلمات، وتفتح أمامنا أبواب الوعي والجمال. تستمدُّ من تجاربهم أدواتً تخطُّ عبارات ًذات دقَّة واتِّقان، تخلقُ صورًا حية وتعابير غنية، تُجسِّدُ جمال الكلمة بكلِّ تجليَّاتها شعراً ونثراً وأدباً يؤثِّر في النَّفس ويتفاعل مع العقل ويتحدَّث للرُّوح، تفتح أفقاً جديداً في الكتابة والتعبير، تزيد القارىء وعياً وفهماً واندماجاً يلامس أعماق الإنسان الخفيَّة، حيثُ تتجلَّى ذرَّاته كمفتاحٍ لكشف الأقنعة وإنارة الدرب لفهم الحقيقة، وتشكيل نموذجاً للتوجيه والسلوك الحسن..   

 

بين النَّار والنُّور رموز ودلالات مُتشابكة في كثيرٍ من الثقافات حول العالم، حيثُ تظهر النَّار كرمز للقوة والتأثير، كما تُعتبر مصدرًا للهلاك والدَّمَار. ومع ذلك، قد تكون برداً وسلاماً كما ورد في قصَّة النبي إبراهيم، بسبب دعوته للوحدانيَّة الالهيَّة ورفضه لعبادة الأصنام، وأشار إليها القرآن الكريم في سورة الأنبياء” قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ “. وقد تظهر أيضًا كرمز للتجدُّد وإعادة الخلق، ويعتبر الاحتراق نوعًا من أنواع التطهير والتحوُّل الى حالةٍ أفضل، كما يعكس دورها في دورة الحياة والموت. تكمن قدرتها في تكوين المرونة من بوتقة التحدِّيات وتجسيد جوانب مُتعدِّدة للحياة والإنسان،. إنَّها قوَّة لا تنضب، تربط اللهب بالدفء والحياة، تهذب الشخصيَّة وتُنقّي الروُّح. بينما يرتبط النُّور بطابعٍ إيجابيٍ ومُشرق، يتجلَّى كعنصرٍ مقدَّس يرتبط بالله والروحانية. ويُعتبر رمزاً للإلهام والتوجيه وفتح أفآق الفهم العميق للحقيقة، يُضيء الأمل ويبعثُ السلام وينير الطريق، يُعَبَّر عنه بنورِ الهداية الذي يزيل الغموض والتعتيم الذي يكتنف معظم جوانب الوجود، ويمنح البشر رؤية أفضل وفهمٍ أعمق وتحليلٍ أكثر دقَّة لأسرار الحياة. يقول يسوع المسيح في الإنجيل: “أنا هو نور العالم”.

 

بين النَّار والنُّور تكاملٌ يعكسُ جمالية الكلمة، وحريَّة الفكر، يفتحُ أبواباً مُشرَّعة على مصراعيها ترى منها بعيونٍ ثاقبة غموض المستقبل الآتي، وتُدرك صور الأشياء ذات العمق الرُّوحي والفلسفي للوجود، بلغةٍ فنيَّة، تُنْسَجُ من حروفها ألفاظاً تُشكِّلُ عباءة المعرفة التي تقي من ظلام الجهل، تحمل في طياتها كلماتً تتألق بألوانٍ تمزج بين الجمال والفهم وتُشكِّل أبعاد التوازن الروُّحي في الحياة، وتناغمها الطبيعي مع الكون.

 

بين النار والنور جسرُ إختيارٍ لرحلة الإنسان الروحيَّة نحو الحقيقة، طويلة وصعبة، شاقة وعميقة، تتجاوز وجودها الماديّ، لتُبحِر في مُحيطاتٍ كونيَّة، تستمتع بأنوارها السماويَّة، تبحث في جوهرها، تغرف من معينِ معرفتها، تسبحُ في بحور التأمُّل والتساؤل عن جمالٍ يحيّر العقول، تكشف عن الحقائق العميقة المخبأة في أعماق الوعي، لتُبدِّد ظلال الشكّ. فالنارُ تجذب الإنسان بقوَّةٍ، لأنَّها ترمز إلى الرغبات والشهوات. أما النور، فهو رمز للتضحية ونكران الذات.

من رماد الماضي، تظهر بدايات جديدة لمواجهة تعقيدات الوجود، وتجاوز حدود الفهم الدنيوي، وجمال التكامل بين النَّار والنُّور يكمن في قوَّتهما المتبادلة لإثراء حياتنا وفهمنا للعالم واستكشاف الوجود وتساؤلاته العميقة. وتحرير الذات من نير العبوديَّة التي توارثناها. 

يقول الدكتور داهش: “لا بدَّ من وجود ضوء ساطع يستطيع أن يلتهم هذا الظلام الرهيب والشامل”. وعليه كانت مجلَّة نَارٌ ونُور.

هيئة التحرير

2 كانون الثاني 2024

إقرأ أكثر
error: Content is protected !!