Logo

جمالُ الكلام بالصدق

لم نُخلَق للبقاء، فأصنع لروحِكَ أثراً طيِّباً يبقى من بعدك

الأدب

“الأخوّة والوحدة الإنسانية”

نداء الرُّسل والمُصلحين عبر الأزمان

“فقال الربّ لقايين: «أين هابيل أخوك؟» فقال: «لا أعلم! أحارس أنا لأخي؟» فقال: «ماذا فعلت؟ صوت دم أخيك صارخ اليّ من الارض.( سفر التكوين، اصحاح 4: 9-10)

  حوارٌ بسيط يختصر مأساة الإنسان منذ بدء الوجود وحتى هذه اللحظات التي نعيشها. الله يسائل الإنسان عن حال أخيه، والإنسان يتنصّل ويتنكّر لمسؤوليته المقدسة، مفضّلاً ذاته على الآخرين، ساعياً وراء مصالحه أوّلاً ولو كان الثمن عذاب وقهر وموت أخيه الإنسان.

ويتتابع نداء الله بعد الطوفان العظيم: “ومن يد الإنسان أطلب نفس الإنسان، من يد الإنسان أخيه.” ( سفر التكوين، اصحاح 9: 5 )(معلناً بجهوريّة الحق الإلهي أن الإنسان أخ الإنسان، وأنّ العائلة الإنسانية واحدة جمعها الله في محبته وفي وجدانه وفي ضميره، ناهياً أفرادها عن إيذاء وقتل بعضهم البعض.

ثم تأتي الوصايا العشر المقدسة( سفر الخروج، اصحاح 20)، والتي رغم عدم تعدّيها بضعة سطور، جسّدت طلب الله من أبنائه مجدداً: لا تقتلوا بعضكم، لا تسرقوا بعضكم، لا تحسدوا بعضكم، لا تكذبوا على بعضكم، لا تشتهوا ما لغيركم. وصايا لو طبّقها الإنسان منذ فجر الخليقة، لاستحالت الأرض نعيماً مقيماً وافراً بخيراته التي لا تحصى ولا تعدّ، ولكنّ الإنسان طغى وبغى، فتكبّر ثم تجبّر على أخيه الإنسان، قاتلاً، سارقاً، حاسداً، كاذباً، مشتهياً كل ما يملكه غيره، محيلاً فردوس الأرض جحيماً مخيفاً برهبوت ظلامه وعذاباته. 

وتمرّ السنون بطيئةً سريعةً، والإنسان على حاله من حب ذاته وتفضيلها على ذات أخيه الإنسان، خالقاً طبقيّةً مقيتةً يعظّم فيها ذاته على حساب الآخرين، حتى ظهر المُصلح المُلهَم بوذا(563 – 483 BCE) زاهداً مستنيراً ومعلّماً مبادئ الحق والأخوّة الإنسانية والمساواة والمحبة هاتفاً بصوتٍ ملهمٍ مقدّس: “لا توقف الكراهية الكراهية، بل يوقفها الحب فقط، هذه هي القاعدة الخالدة”.

وأتى سيّد المجد، يسوع المسيح، كلمة الله وروحه، وتغيّرت معه لغة الخطاب النبوي من “لا تقتل” أخاك إلى “أحبّ” أخاك، فكانت تعاليمه المقدّسة نبراس نور داعٍ إلى الاخوّة والمحبّة والتسامح بين الأفراد والشعوب. وعبر تضحياته الجسام، ربط جميع البشر برباطٍ روحي مقدس وجب فيه على الإنسان التضحية من أجل أخيه الإنسان، وأصبح فيه “من لا يجمع معي يفرّق” (إنجيل متى،  12: 30). وأصبح الأمل الحقيقي في الخلاص والهدف الأسمى “ليكون الجميع واحداً” (انجيل يوحنا، 17: 21). ولم يكتف المسيح بالدعوة إلى الوحدة الإنسانية بين البشر، بل جعلها وحدةً مع ذاته، عسى من خلال تلك التعاليم يؤمن البشر أخيراً أنهم واحد على اختلاف جنسيّاتهم وأعراقهم ودياناتهم، فتزول عندها الفوارق وتضمحلّ الانقسامات ويعمّ السلام، فيقول: 

“لأنّي جعت فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني. كنت غريباً فأويتموني. عرياناً فكسوتموني. مريضاً فزرتموني. محبوساً فأتيتم اليّ. فيجيبه الأبرار حينئذٍ: يا رب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك او عطشانا فسقيناك؟ ومتى رأيناك غريباً فأويناك او عرياناً فكسوناك؟ ومتى رأيناك مريضاً او محبوساً فأتينا اليك؟ فيجيب الملك: الحق أقول لكم: بما أنكم فعلتموه بأحد اخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم.

 ثم يقول أيضاً للذين عن اليسار: اذهبوا عني يا ملاعين الى النار الابدية المعدة لإبليس وملائكته لأنّي جعت فلم تطعموني. عطشت فلم تسقوني.  كنت غريباً فلم تأووني. عرياناً فلم تكسوني. مريضاً ومحبوساً فلم تزوروني. حينئذٍ يجيبونه هم ايضاً: يا رب متى رأيناك جائعاً، او عطشاناً او غريباً او عرياناً او مريضاً او محبوساً ولم نخدمك؟  فيجيبهم: الحق أقول لكم: بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الاصاغر فبي لم تفعلوا”.(انجيل متى، 25: 35-45)

وأرسل الله رسوله الأمين، النبيّ العربيّ الكريم، محمّداً (صلى الله عليه وسلّم) مبشّراً بتعاليم الحق الإلهي الداعي إلى الوحدة بين المؤمنين وبين جميع البشر، هاتفاً بكلماتٍ خالداتٍ داعياتٍ إلى الأخوّة الحقّة وإلى التحاب: “لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا”; “لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه”، رابطاً بين فعل الإيمان وبين محبة الإنسان لأخيه الانسان بغضّ النظر عن الاختلافات الوهمية، وبلسان كتاب الله المنزل :  ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”. (سورة الحجرات: 10 )

ولكن رغم جمال ونقاء هذه الوصايا الالهية والتعاليم السماوية، ورغم بلوغ الإنسان عصر النور والعلم والتطور بأعظم وجوهه، كيف عساه أن يوصَفَ حالُ الأرض بغير هذه الكلمات: القتل وسفك الدماء وسطوة القوي على الضعيف هم الغالبون. انعدمت الإنسانية بين الشعوب، فإذا بالعنف هو اللغة السادة التي يفهمها الحميع، وإذا بالتعصّب الديني والطائفي يطغى على معاني التسامح والتعاطف، فشهد القرن الماضي حربين عالميّتين أودت بحياة الملايين، وما زالت حتى يومنا هذا تمتدّ الصراعات والحروب بإسم الدين تارةً وبإسم الوطنية تارةً أخرى. 

وقد جاهد المهاتما غاندي (1869- 1948) والدكتور مارتن لوثر كينج (1929- 1968) جهاد الابطال والرسل في نشر مبادئ السلام والأخوّة معتمدين مبدأ اللاعنف والمحبة اتجاه حتى ظالميهم ومضطهديهم، راسمين ملحمةً بطولية في التسامح والأخوّة والوحدة الدينية والإنسانية، مبرهنين أن التعامل بين الإنسان وأخيه الإنسان لا يرتكز على لغة الانتقام بل على لغة المحبة، فهي وحدها كفيلةً أن تضع حداً لخلافات البشر ومآسيهم بعد أن يؤمنوا أنهم عائلةً روحيةً واحدة. وغاندي هو القائل: “العمل بمبدأ العين بالعين ينتهي بجعل العالم كله أعمى”.

كما هتف مارتن لوثر كينج بأقوالٍ خالدة: “الظلام لا يمكنه أن يبدّد الظلام، الضوء وحده يمكنه ذلك.. والكراهية لا يمكنها أن تنقذ الكراهية، فالحبّ وحده يمكنه ذلك”؛ “المحبّة هي القوّة الوحيدة القادرة على تحويل عدوّ إلى صديق”.

وفي عام 1942 , أسّس الدكتور داهش (1984-1909 )العقيدة الداهشية الملهمة داعياً من خلال تعاليمها ومبادئها وبشكلٍ علني وواضحٍ وضوح الشمس في رابعة النهار: الأديان كلّها واحدٌ، والعائلة الإنسانية هي عائلةٌ روحيةٌ واحدة، وجميع البشر، بل جميع الكائنات ما هم إلا روحٌ واحدة في قلب الله؛ فدعا إلى الوحدة الدينية الجوهريّة، شاجباً الطائفية والتعصّب المقيتين، وكل أنواع العنف والإقتتال والحروب بين الإنسان وأخيه الإنسان.

 وقد بشّر بحقيقةٍ روحيةٍ حان بزوغ فجرها: كل ما نفعله بالآخرين نفعله بأنفسنا، فالكائنات جميعها مرتبطةٌ إرتباطاً روحياً خالداً، وما نظنّه اختلافات بيننا ما هو إلا وهمٌ وتجربةٌ بين ذاتٍ واحدة ظنّت أنّها ذوات متعدّدة. فالهدف الأساس هو توحّد البشر والكائنات لتعود روحاً واحدة تحيا وتندمج في قلب الله.

فوحدها المحبة والأخوّة والتسامح والترفّع عن رغبة الإنتقام والإنقسام تحرّر الإنسان من عبودية الوجود ووهم الواقع المرير. 

وقد عبّر الدكتور داهش عن هذه الأفكار السامية في العديد من كتبه وكتاباته. ويصف حال الإنسان في هذا العصر في قطعة “كلمتي لعام ١٩٨٢”: 

” إنَّ الحياة انكفأت رأسًا على عقب، فلم تَعُدِ المحبَّةُ هي السائدة، بل البغضة والتفرقة، وأصبح القتل هو الوسيلة الوحيدة، بها يتعامل الجميع؛ فالقوي يفترس الضعيف بشراسةٍ وعُنفٍ هائلين.

في عصرنا الحالي لا تسمع إلا بالنظم الديمقراطية، والدكتاتورية، والرأسمالية والاشتراكية، وسواها وسواها من المضحكات المبكيات على اختلاف أشكالها وألوانها واتجاهاتها. وقد سلبت من الإنسان روح إنسانيته، بعدما أوقعته في شباكها اللعينة الكاذبة، وأسرته، فإذاه آلةٌ مُسيَّرة غير مخيرة. لقد أصبح خالياً من التعاطف والتَّوادُ والتراحم والشعور الإنساني المتبادل بين الإنسان وأخيه الإنسان” 1.

كما وضع لبّ مبادئه وتعاليمه عن الوحدة الإنسانية والأخوّة العالمية وعن إثم الحرب والبغض والاقتتال بين الشعوب على لسان أبطال كتابه “مذكرات دينار” داعياً إلى بناء عالمٍ واحد يعمّه السلام والمحبة بعيداً عن التفرقة والانقسام:

“إِنَّ على سَاسَةِ العالم ، في أربعة أقطار المعمور ، أن يبنوا ( عَالَماً واحداً ) ، إِذا رَغَبُوا فِي أَنْ يَسُودَ السلام العام أرجاء هذهِ الكُرَةِ اللعينة .فالاتفاق العام بينَ زُعَماءِ المَمَالكِ الكُبرى ، ومُلُوكِ الدُّوَلِ القوية ؛ وإجماع الآراء المخلصة ، لا المزيفة ، حول هذا الموضوع البَالِغ في خَطَرِهِ وجَلال قَدْرِهِ وشأنه ؛ وطرح الأطماع جانباً من الجميع ، في سبيل سعادةِ الأسرة الإنسانية ؛ وعَدَمُ التكالب على المادَّةِ بجَشَعِهم الجارف الخطير ؛ وبُنيانهم قانوناً عالميًّا شاملا ، يُدخِلُونَ فيه الدُّولَ الصُّغرى التي تَنقَادُ إلى آرائهم ؛ وتوحيد أهدافهم السامية ومثلهم العليا . هُوَ ما يُؤَدِّي إلى السلام العام” 2.

كما ناجى ذلك اليوم السحري المبارَك الذي يحلّ فيه العدل ويعمّ فيه السلام بين الدول والشعوب، فيحقّق عندها البشر ذلك الهدف المنشود الذي من أجله خُلقوا وعبره سيخلصوا.

“إنَّ الحرب إِثْمٌ رَهِيبٌ فادِح لا يَغفُرُ اللَّهُ لِمَنِ ارتكب جريمته. 

والسلام العالمي هو حُلْمي الذي أنشده..

فيوم يُحلِّقُ مَلاكُ السَّلام في أجواء هذا الكَوْنِ الشَّاسِع المسافات؛

ويَومَ يَبسط عدالته في ربوع هذا الكَوْنِ الغارق في تعاسته الفائقة؛

 ويَومَ يضَعُ سَاسَةُ العالم ودُولِهِ المتشعّبة الرغبات أيديهم في أيدي بعضهم الآخر،

 ويُطرَحُونَ أطماعهم المخيفة وراءَ ظُهُورهم؛

ويَومَ يُقسِمُونَ على القَنَاعَةِ

التي لَنْ يَسُودَ السَّلامُ دون أن تكون هي السائدة؛

 ويوم يتحقَّقُ هذا الحُلمُ الذي يُراودني في ساعاتي الأخيرة هذه ….

إذ ذاك، تغتبط رُوحي..!

 وأتأكَّدُ أَنَّ حُلُمَ البشرية الضالَّةِ في شعاب أطماعها قد تحقق،

 فَتَسعدُ رُوحي، وتَنتَشِي نَفسي بغبطتها …” 3.

وفي حوار أرواح من سقطوا في ساحات الوغى بعد تحرّرهم من عبودية الجسد ونيلِهم نعمة المعرفة الروحية، يوضِح الدكتور داهش حقيقة وهم الوجود ويسقط القناع عن أوهام البشر فيمن يظنوّنهم أعداء بينما هم جميعاً في حقيقتهم عائلةٌ روحية واحدة:

“إنّنا، مَعْشَرَ الأرواح الذين بتنا في مَلأ عُلوي شفّاف، من كافة الجنسيات التي جَعَلتِ الأطماع الدنيوية منا أعداء الدَّاء، قد اجتمعنا هنا، ونزعنا من أرواحنا أدران الأرض وخباثاتها .

وكم كانتْ دهشتنا، عندما تكشفت لنا الحقيقة، وذعرنا كيف كنا عبيد غاياتنا، ورُوِّعنا بكيفية قبولنا الاعتداء على بعضنا البعض، وكيف كنا أعداء، دون أن يكون هنالك سبب معقول؛ ولكنها الغاياتُ تُعْمي البصائر والأبْصَار!

لقد اجتمعنا هنا، وكوّنا أسرة روحيَّةً واحدة. فأعداء الأمس، الذين كانت تغمر قلوبهم الكراهية، أصبحوا أصدقاء اليوم، تعمرُ أرواحهم المحبَّةُ الحقيقية.

 فالألماني والبريطاني والفرنسي والتركي والبلجيكي واليوغوسلافي والبلغاري والروسي والزنجي والأميركي والاسترالي وغيرهم، من مختلف الجنسيات التي فَرَضَتها غايات الأرض فَرْضاً على الأمم، أَصْبَحَتِ، الآن، تنتمي إلى جنسية روحية واحدة، بعد أن نَبَذَتْ أضاليل الأرض، وسَخافات الحياة.

فهنا لا سائدٌ ولا مَسُود، لأنَّ قانون السماء قد وحّد بين الجميع.” 4

المراجع

(1): (الرحلات الداهشية حول الكرة الأرضية، الرحلة 18  (الدار الداهشية للنشر). نيويورك 1994 , ص. 401)

(2): “مذكرات دينار” للدكتور داهش، الدار الداهشية للنشر، نيويورك 1986، ص. 108

(3): “مذكرات دينار” للدكتور داهش، الدار الداهشية للنشر، نيويورك 1986، ص. 117-118

(4): “مذكرات دينار” للدكتور داهش، الدار الداهشية للنشر، نيويورك 1986، ص. 128

إقرأ أكثر

أسرعوا الى الأخلاق

من اضطلعَ على تاريخ البشريَّة من البدايات البدائيّة الى العصر الحديث وعلى امتدادٍ لآلاف السنين وما تحمله في طيَّاتها من انتشارٍ للعديد من الحضارات وما تضمَّنتها من تطوُّرٍ ثقافيّ وتكنولوجيّ،

بقلم حسين يونس

أدب

الإلهاتُ الفاتناتُ

القلم

مهداة إلى النبي الحبيب
من أقاصيص زينة حداد
ترجمة سمير الحداد
قلم مُجنح أشبه بفراشة ترفرف من زهرة إلى زهرة تجتني رحيقها ولقاحها، تتلهَّى أحيانًا وتتسلّى بالحديث مع الأزهار. أنا قلمٌ، تقول الفراشة للأزهار،

بقلم زينة حدَّاد

النار و النور

ما ان دعاني بعض الاصدقاء الاخوة الناشطين فكرياً وعقائدياً للمشاركة في الكتابة في مجلة النار والنور الالكترونية حتى ذهبت بي الذاكرة إلى مجلة بروق ورعود “ ٢٣ آذار ١٩٦٨ إلى ٢٣ تموز ١٩٦٨"،

سامي واصاف

هدف المجلّة

في عصر التقدُّم التكنولوجي والتطوُّر السريع، وتماشيَّاً مع الثورة الرقميَّة في طريقة نشر المعلومات، والتكيُّف مع إحتياجات العصر الرقمي وتحوُّل الصحافة التقليدية، برزت المجلَّة الإلكترونيَّة، تتجاوز الحدود الجغرافية والزمنيَّة، وتربط الأفراد في جميع أنحاء العالم،كوسيلة إعلاميَّة وديناميكيَّة وتفاعليَّة لتوصيل المحتوى ومُشاركته مع أكبر عددٍ من القرَّاء، أصحاب العلم ومُحبِّي المعرفة والباحثين عن الحقيقة، في أقصر وقتٍ ممكن.

ومع ظهور هذا الكَّمِّ الهائل من وسائل الإعلام والتواصل العالمي والتبادل الثقافي، لنشر الثقافات ووجهات النظر والأفكار المتنوعة، وبغياب الرقابة والمهنيَّة والموضوعيَّة في النشر، كَثُرَ انتشار المعلومات الخاطئة والأخبار المُزيَّفة، مما يُسلِّط الضوء على أهمية محو الأمية الإعلاميَّة، والحاجة الى الاعتبارات الأخلاقيَّة.

كان لا بُدَّ لنا من فتحِ نافذةً نطلُّ بها على هذا العالم المليء بالتحديَّات إثراءً للنسيج العالمي للفكر الإنسانيّ والتجربة الإنسانيَّة، بإنشاء مجلَّة فكريَّة ثقافيَّة هادفة، تتجاوز الحدود التقليديَّة، تحتضن ثراء الفكر وتوفّر منصَّة لتبادلِ الأفكارِ العميقة والمواضيع المثيرة للثقافة الإنسانيَّة، فكانت مجلَّة نارٌ ونور.

مجلَّة نارٌ ونور، ليس مجرَّد خيار؛ بل هو تعبير عن التزام وتقدير، عربون وفاء لصاحب الوعي الروُّحيّ، إلقاء الضوء على المفهوم الداهشيّ وإظهار الصورة الحقيقة لصاحبه، بنشر تعاليمه وكتاباته التي تجاوزت فيها مؤلَّفاته المئة والخمسين مُجلَّداً، صاحب الرسالة الروحيَّة التي تحمَّل في سبيلها الأمرَّين، غريبٌ في أرضٍ غريبة، يعيشُ الحياة المُثلى، يحمل على جراحه وآلامه نور الهداية للعالم. تدخل رِحاب معبده المُقدَّس لتقفَ وجهاً لوجه أمام الحقيقة الصَّادقة الصَّادمة.

مجلَّة نارٌ ونور، مساحةٌ يلتقي فيها العمق بالجوهر لتعزيز النمو الفكريّ، وتقديم نماذج للفكر والأدب الراقي، بعيداً عن سطحيَّة الكلمة في السرد الثقافي، وتفتح المجال واسعاً أمام القرَّاء بتوسيع وجهات نظرهم والإنخراط في تفكيرٍ يتخطَّى المعقول، كما تحفيزهم على التفكير والكتابة. وذلك من خلال نشر الأبحاث والدراسات والمقالات التي تتناول مختلف المواضيع الفكرية والثقافية من منظورٍ إنسانيّ وروحيّ وتحليلها بشكلٍ أكثر عمقًا.

في قلب مجلَّة نارٌ ونور، تكمن مهمة التنوير العميقة. تسعى جاهدة لجمعِ أقلام الداهشيِّين من أدباءٍ وشعراءٍ وأصحاب فكرٍ، شتَّتهم الأيام، وأبعدتهم المسافات، فأصبحوا غرباءً في عالمهم. تفتح لهم نافذةً للتعبير عن تجاربهم مع الحقيقة، تُلامس مشاعرهم بالتواصل العميق للرُّوح والنَّفس، تُحاكي إنسانيَّتهم بشكلٍ فعّال مع الحياة والوجود، ومشاركتهم معرفتهم الروحيَّة المُقتبسة من النبي الحبيب الهادي.

مجلَّة نارٌ ونور، نورٌ لا نار فيها، أنوارٌ ساطعةٌ باهرة تنشُرها أمام عقول قرائها، تقدِّم مجموعة متنوعة من وجهات النظر والأفكار والرؤى الثقافية، بهدف إحياء وتجديد إيمان الإنسان بالله والقيم الروحيَّة، في الحقيقة والنَّفس والرُّوح، مفاهيمٌ لم يألِفوها، بعيدة عن الغوغائيَّة الكلاميَّة، مدعومة بالبراهين الساطعة، مؤيَّدة بالتزامٍ أخلاقي في السرد والنقل والشهادة. تفتح المجال في السؤال والجواب، للساعين وراء المعرفة، بالتواصل المُباشر مع أصحاب الآراء والكتابات والمقالات.

مجلَّة نارٌ ونور، توفّر منصَّة للفنانين، تُشجِّع المُبدعين، تفتح فرصة لعرض وتقديم وتسليط الضوء على إبداعهم في المجال الفنِّي، سواء كانت لوحات فنيَّة، صور فوتوغرافية، أو أي نوع آخر من الفنون التشكيليَّة. تُساعد في فهم خلفياتهم الفنيَّة وإلهام القرَّاء بتفاصيل حياتهم، تنشر مقالات وتحليلات تقييميَّة لأعمالهم، مما يساهم في إبراز الجوانب الفنيَّة والفلسفيَّة لها، ويساعد في توجيه القراء نحو فهم عميق للفن.

هيئة التحرير.

إقرأ أكثر

روابط

لو كانت الحقيقة وشقيقتها العدالة تقطنان هذا العالم , لكانت الأرض ترفل بحلل من السعادة ولسادت الطمأنينة هذا الكون .

الدكتور داهش

error: Content is protected !!