أن تكونَ صاحبُ سلطان منحتك إيَّاها الأعراف والقوانين، تتَّخذ قرارات تؤثِّر على حياة الأخرين، تُساهم في استتباب الأمن والنظام وتوفير الإستقرار، أو تزرع الفوضى لتحقيق مكاسب سياسيَّة أو منافع شخصيَّة بأساليبٍ ملتوية، فتلك أمورٌ ماديَّة تُحاسب عليها القوانين المرعيّة الإجراء، حفاظاً على النظام والعدالة والصالح العام.
أن تكونَ صاحبُ سلطة دينيَّة، تتمتَّع بالقدرة على تفسير النصوص الدينيَّة على طريقةِ مذهبٍ ما، وإصدار التوجيهات الدينيَّة التي تؤثّر في صميم المجتمع، وتقديم الإرشادات الروحيَّة والإجتماعيَّة لأتباعك، تساعد الفرد على فهم الإيمان بشكلٍ عميق، وممارسة شعائر الدين بإنتظام، تهدف لتوعية الفرد من مخاطر السلوكيَّات السلبيَّة، ممَّا يُعزِّز إستقرار الهويَّة الدينيَّة، وسواءٌ كنت مُصيباً أم لا، فالأيَّام حُبلى تلد كلَّ شيءٍ غريب، فتلك أمورٌ دنيويَّة تزول بطبيعة الحياة.
أن تكون صاحب جاهٍ ومالٍ، لك من القدرة في التأثير على القرارات السياسيَّة والدينيَّة، تملك من النفوذ ما تستطيع به قلب الأمور رأساً على عقب، وتغيير الحقائق لِما تشتهيه مآربَك الشخصيَّة، وتحقيق أهدافك النفعيَّة، تضغط على المُشرِّعين لصياغة القوانين، تتحكَّم في الإعلام وتؤثّر في الرأي العام. فتلك أمورٌ لا تدوم، وسُنَّة التغيير جزءٌ من حقيقة الحياة والوجود، ومن حِكَمِ الله في الكون، وكلُّ ما دونه باطل.
أن تكون ما تكون، فهو لك، طالما تصون كرامة الغير ولا تعتدي على حريَّة الآخرين بالتعبير عن أفكارهم وممارسة معتقداتهم، التي هي من أهم الحقوق الإنسانيَّة من أجل بناء مُجتمعات عادلة. وإن لم تفعل، فقد ألقيت بثقل غلاظتك على روح الإنسانيَّة، مُتجاهلاً حقوق الإنسان وكرامته، حاملاً معول الظُّلم والتطرُّف لهدم القيم الأخلاقيَّة، غارساً بذور الحقد والكراهية في صحراء الجهل، ناشراً العصبيَّة الطائفيَّة بمعلوماتٍ مُضلِّلة تحرّف الفهم وتشوِّش العقل، مُستخدماً لغة تحريضيَّة مُسيئة للآخرين، ممَّا يؤدّي الى إنتهاكاتٍ جسيمة لحريَّة المُعتقد، وبالتالي الى قمع الأفراد أو الجماعات بالتهديد أو حتى العنف أحياناً بسبب معتقداتهم. وفرض مُعتقداتٍ دينيَّة مُحدَّدة، وأضطهاد مُخالفيها. فهذا ما ليس لك. أأبا جهلٍ وأبا لهب في كلِّ زمانٍ ومكان؟
من هذا المُنطلق، بين الحريَّة والعبوديَّة يقفُ الجهل حاجزاً منيعاً بينهما، متمثِّلاً بالغرور والسلطة وكلمة حقٍّ يُرادُ بها باطل. لا بُدَّ من رحلةٍ وجوديَّة تصادميَّة ما بين المواجهة والإستسلام، للتعبير بمسؤوليَّةٍ عن أفكارٍ ومُعتقداتٍ ومواجهة التحدَّيات وما يترتَّب عليها من إلتزامٍ قولاً وعملاً على الصعيدين الفردي والجماعي.
وعليه، وَجُبَت المقاومة بالفكر والكتابة والتعبير. ذلك أنَّ الحريَّة مُطلقة حتى في عبادة الله عزَّ وجّلّ. فكيف تكون مُقيَّدة في ألوهيَّة الأشخاص؟
يقول الدكتور داهش:” الحريَّة مُنحةٌ السماء لأبناء الأرض “. وواجبُ الدِّفاع عنها مُقدَّس.
أمَّا الإعتداء على حريَّة إنسانٍ ما لجهلٍ في النَّفس، أو لفائضِ قوَّة، حول إختلافٍ في الرأي والفكر، حفاظاً على السُّلطة أو حُبَّاً في الهيمنة والسيطرة أو خوفاً من التغيير، لهو جريمة أخلاقية تُهدد القيم الإنسانية الأساسية، إعتداءٌ على البشريَّة جمعاء، ضرب أُسس العدالة الإجتماعيَّة والتقدُّم البشريّ، حرمان الإنسانيَّة بأسرها فرصة الإزدياد من المعرفة والتمكُّن من الحقّ مُقارنةً مع الباطل، وخرقٌ واضحٌ فاضح لمبدأ العدالة وظلماً أخلاقيَّاً، يُحاسبُ عليها القانون. ولا تشفع السُّلطة المُعطاة لك ولا الصلاحيات المنوطة بك للإقدام على إتِّخاذ قرارات ذاتيَّة تعسُّفيَّة، لمآرب شخصيَّة وأهدافٍ خفيّة، تتعارض مع حريَّة المُعتقَد والتعبير التي ضمِنتها الشرائع السماويَّة وشرعة حقوق الإنسان.
يقول جون ستيوارت ميل في كتابه الحريَّة:” لا يجوز البتّة لأيّة حكومة من الحكومات أن تعتدي على أيّ فرد من أفراد الشعب لأجل تعاليمه ومبادئه وعقائده سواء في ذلك أشرف الحكومات وأرفعها، وأخسّها وأوضعها. وهي اذا صدرت بمشيئة الشعب وموافقته كانت أفظع وأشنع ممّا لو صدرت برغمه ومعارضته. فلو أنّ الناس قاطبة أجمعوا على رأي واحد، وخالفهم في ذلك فرد فذّ، لما كان لهم من الحقّ في اخراسه أكثر ممّا له في اخراسهم لو استطاع الى ذلك سبيلا، اذ لا يقدح في أهميّة الرأي قلّة المنتصرين له ، وكثرة الزارين عليه “.
فكيف بالحري أن يكون الإعتداء على رُسل السماء، أنبياء الله، مُتمثِّلاً بأقنوم الشرِّ الإبليسي، أصحاب السلطان والسلطة والمال، المُخدَّرة ضمائرهم، المُتملِّكة من نفوسهم جنون العظمة، المتوهمون أنَّهم دائماً على حقّ، أضف إليهم ما يختلج في صدورهم من غرورٍ وحسدٍ وحقدٍ دفين، أساس الشَّر المُطلق، عدو الحقّ والخير والجمال، يقترفون الجرائم ببرودة، بأساليبٍ شيطانيَّة تخجل منها أبالسة الجحيم. إنَّه إعتداءٌ على السماء وعلى الله عزَّ وجّلّ. هؤلاء بشِّرهم بجحيمٍ نيرانه أبديَّة الإتِّقاد.
والإعتداء على الدكتور داهش، صوتُ الحقِّ الصَّارخ في آذان الصُّم، مشعل النور الآتي من وراء السماوات، دائرة النور العظمى، من أجل تعاليمٍ نزِلت وحياً وإلهاماً لتُنير الفكر البشريّ، باب الخلاص وسفينة النَّجاة، مؤيَّدةً بمعجزاتٍ باهراتٍ مُذهلة، منبثقةٍ من مصدرٍ روحيّ خارق، تشمل المعرفة والحياة والوجود، معروفها ومجهولها. بتجريده من جنسيَّته ظلماً واعتسافاً، وإبعاده خارج الحدود اللبنانيَّة بدون أوراقٍ ثبوتيَّة، استدراجاً لرميه بالرصاص في آذَربـيجان بإيران، جريمة القرن العشرين، بل جريمة الجرائم، سيسجلها التاريخ لتكون لعنةً في بطون الأجيال الزاحفة، وعلى مرِّ الزمان لمرتكبيها.
هيئة التحرير