، إنَّ آثارنا تدلُّ علينا

أحبّ الكتب حبّ السُّكارى للخمر، لكني كلَّما أزددتُ منها شربا" زادتني صحوا"
الدكتور داهش

الدكتور داهش

حياة مؤسّس الرسالة الداهشيَّة

حياة الدكتور داهش

في القدس , مدينة الانبياء , ولد الدكتور داهش , في مطلع حزيران سنة 1909

والده موسى الياس اليشي (نسبة الى اليشع النبي) ,و والدته شموني ابنة حنا مراد كانون .عاشا , قبل زواجهما , في ما  بين النهرين , الاب في بلدة افسس , و الام في بلدة ازخ, و كانا ينتميان للطائفة السريانية , تلك الطائفة التي تتكلم الآرمية, لغة المسيح , حسب كثيرين من المؤرخين.

ثم اعتنق موسى البروتستنتية , و أنشأ مدرسة, في مسقط رأسه , انصرف فيه الى تعليم الناشئة بنفسه.

و كانت شموني احدى تلميذاته, فاجتذبت نظره باستقامتها و ذكائها ,فمال قلبه اليها, و اقترن بها بعد ان اعتنقت البروتستانتية بدورها.

      و تشاورا فيما يسميناه, فقرّ رأيهما على ان يفتح الوالد الكتاب المقدس , عفويا , ويضع اصبعه , دونما نظر , على احدى الصفحتين. و اذا بأنمله على عبارة وردت في العهد القديم:” فولدت ابنا , فدعاه سليمان, و أحبَّه الرب ” (سفر الملوك الثاني 12:24). فسميا طفلها سليمان , ثم خففا اسمه , فصار (سليم).

وما ان أخذ الصبي يدرج, حتى ترك والداه القدس الى حيفا. وعام 1911 انتقلا, مع أولادهما , الى بيروت, حيث سكنوا في حي المصيطبة, بملك جرجي ناصيف.

و في فلسطين , حُرِّف اسم العائلة من (اليشي) الى (العشي) مثلما يجري في كثير من الأسماء. وجرى هذا التحريف قبل ولادة الصبي.

وهكذا اصبحت الاسرة النازحة عربية اللسان, بروتستانتية المذهب, وبعد عشرة أعوام ستصبح لبنانية الجنسيَّة.

المعجزة الاولى: في المهد تكلم:

كان الطفل ما يزال في المهد , عندما اصابه مرض عضال . فقلق عليه والده الذي كان يعمل في مطبعة الجامعة الاميركية ببيروت, واتَّصل بطبيب اميركي اسمه الدكتور سميث.فحضر, و وجد الطفل في غيبوبة , فعالجه بالعقاقير حتى يستردّ وعيه , لكنه فشل. و اذ بدأ اليأس يتسرَّب الى نفس الام , و هم الطبيب بالإنصراف , نهض الطفل فجأة , و قد شُفي بصورة عجائبية , واخذ يتحدَّث الى الطبيب الاميركي , بالانكليزية بطلاقة عجيبة, ذاكرا له الدواء الذي كان عليه ان يعالجه به؛ علماً بأن الطفل ابن الاعوام الثلاثة لم يكن ليجيد الكلام حتى بالعربية. فكان عجب الطبيب أعظم من عجب والديه فسأل الطفل: ” ولكن كيف عرفت الداء والدواء؟” فأجابه:”أنا دواء كل داء.” فازدادت دهشة الطبيب ولكنه لم يفهم شيئاً من حقيقة الطفل, و راح يحدّث معارفه بما رأى و سمع.

تكلُّمه بالهندية:

حدثني رجال مسنُّون كانوا يعيشون , في محلة المصيطبة ببيروت , قبيل الحرب العالمية الاولى , و بينهم السيد انطوان بارود , انهم بينما كانوا واقفين في تلك المحلَّة يتحادثون , اذا برجل غريب يمرّ فيطرح عليهم اسئلة بلغة لم يفهموها , فيلتف الناس حوله , يحاولون التفاهم معه , دونما جدوى.

و اذا بصبي في حوالي الخامسة من عمره , يدخل بينهم , متقدما الى الرجل الغريب الزي و اللسان, و يروح يحدثه بطلاقة بالغة نفسها التي كان يتكلم بها. و تبدو علامات السرور على وجه الغريب, فيشكر الطفل ويمضي في سبيله, بينما تأخذ الدهشة الناس ؛ فيسألون الطفل  كيف استطاع ان يتفاهم معه, و بأية لغة؟

فيجيبهم: “إنه هندي ضلَّ الطريق,  فهديته اليها.”

فيقولون له مُتعجبين:

– كيف استطعت هدايته الى الطريق الصحيح وأنت ولد صغير تجهل الطرق

ولا تجيد الكلام حتى بالعربية؟

فيجيبهم:

انا الطريق, وانا الهداية.

و يسأل الناس المدهوشون الصبي عن اسمه , فيعرفون انه سليم العشي.

الصيد الاعجازي:

روى لي السيد انطوان بارود انه , بعيد الحرب العالمية الاولى , قصد شاطىء بيروت , صباحا , يبتغي صيد السمك . فأمضى ساعات و هو يلقي شبكته , في البحر , ثم يخرجها فارغة.

و فيما هو يهم بالعودة الى منزله , يائسا , اذا بصبي في حوالي الحادية عشرة من عمره ,يقفز على رمال الشاطىء متقدما اليه. فنصحه بأن يلقي شباكه في مكان عينه له , لكن الصيَّاد رفض , مؤكدا انه القى شباكه في المكان نفسه مرارا  , كما القى شِصَّه تكراراً,  و لم يظفر بشيء.

و اذ الح الصبي عليه, القى السيد بارود شِصَّه اولاً ثم شبكته, فكان الصيد وافراً. و اعاد الكرة ,مرارا , فكان يخرج بصيد وافر , كل مرة ,حتى استولت عليه الدهشة. وكان الصبي جاره في محلة المصيطبة, لكنه قلما كان يلتقيه. فتذكر اذ ذاك تكلمه بالهندية قبل بضع سنوات, وأخذ يتتبع اخباره باهتمام.

الشفاء العجائبي:

 

فيما كان المسيحيون من اهالي محلة المصيطبة يحتفلون بعيد مارالياس (ايليا النبي) سنة 1920 , اذا بأحد الصبية يذهب و يجيء بسرعة , على دراجة , بين الناس, في الشارع. و فجأة يحدث له اصطدام , فيسقط ارضا , و يجرح , وتصاب دراجته بالتواءات؛ فيأخذ بالعويل.

ويهرع الناس نحو الجريح وهو يبكي ويستغيث, فيُمرُّ يده عليه قائلا له:

– قم , و اذهب الى بيتك بسلامة. شفيت جروحك بإذن الله.

وكان شهود هذه الخارقة كثيرين , بينهم افراد من آل بارود وآل الاشقر وآل بيضا. وقد ظلوا يتحدثون بهم طويلاً وهم في حيرة وبلبلة من أمر القوة العجائبية التي يتمتع بها الفتى الذي يسكن حيَّهم.

اليتيم المعذب:

في 25 كانون الاول سنة 1920 , توفي والد الطفل المعجز, بعد ان اصيب بالسل, و اعيا داؤه الاطباء , فدفن في مصح هملن , في الشبانية (لبنان).

فوضع سليم و شقيقته الصغرى انتوانيت في مدرسة للأيتام تابعة للإرسالية الامريكية في غزير, احدى قرى لبنان.

لكن الصبي ساءت صحته , بعد مضي اشهر قليلة , فترك المدرسة , و كان اخر عهده بها.

و قد لازمه داء الربو حوالي ثلاث سنوات, حتى قارب الموت , لكن العناية الالهية انقذته و عافته.

و روى رفاقه ومعلموه ـــ منهم جورج شيخاني وحبيب كوراني ـــ معجزات و نبوءات كثيرة قام بها, في المدة القصيرة التي امضاها بينهم.

الفتى الشغوف بالمعرفة:

كان سليم شغوفا بالمعرفة ,لكن وضع اسرته الاقتصادي لم يسمح له بمتابعة دروسه في مدرسة كبيرة , و لا بإبتياع الكتب. فما ان تحسنت صحته مع بداية عام 1923 , حتى اخذ يستأجر الكتب من المكتبات ,فيطالعها و يطيل السهر عليها . فحصَّل مع الزمن معرفة واسعة شاملة بنفسه دونما استعانة بأحد. وفي 7/3/1923, حصل سليم على تذكرة هوية الجنسية اللبنانية, بعد ان حازتها والدته قبل عامين.

عينان تشعان نوراً:

ذات ليلة من عام 1923, اطال الفتى العجيب سهره , في منزل خالته بالقدس , وهو يطالع احد الكتب المقدسة. فما كان من خالته الامية الا ان اسرعت و اطفأت قنديل الكاز الذي يستضيء به, ودعته الى النوم , حرصا على صحته و على زيت الانارة.

امتثل الفتى لرغبتها .لكن , لم يمضي هزيع من الليل , حتى استيقظت الخالة , فرأت نورا يضيء زاوية الغرفة  , و الفتى جالس يقرأ. فنهضت مغضبة , و في نيتها اطفاء القنديل و إخفاؤه , و ايقظت زوجها , ليؤدبا معا الفتى العاصي.

لكنهما سرعان ما تسمرا في الارض مشدوهين , مذعورين , اذ كان القنديل غير مضاء , و نور ساطع غريب يشع من عيني الفتى العجيب.

لم يفهما من الامر شيئا , و لم يحصلا منه الا الخوف . فإتصلا , عند الصباح , ببعض رجال الدين المسيحيين ,و شرحا لهم ما حدث للفتى . فاكد رجال الدين لهما ان ” مساً شيطانياً ” قد اصابه , و ان الكتاب الذي يطالعه قد يكون تلَّبسَهُ روح شرير.

عادت المرأة و زوجها الى المنزل , و الفتى غائب , فبادرا الى الكتاب الذي كان يطالعه , و احرقاه في احدى زوايا المنزل.

و ما ان عاد الفتى حتى طالبهما بالكتاب , فأنكرا على ان يكونا على علم به . فتوجه غاضبا الى حيث الرماد , وضرب بيده عليها, فإذا  بالرماد يتكون كتابا كما كان.

و شاع الخبر في الجوار , زارعا في نفوس الناس الجاهلين الخوف من الفتى الخارق.

مشيه على  الماء:

بدءاً من سنة 1926 , اخذت عجائبه تتكاثر , ويزداد شهودها . و في عيد مارالياس , من هذا العام , صنع خوارق كثيرة امام جمع غفير , في بيروت, حتى اصبحت اخبار معجزاته موضوعا يوميا في احاديث الناس.

ثم انتقل الى بيت لحم .و ذات يوم , كانت ضفاف برك النبي سليمان التي تقوم قرب المدينة التي شهدت ولادة المسيح , تغص بالرواد و المتنزهين ,و فيهم كثيرون من السريان , بينهم السيد كوريه ملكي عبدالله. و كان الفتى المعجز حاضرا . فذكر احدهم مشي المسيح على الماء , فقال الفتى الخارق:

– ماذا تقولون عني ,اذا مشيت فوق ماء البحيرة ذهابا و ايابا؟

فإستعظموا الامر , و استبعدوه.

و على التو , بدأ يسير على صفحة الماء رويدا رويدا , كأنما يسير على الارض, حتى اجتاز البحيرة كلها , ثم عاد ادراجه الى نقطة انطلاقه.

و فحص الشهود المشدوهون الكثيرون حذاءه , فوجدوه غير مبلل, فإزداد عجبهم . و سأله كوريه عبدالله كيف حدث ذلك؟ فأجابه:

– انا اسير فوق المياه كما اسير على اليابسة.

الفتى المؤدب:

ما ان بلغ الفتى العجيب الرابعة عشرة من عمره , حتى اخذ يشفع خوارقه التي يصنعها , في مدن فلسطين , بتقريعه رجال الدين على انحرافهم  عن تعاليم المسيح, و اتجارهم بتعاليمه المقدسة , و بفضحه سلوكهم الشائن و اعمالهم الخفية المنكرة , داعيا الصبية الكثيرين الذين كانوا يلتفون حوله , الى عدم الانخداع بأقوالهم؛ حتى بلغ ذروة حملته عليهم , في بيت لحم , سنة 1927 , فضج الكهنة منه , واستعدوا عليه رجال الشرطة . و كان رجال الدين يتهددونه في كنائس بيت لحم , و يتوعدون كل من يتردد اليه, محذرين الشعب منه . لكن خوارقه كانت تزداد, و نفوذه في الناس كان يتعاظم , على صغر سنه ,لان الله ايده بسلطانه.

داهش الناس:

 

ما ان ناهز الفتى الخارق العشرين من عمره , حتى اخذ يلتف حوله عدد من المثقفين الفلسطينيين ممن مالت قلوبهم الى الامور الروحية, فتتلمذوا له .     و كان بينهم الشاعر مطلق عيد الخالق , و الوجيه توفيق العسراوي.

و ذات يوم من سنة 1929 , ألهم الفتى العجيب بأنه يجب ان يغير اسمه ,    و يتخذ اسما  روحيا , و بانه سيعطى الاسم الجديد عن طريق القرعة.فأخبر تلاميذه بذلك , فعمدوا الى  كتابة اسماء كثيرة , على قصاصات من الورق  , ثم طووها و خلطوها . و اختار (سليم)واحدة منها , فإذا فيه اسم(داهش). لقد اراد الله ان يعرف رسوله , من بعد بهذا الاسم الروحي , و به تشيع عجائبه بين الشعوب , ليكون داهش الناس . ورافقه لقب “دكتور” مثلما رافق لقب “الحكيم” سليمان النبي. وبذلك تحققت نبوءة أشعيا النبي القائل:” لأنه قد ولد لنا ولد, اعطيَ لنا ابن, فوضعت السيادة على عاتقه, وسيلقب بالعجيب المشير [ داهش الحكيم ], جبار الله, الأب الأبدي , أمير السلام.”(أشعيا6:9).

معجزة يونان النبي:

بعد ان اتسعت شهرة داهش , و تناهت اخبار معجزاته الى المحافل العلمية في باريس , ارسلت اليه جمعية المباحث النفسية الفرنيسة تستضيفه على نفقتها. فسافر اليها برفقة شقيقته انتوانيت, وذلك على يقينه ان تلك الجمعية وغيرها مما يماثلها بعيدة عن فهم الحقائق الروحية بعد السماء عن الارض.

و اذ طُلب  اليه  ان يُري المجتمعين معجزة من معجزاته , اجابهم انه سيريهم اية يونان النبي.

فطلب ان يوضع في صندوق حديدي , و يحكم اغلاقه , و يدفن في قعر نهر السين , سبعة ايام , تحت الحراسة المشددة .

اجفل المجتمعون , اولا , لخطورة العرض , لكنهم عادوا فقبلوا , عندما كتب لهم اقرارا عن عاقبة طلبه.

و بعد ان فحصته لجنة طبية ,استحضروا صندوقاً حديدياً, ونزلوه فيه, واغلقوه عليه اغلاقاً محكماً , ثم اسقطوا الصندوق الى قعر نهر السين.

و بعد مضي سبعة ايام , و امام 150  شاهدا من المهتمين بالامور النفسية , رفع الصندوق , وفتح .و اذا بالجثمان الساجي يتحرك , و بالوجه الواجم يبتسم.

بعد هذه المعجزة المذهلة , منح داهش شهادة العلوم النفسية من قبل ” الجمعية النفسية الدولية” Société Psychique Internationale  بتاريخ 6 ايار 1930 , ثم شهادة الدكتوراه من قبل ” معهد ساج” Sage Institute الأميركي في باريس, بتاريخ 22 ايار 1930.

بدأ الدكتور داهش بتدوين افكاره و عواطفه من سنة 1927 ,حتى اذا بلغ اواسط العام 1933 , قد انهى تأليف كتابه الاول”اسرار الآلهة”بجزءين, وقبل تمام العام نفسه, انجز كتابه الثاني “قيثارة الألهة” بجزءين, فالثالث “ضجعة الموت”.

و مابين 1933 و 1950 توالت مؤلفاته حسب الترتيب التاريخي التالي: القلب المحطم, الالهات الست, كلمات, جحيم الذكريات, الدهاليز, النعيم, الجحيم, بروق و رعود, عواطف و عواصف, مذكرات يسوع الناصري, نشيد الانشاد,ناقوس الاحزان او مراثي إرميا,عشتروت و أدونيس,نبال و نصال, من وحي السجن و التجريد و النفي و التشريد, اوهام سرابية و تخيلات ترابية,الحمامة الذبيحة او شهيدة الداهشية الاولى ماجدا حداد, ابتهالات خشوعية,مذكرات دينار.

و بين 1950 و 1983 ألّف الدكتور داهش عشرات الكتب الاخرى التي تضم , في ما تضم, مجموعة”قصص غريبة و اساطير عجيبة” بأربعة اجزاء, و سلسلة “حدائق الآلهة” و “فراديس الإلاهات”في عشرين جزءاً, وسلسلة”الرحلات الداهشية حول الكرة الارضية” في اثنين و عشرين جزاً, بحيث أربت مؤلفاته على المئة و الخمسين.

و قد خاض الدكتور داهش معظم الميادين الادبية, و جلّى فيها.

الرسالة الالهية:

إن المعجزات التي صنعها الدكتور داهش لم تكن غاية بحدّ ذاتها, بل وسيلة, و بكلمة اصح شهادة على صحة الرسالة الالهية التي كان الدكتور داهش يشعر بإرهاصاتها, و يرتقب بشوق عظيم ان يحققها الله على يديه, منذ حداثته, حتى اذا ما بلغ السابعة و العشرين, سنة 1936, سجل في كتابه”كلمات ” شعوره قائلاً:

” اشعر بأني احوي في اعماقي قوى روحية خفية هائلة تود الانطلاق, لتقوم بعمل خطير عظيم, و لكنني أكبتها الى اجلٍ معلوم. و لن يمضي غير قليل حتى تتفجَّر ينابيعها, و تجتاح في طريقها كل ما يعترضها من حواجز و عقبات, ثم تبرز للعيان جلية, واضحة, لا لبس فيها و لا غموض”

و ما ان انقضى العام المذكور حتى اثبت الدكتور داهش في كلمة استقباله للعام التالي هذا القسم العظيم:

” اقسم بك يا خالقي, انه لو وجد ملايين

من الاغبياء المارقين, او الخونة المماذقين,

و ملأوا طروس الارض,

لا, بل لو نقشوا حجارة هذا الكون بأسره , قائلين:

“ان رسالتي هذه غير صادقة”,

لمشيت رافع الرأس, موفور الكرامة.

و سأبقى على تبشيري و إذاعة رسالتي,

حتى تعمُّ الارض , و تنتشر في السماء ايضا.

و لن تثنيني البرايا بأسرها عن أدائها , يا الله,

ما دمت انت تمدُّني بقوتك الالهية.

و هذه يميني, يا خالقي ,

ارفعها لك من اعماق قلبي

الذي لا يخفق إلاّ بذكر اسمك القدوس,

برهبة و خشوع كليّين”

و كان على الارض ان تنتظر حتى 23 آذار 1942, لتشهد تمام الحدث الجلل, اذ إن الارواح العلوية تنزلت,في هذا اليوم, على الدكتور داهش ,بحضور المؤمن الاول الاديب يوسف الحاج, معلنة قيام الرسالة الداهشية, و بدء التاريخ الداهشي في العالم, و ذلك في اول جلسة روحية عقدها مؤسس الداهشية.

إضهاد مؤسس الداهشية و اتباعه:

بعد إعتناق الاديب يوسف الحاج الداهشية, تتابع المؤمنون بها من رجال الادب و العلم,

و اعيان المجتمع. و كان بينهم رئيسة نقابة الفنانين , الاديبة ماري حداد , شقيقة زوجة رئيس الجمهورية اللبنانية الاسبق بشارة الخوري, فآمنت هي و زوجها و افراد عائلتها , بعد معاينتهم معجزاته الدامغة.

إزاء هذا المد الايماني الجديد يغزو المجتمع اللبناني , في مختلف طوائفه , موحدا بينها ,مزلزلا اوهامها و تقاليدها البالية, محدثا ضجة مدوية في الصحافة اللبنانية و العربية , خاف ذوو ماري حداد و انسباؤهاـــ و لا سيما شقيقتها لور و شقيقها ميشال شيحا ـــ ان يضعف في لبنان نفوذ الكثلكة التي كانوا يتعصبون لها, فأخذوا ينسجون المؤامرات على رجل الروح , متعاونين مع رئيس الدولة بشارة الخوري وزبانيته و المتواطئين معه من رجال الدين , مهدمين بذلك كل الشعب اللبناني بوحدة اجتماعية روحية.

حاولوا, اولا ,اقناع ماري حداد بالتخلي عن عقيدتها الجديدة, لكن مساعيهم تحطمت على صخرة إيمانها الوطيد.

إذ ذاك , حاولت السلطات احالة رجل الروح على المحاكمة , بتهم راحت تدبر من يفتريها عليه . ففشلت فشلا ذريعا , المدعي العام المركزي الاستاذ ديمتري الحايك الذي كلفه رئيس الدولة بهذه المهمة فضّل ان يقال على ان يصدر اتهاما بحق الدكتور داهش , و آمن برسالته السماوية.

حينئذ , عمدت السلطات الى استمالة النواب بمختلف الاساليب الترغيبية و الترهيبية, ليقروا مشروع قانون يمنع ” مناجاة الارواح”, و بالتالي يمنع الدكتور داهش من ممارسة نشاطه , و اجتراح معجزاته, ذلك مع العلم بأن معجزات داهش لا علاقة لها ” بمناجاة الارواح”؛ غير ان السلطة الغاشمة , آنئذ ٍ, اصرت على تسمية ” الجلسات الروحية الداهشية ” بـ ” بمناجاة الارواح” لتتسنى لها ذريعة لملاحقة رجل الروح البريء. لكن المشروع سقط , ايضا. عندئذ , نشطت السلطات, بالتعاون مع رجال الدين المسيحي , الى تشويه سمعة رجل الروح الطاهر بتلفيق الشائعات و الإفتراءات الخسيسة عليه, و تذييعها بين الناس, في الكنائس, و المدارس , و الصحف . و منع الداهشيون من الرد على تلك الحملات من الاكاذيب الدنيئة.

اخيرا , لجأت السلطات الى اساليبها الجحيمية لمحاربة رجل الله , فألقت القبض عليه في 28 آب 1944 , و دونما محاكمة , زجت به في السجن. ثم ما لبثت ان سجنت الداهشيين البارزين , تباعا , و بينهم الاديبة ماري حداد نفسها دونما محاكمة ايضا.

و في 9 ايلول 1944 , نفت السلطات مؤسس الداهشية الى خارج الحدود اللبنانية , بعد ان جردته من جنسيته اللبنانية بطريقة تعسفية خرقت بها الدستور , وبعد ان سامته من الجلد و العذاب و الاهانة الوانا. ثم ابعد, بتواطؤ بين بشارة الخوري و محافظ حلب , الى الحدود التركية.

و هكذا , شرد رجل الروح , و رمي في بحار الاخطار تتقاذفه امواجها , من دون ان يعلو, في لبنان, صوت واحد يدافع عنه, من نائب او صحافي او قاضٍ او مواطنٍ عادي.

وحدها اصوات من وراء البحار , من اميركا الجنوبية كانت تسمع غاضبة, و كان اعلاها و اجرأها صوت الاديب جبران مسوح , صاحب مجلة ” المختصر”, الصادرة في بونس ايرس(الارجنتين). ومما قاله في حملته على مضطهدي الداهشية التي إمتدت نحو سنتين :

” جميع اعداء داهش سوف ينكسرون, و احط ما في انكسارهم هذا انهم سوف يحملونه الى قبورهم, لان هذه الجريمة لا تتلاشى في الهواء, و لا تذوب عناصرها في الفضاء.

فهي ترافق مرتكبيها, ملتصقة بهم , مندمجة بخلاياهم . فتذكر كلما ذكروا, و يذكرون كلما ذكرت. فهم و هي عظة و ذكرة لكل الاجيال القادمة”

رجل الروح يؤدب و ينذر متنبئاً:

بعد مضي شهر واحد على نفي مؤسس الداهشية , تمكن رجل الروح من العودة سراً الى لبنان في 9/10/1944. و من عرينه , ورغم انوف الالوف ممن يترصدونه , نجح في شن حملة إعلامية رهيبة , لم تعرف الارض مثيلها, ضد الطغاة و زبانيتهم. فوضع و وزع على نطاق واسع , 66 كتابا اسود , و 165 منشورا تناولت رجال الحكم و الدين ممن تآمروا عليه , ففضحت مخازيهم و قبائحم , و هتكت اسرارهم و مؤامراتهم على الشعب وجعلتهم مضغة في افواه الدبلوماسيين الاجانب و رؤساء الدول.

و قد ساعدت هذه الكتب و البيانات السوداء على ايقاظ الشعب و اثارته ضد حكامه البغاة,

فأسقط بشارة الخوري من على كرسي الرئاسة سنة 1952 , و انتخب كميل شمعون رئيسا للجمهورية, فرد الجنسية للدكتور داهش , في اول عهده, سنة 1953.

نبوءة خراب لبنان:

في 4 كانون الثاني 1948 , نشرت جريدة “الحياة” البيروتية , و بعض الصحف اللبنانية الاخرى نبوءة للدكتور داهش , مفادها ان بيروت ستحترق بالكبريت و النار, و ان الخراب سيعم لبنان من اقصاه الى اقصاه , و ذلك نتيجة لإضطهاد الدولة لمؤسس الرسالة الداهشية , و سكوت الشعب الممثل بنوابه و قضاته و ادبائه و صحافييه عن هذه الجريمة.

و لأن ابعاد هذه النبوءة الرهيبة تخطَّت منطق المراقبين , و ناقضت رغبات الظالمين و الطامعين , فقد وقفت الصحافة , آنذاك , منها موقف الساخر .

لكن التاريخ, اليوم , بعد نكبة لبنان و شعبه , هو الذي يستهزىء بأولئك الساخرين.

إهتمام الدكتور داهش المثلث :الرسالة و الثقافة و الفن

بعد ان استرد الدكتور داهش جنسيته السليبة بكفاحه العنيد , انصرف الى اتمام رسالته الالهية , فكان , حتى ساعة متأخرة من الليل , يستقبل زائريه الذين كانوا يتقاطرون عليه بالعشرات , يوميا, فيعاينون معجزاته , و يستمعون الى تعاليمه الروحية, و بينهم كثيرون من الصحافيين الذين كانوا ينشرون في صحفهم تحقيقات مثيرة عن معجزاته , مؤيدة بالصور الفوتغرافية التي تسجل مراحل اجتراح الخوارق .

وبدءًا من سنة 1969 , باشر الدكتور داهش”رحلاته حول الكرة الارضية ” التي دون وقائعها في سلسلة تضم 22 جزءأ. و قد سجل فيها مشاهداته , و إنطباعاته ,و احكامه البتارة على مدنية القرن العشرين, حيثما حلّ , منذرا ً الشعوب بكارثة شاملة اذا لم يرعووا عن مظالمهم و معاصيهم المتعاظمة .

فضلا عن ذلك , و عن وضعه عشرات المؤلفات الاخرى , صرف مؤسس الداهشية قسطا وافرا من وقته , لإتمام إنشائه مكتبة ثقافية جامعة كان قد بدأ تجميع كتبها , منذ عنفوان شبابه , و قد ضمت , حتى الآن , نحو ربع مليون كتاب في لغات متعددة, إختارها بنفسه من بلدان كثيرة , لتكون تراثا للداهشيين يستحثهم على الاستزادة من المعرفة.

كذلك تمكن , بفضل مراسلته للفنانين و معارضهم , تلك المراسلة التي بدأها منذ عنفوان شبابه, وإشتملت على نحو نصف مليون رسالة , كما بفضل رحلاته الكثيرة ,من إنشاء متحف داهشي للفن يضم الوف القطع النفيسة في الرسم و النحت . و هوذا متحفه اليوم يقوم بنيويورك عاصمة الدنيا.

و في 1/9/ 1980 , غادر مؤسس الداهشية لبنان, ليتابع جولاته في بلدان العالم,

و يتم رسالته الروحية. و في 9/4/1984 عاد ابن السماء الى فردوسه مخلفا ً رسالة الهية بدأت تغزو الشرق و الغرب . و لن يطول الزمان حتى تمد شجرة الداهشية المباركة اغصانها على الارض كلها, و تحت افيائها تتآخى شعوب العالم , و تسود الفضيلة و العدالة , و تنتصر الحرية , منحة الله للإنسان , و يعود كل مؤمن الى جوهر دينه النقي , القائم على المحبة و الرحمة و الاحترام لكل إنسان آخر كما على التسامح و السماحة الخلقية.

من كتاب أضواء جديدة على مؤسِّس الداهشيَّة ومُعجزاته الروحيَّة ص 20

إقرأ أكثر

موسيقى الأيام الآتية

الله

كلمة رقيقة , عذبة , شفّافة , أثيريّة , مُقدّسة !

كلمة تلفظها الشفاه برعشةٍ وخشوع !

الحلم الهابط الى أرض البشر

مُهداة إلى ليلى داهش بمناسبة عامها الثامن عشر

وذاعت الانباء في جزيرة الاحلام السعيدة مُعلن

الضباب

ضَبَاب!

ضبابٌ كثيفٌ يُحيط بنفسي… ويُكبلها بقيوده!

هدف المجلّة

في عصر التقدُّم التكنولوجي والتطوُّر السريع، وتماشيَّاً مع الثورة الرقميَّة في طريقة نشر المعلومات، والتكيُّف مع إحتياجات العصر الرقمي وتحوُّل الصحافة التقليدية، برزت المجلَّة الإلكترونيَّة، تتجاوز الحدود الجغرافية والزمنيَّة، وتربط الأفراد في جميع أنحاء العالم،كوسيلة إعلاميَّة وديناميكيَّة وتفاعليَّة لتوصيل المحتوى ومُشاركته مع أكبر عددٍ من القرَّاء، أصحاب العلم ومُحبِّي المعرفة والباحثين عن الحقيقة، في أقصر وقتٍ ممكن.

ومع ظهور هذا الكَّمِّ الهائل من وسائل الإعلام والتواصل العالمي والتبادل الثقافي، لنشر الثقافات ووجهات النظر والأفكار المتنوعة، وبغياب الرقابة والمهنيَّة والموضوعيَّة في النشر، كَثُرَ انتشار المعلومات الخاطئة والأخبار المُزيَّفة، مما يُسلِّط الضوء على أهمية محو الأمية الإعلاميَّة، والحاجة الى الاعتبارات الأخلاقيَّة.

كان لا بُدَّ لنا من فتحِ نافذةً نطلُّ بها على هذا العالم المليء بالتحديَّات إثراءً للنسيج العالمي للفكر الإنسانيّ والتجربة الإنسانيَّة، بإنشاء مجلَّة فكريَّة ثقافيَّة هادفة، تتجاوز الحدود التقليديَّة، تحتضن ثراء الفكر وتوفّر منصَّة لتبادلِ الأفكارِ العميقة والمواضيع المثيرة للثقافة الإنسانيَّة، فكانت مجلَّة نارٌ ونور.

مجلَّة نارٌ ونور، ليس مجرَّد خيار؛ بل هو تعبير عن التزام وتقدير، عربون وفاء لصاحب الوعي الروُّحيّ، إلقاء الضوء على المفهوم الداهشيّ وإظهار الصورة الحقيقة لصاحبه، بنشر تعاليمه وكتاباته التي تجاوزت فيها مؤلَّفاته المئة والخمسين مُجلَّداً، صاحب الرسالة الروحيَّة التي تحمَّل في سبيلها الأمرَّين، غريبٌ في أرضٍ غريبة، يعيشُ الحياة المُثلى، يحمل على جراحه وآلامه نور الهداية للعالم. تدخل رِحاب معبده المُقدَّس لتقفَ وجهاً لوجه أمام الحقيقة الصَّادقة الصَّادمة.

مجلَّة نارٌ ونور، مساحةٌ يلتقي فيها العمق بالجوهر لتعزيز النمو الفكريّ، وتقديم نماذج للفكر والأدب الراقي، بعيداً عن سطحيَّة الكلمة في السرد الثقافي، وتفتح المجال واسعاً أمام القرَّاء بتوسيع وجهات نظرهم والإنخراط في تفكيرٍ يتخطَّى المعقول، كما تحفيزهم على التفكير والكتابة. وذلك من خلال نشر الأبحاث والدراسات والمقالات التي تتناول مختلف المواضيع الفكرية والثقافية من منظورٍ إنسانيّ وروحيّ وتحليلها بشكلٍ أكثر عمقًا.

في قلب مجلَّة نارٌ ونور، تكمن مهمة التنوير العميقة. تسعى جاهدة لجمعِ أقلام الداهشيِّين من أدباءٍ وشعراءٍ وأصحاب فكرٍ، شتَّتهم الأيام، وأبعدتهم المسافات، فأصبحوا غرباءً في عالمهم. تفتح لهم نافذةً للتعبير عن تجاربهم مع الحقيقة، تُلامس مشاعرهم بالتواصل العميق للرُّوح والنَّفس، تُحاكي إنسانيَّتهم بشكلٍ فعّال مع الحياة والوجود، ومشاركتهم معرفتهم الروحيَّة المُقتبسة من النبي الحبيب الهادي.

مجلَّة نارٌ ونور، نورٌ لا نار فيها، أنوارٌ ساطعةٌ باهرة تنشُرها أمام عقول قرائها، تقدِّم مجموعة متنوعة من وجهات النظر والأفكار والرؤى الثقافية، بهدف إحياء وتجديد إيمان الإنسان بالله والقيم الروحيَّة، في الحقيقة والنَّفس والرُّوح، مفاهيمٌ لم يألِفوها، بعيدة عن الغوغائيَّة الكلاميَّة، مدعومة بالبراهين الساطعة، مؤيَّدة بالتزامٍ أخلاقي في السرد والنقل والشهادة. تفتح المجال في السؤال والجواب، للساعين وراء المعرفة، بالتواصل المُباشر مع أصحاب الآراء والكتابات والمقالات.

مجلَّة نارٌ ونور، توفّر منصَّة للفنانين، تُشجِّع المُبدعين، تفتح فرصة لعرض وتقديم وتسليط الضوء على إبداعهم في المجال الفنِّي، سواء كانت لوحات فنيَّة، صور فوتوغرافية، أو أي نوع آخر من الفنون التشكيليَّة. تُساعد في فهم خلفياتهم الفنيَّة وإلهام القرَّاء بتفاصيل حياتهم، تنشر مقالات وتحليلات تقييميَّة لأعمالهم، مما يساهم في إبراز الجوانب الفنيَّة والفلسفيَّة لها، ويساعد في توجيه القراء نحو فهم عميق للفن.

هيئة التحرير.

إقرأ أكثر

روابط

الحياة سفينة عظيمة رائعة تمخر في بحر ماؤه ألآثام , وأمواجه الشهوات البهيميّة , وشطآنه النهاية المؤلمة .

الدكتور داهش

Send Us A Message

error: Content is protected !!