Logo

، إنَّ آثارنا تدلُّ علينا

أحبّ الكتب حبّ السُّكارى للخمر، لكني كلَّما أزددتُ منها شربا" زادتني صحوا"
الدكتور داهش

قصصٌ غريبة

حرمخيس وأمونارتس

الدكتور داهش

كان وجهها البهي مشرقاً كالشمس، رائعاً كالبدر، فهي وحيدة والديها اللذين يعبدانها بعد الله. فهما لا يردان لها طلباً ولو فيه مشقَّة بالغة، فهي سلواهما الوحيدة، وهي حبيبتهما الفريدة.

كانت أمونارتس بمطلع عمرها، وهي كالرشأ الجميل بسيرها المتئد، تنظر إلى العالم بمنظار اليافعين، غير مدركة أن للشقاء والنوائب النصيب الأكبر في حياة الدنيا المليئة بالأشواك والمنغِّصات.

كانت تتمنَّى أن يأتي الغد لتذهب إلى المعبد، فغداً هو عيد الإله الاعظم أوزريس. وفي هذا اليوم ترفع العبادة في الهيكل العظيم المشاد على اسمه، ويرنم الكهنة ترانيم الشكر لمن يضفي عليهم خيراته العميمة، إذ يأمر النيل أن يفيض في كل عام فترتوي الأراضي، وتنتعش المزروعات وتعمّ الخيرات بأمر أوزريس معبود المصريين وكبير آلهتهم.

وارتدت أجمل ثوب لديها، وعقصت شعرها، فإذا هو كتاج يُكلل رأسها المبدع، وحلّت أذنيها بقرطين ماسيين. وكان ثوبها محتشماً، فهو يغطي ساقيها حتى القدمين.

وذهبت مع سرب من صديقاتها إلى الهيكل. فإذا به يغصُّ بجمهورٍ كبير ورائحة البخور تنطلق بأرجاء الهيكل فتُعطِّر أجواءه المهيبة.

ووقفت بخشوع تُصغي لألحان الكهنة وهم يرتدون الثياب المختصة بهذا العيد السعيد، وقد رُسمت عليها صور الآلهة والكواكب وهي تلتمع تحت أنوار مئاتٍ من الشموع المشتعلة.كانت ترانيمهم مُنخفضة، ثم جعلت تعلو شيئاً فشيئاً حتى ملأت رحاب الهيكل الشاسع، وكانت ترافقها أنغام فرقة الموسيقيين الذين برعوا بعزفهم براعة فائقة.

كانت الترانيم و الأنغام تمجّد أوزريس الإله العظيم مانح الحياة، وواهب الخيرات العميمة. وكان تمثاله مُنتصباً في وسط الهيكل، وقد وقفت بجواره إيزيس، وعلى بعدٍ منهما تنتصب القطَّة السوداء المقدَّسة.كما وضع قبالتهما تمثال للعجل آبيس والنشاط يبدو منه ومن قرينه المتوثِّبين نحو العلاء.

 

واقترب الكهنة وهم يقومون بدورتهم من الناحية التي تقف بها أمونارتس مع سرب صديقاتها. وكان الكهنة يردِّدون نشيدهم معاً. ثم يُكمل المقطع الأخير من النشيدِ أصغر كاهن فيهم، فهو لا يعدو الرابعة والعشرين وكان صوته رخيماً يأخذ بمجامع القلوب.

وقد اصطدم نظر أمونارتس بنظره- واسمه حرمخيس- فترنَّحت إذ شعرت بدافعٍ خفيٍ جعلها تضطرب اضطراباً ملحوظاً.كما تلجلج صوت حرمخيس عندما شاهد أمونارتس وكأنَّما يعرفان أحدهما الآخر منذ عصور سحيقة.

ودُهِش الكهنة فنغمات النشيد من فمِ حرمخيس قد اضطربت، وعهدهم به غير ذلك، وقد ذهب بهم الظنُّ أنه بذل مجهوداً شاقاَ جعله يُصاب بالتعب، فتلجلج نغمه الرائع.

 كما أن صديقات أمونارتس دُهشن لاصفرار وجهها واضطرابها ولعثمة لسانها. فسألنها ممَّ تشكو فلم تُحِرْ جواباً.

واستمرَّ الكهنة بدورانهم في أرجاءِ الهيكل ثم واصلوا سيرهم وهم ينشدون حتى بلغوا المكان الذي يقف فيه سرب الفتيات.وما وقع نظر أمونارتس عليه، ثانية، حتى ارتعش جسدها، وسقطت مُغمى عليها. فأسرعت صديقاتها إليها، وأكبّ الكاهن فوقها يفرك يديها. ففتحت عينيها ناظرة إليه، وشعرت أنه قد وضع بكفِّها رقعة صغيرة من الورق عندما كان يفرك يديها. فأطبقت كفَّها كيلا تراها إحدى رفيقاتها، ونهضت بمساعدتهن. وكان النشيد قد انتهى، والكهنة تواروا، وابتدأ الجمهور بالخروج.

دخلت أمونارتس إلى غرفتها بعدما قبَّلت والديها، وقد لاحظا اصفرار وجهها، فقالت لهما:

-هو إجهاد لوقوفي الطويل في الهيكل، وللحشد الكبير الذي كان فيه، ويجب أن آخذ راحةً بفراشي.

قالت هذا و أغلقت باب غرفتها وفتحت الرقعة، وهذا ما قرأته فيها:

“منذ وقعت عيناي عليك صعقت، إذ شعرت بحبٍّ جارفٍ يحتل كياني، ويشمل وجودي، وكأنني ذو صلة بك منذ أحقاب موغلة في البعد. وإني أضرع للإله أوزريس أن يسمح لروحي بمغادرة جسدي إذا لم أستطع لأي سبب الاجتماع بك. فمنذ اللحظة التي رأيتك فيها أصبحت لا أجد أيَّة لذَّة للحياة إذا لم تكوني بجانبي. فالسعادة هي أنت، وأنت ينبوع الفرح الدافق الذي احتلّ كياني منذ شاهدتك. فأنتِ -لا شكَّ- جزء من روحي المنفصلة عني من قديم الزمان.

فهل أطمع أن ألتقيك غداً بحديقة الهيكل في السابعة مساء؟ فأنا لا أشكُّ بأنَّك شعرت شعوري واستولى على كيانك ما استولى على كياني وخفق قلبك مثلما خفق فؤادي.

وقد خَطَطت لك هذه الكلمة حينما دخلت إلى غرفة الاستراحة عندما كنا ننشد. إذ كل نصف ساعة كنا ندخل لنتزود بالقوة من تلك الغرفة التي تجسد فيها أوزريس منذ أعوام. وعند دخولي خَطَطتُ لك كلمتي العفوية التي آمل أن تجد منك أذناً  صاغية، يا من أصبحت بدونك جسداً بدون روح، فهل تُعيدينها إلي يا معبودة الروح؟

حرمخيس كاهن الإله أوزريس

بمدينة طيبة

كانت تقرأ كلمات الرسالة وهي ترتعش ارتعاشة الفرح الطاغي، وهي مذهولة لشعورها ولشعور حرمخيس. إذاً فقد كانا معاً منذ آلاف الأعوام، وهذه حقيقة يُثبتها الشعور العنيف المشترك.

وقد نامت تلك الليلة والأحلام تراودها، أحلام التقائها واجتماعها بمن أصبح فؤادها ملكه الحلال دون سواه. فهذا هو حبها الأول، ويا له من حبٍّ لا يضارعه أي حبٍّ آخر.

وأعلمت أمونارتس والديها بأنها ستذهب إلى صديقتها ندى في السابعة مساء فلم يرفضا طلبها.

ووصلت قبل الموعد. وكان الظلام قد ابتدأ يخيم على الربوع. فوجدت الكاهن واقفاً على مدخل الحديقة بجوار بابها الحديدي. وكانت طريق المعبد خالية فدخلت إلى الحديقة وأغلق بابها، وسارا معاً دون أن ينبسا ببنت شفة.

وأخيراً جلس بجانب شجيرات الزنابق فجلست بجواره. وكانت النجوم ترصّع السماء الصافية و تُرسل أنوارها إلى الأرض.

-أيَّتها الهابطة من جنة النعيم، هل لي أن أعرف اسمك الحبيب؟

-أمونارتس،كاهن الإله الأكبر أوزريس تقدس اسمه.

وعادا فصمتا ثانية. وتشابكت الأصابع، ثم ارتعش جسداهما.

-أمونارتس يا أعز عليّ من نور عينيّ، إن سعادتي عظمى بلقائك.

-حرمخيس ماذا فعلت بفؤاد أمونارتس. فقد أصبحت قرعاته ملكك الحلال دون سواك يا كاهني العظيم.

-أمونارتس لقد نذرت نفسي للإله أوزريس، وأقسمت على أن لا أرتبط بأيَّة امرأة ما دمت قد ارتبطت به. ولكن حبّك العظيم المفاجئ جرفني جرفاً هائلاً. فأنا قتيل بدونك ولا معنى لحياتي البتّة إذا لم تكوني بجانبي.

حرمخيس أقسم لك بأوزريس أنني أنتحر إذا لم أُحي بقربك فقد أصبحت لي كالهواء الذي لا يستطيع المرء أن يحيا بدونه.

وفجأة التصقت الشفتان وارتعش الحبيبان، ثم سقطا أرضاً وهما يلهثان من رعشة الحب ولذَّتها الفائقة.

لقد صعدت روحهما إلى العوالم العلوية مُذْ لمست شفتاه شفتيها، وشعورها كان شعوره. وإذا بالنشوة تتملَّكهما فغابا عن الوجود والموجود.

ومضت مدَّة لم يعرفا مقدارها ثم عاودهما الشعور بالوجود، فالتصق كل منهما بحبيبه، وأسندت أمونارتس رأسها إلى صدر معبودها الذي هيمن على عاطفتها فسباها. وكان السكون يخيم على المكان. فتأوه حرمخيس تأوه السعادة الصافية وهو يحدّق بعيني من سحرته وتملَّكت أعمق أعماق كيانه، وقال لها:

-انظري إلى الكواكب النيرة فهي الشاهدة على حبّنا المشبوب، فليتنا نُعطى أجنحة نورانية تمكننا من ان نحلّق في أوقيانوسات الفضاء، ذاهبين إلى كوكبٍ وضَّاء نلج أبوابه ونتمتَّع بمباهجه، وفي رحابه العجيبة أقوم على عبادتك يا نجمتي العجيبة التألق الساطعة البهاء.

والتصقت الشفاه ثانية، التصاقاً شديداً وارتجف جسد حرمخيس ثم انتفض وسقط كالمغمى عليه. فذعرت أمونارتس، واضطربت اضطراباً عظيماً، وجعلت تهزه بقوة وهي تستحلفه أن يفتح عينيه، وتقول له:جعلت فداءك. وهو أخرس صامت!

أخيراً فتح عينيه كالمأخوذ، ونهض وهو يرتجف بعنف. وكان الوجل قد طوَّقه بأصفاده المخيفة. وقال:

-أمونارتس، لقد تجلَّى لي أوزريس في أثناء غيبوبتي لعظم لذَّة قبلتك الإلهيَّة. وإذا الإله العظيم يقول لي: ماذا فعلت يا حرمخيس؟ أنسيت قسمك أم تناسيت أنك كاهن أوزريس ربّ السماوات والأرضين؟

فوجمت وما استطعت أن أنبس ببنت شفة.

-تكلّم يا حرمخيس.كيف تبرِّر فعلتك أيُّها الكاهن؟

-أوزريس أيها الخالق المكوّن مُذْ شاهدتها بمعبدك المقدَّس، سرت نيران حبّها في شراييني  وامتزجت بدمي. وأصابني تغيّر جذري تأصَّل في خلاياي ورسخ بأعماقي. فهبها لي يا أوزريس العظيم.

-لقد عفوت عنك أيها الكاهن فأمونارتس جزء منك وقد كنتما كزوجين منذ آلاف الأعوام البائدة. وكان حبّكما العارم حديث أبناء تلك الحقبة من الزمان المنطوي. لذلك سأدع اليوم جميع الكهنة يحلمون حلماً واحداً يختصّ بزواجك لكي لا تُطرد من هيكلي عندما يعرف حبّكما. وعند ارتباطك  بمواثيق الزواج بها تُرسم كاهنة وتصبح إذ ذاك أنت رئيس الكهنة. وتقدمان القرابين لي معاً في المناسبات الدينيّة يحفُّ بكما الكهنة بحضور جماهير الشعب في معبدي بمدينة طيبة.

وسجدت أمونارتس ورفعت شكرها لأوزريس لسماحه باتِّخاذها زوجة للكاهن الأعظم حرمخيس. ونظرت إلى ساعتها فإذا هي العاشرة، فودعت حبيبها بحرارة عظمى، ثم اختفت في منعطفات مدينة طيبة.

ونهض كهنة المعبد يقصُّ كلٌّ منهم حلمه العجيب. وما كان أعظم دهشتهم عندما تأكَّد لهم أن الحلم نفسه حلمه كل منهم. إذاً هو وحيٌ من أوزريس الإله الأعظم، ويجب أن ينفّذ.

وذهبوا إلى حرمخيس وقصُّوا عليه رؤاهم فسجَدَ رافعاً شكره لأوزريس العظيم وقال للكهنة:

-خير البر عاجله.

-إذاً عليك اختيار رفيقة حياتك. وما على الرسول إلا البلاغ، فقد بلَّغناك إرادة أوزريس العظيم.

 وتدافعت الجماهير نحو معبد أوزريس العظيم المشيّد في مدينة طيبة المقدَّسة، والدهشة تعلو وجوههم، إذ سمعوا برؤيا الكهنة وسماح أوزريس بزواج كاهنة بمن يختارها، وقد اختار أمونارتس. واليوم سيعقد زواجهما بمعبد الإله الأعظم.

وعلت أناشيد الكهنة تردِّد آيات الشكر لأوزريس ربُّ السماوات وباسط الأرضين. ثم اقترب عمنخت حافظ الأسرار المقدَّسة وبارك حرمخيس وامونارتس وطلب منهما أن يمسك كلٌّ منهما يد ألفه ففعلا. فقال عنخت:

-بالسلطة الممنوحة لي من السماء فقد جعلتكما شخصاً واحداً في السرَّاء و الضرَّاء ابتداءً من هذه اللحظة . فسيرا حسب إرشادات أوزريس إلهنا العظيم.

وعلت أصوات الترانيم وردَّد الجمهور أناشيد الكهنة، وهي تشيد بأوزريس وإيزيس الأم المعبودة. وانتهت مراسيم الزواج، فخرج الجمهور وهو مسرور لرسم كاهنة للمرة الأولى في القطر المصري لتكون خادمة إلههم العظيم أوزريس.

ونّعِمَ الحبيبان وتذوَّقا الهناء العرم، وشربا كأس النعيم الطافح بمباهج السماء العلوية. وكانت أيامهما أفراح وبهجات حافلة بأشهى ما ابتغياه من اجتماعهما معاً يظلِّلهما سقف واحد.

وفي إحدى الليالي تجلَّت إيزيس لأمونارتس في أثناء نومها وقالت لها:

-امونارتس إذا أردت أن يبقى حبيبك لك طوال تقمصاتك فعليك أن تغادريه غداً، وتذهبي إلى صحراء سيناء تتنسَّكين فيها، مُبتعدة عن حبيبك وزوجك حرمخيس، مُضحية بابتعادك عنه في دورك هذا، حتى يسمح بأن يكون لك في تقمُّصاته القادمة. والامر متروك لك، فبإمكانك المكوث معه إذا رغبت ولكن بسبب مكوثك معه تُمنعين أن تكوني له مستقبلاً. ففي تقمُّصاتك المقبلة إذ ذاك يكون لسواك. أما إذا تنسَّكتِ مغادرة إيَّاه غداً فستكونين حبيبته في أدوارك القادمة.

واعلمي بأن حنثه بقسمه واجتماعه معك بحديقة المعبد سيُجازى عليهما في أحد تقمصاته القادمة، إذ ستكونين انت بعمر الورود بينما هو يكون قد أصبح كهلاً. فتستعر النيران بداخله ويتمنَّى لو كان بعمرك ليسعدك.

ويومذاك ستعرفه خاصته ويجهله الجميع رغماً عن خوارقه التي ستُذهل كلّ من يشاهدها. وظلَّلَت غيمة إيزيس ثم انقشعت، وإذا إيزيس قد توارت. نهضت أمونارتس وقد استبدَّت بها الرغبة للتنسُّك في صحراء سيناء، خوفاً من فقدانها لحبيبها بتقمُّصاتها القادمة  فيما لو فضلت المكوث معه في دورها الحالي.

واستيقظ حرمخيس من نومه وإذ بفراش أمونارتس خالٍ خاو. فهرول يبحث عنها في غرف المنزل. ولكن العصفور كان قد طار من بين يديه. مضى أسبوع دون أن تعثر الشرطة على أثرٍ لأمونارتس. وإذ بحرمخيس قد انحنى ظهره، وعمقت عيناه في محجريهما، وجفَّ جلده، واعترته رجفة لم تفارقه.ثم فقد ذاكرته. وكان هذا لخيره إذ كان يحيا بجوفِ أتونٍ رهيب التأجُّج مُذْ اختفت معبودته أمونارتس.

وقد ظنَّ الكهنة أن أوزريس قد رفع أمونارتس إلى مدينة الآلهة. وتناقلت الجماهير هذا الخبر. فذاع أمره وشاع. وأمر رئيس الكهنة فبُني معبد باسمها كان يؤمُّه الناسُ خاشعين…

ومضت القرون وأبيدت الأعوام، ودمَّرت الزلازل معابد طيبة ومنازلها، وانقرضت شعوب، وولدت شعوب سواها، واحتوى النسيان، بعد مرور هذه الأحقاب، قصّة حرمخيس وأمونارتس. فأحببت أن أُعيدها إلى أذهان.

كتبت في شيكاغو بمنزل الأخ سليم قمبرجي،

في الساعة الثانية عشرة إلا ربعاً من ليل 2/4/1977

 

إقرأ أكثر

أدب

إمَّا أن تكتبَ شيئاً يستحقُ القراءة ،أو أن تفعلَ شيئاً يستحقُ الكتابة

بقلم منير مراد

في اليوم السابع من شهر كانون الأول عام ١٩٤١ ، هاجمت قوات الإمبراطورية اليابانية مرفأ  “بيرل هاربر” الأمريكي.

الدكتور محمد يونس

رغم مرور ٢٥٠٠ عام على رحيل المصلح العظيم كونفوشيوس، لا تزال تعاليمه وفلسفته العميقة الداعية إلى الفضيلة والأخلاق منارةً لكل باحثٍ عن الحق والحقيقة.

بِقَلَم يوسف قبلان سلامة

تُهيبُ بِنا تعاليم الدكتور داهش الجهاد الرّوحِيّ المُسْتَمِر. فإنّه مهما حاوَل البَشَر فَرْضَ قوانين وَسَنّ شرائع واتّباعِ أعْراف،

هدف المجلّة

في عصر التقدُّم التكنولوجي والتطوُّر السريع، وتماشيَّاً مع الثورة الرقميَّة في طريقة نشر المعلومات، والتكيُّف مع إحتياجات العصر الرقمي وتحوُّل الصحافة التقليدية، برزت المجلَّة الإلكترونيَّة، تتجاوز الحدود الجغرافية والزمنيَّة، وتربط الأفراد في جميع أنحاء العالم،كوسيلة إعلاميَّة وديناميكيَّة وتفاعليَّة لتوصيل المحتوى ومُشاركته مع أكبر عددٍ من القرَّاء، أصحاب العلم ومُحبِّي المعرفة والباحثين عن الحقيقة، في أقصر وقتٍ ممكن.

ومع ظهور هذا الكَّمِّ الهائل من وسائل الإعلام والتواصل العالمي والتبادل الثقافي، لنشر الثقافات ووجهات النظر والأفكار المتنوعة، وبغياب الرقابة والمهنيَّة والموضوعيَّة في النشر، كَثُرَ انتشار المعلومات الخاطئة والأخبار المُزيَّفة، مما يُسلِّط الضوء على أهمية محو الأمية الإعلاميَّة، والحاجة الى الاعتبارات الأخلاقيَّة.

كان لا بُدَّ لنا من فتحِ نافذةً نطلُّ بها على هذا العالم المليء بالتحديَّات إثراءً للنسيج العالمي للفكر الإنسانيّ والتجربة الإنسانيَّة، بإنشاء مجلَّة فكريَّة ثقافيَّة هادفة، تتجاوز الحدود التقليديَّة، تحتضن ثراء الفكر وتوفّر منصَّة لتبادلِ الأفكارِ العميقة والمواضيع المثيرة للثقافة الإنسانيَّة، فكانت مجلَّة نارٌ ونور.

مجلَّة نارٌ ونور، ليس مجرَّد خيار؛ بل هو تعبير عن التزام وتقدير، عربون وفاء لصاحب الوعي الروُّحيّ، إلقاء الضوء على المفهوم الداهشيّ وإظهار الصورة الحقيقة لصاحبه، بنشر تعاليمه وكتاباته التي تجاوزت فيها مؤلَّفاته المئة والخمسين مُجلَّداً، صاحب الرسالة الروحيَّة التي تحمَّل في سبيلها الأمرَّين، غريبٌ في أرضٍ غريبة، يعيشُ الحياة المُثلى، يحمل على جراحه وآلامه نور الهداية للعالم. تدخل رِحاب معبده المُقدَّس لتقفَ وجهاً لوجه أمام الحقيقة الصَّادقة الصَّادمة.

مجلَّة نارٌ ونور، مساحةٌ يلتقي فيها العمق بالجوهر لتعزيز النمو الفكريّ، وتقديم نماذج للفكر والأدب الراقي، بعيداً عن سطحيَّة الكلمة في السرد الثقافي، وتفتح المجال واسعاً أمام القرَّاء بتوسيع وجهات نظرهم والإنخراط في تفكيرٍ يتخطَّى المعقول، كما تحفيزهم على التفكير والكتابة. وذلك من خلال نشر الأبحاث والدراسات والمقالات التي تتناول مختلف المواضيع الفكرية والثقافية من منظورٍ إنسانيّ وروحيّ وتحليلها بشكلٍ أكثر عمقًا.

في قلب مجلَّة نارٌ ونور، تكمن مهمة التنوير العميقة. تسعى جاهدة لجمعِ أقلام الداهشيِّين من أدباءٍ وشعراءٍ وأصحاب فكرٍ، شتَّتهم الأيام، وأبعدتهم المسافات، فأصبحوا غرباءً في عالمهم. تفتح لهم نافذةً للتعبير عن تجاربهم مع الحقيقة، تُلامس مشاعرهم بالتواصل العميق للرُّوح والنَّفس، تُحاكي إنسانيَّتهم بشكلٍ فعّال مع الحياة والوجود، ومشاركتهم معرفتهم الروحيَّة المُقتبسة من النبي الحبيب الهادي.

مجلَّة نارٌ ونور، نورٌ لا نار فيها، أنوارٌ ساطعةٌ باهرة تنشُرها أمام عقول قرائها، تقدِّم مجموعة متنوعة من وجهات النظر والأفكار والرؤى الثقافية، بهدف إحياء وتجديد إيمان الإنسان بالله والقيم الروحيَّة، في الحقيقة والنَّفس والرُّوح، مفاهيمٌ لم يألِفوها، بعيدة عن الغوغائيَّة الكلاميَّة، مدعومة بالبراهين الساطعة، مؤيَّدة بالتزامٍ أخلاقي في السرد والنقل والشهادة. تفتح المجال في السؤال والجواب، للساعين وراء المعرفة، بالتواصل المُباشر مع أصحاب الآراء والكتابات والمقالات.

مجلَّة نارٌ ونور، توفّر منصَّة للفنانين، تُشجِّع المُبدعين، تفتح فرصة لعرض وتقديم وتسليط الضوء على إبداعهم في المجال الفنِّي، سواء كانت لوحات فنيَّة، صور فوتوغرافية، أو أي نوع آخر من الفنون التشكيليَّة. تُساعد في فهم خلفياتهم الفنيَّة وإلهام القرَّاء بتفاصيل حياتهم، تنشر مقالات وتحليلات تقييميَّة لأعمالهم، مما يساهم في إبراز الجوانب الفنيَّة والفلسفيَّة لها، ويساعد في توجيه القراء نحو فهم عميق للفن.

هيئة التحرير.

إقرأ أكثر

روابط

الحياة سفينة عظيمة رائعة تمخر في بحر ماؤه ألآثام , وأمواجه الشهوات البهيميّة , وشطآنه النهاية المؤلمة .

الدكتور داهش

Send Us A Message

error: Content is protected !!