Logo

أصلُ المعرفة مُثُلٌ عليا

تذكَّر أنَّ اليوم هو الغد الذي كنت قلقاً عليه بالأمس

دراسات وأبحاث

أدب الدكتور داهش

 

– رؤية جديدة الى العالم

– وجمالية الحقيقة تنبثق مشرقة فيه..

– قراءة سليمان جمعة في أقصوصة

“الكلب الشريد الطريد”

للدكتور داهش

 

النَّص

كان كلباً هزيلاً، يجوب شوارع المدينة ؛واضعا أنفه نحو الارض ليتنسم رائحة طعام ما، دون أن يعثر على لقمة يتبلغ بها.

ويتجول في الأزقة والمنعطفات ،ثم يذهب الى ضواحي المدينة حيث تلقى القمامة ؛فيخوضها عله يعثر على عظمة يمتصها ليسد بها جوعه…ولكنه لا يفوز بطائل.

فيعدو الى المدينة ..ويقوده أنفه الى ملحمة يقف امام بابها ذليلا،منتظرا من صاحبها ان يلقي له شحمة او عظمة ليملأ فراغ بطنه

وكانت الامطار تتساقط بغزارة فتغمر جسده الناحل الذي لا شعر فيه يقيه،نوعا ،هذا المطر الهتان.

ويقترب نحو الباب ليحمي جسده الاجرب من هذه الامطار الغزيرة،واذا بصاحب الملحمة يركله بقدمه بقوة ،ثم ينهال عليه ضربا بعصا غليظة ،فيعوي من الالم الرهيب،ويلوذ بالفرار وهو يتوجع من هذا الضرب المبرح الذي قاساه دون ذنب جناه!…

ويدفعه الجوع الكافر ،بعد قليل، فيعود الى الملحمة عل صاحبها يرحمه فيلقي له بعض العظام.

لكنه ما كاد يصل الى بابها حتى تلقاه صاحبها بهراوة كافرة، ضربه بها بقوة على رأسه فشجه،وتدفقت الدماء منه غزيرة..

وجعل هذا الكلب المسكين يحتضر .

وأخيرا انطلقت روحه لتشكو هذا الكافر الذي انعدمت منه الانسانية ، فاصبح اشبه بالوحش المفترس منه بالانسان.

     #الكلب القتيل اصبح اميرا

كان الامير مالكولم شاباً جميل المحيا، له من العمر اربعة وعشرون عاما؛يملك قصرا فخما في ضواحي روما، تحيط به حديقة غناء فيها اشجار ذات اثمار جنية، تصدح على اغصانها الطيور البهية ؛فيظن المصغي لصداحها انها موسيقى الآلهة تعزفها الملائكة الأبرار.

وكان هذا الامير يحيا حياة بذخ وترف، تحف به كواعب حسان وتطربه القيان ،ويعيش في قصره المنيف بامان،غير عابىء بنوائب الحدثان.

   #قاتل الكلب يتقمص

 كلبا

خرج الامير مالكولم من قصره، ممتطيا صهوة جواده الاشهب؛ ترافقه خطيبته تيتيانا على حصانها الابيض.

وما ابتعدا عن القصر قليلا حتى شاهدا شرذمة من الفتيان وهم يضربون بالعصي والحجارة كلبا هزيلا مقطوع الذيل ،مصلوم الاذنين ، ضامر البطن ، اعمش العينين ،أجرب الجسم.

وكان هذا الكلب التعيس يحاول الهروب ،لكن لا سبيل له الى النجاة لاحاطة الفتيان له احاطة السوار للمعصم.

فنهر الامير الفتيان ،فتفرقوا مذعورين .

اذ ذاك ترجل عن صهوة جواده الاشهب ، وحمل الكلب الجريح .ثم اعتلى صهوة فرسه ، وعاد الى قصره ؛وأمر الخدم أن يضمدوا جراح هذا الكلب المسكين.

وقد دهش الامير عندما شاهد الكلب يذرف دموعه بغزارة !وكان يلعق يد الامير وكأنه يشكره على صنيعه معه!

وعندما غادره الامير انكمش على نفسه ، وأبى ان يتناول الطعام الذي قدم له ، وكانت دموعه تجري بدون انقطاع!

    #الحلم العجيب 

استسلم الامير للرقاد ، بعد سهرة عارمة قضاها مع خطيبته تيتيانا.

وعندما استيقظ في الصباح استدعى والديه وأشقاءه وخطيبته ..وقص عليهم حلما عجيبا تراءى له في نومه.

فذكر لهم انه حلم بانه كان في تقمصه السابق كلبا شريدا طريدا اضر به الجوع فجعل يجوب المدن والدساكر ، باحثا عما يسد به رمقه .

وقادته خطواته الى ملحمة لعل صاحبها يرق له فيرميه بعظمة .ولكنه عوضا عن اطعامه حطم رأسه بهراوة ثقيلة.

فجوزي بتقمصه الحالي ذلك الكلب الذي كان الاولاد يرشقونه بالحجارة ويضربونه بالعصي.وأكمل الامير قائلا:

أما أنا فقد كنت ذلك الكلب الذي قتل بهراوة صاحب الملحمة .

    #المعتدي يجازي

 نفسه

ودهش الجميع لهذا الحلم العجيب الغريب!

واندفعوا حيث الكلب ؛فإذا بجميع المحاولات التي بذلها الخدم لإطعامه قد باءت بالفشل الذريع.

وكانت دموع الكلب ما تزال تجري من مقلتيه الضعيفتين،.

وعندما شاهد الامير هجم عليه ، وراح يلعق يديه ،ويتمرغ تحت قدميه ؛

فذهل الجميع اذ تأكد لهم أن الحلم حقيقة لا شك فيها .

وفجأة اندفع الكلب راكضا نحو درج القصر ، وصعده بسرعة فائقة وركض الامير ومن معه وراءه.

وحينما وصل الكلب الى السطح.، ألقى بنفسه نحو الارض من ذلك العلو الشاهق..فإذا به جثة هامدة!

بيروت الساعة ٦ مساء

تاريخ ١١/١/١٩٧٥

الدكتور داهش.

 

#القراءة

قد نرى الى الخيال انه الواقع،

هذا النص يمتد على حياتين ، أو ولادتين . 

وهو معادل موضوعي لفكرة/نظام التقمص الكوني الذي اتى به الدكتور داهش في ادبه وخاصة في كتابه ” #قصص غريبة واساطير عجيبة ” الذي يقع في اربعة أجزاء .. والاقصوصة التي نقرؤها هي منها ..

قلت انه نظام كوني فقد عبر د.داهش عن ذلك في كتابين ايضا هما النعيم في ٣ اجزاء وجعل في كل جزء خمسين درجة نعيمية وفي الجحيم في٣ اجزاء ايضا جعل في كل جزء منه خمسين دركة جحيمية؛  

وهي عوالم مبثوثة في هذا الكون الرحيب..والارض الدنيا احداها .. 

ويولد فيها من يستحق مستواها الروحي جزاءً وفاقًا لعمله فإن كان خيرا فله درجة نعيمية وان كان شرا فله دركة جحيمية ..

قصتنا” الكلب الشريد الطريد”

هي على مستوى الارض..

اذاً،

فالبنى المعرفية التي شكلت الحياة الثانية هي:

_الامير وحاشيته

_حلم الامير 

الاولاد يرجمون الكلب 

_انتحار الكلب .

يقابلها بنى معرفية شكلت الحياة الاولى “

_الكلب الطريد يجوب المدينة

_الكلب امام ملحمة الجزار

_الجزار يشج بهراوته رأس الكلب 

_الكلب يحتضر حتى الموت. 

الحلم هو القنديل الكاشف للقصة .

اخبر الحلم الامير انه كان في حياته السابقة كلبا هزيلا يجوب شوارع المدينة جائعا ..والجزار تقمص كلبا بهيئة مزرية في حياته اللاحقة ..يرجمه الاولاد..

الحلم ليس كالرؤيا فيحتاج الى تأويل..انما هو كشف لواقع يعجز العقل عن تفسيره ..ويطرح السؤال :

لماذا تسير الامور هكذا؟

 في الحياة الاولى:

  الكلب /الذي تقمص اميرا.. لم ينبر احد من اهل المدينة فيطعمه .. والفصل شتاء وهو اجرب ..جلده لا يقيه المطر.. هذا الحصار كان قاسيا ..:

جوع ومرض واناس غير مبالين.

الكلب اخترق حصاره رجاء ان يقدم له الجزار شحمة او عظمة ولكن الجزار ركله وضربه بالعصا ثم هشم راسه بهراوته.. فمات..

الجزار تحاصره ثقافة القسوة وعدم الاكتراث بحيوان هو مرذول .. بينما في المقابل ..

الامير /الذي كان الكلب المرذول …يتنزه في مدينته مع خطيبته الحبيبة وفي ربيع ..ويخدمه الناس من حاشيته ..

هذا الانتقال من حياة قاسية الى حياة رغيدة 

هي استحقاق لا ندري كنهه لانه من الغيب والاسرار ..يتولى نظام التقمص بالمفهوم الداهشي العمل به ..

ونرى ايضا البيئة التي تحيط بالامير تحمل ثقافة الجزار نفسه .. ونرى الاولاد يرجمون الكلب_الذي كان الجزار الظالم بتأثير ثقافته وبخله .. 

وذلك جزاء ما كان يسلكه في حياته السابقة .

 الامير/الكلب ينتشل الكلب / الجزار من محنته ويحمله معه على حصانه وذلك تكريما له انه يركب ركب امير ..بينما الجزار /الكلب ..قد ركله برجله وضربه بعصاه وشج رأسه بهراوته فقتله..

الامير /الكلب سابقا

يأمر خدمه بتضميد جراح الكلب الجزار سابقا ..

نفس الكلب/الامير ارتقت بعذابها لتُعطى الرفاهية .. ونفس الجزار تسفلت بظلمها فجوزيت ان تكون في بيئة ترجمها..

الكلب /الجزار عرف الامير وماذا فعل معه فأخذ يلعق يده كأنما يطلب العفو والسماح منه فتكلمت دموعه معبرة عن ذلك .. وقرر ان يجازي نفسه فانتحر..

هل انتحاره سيمنحه في تقمص حياة اخرى لها مستوى جميل ؟ لا ندري فذلك سر لا ندركه .  

والحلم اخبر الامير ..

فالمفارقة ان الحيوان يدرك تقمصه السابق والانسان يحتاج الى ما او من يخبره ..

وتعلمنا القصة ان النفس التي تسكن هيكل كائن حيوان قد تسكن هي ذاتها هيكل كائن انسان.. فالتقمص للنفس والهياكل سكناها ..

والهيكل قد لا يدل على مستوى ايهما ارقى روحيا .. انما الفعل هو المعيار ..وقد تسكن النفس هيكل شجرة او فأر او اسد او قصب (كما مر معنا في قراءتي لاقصوصة :”سر سلة القصب” وهي للدكتور داهش..

 التي بينت سر وحدة الرسالات السماوية او ما نطلق عليه “وحدة الاديان…” ..

او تكون في نسيم …

وقد تبقى على الارض وتسكن هياكل هي في الارض .وقد تغادر الى عوالم تستحقها وتسكن الهياكل الخاصة بها باشكال لا نعرفها ولها لغاتها ..وقد جاء ذلك في كتاب .د.داهش ” احياء على سطح القمر “.. و”كوكب فومالزاب “…

اذاً ..

القصة التي امتدت بين حياتين في عصر كان الحصان وسيلة انتقال …تحكي لنا 

ان هذا الوجود الذي نرى كائناته تسكنها نفوس تتقمص تبع نظام كوني دقيق ..والفعل هو الاساس ..فلا عرق افضل من عرق ولا لون يتميز عن لون …. فهويتي هي الانسانية على الارض او النفس الكونية ..التي لها هذا الكون كله..

سليمان جمعة

 

إقرأ أكثر
من الأبحاث ما لا يخاطب الاّ من استقام فيهم الفهم وصحة النفس معا" . ذلك بأن الفهم يقتضي منه حدّ أدنى لادراك الحقائق ، وفقدان الصحة النفسيّة يخلّ التوازن في الحكم والرؤية فيغشي البصيرة وان سلم البصر .

دراسات وأبحاث

البحث السابق

هدف المجلّة

في عصر التقدُّم التكنولوجي والتطوُّر السريع، وتماشيَّاً مع الثورة الرقميَّة في طريقة نشر المعلومات، والتكيُّف مع إحتياجات العصر الرقمي وتحوُّل الصحافة التقليدية، برزت المجلَّة الإلكترونيَّة، تتجاوز الحدود الجغرافية والزمنيَّة، وتربط الأفراد في جميع أنحاء العالم،كوسيلة إعلاميَّة وديناميكيَّة وتفاعليَّة لتوصيل المحتوى ومُشاركته مع أكبر عددٍ من القرَّاء، أصحاب العلم ومُحبِّي المعرفة والباحثين عن الحقيقة، في أقصر وقتٍ ممكن.

ومع ظهور هذا الكَّمِّ الهائل من وسائل الإعلام والتواصل العالمي والتبادل الثقافي، لنشر الثقافات ووجهات النظر والأفكار المتنوعة، وبغياب الرقابة والمهنيَّة والموضوعيَّة في النشر، كَثُرَ انتشار المعلومات الخاطئة والأخبار المُزيَّفة، مما يُسلِّط الضوء على أهمية محو الأمية الإعلاميَّة، والحاجة الى الاعتبارات الأخلاقيَّة.

كان لا بُدَّ لنا من فتحِ نافذةً نطلُّ بها على هذا العالم المليء بالتحديَّات إثراءً للنسيج العالمي للفكر الإنسانيّ والتجربة الإنسانيَّة، بإنشاء مجلَّة فكريَّة ثقافيَّة هادفة، تتجاوز الحدود التقليديَّة، تحتضن ثراء الفكر وتوفّر منصَّة لتبادلِ الأفكارِ العميقة والمواضيع المثيرة للثقافة الإنسانيَّة، فكانت مجلَّة نارٌ ونور.

مجلَّة نارٌ ونور، ليس مجرَّد خيار؛ بل هو تعبير عن التزام وتقدير، عربون وفاء لصاحب الوعي الروُّحيّ، إلقاء الضوء على المفهوم الداهشيّ وإظهار الصورة الحقيقة لصاحبه، بنشر تعاليمه وكتاباته التي تجاوزت فيها مؤلَّفاته المئة والخمسين مُجلَّداً، صاحب الرسالة الروحيَّة التي تحمَّل في سبيلها الأمرَّين، غريبٌ في أرضٍ غريبة، يعيشُ الحياة المُثلى، يحمل على جراحه وآلامه نور الهداية للعالم. تدخل رِحاب معبده المُقدَّس لتقفَ وجهاً لوجه أمام الحقيقة الصَّادقة الصَّادمة.

مجلَّة نارٌ ونور، مساحةٌ يلتقي فيها العمق بالجوهر لتعزيز النمو الفكريّ، وتقديم نماذج للفكر والأدب الراقي، بعيداً عن سطحيَّة الكلمة في السرد الثقافي، وتفتح المجال واسعاً أمام القرَّاء بتوسيع وجهات نظرهم والإنخراط في تفكيرٍ يتخطَّى المعقول، كما تحفيزهم على التفكير والكتابة. وذلك من خلال نشر الأبحاث والدراسات والمقالات التي تتناول مختلف المواضيع الفكرية والثقافية من منظورٍ إنسانيّ وروحيّ وتحليلها بشكلٍ أكثر عمقًا.

في قلب مجلَّة نارٌ ونور، تكمن مهمة التنوير العميقة. تسعى جاهدة لجمعِ أقلام الداهشيِّين من أدباءٍ وشعراءٍ وأصحاب فكرٍ، شتَّتهم الأيام، وأبعدتهم المسافات، فأصبحوا غرباءً في عالمهم. تفتح لهم نافذةً للتعبير عن تجاربهم مع الحقيقة، تُلامس مشاعرهم بالتواصل العميق للرُّوح والنَّفس، تُحاكي إنسانيَّتهم بشكلٍ فعّال مع الحياة والوجود، ومشاركتهم معرفتهم الروحيَّة المُقتبسة من النبي الحبيب الهادي.

مجلَّة نارٌ ونور، نورٌ لا نار فيها، أنوارٌ ساطعةٌ باهرة تنشُرها أمام عقول قرائها، تقدِّم مجموعة متنوعة من وجهات النظر والأفكار والرؤى الثقافية، بهدف إحياء وتجديد إيمان الإنسان بالله والقيم الروحيَّة، في الحقيقة والنَّفس والرُّوح، مفاهيمٌ لم يألِفوها، بعيدة عن الغوغائيَّة الكلاميَّة، مدعومة بالبراهين الساطعة، مؤيَّدة بالتزامٍ أخلاقي في السرد والنقل والشهادة. تفتح المجال في السؤال والجواب، للساعين وراء المعرفة، بالتواصل المُباشر مع أصحاب الآراء والكتابات والمقالات.

مجلَّة نارٌ ونور، توفّر منصَّة للفنانين، تُشجِّع المُبدعين، تفتح فرصة لعرض وتقديم وتسليط الضوء على إبداعهم في المجال الفنِّي، سواء كانت لوحات فنيَّة، صور فوتوغرافية، أو أي نوع آخر من الفنون التشكيليَّة. تُساعد في فهم خلفياتهم الفنيَّة وإلهام القرَّاء بتفاصيل حياتهم، تنشر مقالات وتحليلات تقييميَّة لأعمالهم، مما يساهم في إبراز الجوانب الفنيَّة والفلسفيَّة لها، ويساعد في توجيه القراء نحو فهم عميق للفن.

 

هيئة التحرير.

إقرأ أكثر

روابط

لو كانت الحقيقة وشقيقتها العدالة تقطنان هذا العالم , لكانت الأرض ترفل بحلل من السعادة ولسادت الطمأنينة هذا الكون .

الدكتور داهش

error: Content is protected !!