حسين يونس
من اضطلعَ على تاريخ البشريَّة من البدايات البدائيّة الى العصر الحديث وعلى امتدادٍ لآلاف السنين وما تحمله في طيَّاتها من انتشارٍ للعديد من الحضارات وما تضمَّنتها من تطوُّرٍ ثقافيّ وتكنولوجيّ، وتقدُّمٍ في العلوم والأدب والفنون، وتحوّلات إجتماعيَّة وثقافيَّة، واستكشافاتٍ وثوراتٍ صناعيَّة ورقميّة وعولمة، وما رافقها من حروبٍ وويلات وكوارث طبيعيَّة، إضافةً الى الأمراض والأوبئة التي انتشرت على مرِّ العصور. ثَبُتَ لديه أنَّ لا شئَ ثابت، وكلُّ ما دون الله باطل، وحده الحقيقة الأسمى، الثابتة والمُطلقة. وأنَّ الحياة حُلُمُ حالم وظلٌّ زائل، فمهما طالت قصيرة والى منتهى.
من نظرَ بعين الإيمان فيما أُنزِل على رُسُلِ الله عزَّ وجَلّ وأنبيائه من كُتبٍ سماويّة، وجدها عامرةً زاخرة بقصصِ شعوبٍ ومُدنٍ دُمَّرت عن بكرة أبيها، بموجب إرادةٍ إلهية أو نتيجةٍ لسلوكٍ غير سويّ، كمدن سدوم وعمورة التي تمَّ تدميرها بسبب شرور سكانها وتماديهم في الرذائل ، ورفض كلّ انذار روحيّ. كذلك ورد في الكتاب المُقدَّس تدمير العديد من القرى والمُدن والشعوب بقيادة يشوع بن نون مثل أريحا وجبعون وحضر(1)، وإن الله أرسل الطوفان لتنقية الأرض من الشر والفساد، ولم ينجُ منه إلاَّ نوح وأسرته في السفينة(2)، وفي القرآن الكريم، أُشير الى شعوب عاد وثمود قوم مدائن صالح وإرم ذات العماد اللذين تم تدميرهم بسبب معاصيهم وكفرهم بالأنبياء.(3) كذلك يصف الفيلسوف اليوناني بلاتون أطلنتيس كحضارة قديمة متقدمة ومزدهرة(4)، لكنهم أهملوا قوانين الطبيعة والأخلاق، مما أدى إلى سقوط حضارتهم ، واختفاءها تمامًا تحت المياه بسبب الزلازل أو الارتفاعات والانخفاضات في مستوى سطح البحر.
وفي هذا الصَّدد لا يسعُنا إلاَّ أن نُذكر بعض كوارث العهد الجديد، كمدينة بومبي(5) في إيطاليا والتي دُمِّرت في عام 79 ميلاديًا بثورة بركان فيزوف. فالرماد والحمم البركانية غطت المدينة وأدت إلى دفنها، وبقيت تحت الأرض لقرون عديدة قبل اكتشافها كموقعٍ أثريٍّ مشهور. كما تعرضت جزيرة سانت هيلينا في جنوب المحيط الأطلسي لثوران بركاني في عام 1815، مما أدى إلى تدمير المناطق المأهولة على الجزيرة. كذلك تعرضت مدينة سان فرانسيسكو لزلزال عنيف في عام 1906،(6) مما أسفر عن دمار هائل، وجزيرة كريت لزلازل متكررة على مر التاريخ، والتي أسفرت عن دمار بعض المدن والقرى.
ومن أكبر الكوارث الطبيعيَّة التي شهدتها البشريَّة في العصر الحديث تسونامي أندونيسيا(7) الذي نتج عن زلزالٍ ضخم بقوَّة 9.1 درجة على مقياس ريختر قبالة سواحل اقليم آتشيه شمال سومطرة في المُحيط الهندي، ممَّا أدى إلى انهيار قاع المحيط، وتكوين موجات تسونامي هائلة. تحركت هذه الموجات بسرعة عبر المحيط الهندي وضربت سواحل عدة دول، بما في ذلك إندونيسيا وتايلاند وسريلانكا والهند والمالديف وبنغلاديش والسواحل الشرقية لأفريقيا. التسونامي أسفر عن دمار هائل، حيث تسبب في مقتل وإصابة مئات الآلاف من الأشخاص. وتدمير العديد من المدن والقرى الساحلية بالكامل، وفقد الكثيرون منازلهم وممتلكاتهم. أضف إليها زلزال باكستان 2005(8) وزلزال تركيا شباط 2023(9) وغيرها الكثير.
وكوارث الحروب كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، الحروب العالميَّة الأولى(10) والثانية(11) وما تسبَّبت فيه من خسائر بشريَّةٍ هائلة بلغت أربعة وخمسين مليون قتيل إضافةً لملايين الجرحى والمُعاقين، وإنهيار العديد من الأمبراطوريَّات الكبيرة، وتدمير البنى التحتيَّة في العديد من البلدان بشكلٍ كبير، وأنتشار الأمراض والأوبئة، وتدمير الغابات والموارد الطبيعيَّة، وانهيار الإقتصاد العالمي وزيادة مُعدلات البطالة، وتشريد ملايين الأشخاص من منازلهم، ولن ننسى مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان بعدما تعرضت هاتين المدينتين للقنبلة الذرية خلال الحرب العالمية الثانية في عام 1945 مما أدى إلى دمار هائل وفقدان العديد من الأرواح..
كذلك لن ننسى الطَّاعون والإنفلونزا الإسبانيَّة، وحديثاً كوفيد 19 الوباء الذي ذهب ضحيَّته عشرات الآلاف من الأشخاص.
هذه أمثلة فقط على الشعوب والمدن التي دُمرت على مر التاريخ. والتي أُهلِكَ أصحابها من جرَّاء الحروب والزلازل والبراكين والأوبئة وغيرها من الكوارث الطبيعيَّة. وما حدثَ بالأمس قد يحدثُ اليوم أو غداً, فقوانين الله ثابتة ثبوت الله جُلَّ اسمه.
وصاحب المنطق السليم والبصيرة النيِّرة لا بُدَّ أن يفترض وجود تأثيرٍ روحيّ يرتبط بالأحداث الحياتية، كإطارٍ يفسِّر الأحداث والظروف الصعبة التي يمرُّ بها الفرد أو المجتمع على حدٍّ سواء، أكانت إيجابية أو سلبية، ويعتبر أنَّ مردَّ كلُّ هذه المآسي والآلام يعود الى قانون السببيَّة الروحيَّة والجزاء العادل، أما قال الله تعالى في كتابه الكريم: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8](12). هذا هو قانون العدالة الإلهيَّة، الذي وضعه الله للسموات والأكوان، أصل كلِّ معرفة وقوَّة ومحبَّة، لعوالم الأرواح وعوالم المادَّة، ولكلِّ ذي نسمة، معروفها ومجهولها..
من أُتيحَ له مُطالعة الكتُبِ المُقدَّسة بوعيٍ ونُضجٍ فكري، مُعتمداً على ما أولاه إيَّاه الله من بصيرة في تحليل الأمور واستنتاجاتها، مُحرِّراً ذاته من تبعيَّةٍ بغيضة تُضعفُ شخصيَّته، وتُحدُّ من زيادة إدراكه ومعرفتة الحقائق الروحيَّة،. وبعيداً عمَّا تعتمر به نفوس الأكثريَّة الساحقة من عصبيَّة دينيَّة أو مذهبيَّة، ينتجُ عنها تشويش في المفاهيم وضبابيَّة في الرؤية، وما يترتَّب عليها من مسؤوليَّة على الصعيدين الشخصي والمُجتمعي، وتفاعلاتٍ سلبيَّة مع مجريات الحياة، اتَّضحَ له أنَّ الديانات السماويَّة جميعها ألمحت الى قيام الساعة، وإن أعطت علاماتٌ للدلالة عليها، إلاَّ أنَّها لم تُشر الى وقتٍ معلومٍ أو محدود.
من أُتيحَ له قراءة الماضي البعيد والقريب، ورَدَ أنَّ الأساس في الذات الإنسانيَّة ينطوي على أعراضٍ تقاوم سنن التبدّل والتغيّر الاجتماعي و تنحاز لموروثها الحضاري باعتباره موروثٌ مقدَّس. ومن تسنَّى له العيش بين سطور الحاضر المُتغيِّر من بداءَةٍ وحضارة، وما بينهما من ضغطِ عوامل التقليد المتراكم والتطوُّر السريع، عَلِمَ ميل هذه الذات إلى تجديد محتواها عبر الاندفاع المفاجئ والانفجاري، والتي تشكّلُ مفصلاً أساسيَّاً في الثبات والتحوُّل، وما يترتَّبُ عليها من إضطراب ذهنيّ ونفسيّ. لا بُدَّ له من رؤية المستقبل القاتم الآتي بما فيه من بلبلةٍ نفسيٍّة واجتماعيّة، وابتعادٌ عن الخطِّ السَوي، واضطرابٌ عقليّ وشذوذٌ في السلوك والميول وارتكابُ المعاصي والسيِّئات، وكأنَّه المسمار الأخير في نعش البشريَّة جمعاء لِما فيه من عمليَّة تفكُّكيَّة لشخصيَّة الإنسان الكاملة، والعالم على حافة الإنهيار يواجه مصيراً مُشتركاً.
من أتيحَ له حضور إحدى الجلسات الروحيَّة، أو سمِعَ ممَّن أنعم الله عليه بإحداها، أو حتى تسنَّى له قراءة ما ورد فيها على لسان ممَّن شاهدها وكتبها، فقد أدرك ما وصلت إليه البشريَّة من إنحطاطٍ خُلُقي، لطالما ردَّده الوحي الإلهي في رسائله الروحيَّة بأن الأرضَ فسُدَت، وطغت عليها الآثام الجسام، والعالم مملوء بالشرور، مُشبَّعٌ بالفجور، زخَّارٌ بالجرائم، واستسهلت النفوس الإندماج بالآفات وارتكاب المُحرَّمات، والقيم الروحية تلاشت, فما عاد يؤمن بها أحد، وما عادت الفضيلة لتزور ربوعه، فأصبح عالم الأرض كالجحيم الدائم التأجج والتوهّج، فحقَّ عليهم غضبُ الرَّبْ.
من أتيح له مُحاكاة النبي الحبيب الهادي، وسماع كلماته، أو قراءتها في كتاباته المُوحاة، أيقن بأن ساعة الفناء هي أقرب إلينا من حبل الوريد، ما دامت شياطين الأطماع تقطن في نفوسنا، وتمتزج في عقولنا. وأسرع ممَّا نتصوَّر، ما زال الظُّلم يعشِّشُ في صدورنا، ويكمن في شغاف أرواحنا، وعدالة السماء التي تُمهل ولا تُهمل ستُدمِّر معالم الحضارة البشريَّة وتُردِّمها ما لم نرعوِ عن الغي والفجور الذي تأصَّل في النفوس، وستُدَكُّ صروحها حتى يُصبحُ عاليها سافلها، وتنهار شوامخها وأبنيتها، وتُهلكَ كلِّ حيٍّ جزاءً وفاقاً على ما اقترفته البشريَّة من فسقٍ ودنسٍ قذرين.
من تمعَّنَ في قراءة الفكر الداهشيَّ، فهم النظرة الداهشيَّة الى أنَّ التكوين البشريّ الأخير ال760 (13)، حدث بعد عدّة قرون من فناء قارة الأطلنتيد والتي بلغت فيها حضارة التكوين السابق أوجها. مما يدلّ على تدمير الأرض مراراً وتكراراً. وليس اليوم أفضل من الأمس. فالأرض التي مُلئت ضجيجاً ستعيش الصَّمت، بعد أن تفشَّت الرذيلة في أرجاءها، والفسق والفجور قد ازداد اضعافاً مُضاعفة عمَّا رُوي عن حضاراتٍ واندثارها. ووصايا الله العشر التي نادى بها على لسان الرُّسل والأنبياء أساساً للخلاص من عالم الأرض، ضُرِبَ بها عرض الحائط، وما عادت تعني الكثيرَ للكثيرِ من البشريَّة الساحقة، أضف إليها فرض بعض المجتمعات القويَّة الشذوذ الجنسيّ على المُجتمعات الضعيفة والترويج لها وتدريسها بين المراهقين والقصَّر وحتى بين الأطفال بحجّة الحريَّات والمساواة وحقوق الإنسان، غير آبهين لمخاطره وما ينتجُ عنه من سلبياتٍ في العقلِ والمنطقِ، كذلك من أزماتٍ نفسيَّة وتفكُكٍ أسريّ، ناسين أو مُتناسين أن هذا الشذوذ كان السببُ الأساس وراء تدمير سدوم وعامورة(14).
قال الله عزَّ وجَلّ في كتابه الكريم: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (القصص 59)(15).
ومن أنعش الله له ذاكرةً رَسَخَ فيها من أقوال الحبيب الهادي كلماتٌ لا تُمحوها الأيّام، تدلُّ على أنَّ الرسالة الداهشيَّة هي آخر الرسالات الروحيَّة للدورة الحالية(21)، وهي بدايةٌ لمرحلةٍ جديدة. وهذا ما معناه بأن تدمير العالم أصبح على قاب قوسين أو أدنى. ومن يَعي الحقائق الروحيَّة، ويُدرك حقيقة العالم والإنسان، وفهم الدين والوجود، يستشفُّ المسؤوليَّة الكبيرة المُلقاة على عاتق الداهشيِّين والداهشيَّات بإنقاذ أنفسهم وإنقاذ الإنسان ومصيره والعالم ومن فيه من كوارثٍ حتميَّة ودمارٍ شامل، وذلك بالعمل على نشر تعاليم السماء ووصاياها بين الناس، والإلتزام بها إلتزاماً لا ريبَ فيه، والتخلّي عن أنانيَّتنا وغرورنا بإشتهاء ما للغير على إختلافه، كما بإتِّخاذ القرارات الصحيحة بتحديد الهدف من الحياة على أن يكون الله غايتنا وليس حاجتنا، فنكونُ قدوةً ومثلاً للآخرين بالسير في طريق الإرتقاء الروحيّ ومعراجه، ونكونُ سترة النجاة التي تقيهم شرَّ التحدِّيات التي تواجه البشريَّة.
وإنقاذ الذات لا يكون إلاَّ بالإسراع الى الأخلاق، وليس بممارسة طقوسٍ واحتفالات، وإنَّما بالعمل الجاد والمُجدي في التغلُّب على النَّفس الأمّارة بالسوء، وإصلاح عيوبها ونقائصها، واتِّباع القيم الروحيَّة في التصرُّفات والقرارات، وصلاة داهش ليست كلمات تردِّدها في اوقات حاجة. هي دستور الخلاص من عوالم المادَّة في الخشوع الكُلّيّ لربِّ السماء، والإتِّكال عليه، والتزام تعاليمه ووصاياه، واحتقار الرغبات الأرضيَّة، ونبذ الدنيويَّات، والعطف على البؤساء والسير في طريق الحقِّ والنور واليقين. هي إرادة الله المُوحاة لرسله ولأنبيائه مُتمثِّلةً بمجموعة قوانين أساسيَّة تنطلق بها لعوالم السعادة والبهاء، هي ناموسٌ ونظامٌ إلهيّ سنَّه الله طريقاً للحبِّ الإلهيّ ونوراً سماويّ، يحضُّ على الخير والفضيلة مُرتقِيًا بالإنسان إلى مُستوًى روحيٍّ أعلى ويُدخلهم فراديس النعيم. وكما أنَّ الحديثُ عن العدالة لا يُحقِّق العدالة، كذلك الكلام في الأخلاق لا يرتقي بالنَّفس، فالعمل ثمَّ العمل ثمَّ العمل، بالتزام المُثُلُ العليا، التي هو عربون الوفاء لإبن السماء والسبيل الوحيد للعفو الإلهيّ. أما قال الله تعالى:” إعملوا فسيرى الله عملكم والمؤمنون”.
من أنار الله بصيرته، وآمن بالرسالة الداهشيَّة الحبيبة وتعاليم مؤسِّسها، أدرك أنَّ البشريَّة جمعاء وكائناتها على اختلاف أشكالها وانتماءاتها تعود الى أصلٍ روحيٍّ واحد، أما ورد في حديثٍ شريف:” الخلق كلُّهم عيال الله، وأحبَّهم الى الله أنفعهم لعياله “. ممَّا يعني أنَّ الإنسانُ أخُ الإنسان. وعليه، يكون إنقاذ البشريَّة لا يقلُّ شأناً عن إنقاذ الذات، يقول الدكتور داهش:”من العار أَن تموتَ قبل أَن تقومَ بأَعمال الخَير نحو الإنسانيَّة “(18). والإنسانيَّة ليست دين، هي المحبَّة، بل حقيقة الوجود، لا تتمّ إلاَّ ببذل الذات من أجل مساعدة الآخر على النهوض لتبقى الإنسانيَّة.
لا يدركَ النورُ الا النورَ، فالداهشي المؤمن المسؤول هو الذي يستمدُ من نورِ الحبيب نوراً يُبدِّدُ فيه ظلمات الديجور، ونور النبيِّ الهادي ساطعٌ سطوع الشمس الروحيَّة، هو السيَّال العشرين، بملء إرادته هبط لإنقاذ السيَّالات العاصية والمتمرِّدة على المشيئة الإلهيَّة، ورغم علمه المُسبق بما سيقاسيه ويعانيه من مآسٍ وإضطهادات، ومرور أزمانٍ وعصورٍ قبل العودة ثانية الى عوالمه الروحيَّة المجيدة، واندماجه بالآبِ السماويّ ومنه الإندماج بالعزَّة الإلهيَّة.
والدكتور داهش قدوة الداهشيّ المؤمن المُخلص، ردَّدَ مراراً وتكراراً:” بشروا في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها “. وبناءً عليه، فالداهشيّ لا يتقاعس عن نشرِ تعاليم السماء ومبادئها وزرع بذور المحبَّة والحقِّ والجمال في أصقاع الأرض وفي الكون أيضاً، حاملاً مشعلاً منيراً، وكُتُبَ هداية، وكلمةَ حقٍّ، وسيرةً ناصعة البياض، ولا يُحجمُ عن تحمُّلَ مسؤوليَّتة، وتكبُّد المشقَّة والألم في سبيل ذلك، وربَّما المُخاطرة. علَّه يكون قد قام بواجبه المُقدَّس، فيَفيدُ ويستفيد. ونتيجة ذلك قد يكون إيمان العديد بالرسالة الداهشيَّة ومبادئها، وترفُّع البعض عن الدنيويَّات ومُغريات الحياة، وعودة البعض الآخر من طريق الرذيلة، تأجيلاً أو حتى إنقاذاً للإنسان ومصيره من الدمار الشامل.
عندما زار ملائكة الله النبي إبراهيم ليخبراه بمصير قوم لوط، قال:” هل تُهلكون قرية فيها 200 مؤمن؟ قالوا: لا، قال: 100، قالوا: لا، قال: 14، قالوا: لا، قال: فمؤمن واحد، قالوا: لا، قال: إنّ فيها لوطًا { وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (32). قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ}.
والنُّورُ يفضحُ الظلام، والحقُّ يُدحض الباطل، وما التكاثر الذي طُلِب من نبي الله نوح لفرز السيَّالات إلاَّ كنشر كلمة النبي الحبيب الهادي وتحمُّل مشقَّات الجهاد والتمسُّك بعُرى الأخلاق الرفيعة والتغلُّب على مُغريات الحياة لفرز المؤمنين من قطيع هؤلاء البشر الأردياء،.. ونشرُ التعاليم الإلهيَّة وروح الإنسانيَّة الصادقة في المُجتمعات ، بعيداً عن الأنانيَّة الصرفة، وتسلُّط القويّ على الضعيف بحججٍ واهية، هدفها الإستعباد. تساعد في تعزيز الوعي حول القيم الروحيَّة والمسلكيَّة وبناء مُجتمعٍ أفضل… الوقتُ قصير والعمل كثير، والعمل على نشر الرسالة الداهشيَّة الحبيبة هو بوَّابة الخلاص لثورة الجحيم التي لا تُبقي ولا تُذر..
يقول الدكتور غازي براكس:” ليس إلاَّ الراقون روحيًّا يُقدِمون على اعتناق الحقائق الجديدة دونما تهيُّب، في حين أَنَّ مُعظمَ الناس يجبنون ويُحجِمون عن تغيير ما نشأُوا عليه من أَفكارٍ ومُعتقدات تسلَّموها من أَسلافهم، لأنَّ ذلك التغييرَ يتطلَّبُ شجاعةً ومُواجهةً(20).
بيروت في 3 تشرين أول 2023
حسين يونس
المراجع:
قوم ثمود هم قوم ورد ذكرهم في القرآن، وكانوا ينحتون الجبال لتكون بيوتًا لهم، ويتخذون من سهولها قصورًا لهم، وقد ورد اسم ثمود في نصوص الآشوريين في إحدى معارك سرجون الثاني؛ انتهت بانتصار آشور وإخضاع الثموديين.
وقوم ثمود من العرب البائدة، وهم قوم أرسل الله إليهم صالحًا عليه السلام نبيًّا ورسولًا منهم، يدعوهم لعبادة الله وحده وترك عبادة الأوثان، فاستجابوا لدعوة نبي الله صالح، ثم ارتد أكثرهم عن دينهم وعقروا الناقة التي أرسلها الله لهم آية، وتحدَّوا صالحًا أن يأتيهم بالعذاب، ودبر تسعة منهم مكيدة لقتل صالح وأهله، فأهلك الله الذين ظلموا من قوم ثمود ونجَّي صالحًا والمؤمنين.
إرَم ذات العماد مُختلف فيها أهي مدينة؟ أم قبيلة؟، للآية القرآنية الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ، فسر بعضهم هذه الآية بأن المقصود هو قبيلة أرم هم الذين لم يخلق مثلهم كبشر في الضخامة والقوة، بينما فسرها بعضهم بأن المقصود مدينة تسمى أرم هي التي لم يخلق مثلها، ذكرت في سورة الفجر في القرآن.
قلم مُجنح أشبه بفراشة ترفرف من زهرة إلى زهرة تجتني رحيقها ولقاحها، تتلهَّى أحيانًا وتتسلّى بالحديث مع الأزهار. أنا قلمٌ، تقول الفراشة للأزهار،
الإلهاتُ الفاتناتُ
ما ان دعاني بعض الاصدقاء الاخوة الناشطين فكرياً وعقائدياً للمشاركة في الكتابة في مجلة النار والنور الالكترونية حتى ذهبت بي الذاكرة إلى مجلة بروق ورعود “ ٢٣ آذار ١٩٦٨ إلى ٢٣ تموز ١٩٦٨"،
"فقال الربّ لقايين: «أين هابيل أخوك؟» فقال: «لا أعلم! أحارس أنا لأخي؟» فقال: «ماذا فعلت؟ صوت دم أخيك صارخ اليّ من الارض."1
في عصر التقدُّم التكنولوجي والتطوُّر السريع، وتماشيَّاً مع الثورة الرقميَّة في طريقة نشر المعلومات، والتكيُّف مع إحتياجات العصر الرقمي وتحوُّل الصحافة التقليدية، برزت المجلَّة الإلكترونيَّة، تتجاوز الحدود الجغرافية والزمنيَّة، وتربط الأفراد في جميع أنحاء العالم،كوسيلة إعلاميَّة وديناميكيَّة وتفاعليَّة لتوصيل المحتوى ومُشاركته مع أكبر عددٍ من القرَّاء، أصحاب العلم ومُحبِّي المعرفة والباحثين عن الحقيقة، في أقصر وقتٍ ممكن.
ومع ظهور هذا الكَّمِّ الهائل من وسائل الإعلام والتواصل العالمي والتبادل الثقافي، لنشر الثقافات ووجهات النظر والأفكار المتنوعة، وبغياب الرقابة والمهنيَّة والموضوعيَّة في النشر، كَثُرَ انتشار المعلومات الخاطئة والأخبار المُزيَّفة، مما يُسلِّط الضوء على أهمية محو الأمية الإعلاميَّة، والحاجة الى الاعتبارات الأخلاقيَّة.
كان لا بُدَّ لنا من فتحِ نافذةً نطلُّ بها على هذا العالم المليء بالتحديَّات إثراءً للنسيج العالمي للفكر الإنسانيّ والتجربة الإنسانيَّة، بإنشاء مجلَّة فكريَّة ثقافيَّة هادفة، تتجاوز الحدود التقليديَّة، تحتضن ثراء الفكر وتوفّر منصَّة لتبادلِ الأفكارِ العميقة والمواضيع المثيرة للثقافة الإنسانيَّة، فكانت مجلَّة نارٌ ونور.
مجلَّة نارٌ ونور، ليس مجرَّد خيار؛ بل هو تعبير عن التزام وتقدير، عربون وفاء لصاحب الوعي الروُّحيّ، إلقاء الضوء على المفهوم الداهشيّ وإظهار الصورة الحقيقة لصاحبه، بنشر تعاليمه وكتاباته التي تجاوزت فيها مؤلَّفاته المئة والخمسين مُجلَّداً، صاحب الرسالة الروحيَّة التي تحمَّل في سبيلها الأمرَّين، غريبٌ في أرضٍ غريبة، يعيشُ الحياة المُثلى، يحمل على جراحه وآلامه نور الهداية للعالم. تدخل رِحاب معبده المُقدَّس لتقفَ وجهاً لوجه أمام الحقيقة الصَّادقة الصَّادمة.
مجلَّة نارٌ ونور، مساحةٌ يلتقي فيها العمق بالجوهر لتعزيز النمو الفكريّ، وتقديم نماذج للفكر والأدب الراقي، بعيداً عن سطحيَّة الكلمة في السرد الثقافي، وتفتح المجال واسعاً أمام القرَّاء بتوسيع وجهات نظرهم والإنخراط في تفكيرٍ يتخطَّى المعقول، كما تحفيزهم على التفكير والكتابة. وذلك من خلال نشر الأبحاث والدراسات والمقالات التي تتناول مختلف المواضيع الفكرية والثقافية من منظورٍ إنسانيّ وروحيّ وتحليلها بشكلٍ أكثر عمقًا.
في قلب مجلَّة نارٌ ونور، تكمن مهمة التنوير العميقة. تسعى جاهدة لجمعِ أقلام الداهشيِّين من أدباءٍ وشعراءٍ وأصحاب فكرٍ، شتَّتهم الأيام، وأبعدتهم المسافات، فأصبحوا غرباءً في عالمهم. تفتح لهم نافذةً للتعبير عن تجاربهم مع الحقيقة، تُلامس مشاعرهم بالتواصل العميق للرُّوح والنَّفس، تُحاكي إنسانيَّتهم بشكلٍ فعّال مع الحياة والوجود، ومشاركتهم معرفتهم الروحيَّة المُقتبسة من النبي الحبيب الهادي.
مجلَّة نارٌ ونور، نورٌ لا نار فيها، أنوارٌ ساطعةٌ باهرة تنشُرها أمام عقول قرائها، تقدِّم مجموعة متنوعة من وجهات النظر والأفكار والرؤى الثقافية، بهدف إحياء وتجديد إيمان الإنسان بالله والقيم الروحيَّة، في الحقيقة والنَّفس والرُّوح، مفاهيمٌ لم يألِفوها، بعيدة عن الغوغائيَّة الكلاميَّة، مدعومة بالبراهين الساطعة، مؤيَّدة بالتزامٍ أخلاقي في السرد والنقل والشهادة. تفتح المجال في السؤال والجواب، للساعين وراء المعرفة، بالتواصل المُباشر مع أصحاب الآراء والكتابات والمقالات.
مجلَّة نارٌ ونور، توفّر منصَّة للفنانين، تُشجِّع المُبدعين، تفتح فرصة لعرض وتقديم وتسليط الضوء على إبداعهم في المجال الفنِّي، سواء كانت لوحات فنيَّة، صور فوتوغرافية، أو أي نوع آخر من الفنون التشكيليَّة. تُساعد في فهم خلفياتهم الفنيَّة وإلهام القرَّاء بتفاصيل حياتهم، تنشر مقالات وتحليلات تقييميَّة لأعمالهم، مما يساهم في إبراز الجوانب الفنيَّة والفلسفيَّة لها، ويساعد في توجيه القراء نحو فهم عميق للفن.
هيئة التحرير.
الحياة
سفينة عظيمة رائعة تمخر في بحر ماؤه ألآثام , وأمواجه الشهوات البهيميّة , وشطآنه
النهاية المؤلمة .
الدكتور داهش