Logo

القلم يبكي والحبر يستغيث

من ليس له ماضٍ، ليس له حاضر

Archive By Literature

رؤى زينة

القلم -

مهداة إلى النبي الحبيب

من أقاصيص زينة حداد

                   ترجمة سمير الحداد

         

قلم مُجنح أشبه بفراشة ترفرف من زهرة إلى زهرة تجتني رحيقها ولقاحها، تتلهَّى أحيانًا وتتسلّى بالحديث مع الأزهار. أنا قلمٌ، تقول الفراشة للأزهار، أقطف الثمرات من ربّات الوحي، من التسعة الربّات التي نعرفها على أرضنا، لكن هناك منها أكثر بكثير على الكواكب البعيدة.

          أيتها الربّة أوراني(1)، نجومك تنير أفكاري وحروفي تغدو دفقات نجوم. إنها جواهر فؤادي أصوعها نسجيًا مخرمًا أعلقه في ألفلك فأنا أرغب في إهداء أعمالي إلى الله.

          تربسشور(2)، أنت تبثين همسك في أذني فأروح أوقّع خطواتي وفقًا لايقاعك. أنت ترقصين الفالس مع النسائم وتتمايل الزهور ذات اليمين وذات اليسار وترفع هاماتها لتعود فتنحني من جديد تقبل أعشاب المروج، وتدعو فارسها، النسيم الطري إلى مراقصتها من جديد.

          ولأنني قلمٌ، فأنا أوجّه وأقود اعصارالآلهةِ والراقصات يتمثلْن بسحرها ويصبحن جميعًا سحابًا في السماء يهدين رقصهُنَّ للاله.

          إن هذا لفنٌّ خالصٌ غير أنه راح يفسُد مع مرور الزمن. أنا أحبُّ الربّة تريبسشور وأحبّ أسلوبها، وتلامذتها وأصدقاؤها يخلّدونها إلى الأبد.

         

 

أوترب(3)، فاعالمك السماوي سوى موسيقى والطبيعة اوركستراه التي تضم جميع الآلات الموسيقية. اللغة في هذا العالم هي موسيقى، والانسجام يسود مشاهد الطبيعة التي أُنعِمَ عليها بما لا حدّ له من الألوان التي تلهم الموسيقى. شعاعات الشموس والأقمار التي تذكرنا بقيثارات ترسل نغماتها بعبقرية وانسجام وتنظمها سمفونيات تليق بأكبر العبقريات وترافقها ملائكة الله من بعيد بأناشيد فائقة الجمال.

          أوترب، أنت توحين لي بألحان الهيّة تتنزَّل على أيدي الموسيقيين العظماء وأنا أعيد إنتاج هذا الإنسجام بكل أمانة لأنقله إلى أجيال ستأتي.

          أنا مخلص لِ كليو(4). فهي آلة تسجيل وجدت مع ولادة الزمن. هي التأريخ لهذا العالم، وهيرودوتسُ(3) هو أوّل من تتلمذ على يديها، وأوحت لأوّل المؤرخين بتدوين أولِّ الأحداث والانجازات العظمى على هذه الأرض.

          أنا أنتقل من يدٍ إلى يدٍ ومن بلدٍ إلى بلدٍ لكي أكون دائمًا بالتصرّف وبكامل الاستعداد. أنا بشكلٍ من الأشكال موفدٌ من الربّة كليوْ، فقد أئتمنتني على كامل معرفتها لذا أنا احتفظ بتاريخ العالم في كنفي وتحت وصايتي. أنا انشر وأيسّر تلقين هذا التعليم الضروري للإنسانية، فقد كتبت ما كتبته وما أزال أكتب من أجل الأجيال الآتية.

          الربّةُ كاليوب(4)، تأخذني بيدها، وبمساعدتي تملأ أوراقًا كاملة. ويتردد وقع أصوات شفتيها في موسيقى عذبةٍ موجهةٍ للسامعين، وتتساوق وتتتابع الجملُ أحيانًا صاخبة وهادرة كأمواجِ محيطٍ في مهب العاصفة. وخلال تجوالها في كل المطارح تتكلم كاليوب بجميع اللغات. صوتها رنّان، أحادثيها مؤثرة مُقنعة تزرع الإيمان في النفوس.

          كانت “كاليوب” مُرشدةً للإنسانية وما تزال وكذلك تبقى على الدوام. وبحكم كوني قلمًا فأنا أعينها في تدوين أفكارها. أنا بين يديها أصبح ذاكرتها الأمينة.

          وأنت يا “ايراتو”(5)، أنا المعين لك لكن على قدر استطاعتي. أنت أيضًا تأخذينني بيدك، وغالبًا ما أحزن لحزنك وما الحياة لك سوى نهر من الدموع. أنت تبثين فيّ أشحانك فنُحيلها كلانا إلى قصائد، إلى أناشيد للأكم الذي ينسج أوصافًا للحقيقة على كل شيء. فشكوى البشر والزهور والطيور، شكوى الجبال والسهول، شكوى المياه والغزّار ستكون قصائد ومراث، وستتحول كل عبرةٍ إلى بيت من الشعر يصدر الأحزان.

          إيراتو، يا ربّة الشعر، اسكبي فيَّ ألمَ العالم وأنا سأبذل الجهد لمساعدة القرّاء على فهمها.

          أنا انعكاس لِ ميلبومين(6)Melpomène، ربة المآسي، نلوّنها معًا، فهي صورة حزينة، هي صورة عن أصولنا، فمنذ ذلك الزمن اجتاح قلوبنا جرف من التعاسة والأحزان، وما زلنا نتخبط في بحر غاضب، غاضب علّنا نبلغ شاطئ الخلاص والنجاة، فالأمواج الشرسة، المُتوحشة أحيانًا تلتهم طرائدها.

          وأنت أيتها الدموع والتأوهات، أنت من هذا العالم! ميلوبومين تبكي بشهقات من الأسى، وأنا، القلم، أنقل بكل أمانة مآسي الحياة التي يُسمح لي بمعاينتها وأحزن لبؤس الأرض.

 

الحياة على الأرض هي شبه الموت، كلاهما مأساويان. وتتغلغل ميلوبومين في أذنيّ تملي عليَّ مراثي البشر وشكواهم.

          أنا قلم، أنا رفيق الناس طرًّا. تالي(7)Thalie  ، تضحك، تضحك دائمًا من أجل لا شيء، فأنا أُسرُّ وأضحك عندما أكون معها وايمُ الحق. تالي تمثلُ الفكاهة فضحكاتها الرنانة تُسمع في البعيد البعيد على مدار ألفٍ من الأميال.

          الإنسان بحد ذاته كائن مضحك، ومع مرور الزمن، تصبح أخطاؤه نافرة وغير قابلة للتصديق وتصبح مُدعاة للبكاء، واسمح لنفسي أن أقول إن الضحك بات مأساويًا حتى كاد الطرفان المتناقضان يلتقيان ويأتلفان فتاليا وميلومين تبقيان شقيقتين.

          وتُسرُّ لي تالي “بأيحاءاتها وأنا بدوري أبثها للكوميديين. أساعدهم في خط الرسائل التي تؤلف تواريخ غريبة وذات صرير وتتحول غالبًا إلى انتقادات يستخلص منها الجنس البشري دروسًا قاسية.

ومع مرور السنوات يتحول قلم إلى مثقفٍ مرهف يقارب ويخوض جميع مجالات الآداب والفنون، وتودعُ ربات الوحي فيه فضائلها ومعارفها.

          ومع أي لم أكن معروفًا في الأزمنة القديمة غير أني موجود دائمًا وتكبر نفسي مع مرور السنين وتمتد إلى كل مكان. وترافقني بوليمني(8)Polymnie  وتكون بجانبي دائمًا تسكب في الحب موحيةً إليَّ أبياتًا موسيقية تلهب القلوب، قصيدة عذبة على الإسماع وشلالات من الكلمات متناغمة تنتظم أغنية ترسم لنا وجه الآلهة.

 

إنها جمالات عشتروت وأودنيس. روائع السماوات، كلمةٌ إثرَ كلمةٍ ولؤلؤة بعد لؤلؤةٍ تتحول إلى اشعار عبارة عن فردوس ساحر آسر.

          قلم أنا، أتمرّى على صفحات البحيرات لأتحول بريقًا ينعكس من ربّات الوحي ويدوّن معارفهنّ، أصوّر أحاسيسهُنَّ. دمُهنّ يجري في عروقي، فهاته العبقريات يسكبن في روحهنّ. الجميع يحبني وأنا متواجد في جميع الاختراعات، حاضر في تطور الحضارة، حتى أني أسهمت في أكبر الاسفار في الفضاء ولهذا أتكاثر إلى اللامنتهى حتى أكون طوع بُنانِ الشعوب في القارات الخمس.

          أنا صريح، صادق وكثير الكلام، جسورٌ ومتهوّر! أنا سلاح، أهاجم، أتهكُم وسخريتي لاذعة عندما تدعو الحاجة، وغالبًا ما يصبح قريبي عدوًّا لي، نغدو سهمين متصادمين. ولتعاسته، يمكن للقلم أن يكون فاجرًا ويمكن لآخر أن يقتص منه ويصبح كلاهما سيفين في حالة صراع، ومنقادًا لقوته يمكن لأحدهما أن يسيطر على الآخر، فيكون أشبه بلسانٍ عذبٍ الحديث أو لسان حديثه، قاذع لاذع.

          ومهما يكن، فالقلم مثل المرآة تختلط فيها شعاعات الشمس وتتعانق. هو رسول الحضارة، فكم من مرّة منذ زمن آدم وحوّاء بلغتِ الحضارات ذروتها لتعود فتنطفيء لتولدَ من جديد!

          يجب ألا تغيب الفنون عن بالنا، فهي محببة إلى الله وتمثل نهضة الثقافات. القلم مصدر الخطوط الأولى للّوحات الفنيّة وللمنحوتات والنقوش. الفن جميل يرقى بالنفس فهو شعلة متوهجة تنشر ألقها في كل مكان. هي تقدمة للاله السرمدي. الله يحبّ الجمال والكمال الكائنين منذ لحظة الخلق.

          أوَلمْ ينحتِ الله آدم وحوّاء قبل أن ينفث فيهما نأمةٍ الحياة؟ أولا ينتمي فنانونا إلى سماءٍ أكثر سموًّا؟ إنهم أشبه بربات الوحي.

          وبعد أن رسم رمزًا مقدسًا تحوّل إلى تاج على رأس النبي الحبيب استحال القلم بين الأصابع المقدسة إلى سيفٍ قاطعٍ سيكسر كل ما ينبغي أن يكسر. هذه الأداة السحرية تحمل أيضًا البشارة بالخبر الجميل المقدس. إنها ذاكرة البشر. كم من الكتب تظهر وتنتشر وكم من الأسرار يكشف عنها النقاب.

          الدكتور داهش هو ملك  ربّات الوحي والفنون، إنه الإلهام أيضًا لكل العوالم ولجميع السماوات. يمسك بيده قلما هو الناطق باسمه. مخلصٌ هو هذا القلم القصير، هو مطيع لسيّده ينقل أفكاره وينشرها، هذه الأفكار التي هي بحد ذاتها ثورة بين العقائد، فالله هو منبع أعماله وهذا القلم أنشأ كوكبًا جديدًا اسمه مكتبه السماوات.

          في تجوالهن حول العالم بعد مغادرتهن جبل الفنون،

 ها هنّ ربّات الوحي، اليد باليد يرفعن التسبيح الى المجد الإلهي منشدات للنبي الحبيب:

 

أيّها القدّوس، القدّوس

اسكب فينا شرارات من النور

فننير هذه الأرض الملعونة

ونبثّ في حناياها بعضًا من المعرفة،

فلم يعد هناك ليلٌ ولا نهار صبحٌ ولا مساء،

وها نجمةٌ جديدة تتألق بكامل بهائها فهي بنت الخلود.

 

سيظل القلم على الدوام يسكب في القلوب إكسير المعرفة الذي يستقيه من البعيد، من عالم كريمٍ هو الإلهام الإلهي، إنه ينبوع لا ينضب، هو دائم “التألق” ويحيي الإنسانية.

          هكذا، بفضل القلم، نجتني أعلى المعارف، وله يعود الفضل أن نرفع الإبتهال والتضرّع إلى العزّة الإلهية.

 

 

1        – ربّة الموسيقى حسب الميثولوجيا اليونانية.

          2 – ربّة الغناء والشعر الغنائي والرقص. تصوّر كامرأةٍ شابةٍ تلعب على القيثارة.

  • ربةً الموسيقى في الميثولوجيا اليونانية.
  • ربة التاريخ والشعر في الميثولوجيا اليونانية.
  • مؤرخ يوناني عرف بأبي التاريخ.
  • ربّة الشعر الغنائي، والدة لينوس واورفيه في الميثولوجيا اليونانية.
  • ربّة الوحي للشعر الغنائي. (الميثولوجيا اليونانيّة)
  • ربّة الوحي للشعر التراجيدي أو المأساوي. (الميثولوجيا اليونانية).
  • ربّة الوحي للشعر الكوميدي (الهزلي) يرمز لها بصبيّة متوجةٍ بالغار وتحمل قناعًا. (الميثولوجيا اليونانية)÷
  • ربّة الوحي للشعر الغنائية. (الميثولوجيا اليونانية).

 

إقرأ أكثر

أدب

النار و النور -

ما ان دعاني بعض الاصدقاء الاخوة الناشطين فكرياً وعقائدياً للمشاركة في الكتابة في مجلة  النار والنور  الالكترونية حتى ذهبت بي الذاكرة إلى مجلة بروق ورعود “ ٢٣ آذار  ١٩٦٨ إلى ٢٣ تموز ١٩٦٨”،

مجلة داهشية فكرية أدبية علمية؛ و كان يقوم بتحريرها شلة من المفكرين الناشطين المليئين بالحماسة وألايمان بنشر الثقافة و إعلاء كلمة الحق، يعاونهم بعض من أساتذة الجامعات والكتاب.

كنت يومها في مقتبل العمر  طالبا في الجامعة اللبنانية قسم الفيزياء،وكان لي شرف المشاركة بسلسلة من المقالات  العلمية حول منشأ الكون واصل النظام الشمسي، التي ترتكز على النظريات والأبحاث العلمية المتوفرة حتى حين إصدار المجلة.

وكان الثقب الأسود وانفجار النجوم هو مقالي السادس للعدد  السادس لبروق ورعود  والتي اوقفت  قبل صدور هذا العدد من قبل نقابة الصحافة المفترض انها حارسة الكلمة  والمدافعة عن الحريات؛

كان ذلك بايعاز وضغط من الجهات المذهبية المتعصبة صاحبة التاريخ الزاخر  بالاضطهاد والتنكيل بالمفكرين الشجعان الصادقين- وهذا ديدنهم مذ ما قبل الشهيد اسعد الشدياق،أمين الريحاني جبران خليل جبران ، المعلم مخايل مشاقة …وصولاً إلى انطون سعادة و الدكتور داهش وغيبوا أعمالهم الأدبية عن مناهجهم، وباشروا حملة شائعات محمومة للتعمية على العقائد الداعية إلى الايمان بكل الاديان ونبذ التعصب المذهبي وابتزاز المؤمنين بارزاقهم وحلالهم…

 ضاق الصدر من جديد  عن احتمال بروق ورعود وهي مجلة ثقافية فكرية فنية علمية، فيها  صفحات قليلة تبحث بتجرّد  في العقيدة الداهشية   العابرة للمذاهب،  وبباب معرفي محايدٍ منطقي حُرّ، فيه القارئ  يسأل والدكتور داهش يجيب .

وكان لهم ما ارادوا…

 وتوقفت بروق ورعود عن الصدور….

وتمضي الايام و تمر  السنون “ ٢٧ عاماً” 

ولكن جذوة بروق ورعود لا تزال متوقدة وإذا بنورها يطل من جديد  في مجلة صوت داهش ”  ١٩٩٥-٢٠٠٨ ” في منهاتن نيوورك  مدينة الحريات الفكرية دون منازع .وقد  ترأس تحريرها الدكتور غازي  براكس   كما عملياً لبروق ورعود واستمرت تصدر في نيويورك باللغتين العربية والإنكليزية ولسنوات، وكما كانت بروق ورعود فصوت داهش

 ثقافية فكرية  فنية غنية بالمواضيع والكتاب من مختلف المشارب؛

تعتمد  الطباعة الراقية،

لا تبتغي الربح ،

لا تنشر الإعلانات ،

ثمنها رمزي،

استمراريتها وقف على المتبرعين الصامتين الذين لا يبغون  الّا نشر الثقافة وكون هؤلاء قلّة وكون المجلة لا تلين للإغراءات فقد عجزت  بعد ١٣  سنة عن الاستمرار….

وتمضي الايام  ١٥ عشر عاماً على توقف صوت داهش…

 ولكن نار بروق ورعود لا يخبو    فاذا بنورها يتوهج من جديد  عبر  المنصة الكترونية:

  “النار والنور “

والتي نرجو لها  إتمام المسيرة و التوفيق في نشر الثقافة والقيم؛واعلاء كلمة حقٍ  أرسى اصولها الدكتور داهش،الذي وقف حياته وتراثه على نشر مبادئ الايمان والفضيلة   بأسلوب فني مرهف وارادة صلبة لا تلين وشجاعة عابرة للأوطان.

 معتمداً الصدق والتجديد والاتقان

وقد حرص على تصميم كتبه

 واخراجها بما يتوافق مع ثقافته الشاملة وحسه الفني المرهف ، ومن يقارن تطور طباعة الكتب العربية قبل ظهور كتب الدكتور داهش وبعدها يعرف اية ثورة خلقها هذا الرجل المعجزة في هذا المجال.

لذا نرجو للقائمين على هذه المنصة الإلكترونية  بالتوفيق   والإرادة الصلبة في إعلاء كلمة الحق

ان  المسؤولية التي اختاروها وارتضوها   جليلة وإنهم في هذا الخيار بين النار والنور . لذا نرجو لهم صلابة التصميم  الصادق والمخلص الخلوص.

سامي واصاف ١٤-١-٢٠٢٤

إقرأ أكثر

أدب

“الأخوّة والوحدة الإنسانية” -

نداء الرسل والمصلحين عبر الأزمان

“فقال الربّ لقايين: «أين هابيل أخوك؟» فقال: «لا أعلم! أحارس أنا لأخي؟» فقال: «ماذا فعلت؟ صوت دم أخيك صارخ اليّ من الارض.) سفر التكوين، اصحاح 4: 9-10(

  حوارٌ بسيط يختصر مأساة الإنسان منذ بدء الوجود وحتى هذه اللحظات التي نعيشها. الله يسائل الإنسان عن حال أخيه، والإنسان يتنصّل ويتنكّر لمسؤوليته المقدسة، مفضّلاً ذاته على الآخرين، ساعياً وراء مصالحه أوّلاً ولو كان الثمن عذاب وقهر وموت أخيه الإنسان.

ويتتابع نداء الله بعد الطوفان العظيم: “ومن يد الإنسان أطلب نفس الإنسان، من يد الإنسان أخيه.” ) سفر التكوين، اصحاح 9: 5 (معلناً بجهوريّة الحق الإلهي أن الإنسان أخ الإنسان، وأنّ العائلة الإنسانية واحدة جمعها الله في محبته وفي وجدانه وفي ضميره، ناهياً أفرادها عن إيذاء وقتل بعضهم البعض.

ثم تأتي الوصايا العشر المقدسة) سفر الخروج، اصحاح 20(، والتي رغم عدم تعدّيها بضعة سطور، جسّدت طلب الله من أبنائه مجدداً: لا تقتلوا بعضكم، لا تسرقوا بعضكم، لا تحسدوا بعضكم، لا تكذبوا على بعضكم، لا تشتهوا ما لغيركم. وصايا لو طبّقها الإنسان منذ فجر الخليقة، لاستحالت الأرض نعيماً مقيماً وافراً بخيراته التي لا تحصى ولا تعدّ، ولكنّ الإنسان طغى وبغى، فتكبّر ثم تجبّر على أخيه الإنسان، قاتلاً، سارقاً، حاسداً، كاذباً، مشتهياً كل ما يملكه غيره، محيلاً فردوس الأرض جحيماً مخيفاً برهبوت ظلامه وعذاباته. 

وتمرّ السنون بطيئةً سريعةً، والإنسان على حاله من حب ذاته وتفضيلها على ذات أخيه الإنسان، خالقاً طبقيّةً مقيتةً يعظّم فيها ذاته على حساب الآخرين، حتى ظهر المُصلح المُلهَم بوذا(563 – 483 BCE) زاهداً مستنيراً ومعلّماً مبادئ الحق والأخوّة الإنسانية والمساواة والمحبة هاتفاً بصوتٍ ملهمٍ مقدّس: “لا توقف الكراهية الكراهية، بل يوقفها الحب فقط، هذه هي القاعدة الخالدة”.

وأتى سيّد المجد، يسوع المسيح، كلمة الله وروحه، وتغيّرت معه لغة الخطاب النبوي من “لا تقتل” أخاك إلى “أحبّ” أخاك، فكانت تعاليمه المقدّسة نبراس نور داعٍ إلى الاخوّة والمحبّة والتسامح بين الأفراد والشعوب. وعبر تضحياته الجسام، ربط جميع البشر برباطٍ روحي مقدس وجب فيه على الإنسان التضحية من أجل أخيه الإنسان، وأصبح فيه “من لا يجمع معي يفرّق” )إنجيل متى،  12: 30(. وأصبح الأمل الحقيقي في الخلاص والهدف الأسمى “ليكون الجميع واحداً” )انجيل يوحنا، 17: 21(. ولم يكتف المسيح بالدعوة إلى الوحدة الإنسانية بين البشر، بل جعلها وحدةً مع ذاته، عسى من خلال تلك التعاليم يؤمن البشر أخيراً أنهم واحد على اختلاف جنسيّاتهم وأعراقهم ودياناتهم، فتزول عندها الفوارق وتضمحلّ الانقسامات ويعمّ السلام، فيقول: 

“لأنّي جعت فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني. كنت غريباً فأويتموني. عرياناً فكسوتموني. مريضاً فزرتموني. محبوساً فأتيتم اليّ. فيجيبه الأبرار حينئذٍ: يا رب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك او عطشانا فسقيناك؟ ومتى رأيناك غريباً فأويناك او عرياناً فكسوناك؟ ومتى رأيناك مريضاً او محبوساً فأتينا اليك؟ فيجيب الملك: الحق أقول لكم: بما أنكم فعلتموه بأحد اخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم.

 ثم يقول أيضاً للذين عن اليسار: اذهبوا عني يا ملاعين الى النار الابدية المعدة لإبليس وملائكته لأنّي جعت فلم تطعموني. عطشت فلم تسقوني.  كنت غريباً فلم تأووني. عرياناً فلم تكسوني. مريضاً ومحبوساً فلم تزوروني. حينئذٍ يجيبونه هم ايضاً: يا رب متى رأيناك جائعاً، او عطشاناً او غريباً او عرياناً او مريضاً او محبوساً ولم نخدمك؟  فيجيبهم: الحق أقول لكم: بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الاصاغر فبي لم تفعلوا”.)انجيل متى، 25: 35-45(

وأرسل الله رسوله الأمين، النبيّ العربيّ الكريم، محمّداً (صلى الله عليه وسلّم) مبشّراً بتعاليم الحق الإلهي الداعي إلى الوحدة بين المؤمنين وبين جميع البشر، هاتفاً بكلماتٍ خالداتٍ داعياتٍ إلى الأخوّة الحقّة وإلى التحاب: “لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا”; “لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه”، رابطاً بين فعل الإيمان وبين محبة الإنسان لأخيه الانسان بغضّ النظر عن الاختلافات الوهمية، وبلسان كتاب الله المنزل :  ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”. )سورة الحجرات: 10 (

ولكن رغم جمال ونقاء هذه الوصايا الالهية والتعاليم السماوية، ورغم بلوغ الإنسان عصر النور والعلم والتطور بأعظم وجوهه، كيف عساه أن يوصَفَ حالُ الأرض بغير هذه الكلمات: القتل وسفك الدماء وسطوة القوي على الضعيف هم الغالبون. انعدمت الإنسانية بين الشعوب، فإذا بالعنف هو اللغة السادة التي يفهمها الحميع، وإذا بالتعصّب الديني والطائفي يطغى على معاني التسامح والتعاطف، فشهد القرن الماضي حربين عالميّتين أودت بحياة الملايين، وما زالت حتى يومنا هذا تمتدّ الصراعات والحروب بإسم الدين تارةً وبإسم الوطنية تارةً أخرى. 

وقد جاهد المهاتما غاندي (1869- 1948) والدكتور مارتن لوثر كينج (1929- 1968) جهاد الابطال والرسل في نشر مبادئ السلام والأخوّة معتمدين مبدأ اللاعنف والمحبة اتجاه حتى ظالميهم ومضطهديهم، راسمين ملحمةً بطولية في التسامح والأخوّة والوحدة الدينية والإنسانية، مبرهنين أن التعامل بين الإنسان وأخيه الإنسان لا يرتكز على لغة الانتقام بل على لغة المحبة، فهي وحدها كفيلةً أن تضع حداً لخلافات البشر ومآسيهم بعد أن يؤمنوا أنهم عائلةً روحيةً واحدة. وغاندي هو القائل: “العمل بمبدأ العين بالعين ينتهي بجعل العالم كله أعمى”.

كما هتف مارتن لوثر كينج بأقوالٍ خالدة: “الظلام لا يمكنه أن يبدّد الظلام، الضوء وحده يمكنه ذلك.. والكراهية لا يمكنها أن تنقذ الكراهية، فالحبّ وحده يمكنه ذلك”؛ “المحبّة هي القوّة الوحيدة القادرة على تحويل عدوّ إلى صديق”.

وفي عام 1942 , أسّس الدكتور داهش ((1984-1909 العقيدة الداهشية الملهمة داعياً من خلال تعاليمها ومبادئها وبشكلٍ علني وواضحٍ وضوح الشمس في رابعة النهار: الأديان كلّها واحدٌ، والعائلة الإنسانية هي عائلةٌ روحيةٌ واحدة، وجميع البشر، بل جميع الكائنات ما هم إلا روحٌ واحدة في قلب الله؛ فدعا إلى الوحدة الدينية الجوهريّة، شاجباً الطائفية والتعصّب المقيتين، وكل أنواع العنف والإقتتال والحروب بين الإنسان وأخيه الإنسان.

 وقد بشّر بحقيقةٍ روحيةٍ حان بزوغ فجرها: كل ما نفعله بالآخرين نفعله بأنفسنا، فالكائنات جميعها مرتبطةٌ إرتباطاً روحياً خالداً، وما نظنّه اختلافات بيننا ما هو إلا وهمٌ وتجربةٌ بين ذاتٍ واحدة ظنّت أنّها ذوات متعدّدة. فالهدف الأساس هو توحّد البشر والكائنات لتعود روحاً واحدة تحيا وتندمج في قلب الله.

فوحدها المحبة والأخوّة والتسامح والترفّع عن رغبة الإنتقام والإنقسام تحرّر الإنسان من عبودية الوجود ووهم الواقع المرير. 

وقد عبّر الدكتور داهش عن هذه الأفكار السامية في العديد من كتبه وكتاباته. ويصف حال الإنسان في هذا العصر في قطعة “كلمتي لعام ١٩٨٢”: 

” إنَّ الحياة انكفأت رأسًا على عقب، فلم تَعُدِ المحبَّةُ هي السائدة، بل البغضة والتفرقة، وأصبح القتل هو الوسيلة الوحيدة، بها يتعامل الجميع؛ فالقوي يفترس الضعيف بشراسةٍ وعُنفٍ هائلين.

في عصرنا الحالي لا تسمع إلا بالنظم الديمقراطية، والدكتاتورية، والرأسمالية والاشتراكية، وسواها وسواها من المضحكات المبكيات على اختلاف أشكالها وألوانها واتجاهاتها. وقد سلبت من الإنسان روح إنسانيته، بعدما أوقعته في شباكها اللعينة الكاذبة، وأسرته، فإذاه آلةٌ مُسيَّرة غير مخيرة. لقد أصبح خالياً من التعاطف والتَّوادُ والتراحم والشعور الإنساني المتبادل بين الإنسان وأخيه الإنسان” 1.

كما وضع لبّ مبادئه وتعاليمه عن الوحدة الإنسانية والأخوّة العالمية وعن إثم الحرب والبغض والاقتتال بين الشعوب على لسان أبطال كتابه “مذكرات دينار” داعياً إلى بناء عالمٍ واحد يعمّه السلام والمحبة بعيداً عن التفرقة والانقسام:

“إِنَّ على سَاسَةِ العالم ، في أربعة أقطار المعمور ، أن يبنوا ( عَالَماً واحداً ) ، إِذا رَغَبُوا فِي أَنْ يَسُودَ السلام العام أرجاء هذهِ الكُرَةِ اللعينة .فالاتفاق العام بينَ زُعَماءِ المَمَالكِ الكُبرى ، ومُلُوكِ الدُّوَلِ القوية ؛ وإجماع الآراء المخلصة ، لا المزيفة ، حول هذا الموضوع البَالِغ في خَطَرِهِ وجَلال قَدْرِهِ وشأنه ؛ وطرح الأطماع جانباً من الجميع ، في سبيل سعادةِ الأسرة الإنسانية ؛ وعَدَمُ التكالب على المادَّةِ بجَشَعِهم الجارف الخطير ؛ وبُنيانهم قانوناً عالميًّا شاملا ، يُدخِلُونَ فيه الدُّولَ الصُّغرى التي تَنقَادُ إلى آرائهم ؛ وتوحيد أهدافهم السامية ومثلهم العليا . هُوَ ما يُؤَدِّي إلى السلام العام” 2.

كما ناجى ذلك اليوم السحري المبارَك الذي يحلّ فيه العدل ويعمّ فيه السلام بين الدول والشعوب، فيحقّق عندها البشر ذلك الهدف المنشود الذي من أجله خُلقوا وعبره سيخلصوا.

“إنَّ الحرب إِثْمٌ رَهِيبٌ فادِح لا يَغفُرُ اللَّهُ لِمَنِ ارتكب جريمته. 

والسلام العالمي هو حُلْمي الذي أنشده..

فيوم يُحلِّقُ مَلاكُ السَّلام في أجواء هذا الكَوْنِ الشَّاسِع المسافات؛

ويَومَ يَبسط عدالته في ربوع هذا الكَوْنِ الغارق في تعاسته الفائقة؛

 ويَومَ يضَعُ سَاسَةُ العالم ودُولِهِ المتشعّبة الرغبات أيديهم في أيدي بعضهم الآخر،

 ويُطرَحُونَ أطماعهم المخيفة وراءَ ظُهُورهم؛

ويَومَ يُقسِمُونَ على القَنَاعَةِ

التي لَنْ يَسُودَ السَّلامُ دون أن تكون هي السائدة؛

 ويوم يتحقَّقُ هذا الحُلمُ الذي يُراودني في ساعاتي الأخيرة هذه ….

إذ ذاك، تغتبط رُوحي..!

 وأتأكَّدُ أَنَّ حُلُمَ البشرية الضالَّةِ في شعاب أطماعها قد تحقق،

 فَتَسعدُ رُوحي، وتَنتَشِي نَفسي بغبطتها …” 3.

وفي حوار أرواح من سقطوا في ساحات الوغى بعد تحرّرهم من عبودية الجسد ونيلِهم نعمة المعرفة الروحية، يوضِح الدكتور داهش حقيقة وهم الوجود ويسقط القناع عن أوهام البشر فيمن يظنوّنهم أعداء بينما هم جميعاً في حقيقتهم عائلةٌ روحية واحدة:

“إنّنا، مَعْشَرَ الأرواح الذين بتنا في مَلأ عُلوي شفّاف، من كافة الجنسيات التي جَعَلتِ الأطماع الدنيوية منا أعداء الدَّاء، قد اجتمعنا هنا، ونزعنا من أرواحنا أدران الأرض وخباثاتها .

وكم كانتْ دهشتنا، عندما تكشفت لنا الحقيقة، وذعرنا كيف كنا عبيد غاياتنا، ورُوِّعنا بكيفية قبولنا الاعتداء على بعضنا البعض، وكيف كنا أعداء، دون أن يكون هنالك سبب معقول؛ ولكنها الغاياتُ تُعْمي البصائر والأبْصَار!

لقد اجتمعنا هنا، وكوّنا أسرة روحيَّةً واحدة. فأعداء الأمس، الذين كانت تغمر قلوبهم الكراهية، أصبحوا أصدقاء اليوم، تعمرُ أرواحهم المحبَّةُ الحقيقية.

 فالألماني والبريطاني والفرنسي والتركي والبلجيكي واليوغوسلافي والبلغاري والروسي والزنجي والأميركي والاسترالي وغيرهم، من مختلف الجنسيات التي فَرَضَتها غايات الأرض فَرْضاً على الأمم، أَصْبَحَتِ، الآن، تنتمي إلى جنسية روحية واحدة، بعد أن نَبَذَتْ أضاليل الأرض، وسَخافات الحياة.

فهنا لا سائدٌ ولا مَسُود، لأنَّ قانون السماء قد وحّد بين الجميع.” 4

الدكتور محمد يونس

المراجع

(1): )الرحلات الداهشية حول الكرة الأرضية، الرحلة 18  (الدار الداهشية للنشر). نيويورك 1994 , ص. 401(

(2): “مذكرات دينار” للدكتور داهش، الدار الداهشية للنشر، نيويورك 1986، ص. 108

(3): “مذكرات دينار” للدكتور داهش، الدار الداهشية للنشر، نيويورك 1986، ص. 117-118

(4): “مذكرات دينار” للدكتور داهش، الدار الداهشية للنشر، نيويورك 1986، ص. 128

 

إقرأ أكثر

أدب

أسرعوا الى الأخلاق -

من اضطلعَ على تاريخ البشريَّة من البدايات البدائيّة الى العصر الحديث وعلى امتدادٍ لآلاف السنين وما تحمله في طيَّاتها من انتشارٍ للعديد من الحضارات وما تضمَّنتها من تطوُّرٍ ثقافيّ وتكنولوجيّ، وتقدُّمٍ في العلوم والأدب والفنون، وتحوّلات إجتماعيَّة وثقافيَّة، واستكشافاتٍ وثوراتٍ صناعيَّة ورقميّة وعولمة، وما رافقها من حروبٍ وويلات وكوارث طبيعيَّة، إضافةً الى الأمراض والأوبئة التي انتشرت على مرِّ العصور. ثَبُتَ لديه أنَّ لا شئَ ثابت، وكلُّ ما دون الله باطل، وحده الحقيقة الأسمى، الثابتة والمُطلقة. وأنَّ الحياة حُلُمُ حالم وظلٌّ زائل، فمهما طالت قصيرة والى منتهى.  

من نظرَ بعين الإيمان فيما أُنزِل على رُسُلِ الله عزَّ وجَلّ وأنبيائه من كُتبٍ سماويّة، وجدها عامرةً زاخرة بقصصِ شعوبٍ ومُدنٍ دُمَّرت عن بكرة أبيها، بموجب إرادةٍ إلهية أو نتيجةٍ لسلوكٍ غير سويّ، كمدن سدوم وعمورة التي تمَّ تدميرها بسبب شرور سكانها وتماديهم في الرذائل ، ورفض كلّ انذار روحيّ. كذلك ورد في الكتاب المُقدَّس تدمير العديد من القرى والمُدن والشعوب بقيادة يشوع بن نون مثل أريحا وجبعون وحضر(1)، وإن الله أرسل الطوفان لتنقية الأرض من الشر والفساد، ولم ينجُ منه إلاَّ نوح وأسرته في السفينة(2)، وفي القرآن الكريم، أُشير الى شعوب عاد وثمود قوم مدائن صالح وإرم ذات العماد اللذين تم تدميرهم بسبب معاصيهم وكفرهم بالأنبياء.(3) كذلك يصف الفيلسوف اليوناني بلاتون أطلنتيس كحضارة قديمة متقدمة ومزدهرة(4)، لكنهم أهملوا قوانين الطبيعة والأخلاق، مما أدى إلى سقوط حضارتهم ، واختفاءها تمامًا تحت المياه بسبب الزلازل أو الارتفاعات والانخفاضات في مستوى سطح البحر.

وفي هذا الصَّدد لا يسعُنا إلاَّ أن نُذكر بعض كوارث العهد الجديد، كمدينة بومبي(5) في إيطاليا والتي دُمِّرت في عام 79 ميلاديًا بثورة بركان فيزوف. فالرماد والحمم البركانية غطت المدينة وأدت إلى دفنها، وبقيت تحت الأرض لقرون عديدة قبل اكتشافها كموقعٍ أثريٍّ مشهور. كما تعرضت جزيرة سانت هيلينا في جنوب المحيط الأطلسي لثوران بركاني في عام 1815، مما أدى إلى تدمير المناطق المأهولة على الجزيرة. كذلك تعرضت مدينة سان فرانسيسكو لزلزال عنيف في عام 1906،(6) مما أسفر عن دمار هائل، وجزيرة كريت لزلازل متكررة على مر التاريخ، والتي أسفرت عن دمار بعض المدن والقرى.

ومن أكبر الكوارث الطبيعيَّة التي شهدتها البشريَّة في العصر الحديث تسونامي أندونيسيا(7) الذي نتج عن زلزالٍ ضخم بقوَّة 9.1 درجة على مقياس ريختر قبالة سواحل اقليم آتشيه شمال سومطرة في المُحيط الهندي، ممَّا أدى إلى انهيار قاع المحيط، وتكوين موجات تسونامي هائلة. تحركت هذه الموجات بسرعة عبر المحيط الهندي وضربت سواحل عدة دول، بما في ذلك إندونيسيا وتايلاند وسريلانكا والهند والمالديف وبنغلاديش والسواحل الشرقية لأفريقيا. التسونامي أسفر عن دمار هائل، حيث تسبب في مقتل وإصابة مئات الآلاف من الأشخاص. وتدمير العديد من المدن والقرى الساحلية بالكامل، وفقد الكثيرون منازلهم وممتلكاتهم. أضف إليها زلزال باكستان 2005(8) وزلزال تركيا شباط 2023(9) وغيرها الكثير.

وكوارث الحروب كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، الحروب العالميَّة الأولى(10) والثانية(11) وما تسبَّبت فيه من خسائر بشريَّةٍ هائلة بلغت أربعة وخمسين مليون قتيل إضافةً لملايين الجرحى والمُعاقين، وإنهيار العديد من الأمبراطوريَّات الكبيرة، وتدمير البنى التحتيَّة في العديد من البلدان بشكلٍ كبير، وأنتشار الأمراض والأوبئة، وتدمير الغابات والموارد الطبيعيَّة، وانهيار الإقتصاد العالمي وزيادة مُعدلات البطالة، وتشريد ملايين الأشخاص من منازلهم، ولن ننسى مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان بعدما تعرضت هاتين المدينتين للقنبلة الذرية خلال الحرب العالمية الثانية في عام 1945 مما أدى إلى دمار هائل وفقدان العديد من الأرواح..

          كذلك لن ننسى الطَّاعون والإنفلونزا الإسبانيَّة،  وحديثاً كوفيد 19 الوباء الذي ذهب ضحيَّته عشرات الآلاف من الأشخاص.

هذه أمثلة فقط على الشعوب والمدن التي دُمرت على مر التاريخ. والتي أُهلِكَ أصحابها من جرَّاء الحروب والزلازل والبراكين والأوبئة وغيرها من الكوارث الطبيعيَّة. وما حدثَ بالأمس قد يحدثُ اليوم أو غداً, فقوانين الله ثابتة ثبوت الله جُلَّ اسمه.

وصاحب المنطق السليم والبصيرة النيِّرة لا بُدَّ أن يفترض وجود تأثيرٍ روحيّ يرتبط بالأحداث الحياتية، كإطارٍ يفسِّر الأحداث والظروف الصعبة التي يمرُّ بها الفرد أو المجتمع على حدٍّ سواء، أكانت إيجابية أو سلبية، ويعتبر أنَّ مردَّ كلُّ هذه المآسي والآلام يعود الى قانون السببيَّة الروحيَّة والجزاء العادل، أما قال الله تعالى في كتابه الكريم: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8](12). هذا هو قانون العدالة الإلهيَّة، الذي وضعه الله للسموات والأكوان، أصل كلِّ معرفة وقوَّة ومحبَّة، لعوالم الأرواح وعوالم المادَّة، ولكلِّ ذي نسمة، معروفها ومجهولها..

من أُتيحَ له مُطالعة الكتُبِ المُقدَّسة بوعيٍ ونُضجٍ فكري، مُعتمداً على ما أولاه إيَّاه الله من بصيرة في تحليل الأمور واستنتاجاتها، مُحرِّراً ذاته من تبعيَّةٍ بغيضة تُضعفُ شخصيَّته، وتُحدُّ من زيادة إدراكه ومعرفتة الحقائق الروحيَّة،. وبعيداً عمَّا تعتمر به نفوس الأكثريَّة الساحقة من عصبيَّة دينيَّة أو مذهبيَّة، ينتجُ عنها تشويش في المفاهيم وضبابيَّة في الرؤية، وما يترتَّب عليها من مسؤوليَّة على الصعيدين الشخصي والمُجتمعي، وتفاعلاتٍ سلبيَّة مع مجريات الحياة، اتَّضحَ له أنَّ الديانات السماويَّة جميعها ألمحت الى قيام الساعة، وإن أعطت علاماتٌ للدلالة عليها، إلاَّ أنَّها لم تُشر الى وقتٍ معلومٍ أو محدود.

من أُتيحَ له قراءة الماضي البعيد والقريب، ورَدَ أنَّ الأساس في الذات الإنسانيَّة ينطوي على أعراضٍ تقاوم سنن التبدّل والتغيّر الاجتماعي و تنحاز لموروثها الحضاري باعتباره موروثٌ مقدَّس. ومن تسنَّى له العيش بين سطور الحاضر المُتغيِّر من بداءَةٍ وحضارة، وما بينهما من ضغطِ عوامل التقليد المتراكم والتطوُّر السريع، عَلِمَ ميل هذه الذات إلى تجديد محتواها عبر الاندفاع المفاجئ والانفجاري، والتي تشكّلُ مفصلاً أساسيَّاً في الثبات والتحوُّل، وما يترتَّبُ عليها من إضطراب ذهنيّ ونفسيّ. لا بُدَّ له من رؤية المستقبل القاتم الآتي بما فيه من بلبلةٍ نفسيٍّة واجتماعيّة، وابتعادٌ عن الخطِّ السَوي، واضطرابٌ عقليّ وشذوذٌ في السلوك والميول وارتكابُ المعاصي والسيِّئات، وكأنَّه المسمار الأخير في نعش البشريَّة جمعاء لِما فيه من عمليَّة تفكُّكيَّة لشخصيَّة الإنسان الكاملة، والعالم على حافة الإنهيار يواجه مصيراً مُشتركاً.

من أتيحَ له حضور إحدى الجلسات الروحيَّة، أو سمِعَ ممَّن أنعم الله عليه بإحداها، أو حتى تسنَّى له قراءة ما ورد فيها على لسان ممَّن شاهدها وكتبها، فقد أدرك ما وصلت إليه البشريَّة من إنحطاطٍ خُلُقي، لطالما ردَّده الوحي الإلهي في رسائله الروحيَّة بأن الأرضَ فسُدَت، وطغت عليها الآثام الجسام، والعالم مملوء بالشرور، مُشبَّعٌ بالفجور، زخَّارٌ بالجرائم، واستسهلت النفوس الإندماج بالآفات وارتكاب المُحرَّمات، والقيم الروحية تلاشت, فما عاد يؤمن بها أحد، وما عادت الفضيلة لتزور ربوعه، فأصبح عالم الأرض كالجحيم الدائم التأجج والتوهّج، فحقَّ عليهم غضبُ الرَّبْ.

من أتيح له مُحاكاة النبي الحبيب الهادي، وسماع كلماته، أو قراءتها في كتاباته المُوحاة، أيقن بأن ساعة الفناء هي أقرب إلينا من حبل الوريد، ما دامت شياطين الأطماع تقطن في نفوسنا، وتمتزج في عقولنا. وأسرع ممَّا نتصوَّر، ما زال الظُّلم يعشِّشُ في صدورنا، ويكمن في شغاف أرواحنا، وعدالة السماء التي تُمهل ولا تُهمل ستُدمِّر معالم الحضارة البشريَّة وتُردِّمها ما لم نرعوِ عن الغي والفجور الذي تأصَّل في النفوس، وستُدَكُّ صروحها حتى يُصبحُ عاليها سافلها، وتنهار شوامخها وأبنيتها، وتُهلكَ كلِّ حيٍّ جزاءً وفاقاً على ما اقترفته البشريَّة من فسقٍ ودنسٍ قذرين.

من تمعَّنَ في قراءة الفكر الداهشيَّ، فهم النظرة الداهشيَّة الى أنَّ التكوين البشريّ الأخير ال760 (13)، حدث بعد عدّة قرون من فناء قارة الأطلنتيد والتي بلغت فيها حضارة التكوين السابق أوجها. مما يدلّ على تدمير الأرض مراراً وتكراراً. وليس اليوم أفضل من الأمس. فالأرض التي مُلئت ضجيجاً ستعيش الصَّمت، بعد أن تفشَّت الرذيلة في أرجاءها، والفسق والفجور قد ازداد اضعافاً مُضاعفة عمَّا رُوي عن حضاراتٍ واندثارها. ووصايا الله العشر التي نادى بها على لسان الرُّسل والأنبياء أساساً للخلاص من عالم الأرض، ضُرِبَ بها عرض الحائط، وما عادت تعني الكثيرَ للكثيرِ من البشريَّة الساحقة، أضف إليها فرض بعض المجتمعات القويَّة الشذوذ الجنسيّ على المُجتمعات الضعيفة والترويج لها وتدريسها بين المراهقين والقصَّر وحتى بين الأطفال بحجّة الحريَّات والمساواة وحقوق الإنسان، غير آبهين لمخاطره وما ينتجُ عنه من سلبياتٍ في العقلِ والمنطقِ، كذلك من أزماتٍ نفسيَّة وتفكُكٍ أسريّ، ناسين أو مُتناسين أن هذا الشذوذ كان السببُ الأساس وراء تدمير سدوم وعامورة(14).

قال الله عزَّ وجَلّ في كتابه الكريم: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (القصص 59)(15).

ومن أنعش الله له ذاكرةً رَسَخَ فيها من أقوال الحبيب الهادي كلماتٌ لا تُمحوها الأيّام، تدلُّ على أنَّ الرسالة الداهشيَّة هي آخر الرسالات الروحيَّة للدورة الحالية(21)، وهي بدايةٌ لمرحلةٍ جديدة. وهذا ما معناه بأن تدمير العالم أصبح على قاب قوسين أو أدنى. ومن يَعي الحقائق الروحيَّة، ويُدرك حقيقة العالم والإنسان، وفهم الدين والوجود، يستشفُّ المسؤوليَّة الكبيرة المُلقاة على عاتق الداهشيِّين والداهشيَّات بإنقاذ أنفسهم وإنقاذ الإنسان ومصيره والعالم ومن فيه من كوارثٍ حتميَّة ودمارٍ شامل، وذلك بالعمل على نشر تعاليم السماء ووصاياها بين الناس، والإلتزام بها إلتزاماً لا ريبَ فيه، والتخلّي عن أنانيَّتنا وغرورنا بإشتهاء ما للغير على إختلافه، كما بإتِّخاذ القرارات الصحيحة بتحديد الهدف من الحياة على أن يكون الله غايتنا وليس حاجتنا، فنكونُ قدوةً ومثلاً للآخرين بالسير في طريق الإرتقاء الروحيّ ومعراجه، ونكونُ سترة النجاة التي تقيهم شرَّ التحدِّيات التي تواجه البشريَّة.

وإنقاذ الذات لا يكون إلاَّ بالإسراع الى الأخلاق، وليس بممارسة طقوسٍ واحتفالات، وإنَّما بالعمل الجاد والمُجدي في التغلُّب على النَّفس الأمّارة بالسوء، وإصلاح عيوبها ونقائصها، واتِّباع القيم الروحيَّة في التصرُّفات والقرارات، وصلاة داهش ليست كلمات تردِّدها في اوقات حاجة. هي دستور الخلاص من عوالم المادَّة في الخشوع الكُلّيّ لربِّ السماء، والإتِّكال عليه، والتزام تعاليمه ووصاياه، واحتقار الرغبات الأرضيَّة، ونبذ الدنيويَّات، والعطف على البؤساء والسير في طريق الحقِّ والنور واليقين. هي إرادة الله المُوحاة لرسله ولأنبيائه مُتمثِّلةً بمجموعة قوانين أساسيَّة تنطلق بها لعوالم السعادة والبهاء، هي ناموسٌ ونظامٌ إلهيّ سنَّه الله طريقاً للحبِّ الإلهيّ ونوراً سماويّ، يحضُّ على الخير والفضيلة مُرتقِيًا بالإنسان إلى مُستوًى روحيٍّ أعلى ويُدخلهم فراديس النعيم. وكما أنَّ الحديثُ عن العدالة لا يُحقِّق العدالة، كذلك الكلام في الأخلاق لا يرتقي بالنَّفس، فالعمل ثمَّ العمل ثمَّ العمل، بالتزام المُثُلُ العليا، التي هو عربون الوفاء لإبن السماء والسبيل الوحيد للعفو الإلهيّ. أما قال الله تعالى:” إعملوا فسيرى الله عملكم والمؤمنون”.

من أنار الله بصيرته، وآمن بالرسالة الداهشيَّة الحبيبة وتعاليم مؤسِّسها، أدرك أنَّ البشريَّة جمعاء وكائناتها على اختلاف أشكالها وانتماءاتها تعود الى أصلٍ روحيٍّ واحد، أما ورد في حديثٍ شريف:” الخلق كلُّهم عيال الله، وأحبَّهم الى الله أنفعهم لعياله “.  ممَّا يعني أنَّ الإنسانُ أخُ الإنسان. وعليه، يكون إنقاذ البشريَّة لا يقلُّ شأناً عن إنقاذ الذات، يقول الدكتور داهش:”من العار أَن تموتَ قبل أَن تقومَ بأَعمال الخَير نحو الإنسانيَّة “(18). والإنسانيَّة ليست دين، هي المحبَّة، بل حقيقة الوجود، لا تتمّ إلاَّ ببذل الذات من أجل مساعدة الآخر على النهوض لتبقى الإنسانيَّة.

لا يدركَ النورُ الا النورَ، فالداهشي المؤمن المسؤول هو الذي يستمدُ من نورِ الحبيب نوراً يُبدِّدُ فيه ظلمات الديجور، ونور النبيِّ الهادي ساطعٌ سطوع الشمس الروحيَّة، هو السيَّال العشرين، بملء إرادته هبط لإنقاذ السيَّالات العاصية والمتمرِّدة على المشيئة الإلهيَّة، ورغم علمه المُسبق بما سيقاسيه ويعانيه من مآسٍ وإضطهادات، ومرور أزمانٍ وعصورٍ قبل العودة ثانية الى عوالمه الروحيَّة المجيدة، واندماجه بالآبِ السماويّ ومنه الإندماج بالعزَّة الإلهيَّة.

والدكتور داهش قدوة الداهشيّ المؤمن المُخلص، ردَّدَ مراراً وتكراراً:” بشروا في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها “. وبناءً عليه، فالداهشيّ لا يتقاعس عن نشرِ تعاليم السماء ومبادئها وزرع بذور المحبَّة والحقِّ والجمال في أصقاع الأرض وفي الكون أيضاً، حاملاً مشعلاً منيراً، وكُتُبَ هداية، وكلمةَ حقٍّ، وسيرةً ناصعة البياض، ولا يُحجمُ عن تحمُّلَ مسؤوليَّتة،  وتكبُّد المشقَّة والألم في سبيل ذلك، وربَّما المُخاطرة. علَّه يكون قد قام بواجبه المُقدَّس، فيَفيدُ ويستفيد. ونتيجة ذلك قد يكون إيمان العديد بالرسالة الداهشيَّة ومبادئها، وترفُّع البعض عن الدنيويَّات ومُغريات الحياة، وعودة البعض الآخر من طريق الرذيلة، تأجيلاً أو حتى إنقاذاً للإنسان ومصيره من الدمار الشامل.

عندما زار ملائكة الله النبي إبراهيم ليخبراه بمصير قوم لوط، قال:” هل تُهلكون قرية فيها 200 مؤمن؟ قالوا: لا، قال: 100، قالوا: لا، قال: 14، قالوا: لا، قال: فمؤمن واحد، قالوا: لا، قال: إنّ فيها لوطًا { وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (32). قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ}.

والنُّورُ يفضحُ الظلام، والحقُّ يُدحض الباطل، وما التكاثر الذي طُلِب من نبي الله نوح لفرز السيَّالات إلاَّ كنشر كلمة النبي الحبيب الهادي وتحمُّل مشقَّات الجهاد والتمسُّك بعُرى الأخلاق الرفيعة والتغلُّب على مُغريات الحياة لفرز المؤمنين من قطيع هؤلاء البشر الأردياء،.. ونشرُ التعاليم الإلهيَّة وروح الإنسانيَّة الصادقة في المُجتمعات ، بعيداً عن الأنانيَّة الصرفة، وتسلُّط القويّ على الضعيف بحججٍ واهية، هدفها الإستعباد. تساعد في تعزيز الوعي حول القيم الروحيَّة والمسلكيَّة وبناء مُجتمعٍ أفضل… الوقتُ قصير والعمل كثير،  والعمل على نشر الرسالة الداهشيَّة الحبيبة هو بوَّابة الخلاص لثورة الجحيم التي لا تُبقي ولا تُذر..

يقول الدكتور غازي براكس:” ليس إلاَّ الراقون روحيًّا يُقدِمون على اعتناق الحقائق الجديدة دونما تهيُّب، في حين أَنَّ مُعظمَ الناس يجبنون ويُحجِمون عن تغيير ما نشأُوا عليه من أَفكارٍ ومُعتقدات تسلَّموها من أَسلافهم، لأنَّ ذلك التغييرَ يتطلَّبُ شجاعةً ومُواجهةً(20).

بيروت في 3 تشرين أول 2023

حسين يونس

المراجع:

  • العهد القديم، الكتاب المقدَّس، سفر يشوع، هذه الأحداث تعتبر جزءًا من تاريخ الهجرة الكبرى لبني إسرائيل إلى أرض كنعان والتي تمثل حدثًا مهمًا في الكتاب المقدس والتاريخ الديني.
  • العهد القديم، الكتاب المقدَّس، (سفر التكوين 6: 5-13) “وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ. فَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ، الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ». وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. هذِهِ مَوَالِيدُ نُوحٍ: كَانَ نُوحٌ رَجُلًا بَارًّا كَامِلًا فِي أَجْيَالِهِ. وَسَارَ نُوحٌ مَعَ اللهِ. وَوَلَدَ نُوحٌ ثَلاَثَةَ بَنِينَ: سَامًا، وَحَامًا، وَيَافَثَ. وَفَسَدَتِ الأَرْضُ أَمَامَ اللهِ، وَامْتَلأَتِ الأَرْضُ ظُلْمًا. وَرَأَى اللهُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ قَدْ فَسَدَتْ، إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى الأَرْضِ. فَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «نِهَايَةُ كُلِّ بَشَرٍ قَدْ أَتَتْ أَمَامِي، لأَنَّ الأَرْضَ امْتَلأَتْ ظُلْمًا مِنْهُمْ. فَهَا أَنَا مُهْلِكُهُمْ مَعَ الأَرْضِ.” (تك 6: 5-13).
  • القرآن الكريم، فإن عادا قوم من العرب العاربة كانوا من أقوى الأمم في عصرهم فطغوا وتجبروا وعبدوا الأصنام، وفيهم يقول الله تعالى: فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ {فصلت:16،15}.

قوم ثمود هم قوم ورد ذكرهم في القرآن، وكانوا ينحتون الجبال لتكون بيوتًا لهم، ويتخذون من سهولها قصورًا لهم، وقد ورد اسم ثمود في نصوص الآشوريين في إحدى معارك سرجون الثاني؛ انتهت بانتصار آشور وإخضاع الثموديين.

وقوم ثمود من العرب البائدة، وهم قوم أرسل الله إليهم صالحًا عليه السلام نبيًّا ورسولًا منهم، يدعوهم لعبادة الله وحده وترك عبادة الأوثان، فاستجابوا لدعوة نبي الله صالح، ثم ارتد أكثرهم عن دينهم وعقروا الناقة التي أرسلها الله لهم آية، وتحدَّوا صالحًا أن يأتيهم بالعذاب، ودبر تسعة منهم مكيدة لقتل صالح وأهله، فأهلك الله الذين ظلموا من قوم ثمود ونجَّي صالحًا والمؤمنين.

إرَم ذات العماد مُختلف فيها أهي مدينة؟ أم قبيلة؟، للآية القرآنية  الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ،   فسر بعضهم هذه الآية بأن المقصود هو قبيلة أرم هم الذين لم يخلق مثلهم كبشر في الضخامة والقوة، بينما فسرها بعضهم بأن المقصود مدينة تسمى أرم هي التي لم يخلق مثلها، ذكرت في سورة الفجر في القرآن.

 

  • أطْلَنْتِس (باليونانية، ἀτλαντὶς νῆσος) أو أطلانطس أو جزيرة أطلس ،ذكرها أفلاطون في محاورتين مسجلتين له، طيمايوس وكريتياس وتحكي عن ما حدثه جده سولون عن رحلته إلى مصر ولقاءه مع الكهنة هناك وحديثهم عن القارة الأطلسية التي حكمت العالم.
  • بومبي (بالإيطالية: Pompeii)‏ أو پُمْپِيِي هي مدينة رومانية كان يعيش فيها حوالي عشرون ألف نسمة، واليوم لم يبق من المدينة إلا آثارها القديمة. تقع المدينة على سفح جبل بركان فيزوف الذي يرتفع 1,200 متراً عن سطح البحر، بالقرب من خليج نابولي في إيطاليا. ثار البركان ثوراناً هائلاً مدمراً عام 79 م ودمر مدينتي بومبي وهركولانيوم. طمر البركان المدينة بالرماد لمدة 1,600 سنة حتى تم اكتشافها في القرن الثامن عشر.
  • زلزال سان فرانسيسكو 1906 كان أحد الزلازل الكبرى التي ضربت مدينة سان فرانسيسكو وساحل شمال كاليفورنيا في الساعة 5:12 من صباح يوم الأربعاء 18 أبريل، 1906. قدرت شدة الزلزال بمقدار 7.9 درجة على مقياس درجة العزم، إلا أن بعض المصادر الأخرى تشير إلى أنه قد يصل إلى 8.25 درجة.
  • حدث زلزال وتسونامي المحيط الهندي لعام 2004 (المعروف أيضًا بتسونامي يوم الملاكمة، والمعروف في المجتمع العلمي بـزلزال سومطرة-أندامان) في الساعة 07:58:53 بالتوقيت المحلي (ت ع م+7) في 26 ديسمبر، وكان مركزه السطحي قبالة الساحل الغربي لشمال سومطرة في إندونيسيا. كان زلزال دفع هائل تحت سطح البحر سجلت قوته 9.1-9.3 على مقياس درجة العزم، ووصلت حتى تسع درجات على مقياس ميركالي المعدل في مناطق معينة. نتج الزلزال عن تصدع على طول الفالق بين صفيحة بورما والصفيحة الهندية.
  • حدث زلزال كشمير سنة 2005 في الساعة 08:50:39 بتوقيت باكستان في 8 أكتوبر 2005 في إقليم آزاد كشمير شمال باكستان. وصلت حدة الزلزال لـ7.8 درجات على مقياس ريختر. وصل تأثير الزلزال لباكستان وأفغانستان والهند.
  • زلزال قهرمان مرعش 2023 أو زلزالا تركيا وسوريا 2023 أو زلزالا جنوب تركيا 2023 أو زلزال غازي عنتاب 2023، زلزالان ضربا جنوب تركيا، وقع الأول في الساعة 4:17 صباحًا بالتوقيت المحلي (1:17 صباحاً بالتوقيت العالمي المنسق) يوم 6 فبراير 2023. وبلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، وكان مركزه السطحي غرب مدينة غازي عنتاب. امتدَّ أثره إلى سوريا أيضًا نظراً لقرب مركزه من الحدود السورية التركية. ويُعدُّ هذا الزلزال من أقوى الزلازل في تاريخ تركيا وسوريا. بعد مرور تسع ساعات وتحديدًا في الساعة 13:24 ظهرًا بالتوقيت المحلي (10:24 بالتوقيت العالمي المنسق) وقع زلزال آخر بقوة 7.5 درجات على مقياس ريختر بمنطقة إيكين أوزو بالقربِ من مدينة مرعش. بلغ عدد ضحايا هذين الزلزالين في تركيا وسوريا حسب تقديرات أولية أكثر من 51000 قتيلاً و 120000 مصابًا، وخلّفا أضرارًا مادية جسيمة في كِلا البلدين.
  • الحرب العالمية الأولى هي حرب عالمية نشبت بدايةً في أوروبا من 28 يوليو 1914 وانتهت في 11 نوفمبر 1918. وُصِفتْ وقت حدوثها بـ«الحرب التي ستنهي كل الحروب». جُمِعَ لها أكثر من سبعين مليون فرد عسكري، 60 مليون منهم أوربِّيين.
  • الحرب العالمية الثانية هي حرب دولية بدأت في الأول من سبتمبر من عام 1939 في أوروبا وانتهت في الثاني من سبتمبر عام 1945، شاركت فيها أو تأثرت بها الغالبية العظمى من دول العالم منها الدول العظمى في حلفين عسكريين متنازعين هما: قوات الحلفاء ودول المحور، كما أنها الحرب الأوسع في التاريخ، وشارك فيها بصورة مباشرة أكثر من 100 مليون شخص من أكثر من 30 بلدًا، وقد وضعت الدول الرئيسية كافة قدراتها العسكرية والاقتصادية والصناعية والعلمية في خدمة المجهود الحربي. أدت الحرب العالمية الثانية إلى عدد كبير من القتلى المدنيين، لعبت الطائرات دورًا رئيسيًا في الصراع، حيث مكّنت القصف الاستراتيجي للمراكز السكنية الذي أودى بحياة حوالي مليون شخص، ومنه القنبلتان الذريتان اللتان ألقيتا على هيروشيما وناغازاكي، أدت الحرب إلى وقوع ما بين 50 و85 مليون قتيل حسب التقديرات؛ غالبيتهم من المدنيين.
  • القرآن الكريم،[الزلزلة: 7، 8].
  • رسالة الأب نوح الروحيَّة.
  • تُروي قصة عقاب سدوم وعمورة في سفر التكوين 18–19. أتى ثلاثة رجال إلى إبراهيم في سهول مامري. بعدما استضافهما إبراهيم وسارة، أوحى الله إلى إبراهيم أنه سيؤكد له ما سمعه عن سدوم وعمورة لأن ذنبهم عظيم. ذهب الملكان إلى سدوم، ثم سأل إبراهيم الله ما إذا كان سيسفر عن المدينة إذا آمن منها خمسين شخصًا، فوافق الله على ذلك. توسل إبرهيم بعد ذلك إلى الله أن يرحمهم مرات عديدة.
  • القرآن الكريم، (القصص 59).
  • القرآن الكريم، التوبة (105).
  • حديث نبويّ، (( الخلقُ كُلُّهم عِيالُ الله عزَّ وجلَّ، فأَحَبُّ خلقِه إليه أنفعُهم لعِيالِه )) أخرجه البزار (2/398/ح1949 ـ كشف الأستار ـ)، والطبراني في “مكارم الأخلاق” (ح87).
  • كتاب كلمات للدكتور داهش، ص 170.
  • القرآن الكريم، سورة العنكبوت (32).
  • مجلّة صوت داهش، الرقيُّ الروحيُّ: معاييرُهُ وأبعادُه في مفهوم مُؤسِّس الداهشيَّة بقلَم الدكتور غازي براكْس.
  • تؤمن الداهشيّة بأنّ الأرض مرّت في أدوار تكوينيّة كثيرة كانت الحياة تندثر فيها لتعود فتنتشر مجدّدا .هذه الأدوار التكوينيّة الحضاريّة تبلغ ، حسب الوحي الروحيّ الداهشيّ ، 760 دورا استغرقت عشرات الملايين من السنين ، وهي الأدوار التي سبقت دورنا التكوينيّ الحاليّ الذي بدأ بنوح . كلّ دور ينتهي عادة بالوصول الى درجة عالية من التقدّم العلميّ والتكنولوجيّ ، وبظهور رسالة روحيّة جديدة تكون البداية لدور آخر . وآدم الذي يشير اليه سفر التكوين سبقته عشرات من تجسّداته في الأدوار التكوينيّة السابقة . والداهشيّون يؤمنون بأنّهم في ختام الدور الحاليّ ، وليس أدلّ على ذلك من تخزين أسلحة الابادة الشاملة .

 

بقلم حسين يونس

إقرأ أكثر

أدب

النار و النور -

ما ان دعاني بعض الاصدقاء الاخوة الناشطين فكرياً وعقائدياً للمشاركة في الكتابة في مجلة  النار والنور  الالكترونية حتى ذهبت بي الذاكرة إلى مجلة بروق ورعود “ ٢٣ آذار  ١٩٦٨ إلى ٢٣ تموز ١٩٦٨”،

مجلة داهشية فكرية أدبية علمية؛ و كان يقوم بتحريرها شلة من المفكرين الناشطين المليئين بالحماسة وألايمان بنشر الثقافة و إعلاء كلمة الحق، يعاونهم بعض من أساتذة الجامعات والكتاب.

كنت يومها في مقتبل العمر  طالبا في الجامعة اللبنانية قسم الفيزياء،وكان لي شرف المشاركة بسلسلة من المقالات  العلمية حول منشأ الكون واصل النظام الشمسي، التي ترتكز على النظريات والأبحاث العلمية المتوفرة حتى حين إصدار المجلة.

وكان الثقب الأسود وانفجار النجوم هو مقالي السادس للعدد  السادس لبروق ورعود  والتي اوقفت  قبل صدور هذا العدد من قبل نقابة الصحافة المفترض انها حارسة الكلمة  والمدافعة عن الحريات؛

كان ذلك بايعاز وضغط من الجهات المذهبية المتعصبة صاحبة التاريخ الزاخر  بالاضطهاد والتنكيل بالمفكرين الشجعان الصادقين- وهذا ديدنهم مذ ما قبل الشهيد اسعد الشدياق،أمين الريحاني جبران خليل جبران ، المعلم مخايل مشاقة …وصولاً إلى انطون سعادة و الدكتور داهش وغيبوا أعمالهم الأدبية عن مناهجهم، وباشروا حملة شائعات محمومة للتعمية على العقائد الداعية إلى الايمان بكل الاديان ونبذ التعصب المذهبي وابتزاز المؤمنين بارزاقهم وحلالهم…

 ضاق الصدر من جديد  عن احتمال بروق ورعود وهي مجلة ثقافية فكرية فنية علمية، فيها  صفحات قليلة تبحث بتجرّد  في العقيدة الداهشية   العابرة للمذاهب،  وبباب معرفي محايدٍ منطقي حُرّ، فيه القارئ  يسأل والدكتور داهش يجيب .

وكان لهم ما ارادوا…

 وتوقفت بروق ورعود عن الصدور….

وتمضي الايام و تمر  السنون “ ٢٧ عاماً” 

ولكن جذوة بروق ورعود لا تزال متوقدة وإذا بنورها يطل من جديد  في مجلة صوت داهش ”  ١٩٩٥-٢٠٠٨ ” في منهاتن نيوورك  مدينة الحريات الفكرية دون منازع .وقد  ترأس تحريرها الدكتور غازي  براكس   كما عملياً لبروق ورعود واستمرت تصدر في نيويورك باللغتين العربية والإنكليزية ولسنوات، وكما كانت بروق ورعود فصوت داهش

 ثقافية فكرية  فنية غنية بالمواضيع والكتاب من مختلف المشارب؛

تعتمد  الطباعة الراقية،

لا تبتغي الربح ،

لا تنشر الإعلانات ،

ثمنها رمزي،

استمراريتها وقف على المتبرعين الصامتين الذين لا يبغون  الّا نشر الثقافة وكون هؤلاء قلّة وكون المجلة لا تلين للإغراءات فقد عجزت  بعد ١٣  سنة عن الاستمرار….

وتمضي الايام  ١٥ عشر عاماً على توقف صوت داهش…

 ولكن نار بروق ورعود لا يخبو    فاذا بنورها يتوهج من جديد  عبر  المنصة الكترونية:

  “النار والنور “

والتي نرجو لها  إتمام المسيرة و التوفيق في نشر الثقافة والقيم؛واعلاء كلمة حقٍ  أرسى اصولها الدكتور داهش،الذي وقف حياته وتراثه على نشر مبادئ الايمان والفضيلة   بأسلوب فني مرهف وارادة صلبة لا تلين وشجاعة عابرة للأوطان.

 معتمداً الصدق والتجديد والاتقان

وقد حرص على تصميم كتبه

 واخراجها بما يتوافق مع ثقافته الشاملة وحسه الفني المرهف ، ومن يقارن تطور طباعة الكتب العربية قبل ظهور كتب الدكتور داهش وبعدها يعرف اية ثورة خلقها هذا الرجل المعجزة في هذا المجال.

لذا نرجو للقائمين على هذه المنصة الإلكترونية  بالتوفيق   والإرادة الصلبة في إعلاء كلمة الحق

ان  المسؤولية التي اختاروها وارتضوها   جليلة وإنهم في هذا الخيار بين النار والنور . لذا نرجو لهم صلابة التصميم  الصادق والمخلص الخلوص.

سامي واصاف ١٤-١-٢٠٢٤

إقرأ أكثر

أدب

أسرعوا الى الأخلاق -

من اضطلعَ على تاريخ البشريَّة من البدايات البدائيّة الى العصر الحديث وعلى امتدادٍ لآلاف السنين وما تحمله في طيَّاتها من انتشارٍ للعديد من الحضارات وما تضمَّنتها من تطوُّرٍ ثقافيّ وتكنولوجيّ، وتقدُّمٍ في العلوم والأدب والفنون، وتحوّلات إجتماعيَّة وثقافيَّة، واستكشافاتٍ وثوراتٍ صناعيَّة ورقميّة وعولمة، وما رافقها من حروبٍ وويلات وكوارث طبيعيَّة، إضافةً الى الأمراض والأوبئة التي انتشرت على مرِّ العصور. ثَبُتَ لديه أنَّ لا شئَ ثابت، وكلُّ ما دون الله باطل، وحده الحقيقة الأسمى، الثابتة والمُطلقة. وأنَّ الحياة حُلُمُ حالم وظلٌّ زائل، فمهما طالت قصيرة والى منتهى.  

من نظرَ بعين الإيمان فيما أُنزِل على رُسُلِ الله عزَّ وجَلّ وأنبيائه من كُتبٍ سماويّة، وجدها عامرةً زاخرة بقصصِ شعوبٍ ومُدنٍ دُمَّرت عن بكرة أبيها، بموجب إرادةٍ إلهية أو نتيجةٍ لسلوكٍ غير سويّ، كمدن سدوم وعمورة التي تمَّ تدميرها بسبب شرور سكانها وتماديهم في الرذائل ، ورفض كلّ انذار روحيّ. كذلك ورد في الكتاب المُقدَّس تدمير العديد من القرى والمُدن والشعوب بقيادة يشوع بن نون مثل أريحا وجبعون وحضر(1)، وإن الله أرسل الطوفان لتنقية الأرض من الشر والفساد، ولم ينجُ منه إلاَّ نوح وأسرته في السفينة(2)، وفي القرآن الكريم، أُشير الى شعوب عاد وثمود قوم مدائن صالح وإرم ذات العماد اللذين تم تدميرهم بسبب معاصيهم وكفرهم بالأنبياء.(3) كذلك يصف الفيلسوف اليوناني بلاتون أطلنتيس كحضارة قديمة متقدمة ومزدهرة(4)، لكنهم أهملوا قوانين الطبيعة والأخلاق، مما أدى إلى سقوط حضارتهم ، واختفاءها تمامًا تحت المياه بسبب الزلازل أو الارتفاعات والانخفاضات في مستوى سطح البحر.

وفي هذا الصَّدد لا يسعُنا إلاَّ أن نُذكر بعض كوارث العهد الجديد، كمدينة بومبي(5) في إيطاليا والتي دُمِّرت في عام 79 ميلاديًا بثورة بركان فيزوف. فالرماد والحمم البركانية غطت المدينة وأدت إلى دفنها، وبقيت تحت الأرض لقرون عديدة قبل اكتشافها كموقعٍ أثريٍّ مشهور. كما تعرضت جزيرة سانت هيلينا في جنوب المحيط الأطلسي لثوران بركاني في عام 1815، مما أدى إلى تدمير المناطق المأهولة على الجزيرة. كذلك تعرضت مدينة سان فرانسيسكو لزلزال عنيف في عام 1906،(6) مما أسفر عن دمار هائل، وجزيرة كريت لزلازل متكررة على مر التاريخ، والتي أسفرت عن دمار بعض المدن والقرى.

ومن أكبر الكوارث الطبيعيَّة التي شهدتها البشريَّة في العصر الحديث تسونامي أندونيسيا(7) الذي نتج عن زلزالٍ ضخم بقوَّة 9.1 درجة على مقياس ريختر قبالة سواحل اقليم آتشيه شمال سومطرة في المُحيط الهندي، ممَّا أدى إلى انهيار قاع المحيط، وتكوين موجات تسونامي هائلة. تحركت هذه الموجات بسرعة عبر المحيط الهندي وضربت سواحل عدة دول، بما في ذلك إندونيسيا وتايلاند وسريلانكا والهند والمالديف وبنغلاديش والسواحل الشرقية لأفريقيا. التسونامي أسفر عن دمار هائل، حيث تسبب في مقتل وإصابة مئات الآلاف من الأشخاص. وتدمير العديد من المدن والقرى الساحلية بالكامل، وفقد الكثيرون منازلهم وممتلكاتهم. أضف إليها زلزال باكستان 2005(8) وزلزال تركيا شباط 2023(9) وغيرها الكثير.

وكوارث الحروب كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، الحروب العالميَّة الأولى(10) والثانية(11) وما تسبَّبت فيه من خسائر بشريَّةٍ هائلة بلغت أربعة وخمسين مليون قتيل إضافةً لملايين الجرحى والمُعاقين، وإنهيار العديد من الأمبراطوريَّات الكبيرة، وتدمير البنى التحتيَّة في العديد من البلدان بشكلٍ كبير، وأنتشار الأمراض والأوبئة، وتدمير الغابات والموارد الطبيعيَّة، وانهيار الإقتصاد العالمي وزيادة مُعدلات البطالة، وتشريد ملايين الأشخاص من منازلهم، ولن ننسى مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان بعدما تعرضت هاتين المدينتين للقنبلة الذرية خلال الحرب العالمية الثانية في عام 1945 مما أدى إلى دمار هائل وفقدان العديد من الأرواح..

          كذلك لن ننسى الطَّاعون والإنفلونزا الإسبانيَّة،  وحديثاً كوفيد 19 الوباء الذي ذهب ضحيَّته عشرات الآلاف من الأشخاص.

هذه أمثلة فقط على الشعوب والمدن التي دُمرت على مر التاريخ. والتي أُهلِكَ أصحابها من جرَّاء الحروب والزلازل والبراكين والأوبئة وغيرها من الكوارث الطبيعيَّة. وما حدثَ بالأمس قد يحدثُ اليوم أو غداً, فقوانين الله ثابتة ثبوت الله جُلَّ اسمه.

وصاحب المنطق السليم والبصيرة النيِّرة لا بُدَّ أن يفترض وجود تأثيرٍ روحيّ يرتبط بالأحداث الحياتية، كإطارٍ يفسِّر الأحداث والظروف الصعبة التي يمرُّ بها الفرد أو المجتمع على حدٍّ سواء، أكانت إيجابية أو سلبية، ويعتبر أنَّ مردَّ كلُّ هذه المآسي والآلام يعود الى قانون السببيَّة الروحيَّة والجزاء العادل، أما قال الله تعالى في كتابه الكريم: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8](12). هذا هو قانون العدالة الإلهيَّة، الذي وضعه الله للسموات والأكوان، أصل كلِّ معرفة وقوَّة ومحبَّة، لعوالم الأرواح وعوالم المادَّة، ولكلِّ ذي نسمة، معروفها ومجهولها..

من أُتيحَ له مُطالعة الكتُبِ المُقدَّسة بوعيٍ ونُضجٍ فكري، مُعتمداً على ما أولاه إيَّاه الله من بصيرة في تحليل الأمور واستنتاجاتها، مُحرِّراً ذاته من تبعيَّةٍ بغيضة تُضعفُ شخصيَّته، وتُحدُّ من زيادة إدراكه ومعرفتة الحقائق الروحيَّة،. وبعيداً عمَّا تعتمر به نفوس الأكثريَّة الساحقة من عصبيَّة دينيَّة أو مذهبيَّة، ينتجُ عنها تشويش في المفاهيم وضبابيَّة في الرؤية، وما يترتَّب عليها من مسؤوليَّة على الصعيدين الشخصي والمُجتمعي، وتفاعلاتٍ سلبيَّة مع مجريات الحياة، اتَّضحَ له أنَّ الديانات السماويَّة جميعها ألمحت الى قيام الساعة، وإن أعطت علاماتٌ للدلالة عليها، إلاَّ أنَّها لم تُشر الى وقتٍ معلومٍ أو محدود.

من أُتيحَ له قراءة الماضي البعيد والقريب، ورَدَ أنَّ الأساس في الذات الإنسانيَّة ينطوي على أعراضٍ تقاوم سنن التبدّل والتغيّر الاجتماعي و تنحاز لموروثها الحضاري باعتباره موروثٌ مقدَّس. ومن تسنَّى له العيش بين سطور الحاضر المُتغيِّر من بداءَةٍ وحضارة، وما بينهما من ضغطِ عوامل التقليد المتراكم والتطوُّر السريع، عَلِمَ ميل هذه الذات إلى تجديد محتواها عبر الاندفاع المفاجئ والانفجاري، والتي تشكّلُ مفصلاً أساسيَّاً في الثبات والتحوُّل، وما يترتَّبُ عليها من إضطراب ذهنيّ ونفسيّ. لا بُدَّ له من رؤية المستقبل القاتم الآتي بما فيه من بلبلةٍ نفسيٍّة واجتماعيّة، وابتعادٌ عن الخطِّ السَوي، واضطرابٌ عقليّ وشذوذٌ في السلوك والميول وارتكابُ المعاصي والسيِّئات، وكأنَّه المسمار الأخير في نعش البشريَّة جمعاء لِما فيه من عمليَّة تفكُّكيَّة لشخصيَّة الإنسان الكاملة، والعالم على حافة الإنهيار يواجه مصيراً مُشتركاً.

من أتيحَ له حضور إحدى الجلسات الروحيَّة، أو سمِعَ ممَّن أنعم الله عليه بإحداها، أو حتى تسنَّى له قراءة ما ورد فيها على لسان ممَّن شاهدها وكتبها، فقد أدرك ما وصلت إليه البشريَّة من إنحطاطٍ خُلُقي، لطالما ردَّده الوحي الإلهي في رسائله الروحيَّة بأن الأرضَ فسُدَت، وطغت عليها الآثام الجسام، والعالم مملوء بالشرور، مُشبَّعٌ بالفجور، زخَّارٌ بالجرائم، واستسهلت النفوس الإندماج بالآفات وارتكاب المُحرَّمات، والقيم الروحية تلاشت, فما عاد يؤمن بها أحد، وما عادت الفضيلة لتزور ربوعه، فأصبح عالم الأرض كالجحيم الدائم التأجج والتوهّج، فحقَّ عليهم غضبُ الرَّبْ.

من أتيح له مُحاكاة النبي الحبيب الهادي، وسماع كلماته، أو قراءتها في كتاباته المُوحاة، أيقن بأن ساعة الفناء هي أقرب إلينا من حبل الوريد، ما دامت شياطين الأطماع تقطن في نفوسنا، وتمتزج في عقولنا. وأسرع ممَّا نتصوَّر، ما زال الظُّلم يعشِّشُ في صدورنا، ويكمن في شغاف أرواحنا، وعدالة السماء التي تُمهل ولا تُهمل ستُدمِّر معالم الحضارة البشريَّة وتُردِّمها ما لم نرعوِ عن الغي والفجور الذي تأصَّل في النفوس، وستُدَكُّ صروحها حتى يُصبحُ عاليها سافلها، وتنهار شوامخها وأبنيتها، وتُهلكَ كلِّ حيٍّ جزاءً وفاقاً على ما اقترفته البشريَّة من فسقٍ ودنسٍ قذرين.

من تمعَّنَ في قراءة الفكر الداهشيَّ، فهم النظرة الداهشيَّة الى أنَّ التكوين البشريّ الأخير ال760 (13)، حدث بعد عدّة قرون من فناء قارة الأطلنتيد والتي بلغت فيها حضارة التكوين السابق أوجها. مما يدلّ على تدمير الأرض مراراً وتكراراً. وليس اليوم أفضل من الأمس. فالأرض التي مُلئت ضجيجاً ستعيش الصَّمت، بعد أن تفشَّت الرذيلة في أرجاءها، والفسق والفجور قد ازداد اضعافاً مُضاعفة عمَّا رُوي عن حضاراتٍ واندثارها. ووصايا الله العشر التي نادى بها على لسان الرُّسل والأنبياء أساساً للخلاص من عالم الأرض، ضُرِبَ بها عرض الحائط، وما عادت تعني الكثيرَ للكثيرِ من البشريَّة الساحقة، أضف إليها فرض بعض المجتمعات القويَّة الشذوذ الجنسيّ على المُجتمعات الضعيفة والترويج لها وتدريسها بين المراهقين والقصَّر وحتى بين الأطفال بحجّة الحريَّات والمساواة وحقوق الإنسان، غير آبهين لمخاطره وما ينتجُ عنه من سلبياتٍ في العقلِ والمنطقِ، كذلك من أزماتٍ نفسيَّة وتفكُكٍ أسريّ، ناسين أو مُتناسين أن هذا الشذوذ كان السببُ الأساس وراء تدمير سدوم وعامورة(14).

قال الله عزَّ وجَلّ في كتابه الكريم: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (القصص 59)(15).

ومن أنعش الله له ذاكرةً رَسَخَ فيها من أقوال الحبيب الهادي كلماتٌ لا تُمحوها الأيّام، تدلُّ على أنَّ الرسالة الداهشيَّة هي آخر الرسالات الروحيَّة للدورة الحالية(21)، وهي بدايةٌ لمرحلةٍ جديدة. وهذا ما معناه بأن تدمير العالم أصبح على قاب قوسين أو أدنى. ومن يَعي الحقائق الروحيَّة، ويُدرك حقيقة العالم والإنسان، وفهم الدين والوجود، يستشفُّ المسؤوليَّة الكبيرة المُلقاة على عاتق الداهشيِّين والداهشيَّات بإنقاذ أنفسهم وإنقاذ الإنسان ومصيره والعالم ومن فيه من كوارثٍ حتميَّة ودمارٍ شامل، وذلك بالعمل على نشر تعاليم السماء ووصاياها بين الناس، والإلتزام بها إلتزاماً لا ريبَ فيه، والتخلّي عن أنانيَّتنا وغرورنا بإشتهاء ما للغير على إختلافه، كما بإتِّخاذ القرارات الصحيحة بتحديد الهدف من الحياة على أن يكون الله غايتنا وليس حاجتنا، فنكونُ قدوةً ومثلاً للآخرين بالسير في طريق الإرتقاء الروحيّ ومعراجه، ونكونُ سترة النجاة التي تقيهم شرَّ التحدِّيات التي تواجه البشريَّة.

وإنقاذ الذات لا يكون إلاَّ بالإسراع الى الأخلاق، وليس بممارسة طقوسٍ واحتفالات، وإنَّما بالعمل الجاد والمُجدي في التغلُّب على النَّفس الأمّارة بالسوء، وإصلاح عيوبها ونقائصها، واتِّباع القيم الروحيَّة في التصرُّفات والقرارات، وصلاة داهش ليست كلمات تردِّدها في اوقات حاجة. هي دستور الخلاص من عوالم المادَّة في الخشوع الكُلّيّ لربِّ السماء، والإتِّكال عليه، والتزام تعاليمه ووصاياه، واحتقار الرغبات الأرضيَّة، ونبذ الدنيويَّات، والعطف على البؤساء والسير في طريق الحقِّ والنور واليقين. هي إرادة الله المُوحاة لرسله ولأنبيائه مُتمثِّلةً بمجموعة قوانين أساسيَّة تنطلق بها لعوالم السعادة والبهاء، هي ناموسٌ ونظامٌ إلهيّ سنَّه الله طريقاً للحبِّ الإلهيّ ونوراً سماويّ، يحضُّ على الخير والفضيلة مُرتقِيًا بالإنسان إلى مُستوًى روحيٍّ أعلى ويُدخلهم فراديس النعيم. وكما أنَّ الحديثُ عن العدالة لا يُحقِّق العدالة، كذلك الكلام في الأخلاق لا يرتقي بالنَّفس، فالعمل ثمَّ العمل ثمَّ العمل، بالتزام المُثُلُ العليا، التي هو عربون الوفاء لإبن السماء والسبيل الوحيد للعفو الإلهيّ. أما قال الله تعالى:” إعملوا فسيرى الله عملكم والمؤمنون”.

من أنار الله بصيرته، وآمن بالرسالة الداهشيَّة الحبيبة وتعاليم مؤسِّسها، أدرك أنَّ البشريَّة جمعاء وكائناتها على اختلاف أشكالها وانتماءاتها تعود الى أصلٍ روحيٍّ واحد، أما ورد في حديثٍ شريف:” الخلق كلُّهم عيال الله، وأحبَّهم الى الله أنفعهم لعياله “.  ممَّا يعني أنَّ الإنسانُ أخُ الإنسان. وعليه، يكون إنقاذ البشريَّة لا يقلُّ شأناً عن إنقاذ الذات، يقول الدكتور داهش:”من العار أَن تموتَ قبل أَن تقومَ بأَعمال الخَير نحو الإنسانيَّة “(18). والإنسانيَّة ليست دين، هي المحبَّة، بل حقيقة الوجود، لا تتمّ إلاَّ ببذل الذات من أجل مساعدة الآخر على النهوض لتبقى الإنسانيَّة.

لا يدركَ النورُ الا النورَ، فالداهشي المؤمن المسؤول هو الذي يستمدُ من نورِ الحبيب نوراً يُبدِّدُ فيه ظلمات الديجور، ونور النبيِّ الهادي ساطعٌ سطوع الشمس الروحيَّة، هو السيَّال العشرين، بملء إرادته هبط لإنقاذ السيَّالات العاصية والمتمرِّدة على المشيئة الإلهيَّة، ورغم علمه المُسبق بما سيقاسيه ويعانيه من مآسٍ وإضطهادات، ومرور أزمانٍ وعصورٍ قبل العودة ثانية الى عوالمه الروحيَّة المجيدة، واندماجه بالآبِ السماويّ ومنه الإندماج بالعزَّة الإلهيَّة.

والدكتور داهش قدوة الداهشيّ المؤمن المُخلص، ردَّدَ مراراً وتكراراً:” بشروا في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها “. وبناءً عليه، فالداهشيّ لا يتقاعس عن نشرِ تعاليم السماء ومبادئها وزرع بذور المحبَّة والحقِّ والجمال في أصقاع الأرض وفي الكون أيضاً، حاملاً مشعلاً منيراً، وكُتُبَ هداية، وكلمةَ حقٍّ، وسيرةً ناصعة البياض، ولا يُحجمُ عن تحمُّلَ مسؤوليَّتة،  وتكبُّد المشقَّة والألم في سبيل ذلك، وربَّما المُخاطرة. علَّه يكون قد قام بواجبه المُقدَّس، فيَفيدُ ويستفيد. ونتيجة ذلك قد يكون إيمان العديد بالرسالة الداهشيَّة ومبادئها، وترفُّع البعض عن الدنيويَّات ومُغريات الحياة، وعودة البعض الآخر من طريق الرذيلة، تأجيلاً أو حتى إنقاذاً للإنسان ومصيره من الدمار الشامل.

عندما زار ملائكة الله النبي إبراهيم ليخبراه بمصير قوم لوط، قال:” هل تُهلكون قرية فيها 200 مؤمن؟ قالوا: لا، قال: 100، قالوا: لا، قال: 14، قالوا: لا، قال: فمؤمن واحد، قالوا: لا، قال: إنّ فيها لوطًا { وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (32). قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ}.

والنُّورُ يفضحُ الظلام، والحقُّ يُدحض الباطل، وما التكاثر الذي طُلِب من نبي الله نوح لفرز السيَّالات إلاَّ كنشر كلمة النبي الحبيب الهادي وتحمُّل مشقَّات الجهاد والتمسُّك بعُرى الأخلاق الرفيعة والتغلُّب على مُغريات الحياة لفرز المؤمنين من قطيع هؤلاء البشر الأردياء،.. ونشرُ التعاليم الإلهيَّة وروح الإنسانيَّة الصادقة في المُجتمعات ، بعيداً عن الأنانيَّة الصرفة، وتسلُّط القويّ على الضعيف بحججٍ واهية، هدفها الإستعباد. تساعد في تعزيز الوعي حول القيم الروحيَّة والمسلكيَّة وبناء مُجتمعٍ أفضل… الوقتُ قصير والعمل كثير،  والعمل على نشر الرسالة الداهشيَّة الحبيبة هو بوَّابة الخلاص لثورة الجحيم التي لا تُبقي ولا تُذر..

يقول الدكتور غازي براكس:” ليس إلاَّ الراقون روحيًّا يُقدِمون على اعتناق الحقائق الجديدة دونما تهيُّب، في حين أَنَّ مُعظمَ الناس يجبنون ويُحجِمون عن تغيير ما نشأُوا عليه من أَفكارٍ ومُعتقدات تسلَّموها من أَسلافهم، لأنَّ ذلك التغييرَ يتطلَّبُ شجاعةً ومُواجهةً(20).

بيروت في 3 تشرين أول 2023

حسين يونس

المراجع:

  • العهد القديم، الكتاب المقدَّس، سفر يشوع، هذه الأحداث تعتبر جزءًا من تاريخ الهجرة الكبرى لبني إسرائيل إلى أرض كنعان والتي تمثل حدثًا مهمًا في الكتاب المقدس والتاريخ الديني.
  • العهد القديم، الكتاب المقدَّس، (سفر التكوين 6: 5-13) “وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ. فَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ، الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ». وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. هذِهِ مَوَالِيدُ نُوحٍ: كَانَ نُوحٌ رَجُلًا بَارًّا كَامِلًا فِي أَجْيَالِهِ. وَسَارَ نُوحٌ مَعَ اللهِ. وَوَلَدَ نُوحٌ ثَلاَثَةَ بَنِينَ: سَامًا، وَحَامًا، وَيَافَثَ. وَفَسَدَتِ الأَرْضُ أَمَامَ اللهِ، وَامْتَلأَتِ الأَرْضُ ظُلْمًا. وَرَأَى اللهُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ قَدْ فَسَدَتْ، إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى الأَرْضِ. فَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «نِهَايَةُ كُلِّ بَشَرٍ قَدْ أَتَتْ أَمَامِي، لأَنَّ الأَرْضَ امْتَلأَتْ ظُلْمًا مِنْهُمْ. فَهَا أَنَا مُهْلِكُهُمْ مَعَ الأَرْضِ.” (تك 6: 5-13).
  • القرآن الكريم، فإن عادا قوم من العرب العاربة كانوا من أقوى الأمم في عصرهم فطغوا وتجبروا وعبدوا الأصنام، وفيهم يقول الله تعالى: فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ {فصلت:16،15}.

قوم ثمود هم قوم ورد ذكرهم في القرآن، وكانوا ينحتون الجبال لتكون بيوتًا لهم، ويتخذون من سهولها قصورًا لهم، وقد ورد اسم ثمود في نصوص الآشوريين في إحدى معارك سرجون الثاني؛ انتهت بانتصار آشور وإخضاع الثموديين.

وقوم ثمود من العرب البائدة، وهم قوم أرسل الله إليهم صالحًا عليه السلام نبيًّا ورسولًا منهم، يدعوهم لعبادة الله وحده وترك عبادة الأوثان، فاستجابوا لدعوة نبي الله صالح، ثم ارتد أكثرهم عن دينهم وعقروا الناقة التي أرسلها الله لهم آية، وتحدَّوا صالحًا أن يأتيهم بالعذاب، ودبر تسعة منهم مكيدة لقتل صالح وأهله، فأهلك الله الذين ظلموا من قوم ثمود ونجَّي صالحًا والمؤمنين.

إرَم ذات العماد مُختلف فيها أهي مدينة؟ أم قبيلة؟، للآية القرآنية  الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ،   فسر بعضهم هذه الآية بأن المقصود هو قبيلة أرم هم الذين لم يخلق مثلهم كبشر في الضخامة والقوة، بينما فسرها بعضهم بأن المقصود مدينة تسمى أرم هي التي لم يخلق مثلها، ذكرت في سورة الفجر في القرآن.

 

  • أطْلَنْتِس (باليونانية، ἀτλαντὶς νῆσος) أو أطلانطس أو جزيرة أطلس ،ذكرها أفلاطون في محاورتين مسجلتين له، طيمايوس وكريتياس وتحكي عن ما حدثه جده سولون عن رحلته إلى مصر ولقاءه مع الكهنة هناك وحديثهم عن القارة الأطلسية التي حكمت العالم.
  • بومبي (بالإيطالية: Pompeii)‏ أو پُمْپِيِي هي مدينة رومانية كان يعيش فيها حوالي عشرون ألف نسمة، واليوم لم يبق من المدينة إلا آثارها القديمة. تقع المدينة على سفح جبل بركان فيزوف الذي يرتفع 1,200 متراً عن سطح البحر، بالقرب من خليج نابولي في إيطاليا. ثار البركان ثوراناً هائلاً مدمراً عام 79 م ودمر مدينتي بومبي وهركولانيوم. طمر البركان المدينة بالرماد لمدة 1,600 سنة حتى تم اكتشافها في القرن الثامن عشر.
  • زلزال سان فرانسيسكو 1906 كان أحد الزلازل الكبرى التي ضربت مدينة سان فرانسيسكو وساحل شمال كاليفورنيا في الساعة 5:12 من صباح يوم الأربعاء 18 أبريل، 1906. قدرت شدة الزلزال بمقدار 7.9 درجة على مقياس درجة العزم، إلا أن بعض المصادر الأخرى تشير إلى أنه قد يصل إلى 8.25 درجة.
  • حدث زلزال وتسونامي المحيط الهندي لعام 2004 (المعروف أيضًا بتسونامي يوم الملاكمة، والمعروف في المجتمع العلمي بـزلزال سومطرة-أندامان) في الساعة 07:58:53 بالتوقيت المحلي (ت ع م+7) في 26 ديسمبر، وكان مركزه السطحي قبالة الساحل الغربي لشمال سومطرة في إندونيسيا. كان زلزال دفع هائل تحت سطح البحر سجلت قوته 9.1-9.3 على مقياس درجة العزم، ووصلت حتى تسع درجات على مقياس ميركالي المعدل في مناطق معينة. نتج الزلزال عن تصدع على طول الفالق بين صفيحة بورما والصفيحة الهندية.
  • حدث زلزال كشمير سنة 2005 في الساعة 08:50:39 بتوقيت باكستان في 8 أكتوبر 2005 في إقليم آزاد كشمير شمال باكستان. وصلت حدة الزلزال لـ7.8 درجات على مقياس ريختر. وصل تأثير الزلزال لباكستان وأفغانستان والهند.
  • زلزال قهرمان مرعش 2023 أو زلزالا تركيا وسوريا 2023 أو زلزالا جنوب تركيا 2023 أو زلزال غازي عنتاب 2023، زلزالان ضربا جنوب تركيا، وقع الأول في الساعة 4:17 صباحًا بالتوقيت المحلي (1:17 صباحاً بالتوقيت العالمي المنسق) يوم 6 فبراير 2023. وبلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، وكان مركزه السطحي غرب مدينة غازي عنتاب. امتدَّ أثره إلى سوريا أيضًا نظراً لقرب مركزه من الحدود السورية التركية. ويُعدُّ هذا الزلزال من أقوى الزلازل في تاريخ تركيا وسوريا. بعد مرور تسع ساعات وتحديدًا في الساعة 13:24 ظهرًا بالتوقيت المحلي (10:24 بالتوقيت العالمي المنسق) وقع زلزال آخر بقوة 7.5 درجات على مقياس ريختر بمنطقة إيكين أوزو بالقربِ من مدينة مرعش. بلغ عدد ضحايا هذين الزلزالين في تركيا وسوريا حسب تقديرات أولية أكثر من 51000 قتيلاً و 120000 مصابًا، وخلّفا أضرارًا مادية جسيمة في كِلا البلدين.
  • الحرب العالمية الأولى هي حرب عالمية نشبت بدايةً في أوروبا من 28 يوليو 1914 وانتهت في 11 نوفمبر 1918. وُصِفتْ وقت حدوثها بـ«الحرب التي ستنهي كل الحروب». جُمِعَ لها أكثر من سبعين مليون فرد عسكري، 60 مليون منهم أوربِّيين.
  • الحرب العالمية الثانية هي حرب دولية بدأت في الأول من سبتمبر من عام 1939 في أوروبا وانتهت في الثاني من سبتمبر عام 1945، شاركت فيها أو تأثرت بها الغالبية العظمى من دول العالم منها الدول العظمى في حلفين عسكريين متنازعين هما: قوات الحلفاء ودول المحور، كما أنها الحرب الأوسع في التاريخ، وشارك فيها بصورة مباشرة أكثر من 100 مليون شخص من أكثر من 30 بلدًا، وقد وضعت الدول الرئيسية كافة قدراتها العسكرية والاقتصادية والصناعية والعلمية في خدمة المجهود الحربي. أدت الحرب العالمية الثانية إلى عدد كبير من القتلى المدنيين، لعبت الطائرات دورًا رئيسيًا في الصراع، حيث مكّنت القصف الاستراتيجي للمراكز السكنية الذي أودى بحياة حوالي مليون شخص، ومنه القنبلتان الذريتان اللتان ألقيتا على هيروشيما وناغازاكي، أدت الحرب إلى وقوع ما بين 50 و85 مليون قتيل حسب التقديرات؛ غالبيتهم من المدنيين.
  • القرآن الكريم،[الزلزلة: 7، 8].
  • رسالة الأب نوح الروحيَّة.
  • تُروي قصة عقاب سدوم وعمورة في سفر التكوين 18–19. أتى ثلاثة رجال إلى إبراهيم في سهول مامري. بعدما استضافهما إبراهيم وسارة، أوحى الله إلى إبراهيم أنه سيؤكد له ما سمعه عن سدوم وعمورة لأن ذنبهم عظيم. ذهب الملكان إلى سدوم، ثم سأل إبراهيم الله ما إذا كان سيسفر عن المدينة إذا آمن منها خمسين شخصًا، فوافق الله على ذلك. توسل إبرهيم بعد ذلك إلى الله أن يرحمهم مرات عديدة.
  • القرآن الكريم، (القصص 59).
  • القرآن الكريم، التوبة (105).
  • حديث نبويّ، (( الخلقُ كُلُّهم عِيالُ الله عزَّ وجلَّ، فأَحَبُّ خلقِه إليه أنفعُهم لعِيالِه )) أخرجه البزار (2/398/ح1949 ـ كشف الأستار ـ)، والطبراني في “مكارم الأخلاق” (ح87).
  • كتاب كلمات للدكتور داهش، ص 170.
  • القرآن الكريم، سورة العنكبوت (32).
  • مجلّة صوت داهش، الرقيُّ الروحيُّ: معاييرُهُ وأبعادُه في مفهوم مُؤسِّس الداهشيَّة بقلَم الدكتور غازي براكْس.
  • تؤمن الداهشيّة بأنّ الأرض مرّت في أدوار تكوينيّة كثيرة كانت الحياة تندثر فيها لتعود فتنتشر مجدّدا .هذه الأدوار التكوينيّة الحضاريّة تبلغ ، حسب الوحي الروحيّ الداهشيّ ، 760 دورا استغرقت عشرات الملايين من السنين ، وهي الأدوار التي سبقت دورنا التكوينيّ الحاليّ الذي بدأ بنوح . كلّ دور ينتهي عادة بالوصول الى درجة عالية من التقدّم العلميّ والتكنولوجيّ ، وبظهور رسالة روحيّة جديدة تكون البداية لدور آخر . وآدم الذي يشير اليه سفر التكوين سبقته عشرات من تجسّداته في الأدوار التكوينيّة السابقة . والداهشيّون يؤمنون بأنّهم في ختام الدور الحاليّ ، وليس أدلّ على ذلك من تخزين أسلحة الابادة الشاملة .

 

بقلم حسين يونس

إقرأ أكثر
error: Content is protected !!