Logo

، إنَّ آثارنا تدلُّ علينا

أحبّ الكتب حبّ السُّكارى للخمر، لكني كلَّما أزددتُ منها شربا" زادتني صحوا"
الدكتور داهش

مُختارات

الضباب

الدكتور داهش

من كتاب جحيم الذكريات

ضَبَاب!

ضبابٌ كثيفٌ يُحيط بنفسي… ويُكبلها بقيوده!

ضبابٌ مُتلبدٌ في سماء حياتي!

يحتاطني مثلما يحتاط السوار معصم الحسناء!

ضبابٌ جميل! يتجمّع ليعود ثانية فيتبدَّد!

خيالاتٌ،وطيوفٌ غريبة تتراءى لي من خلالِ الضباب…

وآلافٌ من العيون الناريَّة ترمقني!

ويتبدَّدُ هذا الضباب المُكفهرّ ليعود ويتجمَّع بألوانٍ بيضاءٍ مشوبة بالصفرة كالقطن المندوف!

 ومن خلاله تظهر لي وجوه ناعمة، ولكنها حزينة!

وعيونٌ ذابلة كأنها تستجدي العطف ممَّن تنظر إليه!

وأيادٍ …لا يمكن معرفة عددها لكثرتها!

بعضها مُنبسط القبضة!

والآخر مُقفل!

وأصابع متشنجة، والأعصاب ثائرة،

وهي متوتِّرة كالحبال الغليظة!

وأيادٍ أخرى هادئة، وادعة، مُستكينة، لا يبدو عليها أيّ أثر للحياة… لولا بعض الرعشات بين الفترة والفترة!

ويعود هذا الضباب فيتبدَّد!

ليعود إلى التجمّع بصورٍ و ألوانٍ أخرى غاية في الغرابة!

وأنا باقٍ في مكاني!.. أنعم النظر في هذه المشاهد الغريبة!

وفجأةً تراءت لي سحابة كثيفة تجمَّعت واتَّحدت… مع قطع من (الضباب) السابح في الفضاء!..

حتى إذا ما ائتلف الجميع تكوّن من هذا (الضباب) جبَّارٌ رهيب، وهو مُتنمطق بالغيوم!

ويضع مكان عينيه كوكبين يخطف بريقها البصائر والأبصار!

وبسط هذا الجبَّار يده، وصاح بي قائلاً:

“يا ابن الأرض!

بلّغ رسالتي هذه لأبناء قومك،

هؤلاء الأقزام الذين يظنون أنَّهم بلغوا من المعرفة والحكمة الغاية التي ينشدونها!

قل لهم يا ابن الطبيعة ، ما أعطيكه الآن.

ودوّى صوتُه كهدير المياه وهي تتدافع في الأودية الصامتة!..

ثم قال:

“يا أبناء الأرض المساكين!

منذ عشرات الآلاف من السنين،

وأنا أشاهد أعمالكم، وأسمع أقوالكم،

وأراقب أفعالكم،

 وأقرأ ما يجول في أفكاركم،

وإذا هي هي لا تتغيّر!

فأنتم تفنون في حب ( المرأة)!

وتتهالكون على ( المادة)!

وتعبدون ( السلطة)!

وتُقدسون ( السطوة)!

وتعتدون على ( الضعفاء)!

وتكفرون ( بالسماء)!

وتموِّهون ( الحقائق)!

وتُخادعون بعضكم بعضاً!..

قويَّكم يعتدي على ضعيفكم!

وخبيثكم يعتدي على آمنكم!

قُسسُكم يتظاهرون بالتقوى وهم الأبالسة المتجسِّدون!

دُستم على الوصايا!

وهزأتم بالشرائع الإلهيَّة!

وكفرتم بالسماء!

وقدَّستم الأباطيل!

هزأتم بالتعاليم السامية!

واتَّبعتم شهوات قلوبكم الدنيئة!

قرأتم ما أوصاكم به سيّد الأطهار!

ولكنكم !.. لغلاظة في قلوبكم، ولعدم إيمان في أعماقكم،

لم تفعلوا بما جاء في هذه التعاليم السامية !..

حتى … ولا ببعضها!..

 لا. بل كانت أفكاركم لا تدور إلاَّ حول الجرائم والشهوات،

والأماني الساقطة والنزوات!..

وقد راقبتكم طويلاً!

وصبرت عليكم صبراً جميلاً…أجيالاً وآجالاً…

علَّكم تعودون وتصلحون خطأكم،

وعلَّ (الندم) يجد له مكاناً في قلوبكم!

ولكن، عبثاً كان انتظاري هذا !..

فالأجيال المُملَّة قد مضت وانقضت!

وأنتم ما زلتم على حالكم!

لا بل ازدادت آثامكم أضعافاً مُضاعفة… عمَّا كان يقوم به آباؤكم، وأجدادكم!..

لهذا !..

صمَّمتُ، اليوم أن أبلِّغكم (أمري) الذي لا يُردّ،

والقاضي بتدمير(عالمكم) الحقير هذا…

الذي لوثتموه بجرائمكم، وأطماعكم، وشهواتكم!..

وأصدقكم، يا أبناء (الأرض) القول:

إن (رُوحي) قد سئمت كلّ ما هو كائن في عالمكم الوضيع!

لقد مللّت شمسكم وقمركم! أفلاككم ونجومكم!

هضابكم وأوديتكم! أرضكم وسماءكم! أشجاركم وأطياركم!

سهولكم وجبالكم! بطاحكم ووهادكم!..

وكلّ ما تراه العين، ويصل إليه الإدراك في عالمكم الملوَّث،

المصاب بأعمالكم الوضيعة و أفكاركم الشائنة!

سأمحو (عالمكم) من (الوجود) !!..

وأجعله نسياً منسيَّاً،

لأنَّ الإختبار أكَّد لي

أنَّه مُحال أن تسمو ( أرواحكم) المُثقَّلة بالأوزار! فهي ستزداد سوءاً على سوء! إن (إرادتي) قد قضت:

أن تُلاشي(أرضكم) لتعود فتغمرها (بالضباب)!..

(الضباب) الذي سيسود هذا (العالم)! وسأجول أنا في (عبابه) طوال الأجيال القادمة، من دون أن أدع لأيّ عنصر من العناصر المعروفة الآن عندكم.. أن يشاركني البقاء!

أما (الأطفال) !!.. هؤلاء الذين لم يلوثوا بعد بأوزار هذه (الأرض) وشهواتها الدنيئة، فسألمس (جباههم) بأناملي ( السحريَّة)، فيرقدوا رقاداً عميقاً !!.. حتى إذا ما ( استيقظوا) !.. وجدوا ( أنفسهم) في( مكان) آخر أسمى من (عالمهم) القاسي!

أما ( أجسادهم) الغضَّة، البريئة،

فسأحوّلها إلى ( ضَبَاب)!

                                      بيروت في 10 أيار سنة 1942

إقرأ أكثر

موسيقى الأيام الآتية

حياة الدكتور داهش

في القدس , مدينة الانبياء , ولد الدكتور داهش , في مطلع حزيران سنة 1909

الحلم الهابط إلى أرض البشر

مُهداة إلى ليلى داهش بمناسبة عامها الثامن عشر

وذاعت الانباء في جزيرة الاحلام السعيدة مُعلنة أن الكاعب الهيفاء 

الله

كلمة رقيقة , عذبة , شفّافة , أثيريّة , مُقدّسة !

كلمة تلفظها الشفاه برعشةٍ وخشوع !

هدف المجلّة

في عصر التقدُّم التكنولوجي والتطوُّر السريع، وتماشيَّاً مع الثورة الرقميَّة في طريقة نشر المعلومات، والتكيُّف مع إحتياجات العصر الرقمي وتحوُّل الصحافة التقليدية، برزت المجلَّة الإلكترونيَّة، تتجاوز الحدود الجغرافية والزمنيَّة، وتربط الأفراد في جميع أنحاء العالم،كوسيلة إعلاميَّة وديناميكيَّة وتفاعليَّة لتوصيل المحتوى ومُشاركته مع أكبر عددٍ من القرَّاء، أصحاب العلم ومُحبِّي المعرفة والباحثين عن الحقيقة، في أقصر وقتٍ ممكن.

ومع ظهور هذا الكَّمِّ الهائل من وسائل الإعلام والتواصل العالمي والتبادل الثقافي، لنشر الثقافات ووجهات النظر والأفكار المتنوعة، وبغياب الرقابة والمهنيَّة والموضوعيَّة في النشر، كَثُرَ انتشار المعلومات الخاطئة والأخبار المُزيَّفة، مما يُسلِّط الضوء على أهمية محو الأمية الإعلاميَّة، والحاجة الى الاعتبارات الأخلاقيَّة.

كان لا بُدَّ لنا من فتحِ نافذةً نطلُّ بها على هذا العالم المليء بالتحديَّات إثراءً للنسيج العالمي للفكر الإنسانيّ والتجربة الإنسانيَّة، بإنشاء مجلَّة فكريَّة ثقافيَّة هادفة، تتجاوز الحدود التقليديَّة، تحتضن ثراء الفكر وتوفّر منصَّة لتبادلِ الأفكارِ العميقة والمواضيع المثيرة للثقافة الإنسانيَّة، فكانت مجلَّة نارٌ ونور.

مجلَّة نارٌ ونور، ليس مجرَّد خيار؛ بل هو تعبير عن التزام وتقدير، عربون وفاء لصاحب الوعي الروُّحيّ، إلقاء الضوء على المفهوم الداهشيّ وإظهار الصورة الحقيقة لصاحبه، بنشر تعاليمه وكتاباته التي تجاوزت فيها مؤلَّفاته المئة والخمسين مُجلَّداً، صاحب الرسالة الروحيَّة التي تحمَّل في سبيلها الأمرَّين، غريبٌ في أرضٍ غريبة، يعيشُ الحياة المُثلى، يحمل على جراحه وآلامه نور الهداية للعالم. تدخل رِحاب معبده المُقدَّس لتقفَ وجهاً لوجه أمام الحقيقة الصَّادقة الصَّادمة.

مجلَّة نارٌ ونور، مساحةٌ يلتقي فيها العمق بالجوهر لتعزيز النمو الفكريّ، وتقديم نماذج للفكر والأدب الراقي، بعيداً عن سطحيَّة الكلمة في السرد الثقافي، وتفتح المجال واسعاً أمام القرَّاء بتوسيع وجهات نظرهم والإنخراط في تفكيرٍ يتخطَّى المعقول، كما تحفيزهم على التفكير والكتابة. وذلك من خلال نشر الأبحاث والدراسات والمقالات التي تتناول مختلف المواضيع الفكرية والثقافية من منظورٍ إنسانيّ وروحيّ وتحليلها بشكلٍ أكثر عمقًا.

في قلب مجلَّة نارٌ ونور، تكمن مهمة التنوير العميقة. تسعى جاهدة لجمعِ أقلام الداهشيِّين من أدباءٍ وشعراءٍ وأصحاب فكرٍ، شتَّتهم الأيام، وأبعدتهم المسافات، فأصبحوا غرباءً في عالمهم. تفتح لهم نافذةً للتعبير عن تجاربهم مع الحقيقة، تُلامس مشاعرهم بالتواصل العميق للرُّوح والنَّفس، تُحاكي إنسانيَّتهم بشكلٍ فعّال مع الحياة والوجود، ومشاركتهم معرفتهم الروحيَّة المُقتبسة من النبي الحبيب الهادي.

مجلَّة نارٌ ونور، نورٌ لا نار فيها، أنوارٌ ساطعةٌ باهرة تنشُرها أمام عقول قرائها، تقدِّم مجموعة متنوعة من وجهات النظر والأفكار والرؤى الثقافية، بهدف إحياء وتجديد إيمان الإنسان بالله والقيم الروحيَّة، في الحقيقة والنَّفس والرُّوح، مفاهيمٌ لم يألِفوها، بعيدة عن الغوغائيَّة الكلاميَّة، مدعومة بالبراهين الساطعة، مؤيَّدة بالتزامٍ أخلاقي في السرد والنقل والشهادة. تفتح المجال في السؤال والجواب، للساعين وراء المعرفة، بالتواصل المُباشر مع أصحاب الآراء والكتابات والمقالات.

مجلَّة نارٌ ونور، توفّر منصَّة للفنانين، تُشجِّع المُبدعين، تفتح فرصة لعرض وتقديم وتسليط الضوء على إبداعهم في المجال الفنِّي، سواء كانت لوحات فنيَّة، صور فوتوغرافية، أو أي نوع آخر من الفنون التشكيليَّة. تُساعد في فهم خلفياتهم الفنيَّة وإلهام القرَّاء بتفاصيل حياتهم، تنشر مقالات وتحليلات تقييميَّة لأعمالهم، مما يساهم في إبراز الجوانب الفنيَّة والفلسفيَّة لها، ويساعد في توجيه القراء نحو فهم عميق للفن.

هيئة التحرير.

إقرأ أكثر

روابط

الموت يقظة جميلة ينشدها كل من صفت نفسه وطهرت روحه , ويخافها كل من ثقلت أفكاره وزادت أوزاره .


الدكتور داهش

error: Content is protected !!