Logo

جمالُ الكلام بالصدق

لم نُخلَق للبقاء، فأصنع لروحِكَ أثراً طيِّباً يبقى من بعدك

الأدب

ولادة النجوم

من أقاصيص زينة حدّاد

ترجمة سمير حدَّاد

قدرة الله قائمة في كل مكان. من قبل التكوين، لم يكن للخير والشر أي وجود. كانت الجمالات تضمّخ مملكة الله. كان كل شيءٍ نورًا، لا شيء سوى النور، النجوم إثرَ تدور وتندفع في الفضاء اللامتناهي.

          آهٍ، لو كان بامكاننا أن نعود فنعاين المجد والغبطة الأزليّين اللذين كانا سائدين في تلك الأزمنة. الأقلام والكلمات تقف عاجزةً عن توصيف هذه الأبهة المقدسة، إذ لا إمكانية أن يصل إلينا على هذه الأرض بعض من اللمحات البعيدة عن ذلك. وإن ما تيقظت في ذاكرتنا لصار لنا من دموعنا أثواب لكلّ يوم وبالطبع لكان الجنون رفيقنا لأننا خسرنا كل شيء.

          وكان زمنٌ تفجر فيه غضب الله وثارت ثورته في جميع مملكته وغيّرت الكوارث والنكبات وجه السماوات، وتصادمت عوالم الأزليّ وتشتّتت، وامّحت غالبية النجوم. وبعد أن طرد ملائكته الخاطئين المُستكبرين، وضع الله حدًّا بين مملكته والقسم الآخر من مقاطعاته 

الملكيّة إذ ألقى بحجابٍ صفيقٍ فاصلاً بذلك عوالم السماوات عن العوالم السفليّة، وأصبح الله غير منظور.

أولم يقلْ فيكتور هوغو:

الإنسان إله لكنه سقط من السماوات وما يزال يتذكر ذلك.

          والله قال:

– أيتها الأنوار والكواكب وشرارات الضوء، إمّحي عن عوالم الفساد! وتمّ ذلك. فقد حجب النجوم والنيّرات عقابا للخاطئين.

          وكانت المأساة، فقد ألقي معظم الملائكة ورؤساء الملائكة في الأعماق الجحيمية. وكان عقاب البعض الآخر أقلّ قساوة، كما فرض على البعض التكفير عن خطاياهم بشكل مغاير.

          أردت سرد هذه القصة بسبب حقيقة واحدة أو صُدفة واحدة شجعتني على حمل قلمي والكتابة لطالما أحببت النجوم، فلدي شغف في تأمل جمالها في ساعات فراغي واستراحتي.

          ذات ليلة صيف حارة كنت جالسة على أحد المقاعد أشاهد نيرات الله وأتأمل الجمالات السماوية رافعة المجد أمام جلالة الآله المُبدع، ورحتُ أعبّر عن اعجابي وشغفي بصوتٍ عالٍ. وفجأة شاهدت بالقرب مني فتًى أشقر ذا قسمات رقيقة، شديدة الجمال، دخل من أحد الأبواب المُوصلة إلى الحديقة، وأدركت للتّو بأنه غريب، غير معروف.

          ألقى عليَّ التحيّة وقال:

  • استميحك عذرًا، فقد أردت فقط مشاهدة حديقتك، فقد بدتْ لي من الخارج أنها على قدرٍ من الجمال والعناية.

شكرته على إطراءه ودعوته للجلوس بجانبي. كان حديثه جذّابًا، شيّقًا، ولاحظ أنني مهتمَّة بالنجوم فقال لي أيضًا:

سوف أروي لك قصّة أو أسطورة سمعتها من أهلي الّذين سمعوها هم بدورهم من أهلهم وهكذا دواليك.

  • قبل الخلق والتكوين وقبل آدم وحوّاء حصل سقوط الملائكة. وفي ذروة غضبه مسح الله أمراء العوالم التي لا قدرة لنا على إحصائها،

ولم يكن باستطاعة أحد أن يقدّر ويتخيل الغضب الإلهيّ الذي عمّ جميع الأرجاء. وبسقوطهم توزَّع الخطأة كلّ بحسب ارتكابه في أرجاء الجحيم. كان العقاب بالنسبة للبعض خفيفًا فقد حكم عليهم بطريقة مختلفة عن غيرهم، فما كان عليهم سوي التكفير عن خطاياهم.

          في هذه الأثناء كان الله قد فصل مملكته عن مناطق تواجد الخطأة، فقد وضع غشاءً صفيقًا على مملكته حاجبا نوره عن النفاذ إلى طبقات العوالم السفلية حيث كانت ظلمة مُطبقة، تحت هذه القباب القاتمة كان بعض الملائكة والأرواح يكفِّرون عن آثامهم في ليلٍ دائم أزليّ. كانت هذه الأرواح مزوّدة بأجنحة بيضاء وكانت تائهة تهوّم في الأجواء. اعتادت عيونها على الظلمة والسواد. هؤلاء الملائكة الساقطون كانوا يشكلون موكبًا لا نهاية له في هذه الأماكن المُظلمة، ومن أجل أن ينالوا قسطًا من الراحة كانوا يتكئون بأجنحتهم الواحد على الآخر.

          كان الله حين ذلك قد أزال النجوم من السماء وجميع الكواكب، والملائكة الساقطون يتلقون عقابهم ويبكون حرقة على الأيام الخوالي. لم يكن لهم الحقّ بالاستراحة فعليهم أن يحلِّقوا دون توقف في هذا العدم الحزين.

          إلا أن عطف الإله وشفقته كانا يتجلّيان أحيانًا. فقد كان هناك كوكب ذو جلال وعظمة، يظهر لمدّة من الزمن. كان بالغ الارتفاع، مُرصعًا بنجوم رائعة باهرة متعددة الألوان. أحبّه ملائكة الزمن القديم وأعجبوا به وأخذ بهم الحنين.

كانوا يعودون بالذاكرة إلى ذكريات قديمة من العصور البائدة خاصة لحظة سقوطهم، ويتذكرون أيضًا الأماكن التي كانوا يقيمون فيها.

          كانوا يرون أزهاراً ملوّنة ترسل أنواراً متألقة وتدور في رقص سماوي. هذه الأزهار ذات الألوان المتساوقة كانت جواهر تبرز أعناقها من تربة أسمها شمس الشموس. وكانت طيور سحرية فاتنة تنشد بأصوات مُنسجمة أناشيد سماوية.

          وتتدفَّق شلالات ساحرة مُبدعةً أقواس قزح تسكبها علينا وعلى هذه الفراديس الصغيرة المزدانة بأعداد لا تحصى من الزهور والثمار التي لم تكن سوى حجارة ثمينة، وكل حليةٍ من هذه الُحلى الرائعة التي لا تقدّر بثمنٍ يتمثل فيها روح سماوي. ومع مرور الأيام “راحت الأزهار والثمار تزداد قيمة وجمالاً ونقاءً، وفي هذا الألق الشفاف النقيّ يتمرّى وجه ونقاءً، وفي هذا الألق الشفاف النقيّ يتمرّى وجه من وجوه القدسية السماوية.

          إن ظهور هذا الكوكب الفتّان كان رأفة بخطأة الأزمنة الماضية. وبقدر ما كان هذا الظهور عابرًا، إلا أنه اعاد إحياء ذكرى الإله الكلّي القدرة في نفوسهم وغمرها بندمٍ شديد لأنها عصته وخالفت أوامره. وتكشفت رحمة الله بكامل مجدها، فقد تذكَّر الله ملائكته الساقطين لأنه كان وما يزال يحبها.

          وعمّت رأفة الله جميع عوالمه، فانتشر نورٌ أزرق في الفضاء، وأُبدعت السماء الزرقاء، واقتطف الله من كوكبه نورًا أحمر فكانت الشمس، ثم أطلق في عتمة الليل غمامة من شرارات الضوء التي تفرقت في الجلد الأسود، شرارات الله السرمديّ هائلة عملاقة، وتثبَّتت في الفلك لتصبح نيّرات الليل.

وتذكر الله بعظيم عطفه أولاده الساقطين بعد أن قاسوا وتحمّلوا قدرًا عظيمًا من العذابات والآلام، فوهب نجمة لكل واحدٍ من الذين تابوا إليه. وهكذا كانت ولادة النجوم.

ينبغي أن نتذكر رحمة الله وعطفه كلّما نظرنا وتأملنا نجوم السماء.

ورفعت عينيّ نحو الأعالي وكنت غاية في السعادة إذ استمعت إلى ذلك الشاب الذي روى لي هذه الحكاية الجميلة عن ولادة النجوم. وإذ استدرت نحوه لأشكره، كان قد اختفى.

هل هو يا ترى واحد من هذه الملائكة الذين سقطوا وجاء بعد أن تاب إلى الله، ليقصُّ علينا قصته؟ لست أعلم، غير أنني نقلت لكم بكل أمانة ما سمعته على لسانه.

إقرأ أكثر

"قصيدة "لا تقربوها

في أواخر عام ١٩٤١، تعرّف الأديب يوسف الحاج على الدكتور داهش، وأصبح فيما بعد المؤمن الأول بالعقيدة الداهشية التي بدأ عهدها في الثالث والعشرين من آذار ١٩٤٢.

بقلم الأديب يوسف الحاج 

أدب

إمَّا أن تكتبَ شيئاً يستحقُ القراءة ،أو أن تفعلَ شيئاً يستحقُ الكتابة

"قصة إبنُ المُقَفّع" أو "الجّسَدُ يَشهدُ على النَّفس"

,, أ ,,,
,,, يا إبنَ المُقَفَّع ,,,
أيّها العالِمُ الجّاهِل ,,,

بقلم أحمد يونس مونتريال, كندا

سرديّات داهشيّة

المقطع الأول: نور ونار -
أَطلَّتْ نَجمةٌ تَفْري الضّبابا
وتَبني للعُلَى جِسراً و بابـا

د. علي محمود جمعة

هدف المجلّة

في عصر التقدُّم التكنولوجي والتطوُّر السريع، وتماشيَّاً مع الثورة الرقميَّة في طريقة نشر المعلومات، والتكيُّف مع إحتياجات العصر الرقمي وتحوُّل الصحافة التقليدية، برزت المجلَّة الإلكترونيَّة، تتجاوز الحدود الجغرافية والزمنيَّة، وتربط الأفراد في جميع أنحاء العالم،كوسيلة إعلاميَّة وديناميكيَّة وتفاعليَّة لتوصيل المحتوى ومُشاركته مع أكبر عددٍ من القرَّاء، أصحاب العلم ومُحبِّي المعرفة والباحثين عن الحقيقة، في أقصر وقتٍ ممكن.

ومع ظهور هذا الكَّمِّ الهائل من وسائل الإعلام والتواصل العالمي والتبادل الثقافي، لنشر الثقافات ووجهات النظر والأفكار المتنوعة، وبغياب الرقابة والمهنيَّة والموضوعيَّة في النشر، كَثُرَ انتشار المعلومات الخاطئة والأخبار المُزيَّفة، مما يُسلِّط الضوء على أهمية محو الأمية الإعلاميَّة، والحاجة الى الاعتبارات الأخلاقيَّة.

كان لا بُدَّ لنا من فتحِ نافذةً نطلُّ بها على هذا العالم المليء بالتحديَّات إثراءً للنسيج العالمي للفكر الإنسانيّ والتجربة الإنسانيَّة، بإنشاء مجلَّة فكريَّة ثقافيَّة هادفة، تتجاوز الحدود التقليديَّة، تحتضن ثراء الفكر وتوفّر منصَّة لتبادلِ الأفكارِ العميقة والمواضيع المثيرة للثقافة الإنسانيَّة، فكانت مجلَّة نارٌ ونور.

مجلَّة نارٌ ونور، ليس مجرَّد خيار؛ بل هو تعبير عن التزام وتقدير، عربون وفاء لصاحب الوعي الروُّحيّ، إلقاء الضوء على المفهوم الداهشيّ وإظهار الصورة الحقيقة لصاحبه، بنشر تعاليمه وكتاباته التي تجاوزت فيها مؤلَّفاته المئة والخمسين مُجلَّداً، صاحب الرسالة الروحيَّة التي تحمَّل في سبيلها الأمرَّين، غريبٌ في أرضٍ غريبة، يعيشُ الحياة المُثلى، يحمل على جراحه وآلامه نور الهداية للعالم. تدخل رِحاب معبده المُقدَّس لتقفَ وجهاً لوجه أمام الحقيقة الصَّادقة الصَّادمة.

مجلَّة نارٌ ونور، مساحةٌ يلتقي فيها العمق بالجوهر لتعزيز النمو الفكريّ، وتقديم نماذج للفكر والأدب الراقي، بعيداً عن سطحيَّة الكلمة في السرد الثقافي، وتفتح المجال واسعاً أمام القرَّاء بتوسيع وجهات نظرهم والإنخراط في تفكيرٍ يتخطَّى المعقول، كما تحفيزهم على التفكير والكتابة. وذلك من خلال نشر الأبحاث والدراسات والمقالات التي تتناول مختلف المواضيع الفكرية والثقافية من منظورٍ إنسانيّ وروحيّ وتحليلها بشكلٍ أكثر عمقًا.

في قلب مجلَّة نارٌ ونور، تكمن مهمة التنوير العميقة. تسعى جاهدة لجمعِ أقلام الداهشيِّين من أدباءٍ وشعراءٍ وأصحاب فكرٍ، شتَّتهم الأيام، وأبعدتهم المسافات، فأصبحوا غرباءً في عالمهم. تفتح لهم نافذةً للتعبير عن تجاربهم مع الحقيقة، تُلامس مشاعرهم بالتواصل العميق للرُّوح والنَّفس، تُحاكي إنسانيَّتهم بشكلٍ فعّال مع الحياة والوجود، ومشاركتهم معرفتهم الروحيَّة المُقتبسة من النبي الحبيب الهادي.

مجلَّة نارٌ ونور، نورٌ لا نار فيها، أنوارٌ ساطعةٌ باهرة تنشُرها أمام عقول قرائها، تقدِّم مجموعة متنوعة من وجهات النظر والأفكار والرؤى الثقافية، بهدف إحياء وتجديد إيمان الإنسان بالله والقيم الروحيَّة، في الحقيقة والنَّفس والرُّوح، مفاهيمٌ لم يألِفوها، بعيدة عن الغوغائيَّة الكلاميَّة، مدعومة بالبراهين الساطعة، مؤيَّدة بالتزامٍ أخلاقي في السرد والنقل والشهادة. تفتح المجال في السؤال والجواب، للساعين وراء المعرفة، بالتواصل المُباشر مع أصحاب الآراء والكتابات والمقالات.

مجلَّة نارٌ ونور، توفّر منصَّة للفنانين، تُشجِّع المُبدعين، تفتح فرصة لعرض وتقديم وتسليط الضوء على إبداعهم في المجال الفنِّي، سواء كانت لوحات فنيَّة، صور فوتوغرافية، أو أي نوع آخر من الفنون التشكيليَّة. تُساعد في فهم خلفياتهم الفنيَّة وإلهام القرَّاء بتفاصيل حياتهم، تنشر مقالات وتحليلات تقييميَّة لأعمالهم، مما يساهم في إبراز الجوانب الفنيَّة والفلسفيَّة لها، ويساعد في توجيه القراء نحو فهم عميق للفن.

 

هيئة التحرير.

إقرأ أكثر

روابط

الموت يقظة جميلة ينشدها كل من صفت نفسه وطهرت روحه , ويخافها كل من ثقلت أفكاره وزادت أوزاره .


الدكتور داهش

error: Content is protected !!