أصلُ المعرفة مُثُلٌ عليا

تذكَّر أنَّ اليوم هو الغد الذي كنت قلقاً عليه بالأمس

دراسات وأبحاث

نقوش أثرية تؤكد ما أعلنه الدكتور داهش

عن وجود أشقاء ليسوع

 بقلم الدكتور غازي براكس

في مؤتمرٍ صحافي عُقد بواشنطن في 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2002، أعلن هرشل شانكس، رئيس تحرير ” مجلَّة أثريات الكتاب المقدس” البارزة، اكتشافاً مُثيرًا في منطقة القدس يُعتبر أول شاهد مادي تاريخي على وجود يسوع الناصري وعلى أن له شقيقًا يدعى يعقوب. ومما قاله: “إنه شيءٌ ملموس ومنظور يعود إلى أهم شخصٍ سار على هذه الأرض على الإطلاق”. فما هو هذا الاكتشاف الخطيب المثير؟

لكي نستطيع إيلاء هذا الاكتشاف قدرَه من الأهمية، علينا أولاً، أن نوضِّح بضع نقاط.

 

أخوةُ يسوع الناصري في الكتاب المقدس

منذ قيام الحركة الإصلاحية المسيحية بدفع من اللاهوتي الألماني الكبير مارتن لوثر عام 1517، والعقيدة الكاثوليكية تعنو تحت مطارق المُفكرين البروتستانت الذين ينتقدون ادعاء الكثلكة أن يسوع الناصري لم يكن له أشقاء، ذلك بالرغم من ورود أسماء إخوة يسوع مرارًا في الكتاب المقدس.

ورد في الفصل الثالث عشر من إنجيل متى:

“ولمَّا أتمَّ يسوع هذه الأمثال، ذهب من هناك وعاد إلى بلده؛ وأخذ يعلّم في مجمعهم فتعجبوا وتساءلوا: “من أين له هذه الحكمة وتلك المُعجزات؟ أما هو ابنُ النجار؟ أمه تدعى مريم، وإخوته يعقوب ويوسف (يوسى) وسمعان ويهوذا؟ أما جميع أخواته عندنا؟ فمن أين له كل هذا؟ ورفضوه.

“فقال لهم يسوع: “لا نبي بلا كرامة إلا في وطنه وبيته”. وما صنع هناك كثيراً من المعجزات لعدم إيمانهم به”. (53 – 58).

 

وطوال أداء يسوع لرسالته لم يرد اسم يعقوب، شقيقه، بين التلاميذ البارزين أو المؤمنين عامةً. لكن اسمه ما لبث أن برز مُحاطًا بهالةٍ من الاعتبار بعد أن انتشرت أنباء قيامة المسيح من الموت. فهل ظهورُ السيد المسيح له كما للمؤمنين، يا ترى، هو الذي أدخل الإيمان إلى قلبه؟ وكانت أخبارُ صلبه على أيدي الرومان ثم دفنه قد انتشرت في الأرض المقدسة. ففي سفر “أعمال الرسل” الذي يؤرخ الحقبة التالية للصلب ورد اسمُ يعقوب مرارًا مجردًا من أي تعريف (17:12: و 15: 13 – 27؛ و21 : 18)؛ وفي ذلك دلالة على مكانته وشهرته. وكان يُذكَرُ إما مقصدًا للمؤمنين أو مبديًا رأيه في القضايا الدينية. كذلك ظهر اسم يعقوب في رسالة بولس الرسول الأولى إلى كنيسة كورنثوس؛ وقد ذكره بولس بمناسبة حديثه عن ظهور المسيح للمؤمنين بعد قيامته من القبر الذي دفن فيه. ولم يُسَمِّ من معايني الظهور إلا بطرس ويعقوب والرسل الأثني عشر (15: 5-7). كذلك ذكره بولسُ الرسول في رسالته إلى كنيسة غلاطية مرتين: الأولى في قوله: “وبعد ثلاث سنوات صعدت إلى أورشليم لأرى بطرس، فأقمت عنده خمسة عشر يومًا. وما رأيتُ غيره من الرسل سوى يعقوب أخي السيد المسيح” (1: 18 – 19)؛ كما ورد اسم يعقوب مرتين في رسالة كورنثوس (2: 9 و 2: 12).

      ومما أجمع عليه الباحثون في التاريخ الكنسي أن يعقوب وبطرس كانا، قبل التقائهما بولس، يبشران بـ”يهودية” – مسيحية”، أي يهودية تؤمن بظهور المسيح المُنتظر (المسيا)، لكنها في الوقت نفسه تحافظ على التزام الطقوس اليهودية، وتعتبرها ضرورةً حتى للمؤمنين الجدد من غير اليهود. ويرى باتريك هارتن، الأستاذ في جامعة غونزاغا في سبو كاين بولاية واشنطن، والمتخصِّص في دراسة كتابات يعقوب، أن الرسالة المعروفة بـ”رسالة يعقوب” في العهد الجديد، تنسبُ إليه، ومضمونها يؤكد النزعة اليهودية – المسيحية التي كان معروفًا بها، وخصوصًا “ضرورة إظهار الإيمان من خلال الأعمال الصالحة”.

لكن الحال تغيرت بعد اجتماعهما ببولس الرسول، إذ استطاع بقوة براهينه وثقافته وتبشيره أن يجعل الدين الناشئ ينفصل عن اليهودية ويستقل بنفسه وباسمه، أي “المسيحية”. وليس صعبًا على القارئ المُثقف أن يستخرج ذلك من قراءته لسفر “أعمال الرسل” ولرسائل بولس إلى الكنائس المختلفة.

هذا بشأن يعقوب، غير شقيق يسوع الناصري، فكانت أسماؤهم كثيرة الورود في الأناجيل، لكنها كانت تقترن، بصورةٍ شبه دائمة، بأسماء آبائهم. وأشهرهم يعقوب بن زبدي ويعقوب بن حَلفى.

 

أسباب إنكار الكنيسة الكاثوليكية لإخوة يسوع

بالرغم من النصوص الصريحة أن العهد الجديد من الكتاب المقدَّس عن وجود أشقاء ليسوع الناصري، فإن الكنيسة الكاثوليكية أصرَّت على عدم وجودهم، فأولت معنى “الإخوة” بالإخوان أو الأقارب أو أبناء العم. أما السببُ الرئيسُ لرفضها الإقرار بوجود أشقاء ليسوع، فهو إصرارها على جعل أمه، السيدة مريم، عذراء قبل ولادته وبعدها لأن الكنيسة يمكنها، بتوسل هذه العذراوية المُطلقة، أن ترفع السيدة مريم إلى رتبةٍ غير بشرية.

في العقيدة الكاثوليكية جعلت مريم العذراء “أم الله”، وهو ما يعبر عنه باليونانية بلفظة، Theotokosوذلك في القرن الرابع الميلادي على الأرجح وقد رفض نسطوريوس، بطريرك القسطنطينية السوري المولد، هذه الكنية، طالبًا أن تكتفي الكنيسة بإعطاء السيدة مريم كنية “أم المسيح” (باليونانية)؛ لكن المجمع الكاثوليكي الذي عُقد في أفسس عام 431م دانه بالهرطقة. وبهذه الرتبة غير البشرية أتيح للكنيسة الكاثوليكية أن تمنح مريم العذراء شفاعة مميزة، وأن تصوغ لها من التماثيل والأيقونات والذخائر ما لم تصُغ لأي “قديس” أو “قديسة”، وأن تقيم لها الصلوات والابتهالات الخاصة المعروفة بـ”الصلوات المريمية” التي تُتلى على السبحات؛ كما اختلقت لها “الظهورات” العجائبية، والمعجزات الشفائية، وأقامت لها المزارات التي باتت تدرّ بلايين الدولارات على الكنيسة سنويًا. فمن عذراء لورد Lourdes بفرنسا إلى عذراء فاطمة Fatima  بالبرتغال إلى عذراء غوادالوب Guadalupe بالمكسيك، إلى ما لا يحصى من المزارات الأخرى المنتشرة في مختلف أرجاء العالم…

لكن العقيدة البروتستاتنية التي تسود الولايات المتحدة وكثيرًا من البلدان الأوروبية لا ترى أي مصدر ديني في الكتاب المقدس يمكنه أن يدعم فكرة عذراوية مريم المُطلقة؛ ولذلك فالكنائس البروتستاتنية تؤمن بأن عذراويتها انحصرت في ولادة يسوع. أما ولادتها لإخوته وأخواته الآخرين فتعتبرها ولادة بشرية طبيعية؛ كما ترفضُ للسيدة العذراء أية شفاعة أو مكانة مميزة.

 

 

 

الاكتشاف الأثري المزلزل لبدعة الكثلكة

في 22 تشرين الأول (اكتوبر) من العام 2002، صدرت صحيفة “نيويورك تايمز”، العالمية الانتشار،  وهي تحملُ مقالاً استقت معلوماته من المجلة البارزة Biblicat Archaeology review  في عددها لنوفمبر/ ديسمبر 2002 كما من المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس تحريرها قبل يوم واحدة. وسرعان ما انتشر الخبر في الصحف والمجلات الكبرى؛ فعقدت له المقالات. وبينها مجلات أمريكا الرئيسة “تايم” Time و”نيوزويك” و”يو إس نيوز آند= ورلد ريبورت” الصادرة جمعيها بتاريخ 4/11 /2002. كذللك تناقلته محطات التلفزة. حتى إن القناة الأمريكية البارزة المختصَّة بالاكتشافات، المُسماة صمَّمت على أن تخصِّص برنامجًا توثيقيًا لهذا الاكتشاف المُثير تبثه في الربيع المقبل من عام 2003.

وخبر الاكتشاف الذي نشرته المجلة المختصَّة بالآثار الدينية جاء في مقال علمي موثق كتبه العالم الفرنسي البارز الدكتور آندره لومير، الأستاذ في جامعة السوريون بباريس، والاختصاصي في تحقيق الكتابات الأثرية السامية، وبينها الآرامية، التي ترقى إلى عهد المسيح وما قبله في الأراضي المقدسة.

وفحوى المقال وما تبعه من تحقيقات ومقابلات أنه اكتشف صندوق من الحجر الكلسي الرملي اللون المنبسطة تحت الحائط الجنوبي لمدينة القدس القديمة وفق ما أدلى به مالكُ الصندوق في مقابلة لمجلة “تايم”؛ وهو يرقى إلى حوالى ألفي سنة، وعلى إحدى جهاته نُقشت بحروفٍ آرامية الكلماتُ التالية:

يعقوب بن يوسف، شقيقُ يسوع

واللغةُ الآرامية كانت هي لغة التخاطب اليومي في عهد المسيح، وبها بشر سيد المجد. ويفترض أن الصندوق كان يحوي عظام يعقوب، إذ كان شائعًا بين يهود فلسطين، بين العام 20 قبل الميلاد والعام 70 بعده، أن يدفنوا الميت في كهفٍ معين؛ وبعد انقضاء سنة وتهرُّؤ جثَّته، يجمعون عظامه ويضعونها في صندوق يحفرون عليه اسمه واسم أبيه.

      لكن المفاجأة الزلزال في هذه الصندوق كانت أن اسم الميت اقترن لا باسم أبيه فحسب، بل باسم شقيقه أيضًا، وأن هذا الشقيق هو يسوع.

يعلق الباحثون الاختصاصيون على هذا الاكتشاف بأنه إذا ثبت بوجه التحقيق – وهذا ما يبدو – فإنه سيعتبر أول شاهد ماديّ تاريخي ليس على وجود يسوع الناصري فحسب، بل أيضًا على وجود شقيق له هو يعقوب. وفي ذلك من الحجَّة ما يثير إعصارًا بوجه الكثلكة. وقد علَّق الأستاذ ماير، من جامعة نوتر دام على الاكتشاف بقول: “إذا ثبتت صحة الصندوق، فإنه يكون المسمار النهائيّ في نعش نظريةِ جيروم.” وجيروم (340م؟ – 420م؟) باحث ومترجم لاتيني بنت الكنيسة الكاثوليكية موقفها من إخوة يسوع على رأيه.

      ولم يكتف الدكتور لومير بالتحقيق بنفسه في صحة هذا الأثر الجليل، فطلب إلى علماء في الجيولوجيا أن يحلِّلوا مادّة الصندوق وحروفه المنقوشة ليروا هل عبثت بها أيدٍ حديثة. فإذا التحقيق الجيولوجي يؤكد أصاله الصندوق العريقة وعدم إدخال أي عنصر جديد على حروفه المنقوشة. فضلاً عن أن هذا الصندوق بشكله ونقشه يشبه مئات الصناديق الحجرية التي اكتشفت, وهي ترقى إلى عهد المسيح أو قبله أو بعده قليلاً.

      تتوالى الحروف المنقوشة من اليمين إلى اليسار دونما فاصلٍ بينها، وتمتد الى طول يبلغ 19 سنتيمترًا (7,5 إنشات). أما شكلها فهو الشكل الشائع أيام السيد المسيح، وعلى وجه التحديد، في العقود الأخيرة السابقة لتدمير أورشليم على أيدي الرومان سنة 70 م. ذلك مع العلم بأن المؤرخ اليهودي فلافيوس يوسيفوس (37  -100؟) يجعل موت يعقوب سنة 62 م وقد جاء في تاريخه أن حنانيا، الكاهن الأكبر، أمر باستحضار يعقوب، شقيق يسوع الذي كان يدعى المسيح” أمام المحكمة الدينيَّة “السنهدرين”. ومن المرجح أن يعقوب قتل عام 62 أو 63م. وفي رأي المؤرخ الكنسي أوسابيوس (260م؟ – 340م؟) أن اليهود قبضوا عليه وأصعدوه إلى جناح الهيكل وقذفوا به إلى أسفله، ثم أجهزوا عليه بهراوة ٍ ضرِبَ رأسُه بها. وفي رأيٍ آخر أنه قضى رجمًا بالحجارة. وفي “إنجيل يعقوب”  وهو من الأناجيل غير القانونية، كان يعقوب يقود الأتان التي امتطتها السيدة مريم في طريقها إلى بيت لحم حيثُ كانت ستضع يسوع، بينما كان يوسف يمشي وراء الأتان. لكن هذا الإنجيل غير القانوني، وغير الموثوق بنسبته وتاريخه، يجعل يعقوب ابنًا ليوسف من غير مريم العذراء. ويُجاريه في هذا الاعتقاد أوريجينوس 185?م؟ – 254م؟) أحد آباء الكنيسة الأوائل؛ وأوسابيوس. وهذا الاعتقاد يسود الأوساط المسيحية الأرثوذكسية.

وهكذا تُرك المسيحيون والباحثون في التاريخ الكنسي أمام ثلاثة آراء؛ رأي الكثلكة التي تنفي وجود إخوة ليسوع المسيح؛ ورأي البروتستانتية التي تؤمن بوجود إخوة له من أبيه وأمه، لكن بعد ولادة يسوع؛ ورأي الأرثوذكسية التي تؤمن بوجود  إخوة له، لكن من زواج سابق ليوسف. فما الرأي الصحيح؟

إن الاكتشاف الأثري الجديد يعتبر حاسمًا في موضوع إخوة يسوع الناصري. فليس من المعقول ولا المنطقي أن يعرف ميتٌ باسم أبيه وأخيه معًا في ذلك العصر إلا إذا كان الأخُ ذا شُهرة ومكانة عظيمة، ذلك ليُشرف الميتُ ويكرم بانتمائه إليه. وبما أنه لا التاريخُ المسيحي ولا التاريخُ اليهودي قد عرفا أي شخص شهيرٍ آخر باسم يسوع في القرن الأول للميلاد ولغاية تدمير أورشليم، فلا يبقى، وفق المنطق الصحيح، إلا ن يكون الاسم المعني هو اسم يسوع المسيح. وهكذا يكون يعقوب شقيقه الحقيقي. وهذا الرأي يؤيده بن وذرنغتون الثالث، الاختصاصي بالعهد الجديد والأستاذ في كلية اللاهوت بولاية كنتيكي؛ وهو مُكبٌّ حاليًا على تأليف كتاب عن هذا الاكتشاف الخطير بمشاركة هرشل شانكس، رئيس تحرير”مجلة أثريات الكتاب المقدس” التي أعلنت الاكتشاف. ذلك فضلاً عن أن الكتاب المقدس، سواءٌ في سفر “أعمال الرسل” أم في رسائل بولس الرسول، فيه عدة إشارات إلى مكانة يعوب البارزة بين المؤمنين في أورشليم، وذلك بعد قيامة يسوع من الموت.

ويذهب الدكتور العالم لومير إلى أن أورشليم كانت تضم، قبيل تدميرها، حوالى 80 ألف شخص، بينهم حوالى 40 ألفًا من الذكور؛ وبناءً على نسبة توارُد الأسماء المعروفة في ذلك العهد، أمكنَه أن يستنتج أنه في خلال جيلين يحتمل أن يكون عشرون شخصًا حاملين اسم يسوع، وأن يكون آباؤهم يحملون اسم يوسف ولهم أشقاء باسم يعقوب. لكن الدكتور كميل فوكس، رئيس دائرة الإحصاء في جامعة تل أبيب، يرى أن النتيجة التي حصلها الدكتور لومير من حسابه الإحصائي أكثر جدًا مما يجب أن تكون في الواقع؛ وارتأى أن العدد المُتحتمل يجب أن يكون خمسة لا عشرين. ذلك فضلاً عن أنه من غير المُحتمل أن يقترن اسم الميت باسم الأب والأخ معًا؛ وهذا ما تؤكد النقوشُ على مئات صناديق الموتى. فإنه لم يرد إلا اسم واحد، غير اسم يعقوب، مقرونًا باسم شقيقه. وبشهادة لومير أن هذا الاقتران يعني أن للأخ مكانةً بارزة، وذا علاقة خاصة بالميت.

      وقد ازداد الدكتور آندره لومير ثقةً بصحة تاريخ الصندوق الحجري والحروف المنقوشة عليه، بعد أن أكَّدها الفحص الدقيق في مختبر “المسح الجيولوجي لإسرائيل”. وقد فحصت 12 عينة من الصندوق وعينتان من التربة العالقة به بواسطة جهاز Scanning Electron Microscope  المزود بجهاد eDS( eLECTRON DISPERSIVE SPECTROSCOPY).

وقد استشارت صحيفة “نيويورك تايمز” عدة علماء بتحقيق الأثريات الدينية في كفاءة الدكتور آندره لومير، منهم الدكتور جديمس فاندركام j.c.vANDERKAM LK  من جامعة “نوتر دام”، فامتدحوا كفاءته. وعلق الدكتور إريك مايرز eNIC mEYERS، عالم الأثريات ومدير برنامج التخرج في الدين بجامعة ديوك dUKE بقوله: إن إدراج اسم الأخ على الشاهد “يعطينا قابلية التصديق لرأيى (لومير).

رأي الدكتور داهش في عائلة يسوع الناصري

إن مؤسس العقيدة الداهشية أُلهم، عام 1943، كتابًا فريدًا بنوعه عنوانه “مذكرات يسوع الناصري”. وهذا “الكتاب العجيب”، مثلما ورد في مقدمته، “يكشف لنا حياة السيدة المسيح الخفية. فحياته عندما كان طفلاً فمراهقًا مجهولةٌ تمامًا، وليس من يعرفُ عنها شيئًا. فالأناجيل الأربعة تذكر حوادث معجزاته وخوارقه عندما كان قد بلغ الثلاثين من عمره؛ أما ما سبقها من السنين فليس من يعرف عنها أي شيء”.

      لكن قد يتساءل القارئ: كيف استطاع الدكتور داهش معرفة حياة السيد المسيح المجهولة؟ والجوابُ أن من عرف الدكتور داهش وعرف قدراته الروحية الخارقة لا يشكّ بأن ما كشفه ليس خيالاً أدبيًا. فانطلاقًا من أن صاحب الكتاب ليس أديبًا مفكرًا فحسب، بل صاحبُ رسالة سماويةً ونبوءات وأعمال خارقة رافقته منذ طفولته، وقد شهد لصحتها ليس المؤمنون به فحسب، بل كثيرون ممَّن لمسوا ظاهراته الروحيَّة، وبينهم صحفيون كثيرون قابلوه وصوَّروا مُعجزاته بكاميراتهم – من هذا المنطلق يجب النظر إلى مضمون “مذكرات يسوع الناصري” الذي سبق تأكيدً صحة وقائعه الاكتشاف الأثري الجديد بستين سنة. واستنادًا إلى ما ورد أيضًا في مقدمة الكتاب، فـإن سر اكتشافه العظيم لحياة المسيح سيكونُ إعلانُه، عندما يذاع، أشد مفعولاً من القنابل النووية والهدروجينية. وسواءٌ أصدق العالم الآن صحة ما هو مدوّن في هذا الكتاب أم لم يصدق، فالحقيقة تبقى حقيقة ولو حاربتها البشرية بقضها وقضيضها”.

لن أخوض، في هذا المقام، في كل ما جاء في الكتاب، بل سأكتفي بإظهار النقاط المتعلِّقة بالاكتشاف الأثري الخطير. إن الاكتشاف الأثري الجديد يؤكّد ما أعلنه الدكتور داهش في “مذكرات يسوع الناصري” عن أن يسوع كان له أخٌ اسمه يعقوب. وسأدعُ القارئ يستمتعُ بتملّي الأحداث مثلما فصَّلها الدكتور داهش؛ وكان لوقا الإنجيلي قد أشار إلى ظروفها دونما كشفٍ لحقيقة ما جرى فيها، وذلك حينما بقى يسوع ذو الثانية عشرة في هيكل أورشليم، بينما كان والداه يبحثان عنه وهما في طريق العودة إلى الناصرة (لوقا 2: 41-52).

كان يسوع يبرح به الجوع والعطشُ والإعياء، فانطرح أمام أبواب الهيكل. وإذا بيونا، والد سمعان (بطرس)، يراه، ولم يكن يعرفه؛ فيشفق عليه ويقدِّم إليه بعض الطعام الذي كان يحمله في كيسه. ثم تدورُ هذه المحادثة بينهما:

– من أنتَ، يا بني، وماذا تدعى؟

– يسوع الناصري.

– يالله! وهل أتيت بمفردك من تلك القرية النائية؟

– نعم، أيها الشيخ الكريم.

– ولِمَ، أيها اليافع؟

– كي أنفذ إرادة من أرسلني.

-ومن هو الذي أرسلك؟ ولمَ؟

– أبي السماوي.

وقد أرسلني كي أنقض عهدًا قديمًا،

وابني على انقاضه عهدًا جديدًا.

– ويَكَ، يا بني! أمس بك؟ أم تُراك تهذي؟

– لا هذا ولا ذاك، ولكنني أكلمك بالحقيقة.

– إنك تدهشني، أيها الصغير، بحديثك العجيب،

وبقوة بيانك الغريب.

فهل لي أن أسألك عن أبويك

إذا كانا ما يزالان حيَّين يُرزقان؟

  • لك ما شئت.

إن أبي الأرضي اسمه يوسف،

وهو نجار معروفٌ في مدينة الناصرة.

اسم أمي مريم.

وهما يعيشان مع إخوتي يعقوب ويوسى وسمعان ويهوذا،

وشقيقتيَّ فادية ودانية.

هل أتيت بمفردك إلى مدينة القدس،

أم رافقك إليها أحد إخوتك؟

كلا، بل أتيتها بمفردي،

لأن آرائي وميولي لا تتَّفق وميول إخوتي

وليس من يعطفُ منهم علي سوى شقيقتيّ.

  • يا للسماء!

إذًا والدك لا يعرفان الآن مكان وجودك!

  • هي الحقيقة

فإن والديّ غادرا الناصرة منذ أسبوع،

وقدما إلى مدينة القدس سعيًا للبحث عني.

وحال وصولهما إلى الهيكل،

شاهداني وأنا أجادل الكهنة والأحبار.

فتقدمت إليَّ والدتي وقالت:

“والآن، هيا بنا إلى الناصرة”.

فعدتُ معهما.

وكان برفقتنا قافلة كبيرة وجهتها تلك التخوم.

وعندما خيم المساء، طلب الجميع النوم.

وكنا قد بلغنا سهلاً فسيحًا تملأه الأزهار البرية،

وانتثرت في جوانبه بضعُ شجرات ضخمة، ولكنها لا تحمل ثمرًا ما.

وفي الهزيع الثاني من الليل الشديد الظُّلمة، أُوحيَ إليَّ في الحُلم

أن أعودَ في الحال إلى مدينة القدس،

لأنه تنتظرني هناك حوادث لها علاقة بالرسالة التي أرسلني الله من أجلها.

وأُعلمت بأنني سألتقي برجلٍ بار اسمه يونا،

يكون ابنه صخرةً راسخة

يُبني عليها دين الله، جلَّت قدرته

وللحال نهضت من مكاني،

ونظرتُ، فإذا الجميعُ يغطُّون في نومٍ عميق.

وبسرعة ملّحة ألقيت نظرة على والدي،

وودعتهما بإيماءة من رأسي،

ثم رحت أضرب الطريق في ظلمة الليل الحالك…

ما كدت أنتهى من سردِ حديثي

حتى شاهدت الشيخ الجليل يحبثو أمامي بخشوع،

وينكبُّ على يدي يقبلهما بورعٍ فائق،

ثم يصيح قائلاً:

  • أنت أنتَ هو ابن الله!
  • وأنا، سيدي، الحبيب، أُدعى… يونا.

من هذه المُحادثة نستنتج عدة أمورٍ ووقائع لم ترد في الكتاب المقدس:

1-إنَّ يسوع التقى والد سمعان (بطرس) قبل أأن يلتقي ابنه. وما نلبث أن نعلم في الفصل التالي أن يونا دعا يسوع إلى منزله واستضافه، وهناك تعرَّف يسوع للمرة الأولى إلى سمعان، وليس عندما كان سمعان يصطادُ على شاطئ بحر الجليل وقد بلغ المسيحُ الثلاثين من عمره، تبعًا لما جاء في إنجيل متى (4: 18 – 20).

فإنجيل متى لم يجزم في أن لقاء السيد المسيح لسمعان وأخيه أندراوس كان أول لقاء؛ لكن الباحثين استنتجوا ذلك اعتباطًا لأن وقائع حياة المسيح قبل ذلك غير معروفة.

2 – كان سمعان (بطرس) يكبر يسوع باثنين وعشرين عامًا. وكان عمره يوم القتاه أو مرة أربعًا وثلاثين سنة. ذلك ما نحصله من الفصل التالي المعنون “في ضيافة يونا وبطرس”.

3 – كان ليسوع أربعة أشقاء؛ وأسماؤهم وردت صحيحة في الكتاب المقدس وقد أشرت إليها سابقًا. على أن شقيقة الثاني كان يسمى يوسى Joses ، وليس يوسف. وترجماتُ الكتاب المقدس حائرة بين الإثنين.

4 – ورد في الكتاب المقدس أن ليسوع إخوات من غير أن يحدّد فيه عددهن، أو تذكر أسماؤهن. أما الدكتور داهش، فيوضح أن ليسوع شقيقتين، وأن اسميهما هما فادية ودانية. فهل، يا ترى، ستؤدي الاكتشافات في المستقبل إلى العثور على وثائق أو دفائن جديدة تؤكد صحة ما أعلنه الدكتور داهش؟ إن المستقبل كشاف.

5 – كان يسوع مُدركًا لرسالته السماوية منذ حداثته. وبعض غير قليل من تعاليمه الروحية يتكشف في فصول الكتاب اللاحقة.

6 – لم تكن آراءُ يسوع وميوله، في آونة حداثته، تتفق وآراء إخوته وميولهم. ولذلك لا نرى لهم مكانةً بين تلاميذه ولا ذكر في الأناجيل حتى في أثناء تأدية المسيح لرسالته. أما يعقوب فلعلَّه آمن به بعد قيامته من الموت وظهوره عليه وعلى سائر المؤمنين، وذلك بعد أن هزَّت الحادثة العجيبة مشاعره.

      ولكن يكوِّن القراء فكرةً واضحة عن الوضع الذي كان في بيت يسوع وهو في سن الرابعة عشرة، وفق ما جاء في “مذكرات يسوع الناصري”، إليه هذه المحادثة التي جرت بين يسوع وإخوته في إحدى الأمسيات في بيتهم ببلدة الناصرة، وذلك على أثر خروج سمعان (بطرس) من السجن:

ومضت أسابيع كثيرة،

وتصرَّمت خيوطها إلى غير ما عودة والمسيح الفتى يعظ أهل قريته.

ويدعوهم إلى التمسُّك بأهداب الفضيلة.

ولكن عبثًا!

فإنهم كانوا يهزأون به،

ويعيرونه بلفظة “مخبول”،

وينتهرون والديه، ويضطهدون أشقاءه.

وفي سهرةٍ عائلية،

بينما كان يعظ عائلته ويدعوهم للتسامح،

لأنهم قد اضطهدوا في صباح ذلك النهار،

إذا بيوسى ويهوذا يهينانه، قائلين له:

  • إلى متى ونحن نتحمَّل
  • إهانات واضطهادات أبناء قريتنا من أجلك؟

أما كفاك هذيانًا، يا هذا؟

أولا تكفُ عن دعوتك الباطلة وتخرصاتك الفاسدة؟

ألا تريحنا وتريح نفسك؟

هيا وارحل عن هذه القرية،

فإننا لا نصبح ولا نمسي إلا والمشاغبات في ركابنا.

كل ذلك بسببك!

حتى السلطات الرومانية باتت تنظر إلينا شزرًا

بسبب تعاليمك السخيفة!

وأردف يعقوبُ قائلاً: – اسمع أيها “المسيح”.

بلغني اليوم من صديقٍ موظف في دائرة الشرطة الخفية

أن السلطات تراقبك أدقَّ مراقبة،

وهي تظنُّ أن يدًا أجنبية

تدفعك لإذاعة ما تدعو الناس إليه

من الانتفاض على القوة الغاشمة.

وهي تظن أنك تعنيها بأقوالك.

فالحذر، أيها المغرور، وإلا فالويل ثم الويل لك…

وللحال انبرى شقيقه سمعان قائلاً:

  • هذا هو التحذير الأخير نعيده على مسمعك
  • فإن وعيته وتقبلته، فامكث معنا لأنك منَّا،

وإلا ففي بلاد الله الرحبة متَّسعٌ لدعايتك…

فقد اكتفينا من الاضطهادات

التي تقعُ على عاتقنا في كل يوم من أجلك.

فأجبتهم بصوتٍ متَّزن هادئ:

  • يا إخوتي الأعزاء،

طوباكم إذا اضطهدوكم من أجل كلمة الله العادلة،

وطوبى لأرواحكم إذا عذبوا أجسادكم الترابية،

لأنني أصدقكم، يا إخوتي،

أن أجركم يكونُ عظيمًا جدًا في السماء.

فطوباكم إذا صبرتم،

لأن من يصبر إلى النهاية فذاك يخلص.

وللحال ارتفعت أصواتهم الأربعة قائلين معًا:

  • إن أجر السماء هذا ندعه لك،
  • لأننا نتبرأ منه، ولا نريده.
  • فكفاك شقشقة لسان، أيها الإنسانّ!

ونظرت أمامي بذهول لأرى شقيقتيّ اليافعتين

وهما تذرفان الدمع السخين،

لأنهما لا تستطيعان عمل شيء لأجلي.

وكانت والدتي تؤيِّد إخوتي في بعض الأحيان،

لتعود فتؤيِّدني حينًا آخر.

إنها أم… تريد أن لا ترى أولادها يتخاصمون.

لهذا التجأت إلى هذه الطريقة.

وعندما أعياها الأمر نظرت إلى أبي الأرضي يوسف،

وقالت له:

  • ما بك صامتٌ لا تتكلم؟

فأجابها بحزن:

– إنني، وأيم الحق، حائرٌ، لا أدري بماذا أتكلم!

وأنت تعرفين الأسباب أكثر من معرفتي إياها.

  • وأنت، ألا تعرفها؟
  • كلا، كلا لا أعرفها كمعرفتك أنتِ.
  • ألا تريد أن تتكلم مع ابنك؟
  • إنه ابن السماء وليس ابني.
  • بل ابنك أنتَ.
  • هو عطية السماء لنا وللجميع

إنه ليس من الأرض،

ومن كان ليس من هذه الأرض

فتعاليمه، لا شك، تكون سماوية.

فكيف لي أن أمنعه وهو رسولُ الهداية؟

اصفح عني، يا يوسف،

إذا قلت لك إنني لا أؤمن به،

لأن حديثه غاية في الغرابة.

  • أما أنا فإنني أؤمن بحديثه وبتعاليمه.
  • أوليس يدعو إلى الفضيلة؟
  • أولست ترينه كيف يمضي أيامه
  • بتبتل وقدسيةٍ وعبادة؟

أيوجد في قريتنا والقرى الأخرى

من يسيرُ على منواله؟

أوليس في هذا

الدليلُ الثابتُ على أنه ليس بشريًا؟

  • لو كان ما تقول
  • إذاً لما كان أتى بالطريقة البشرية!
  • وكيف هذا؟ ألا تذكرين ملاك الرب

عندما  أتاني في الحلم قائلاً لي:

“لا تخف، يا يوسف،

فإن امرأتك، قد حبلت به من الروح القدس”.

  • نعم، إنني أذكر هذا، وأنا في غاية العجب،
  • لأنني حتى الساعة هذه

لا أستطيع تفسير هذا اللغز الغريب!

وللحال أجاب يسوع:

  • عبثًا تحاولين حلَّ هذا اللغز، يا أماه.

فأقصري التنقيب عنه،

واعلمي بأنني لستُ من أرضكم هذه

أنا رسول السماء إلى الأرض،

أرسلني من بيده كل شيء

من مكان سعيد دائم البهاء

كي أنقذ أهل دُنياكم.

      أما أمر وجودي بين ظهرانيكم

فهو الحقيقةُ التي يجب أن تأخذوها بعين العناية والرعاية،

لا الكيفية التي كيفتني

إذ مهما حاولتة وسواك

الوصول إلى المعرفة، فلن تستطيعوا…

حتى أعود ثانية إلى هذه الأرض، بعد انتقالي.

وإذا ذاك تتكشف الحقيقة لمن يجب أن يعرفها،

كل حسب استحقاقه.

 

يتضح لنا من النص السابق أن أخوة يسوع الأربعة كانوا جميعًا يخالفونه في الرأي ويستهينون بتعاليمه، وأن أباه الأرضي يوسف كان يؤمن به، في حين أن أمه مريم لم تكن تؤمن به. يؤكد لنا ذلك ما أورده متى الإنجيلي إذ قال في الفصل الثاني عشر:

وبينما يسوع يكلِّم الجموع، جاءت امه وإخوته ووقفوا في خارج الدار يطلبون أن يكلموه. فقال له أحد الحاضرين: أمُّك وأخوتك واقفون في خارج الدار يريدون أن يكلموك“.

فأجابه يسوع: “من هي أمي، ومن هم أخوتي؟ وأشار بيده إلى تلاميذه وقال: “هؤلاء هم أمي وأخوتي، لأن من يعمل بمشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمي”. (46 – 50) ففي كلامه غمز بأمة وإخوته وعدم اهتمام، لأن اهتمامه منصبٌّ على الذين ينفذون مشيئة الآب السماوي.

ولعلَّ الإيمان استوطن قلب مريم العذراء وقلب يعقوب معًا، على أثر ظهوره عليهما  بعد قيامته من الموت.

تبقى مسألة عذراوية مريم. فقد اختلف الباحثون اللاهوتيون فيها باختلاف مذاهبهم. وقد أشرتُ إلى مواقفهم في ما تقدم. أما الموقف الداهشي المدعوم بالإلهام الروحي لرجل الروح والمعجزات، فهو أن السيدة مريم ولدت يسوع من غير أن يمسها بشر، لكنها ولدت إخوته وشقيقتيه بصورةٍ بشريةٍ طبيعية.

 

إقرأ أكثر

نظرة حول

قيل بأن العلمَ نورٌ، والدراسةُ هي العلم وذلك النور، ومن لم تشأ الظروف لهم بالدخول الى المدرسة، ليرتشفوا من مناهل علومها وآدابها لظروفٍ قاهرة أو غيرها، كانوا في منطق العلم والنور من الجاهلين.

دراسات وأبحاث

شارك المعرفة

قراءة في

نظرة جديدة الى العالم ..وجمالية الحقيقة..ولحمة في النفس بين القول والفعل .

هدف المجلّة

في عصر التقدُّم التكنولوجي والتطوُّر السريع، وتماشيَّاً مع الثورة الرقميَّة في طريقة نشر المعلومات، والتكيُّف مع إحتياجات العصر الرقمي وتحوُّل الصحافة التقليدية، برزت المجلَّة الإلكترونيَّة، تتجاوز الحدود الجغرافية والزمنيَّة، وتربط الأفراد في جميع أنحاء العالم،كوسيلة إعلاميَّة وديناميكيَّة وتفاعليَّة لتوصيل المحتوى ومُشاركته مع أكبر عددٍ من القرَّاء، أصحاب العلم ومُحبِّي المعرفة والباحثين عن الحقيقة، في أقصر وقتٍ ممكن.

ومع ظهور هذا الكَّمِّ الهائل من وسائل الإعلام والتواصل العالمي والتبادل الثقافي، لنشر الثقافات ووجهات النظر والأفكار المتنوعة، وبغياب الرقابة والمهنيَّة والموضوعيَّة في النشر، كَثُرَ انتشار المعلومات الخاطئة والأخبار المُزيَّفة، مما يُسلِّط الضوء على أهمية محو الأمية الإعلاميَّة، والحاجة الى الاعتبارات الأخلاقيَّة.

كان لا بُدَّ لنا من فتحِ نافذةً نطلُّ بها على هذا العالم المليء بالتحديَّات إثراءً للنسيج العالمي للفكر الإنسانيّ والتجربة الإنسانيَّة، بإنشاء مجلَّة فكريَّة ثقافيَّة هادفة، تتجاوز الحدود التقليديَّة، تحتضن ثراء الفكر وتوفّر منصَّة لتبادلِ الأفكارِ العميقة والمواضيع المثيرة للثقافة الإنسانيَّة، فكانت مجلَّة نارٌ ونور.

مجلَّة نارٌ ونور، ليس مجرَّد خيار؛ بل هو تعبير عن التزام وتقدير، عربون وفاء لصاحب الوعي الروُّحيّ، إلقاء الضوء على المفهوم الداهشيّ وإظهار الصورة الحقيقة لصاحبه، بنشر تعاليمه وكتاباته التي تجاوزت فيها مؤلَّفاته المئة والخمسين مُجلَّداً، صاحب الرسالة الروحيَّة التي تحمَّل في سبيلها الأمرَّين، غريبٌ في أرضٍ غريبة، يعيشُ الحياة المُثلى، يحمل على جراحه وآلامه نور الهداية للعالم. تدخل رِحاب معبده المُقدَّس لتقفَ وجهاً لوجه أمام الحقيقة الصَّادقة الصَّادمة.

مجلَّة نارٌ ونور، مساحةٌ يلتقي فيها العمق بالجوهر لتعزيز النمو الفكريّ، وتقديم نماذج للفكر والأدب الراقي، بعيداً عن سطحيَّة الكلمة في السرد الثقافي، وتفتح المجال واسعاً أمام القرَّاء بتوسيع وجهات نظرهم والإنخراط في تفكيرٍ يتخطَّى المعقول، كما تحفيزهم على التفكير والكتابة. وذلك من خلال نشر الأبحاث والدراسات والمقالات التي تتناول مختلف المواضيع الفكرية والثقافية من منظورٍ إنسانيّ وروحيّ وتحليلها بشكلٍ أكثر عمقًا.

في قلب مجلَّة نارٌ ونور، تكمن مهمة التنوير العميقة. تسعى جاهدة لجمعِ أقلام الداهشيِّين من أدباءٍ وشعراءٍ وأصحاب فكرٍ، شتَّتهم الأيام، وأبعدتهم المسافات، فأصبحوا غرباءً في عالمهم. تفتح لهم نافذةً للتعبير عن تجاربهم مع الحقيقة، تُلامس مشاعرهم بالتواصل العميق للرُّوح والنَّفس، تُحاكي إنسانيَّتهم بشكلٍ فعّال مع الحياة والوجود، ومشاركتهم معرفتهم الروحيَّة المُقتبسة من النبي الحبيب الهادي.

مجلَّة نارٌ ونور، نورٌ لا نار فيها، أنوارٌ ساطعةٌ باهرة تنشُرها أمام عقول قرائها، تقدِّم مجموعة متنوعة من وجهات النظر والأفكار والرؤى الثقافية، بهدف إحياء وتجديد إيمان الإنسان بالله والقيم الروحيَّة، في الحقيقة والنَّفس والرُّوح، مفاهيمٌ لم يألِفوها، بعيدة عن الغوغائيَّة الكلاميَّة، مدعومة بالبراهين الساطعة، مؤيَّدة بالتزامٍ أخلاقي في السرد والنقل والشهادة. تفتح المجال في السؤال والجواب، للساعين وراء المعرفة، بالتواصل المُباشر مع أصحاب الآراء والكتابات والمقالات.

مجلَّة نارٌ ونور، توفّر منصَّة للفنانين، تُشجِّع المُبدعين، تفتح فرصة لعرض وتقديم وتسليط الضوء على إبداعهم في المجال الفنِّي، سواء كانت لوحات فنيَّة، صور فوتوغرافية، أو أي نوع آخر من الفنون التشكيليَّة. تُساعد في فهم خلفياتهم الفنيَّة وإلهام القرَّاء بتفاصيل حياتهم، تنشر مقالات وتحليلات تقييميَّة لأعمالهم، مما يساهم في إبراز الجوانب الفنيَّة والفلسفيَّة لها، ويساعد في توجيه القراء نحو فهم عميق للفن.

هيئة التحرير.

إقرأ أكثر

روابط

الحياة سفينة عظيمة رائعة تمخر في بحر ماؤه ألآثام , وأمواجه الشهوات البهيميّة , وشطآنه النهاية المؤلمة .

الدكتور داهش

Send Us A Message

error: Content is protected !!